*- الاقتباس:
تتركز إحدى التساؤلات الأساسية، في هذه الحالة حول عمل الخيال في الصور: بالنسبة للنص الأصلي الذي ستؤدي مقابلته مع النسخة السينمائية إلى إغناء القراءة وتجديدها)، هل ستخضع الكتابة إلى ضغوطات مفروضة من الوسيط- الكاميرا؟
من خلال الإكثار من الدراسات حول الاقتباسات، والمقابلة بين الكتابات الثانية المختلفة، من المكن استخلاص عدد من الثوابت التي من المناسب فحصها من أجل رؤية إلى أي حد تبدو مفروضة من خلال التقنية.
مثلما أشار ج.م.كليرك، هناك مجال مستقل لتقنية قادرة على إثارة كتابتها الخاصة، وموضوعاتيها الخاصة.
ضمن هذه الروح أمكن دراسة الأمل) عند مالرو، وسيدات خشب بولون)، التي اقتبسها كوكتو من ديديرو، أو أورفي) التي أخذها الشاعر من قطعته الخاصة.
يمكن حصر تطور إبداع ثان يقدم أيضاً معلومات حول النشاطات الجمالية لخيال كاتب- فنان. صور جيونو من جهته، فيلماً أصيلاً بصورة كاملة cresus) وأعاد أخذ رواياته الخاصة مثل ملك دون لهو)، أو غناء العالم) أو الهوصار* على السقف) من أجل كتابة سينار يوات منها:
يوجد هنا كتابة ثانية كاملة للعمل الأساسي تؤدي إلى نصوص مختلفة بصورة كاملة. تبدو معرفتها مهمة من أجل التقويم الأفضل للخيال الإبداعي عند الروائي.
* الاقتباس الأدبي للأفلام سيني- روايات):
في انزلاقات تدريجية للرغبة)، يقرّب روب - غرييه خلاصة السيناريو السينمائي الخاضع للجنة مسبقاً، من الوصفات، ووصف أخذ المناظر مع تحديداته التقنية، ونقل الفيلم إلى طاولة المونتاج: هنا يمكن دراسة آلية الصورة عندما لم تعد نقطة وصول بل نقطة انطلاق، ولكن يمكن التساؤل أيضاً، مثلما أشار ج.م.كليرك، حول سهولة قراءة هذه النصوص عندما تجرّد من الصور التي هي متضامنة في الأصل. هناك سؤال آخر حول الجمالية المقارنية هو : مامعنى هذه الإصدارات التي جاءت لتدمر مفهوم الجنس؟
وصفت مارغريت دوراس India Song بالجنس الهجين) ونُشِر هذا العمل كنص، ومسرحية، وفيلم في الوقت نفسه.
* كتابة سيناريو أصيل:
لا وجود لنقطة انطلاق أدبية: هذه هي حالة جان- بول سارتر مؤلف سيناريو Les Jeux sont Faits et Freud) المصمم بطلب من جون هوستون. بين هذين النصين، من الممكن تتبع سيرورة كاتب نحو ما يحدده ج.م. كليرك، بمعرفة المضمر، وغير المقول، وغموض الصورة، وهذا ما يُرجع إلى سيرورة الكاتب في مواجهة الصورة العقلية. يجب قراءة غزو الغموض أيضاً في دراسته المخصصة لفلوبير.
هنا أيضاً يفيد السيناريو الدراسة الأدبية.
* نصوص مكرسة للسينما:
هناك إمكانية أخيرة مقدمة مع النصوص المصنفة كروايات جديدة الصيف الهندي لكلود أولييه أو الثلاثية لكلود سيمون) مكرسة بصورة كاملة للسينما: وهذه أمثلة على نصوص مشبعة بما أطلق عليه جان ريكاردو "آلات العرض البصري". ولكن الرواية الحديثة هي التي ظهرت إلى حد ما مشبعة بالصور، وتمثل مرحلة جديدة في تاريخ الثقافة.
يوجد هنا موضوعاتية جديدة يمكنها أن تتقاطع مع دوافع أخرى خاصة بحداثة) معينة. هل تؤثر هذه الموضوعاتية الجديدة في الكتابة، وتولد طرقاً أخرى لعرض الفضاء، والزمن، أو طريقة جديدة في تصور الشخصية؟
- الصورة والحداثة:
يشرح ج.م. كليرك السحر الذي تمارسه الصور عبر حقيقة أنها تستطيع رفض المادة الأساسية والأولى للأدب: وهي اللغة، إن اللغة، في الرواية، هي الوسيلة لوضع العالم ضمن شكل متجانس.
ومن نتيجة الصورة في التخييل أنها "تزعزع التجذر المرجعي للكلمات وتكثّف السيرورة الدنيوية- السببية للتاريخ".
مع الصورة يكون حدوث "كتابة متحسسة ومتعددة المعاني". ستكون الأهمية بالنسبة للمقارِن، إذن، مرة إضافية، بالوصول إلى الاختلاف)، والغيرية)، اللذين يدخلهماعالم الصور الحديثة إلى المجال الثقافي المعاصر. فجأة، يخرج ج.م. كليرك من ذلك، بالتساؤل حول فائدة تطبيق مفهومات تابعة للغويات على السينما: ألا يؤدي ذلك إلى المخاطرة بتحييد هذا الاختلاف ومرة إضافية) اختزال الصور إلى كلمات؟
في الواقع هناك مشكلة حوارية بين الكلمات والصور من وجهة نظر استخدامها النقدي. سنمر سريعاً على القراءة السينمائية للنصوص القديمة حركات الكاميرا في الإلياذة، والتصور الصعودي في الإنيادة، "أخذ الصور من أسفل إلى أعلى"). وبصورة معاكسة الرموز البلاغية المطبقة على الأعلام. يبدو أن الميدان يكون أكثر أماناً عندما يتعلق الأمر بدراسة المرجعيات السينمائية، أو الإيقونية ضمن نصوص تسهم جماليتها كلياً أو جزئياً، وبصورة واضحة إلى حد ما، في الفن والتقنية السينمائيين: الحالة المعروفة كثيراً هي بصورة واضحة حالة جون دوس باسوس الذي يمكن دراسة رواياته بالاعتماد على مقاييس سينمائية مختلفة مثل المونتاج، والمخططات المتتابعة... الخ.
- النص والصورة:
تسمح كلمة "الصورة" في مرونتها الكبيرة، بتجميع البحوث المختلفة، وهذا يدل على كفاءات متعددة بالنسبة للمدرس أو الطالب.
- الأدب والتصوير:
يعطي إروين كوبين، في كتابه الأدب والتصوير: شتوتغارت، 1987)، رسائله في النبل، إلى صور بقيت لفترة طويلة على عتبة الدراسات الأدبية: اعتُبرت الصورة، التي هي من إنتاج الميكانيك والكيمياء، كفن من الطبقة الثانية. كانت مقالة إدغار آلان بو النقدية والسلبية أحد الأصداء الأولى لوجود الصورة إذا لم يكن ثقافياً فهو على الأقل وجود أدبي. ولكن عصرنا جعل من الصورة موضوعاً أدبياً مع كتابات روب -غرييه عن دافيد هاملتون أو مع نص مثل الغرفة الواضحة) 1980) لرولان بارت، فقد اعترف عصرنا للصورة ببعدها الفني وعدها قاعدة ممكنة للتفكير في الإبداع في العالم الحديث رُبطت الصورة بالزائل، والصدفة.) تستطيع الصورة أن تأخذ أبعاد أسطورة أدبية إلى حد ما أومؤدبنة)، مثلاً مع صور بارسي، وكارتييه- بريسون، ودوازنو، وأوجين آتجيت الذي أصدر عنه آلان بويزين دراسة، أو حيوات لي ميلر رفيقة ماني ري، انتقلت حديثاً إلى الرواية(32) ، أو بروس شاتوين(33) . يمكن، من وجهة نظر مقارنية، اتباع إروين كوبين الذي يقتفي أثر الصورة والمصور مع محطات مفيدة.
كوميديا فودفيل*، المصور- 1864، لميلهاك وهاليفي، أو المصور الصغير، قصة لدافني
ورييه)، تعود النصوص الإيجابية الأولى حول التصوير إلى مكسيم دوكامب، تأثير التصوير في فنانين مثل دوفي، أو في كتِّاب مثل زولا أو لويس كارول، التأثير المتبادل، ربما الأول، بين نص وصورة، في Bruges la mort 1892 لجورج رود ينباخ، وتعاونات أخرى بين نصوص وصورة تخلق تجمعاً بصرياً- لفظياً جديداً مثلما هو في Nadja 1928) لأندريه بريتون، أو اشتركات مثل اشتراك الروائي إرسكين كالدويل وزوجته المصورة مارغريت بورك- ويت، ونصوص المصور براسي عن هنري ميلر.
لتعاون الصورة- النص بعض الخصوصيات: الصورة، على الأقل في البداية، هي التي ليس شيئاً خيالياً. والصورة هي هذا كان) إذا استخدمنا تعبير بارت. إن التعايش بين الصورة ونص تخييل لا يتم دون خلق تأثيرات من الوهم أو توترات بين تعبيرين متعارضين، إلا إذا لم تُقدم الصورة كمرافقة للنص، وهذا لا يؤدي إلا إلى إعادة طرح مشكلة قيمتها ووضعها.
ولكن الصورة استطاعت أن تؤثر في الكتابة التخيلية من خلال تحديد بعض الإجراءات مثل المونتاج، والإلصاق، والصورة السريعة، وغير ذلك من التقنيات المنقولة بصورة واضحة إلى حد ما، إلى الكتابة، وعبر الكتابة. أخيراً يمكن الاستشهاد بمقطع من قصة كورتازار Las Babas del diablo في السينما حيث تظهر مسائل الاقتباس والوجود الشعري للصورة، أو بصورة أصح تفصيلات الصورة.
- القصص المصورة والكتب المزينة بالرسوم:
هنا حالتان من علاقة النص بالصورة، والنص الهجين). يبدو تزيين النص بالرسوم كقراءة، وترجمة للنص المقصود، وملاءمة بين أجزاء المعنى عبر الصورة. ومن المؤكد أن هذا يعيد إلى شخصية الفنان، ولكنه في حالات أخرى لا ينفصل عن الجمهور الذي يتوجه إليه النشر. الرسم حوار بين النص والصورة، وخطاب أيقوني يندرج ضمن علاقة التبعية وأحياناً ضمن علاقة استقلال نسبي إزاء النص. إن الرسم غالباً تفسير لقصة لا تقوم على المضمر ولكنها تفترض غموضاً نسبياً. وسيُرفع هذا الغموض عبر عمل الرسم.
إن دراسة القصة المصورة B.D) تعود ثانية هنا إلى التأمل في النزعة السردية للصورة، وفي التكاملية المؤسساتية الطويلة لنص وصورة، منذ تأسيسها) من قبل السويسري رودولف توبفلير وحتى الابتكارات الخطية المعاصرة التي تستخدم الصفحة بوصفها فضاء سردياً وليس فضاءً رسمياً.
تبدوالقصة من خلال الرسوم المؤطِّرة، ثم القصة المصورة بشكل مزدوج كقصة خطية، عبر المزاوجة بين النص والصورة، واستخدام الصورة لسردية أخرى لهذا، كانت هامشية، لفترة طويلة). إن الصورة، والتعبير الخطي، وتركيب صفحات الطبع عناصر عدلت نظام القراءة الخطية الذي تعوّد عليه النص. تسمح القصة المصورة، بملاحظات مفيدة حول بعض طرق السرد الجديدة التي توصل إليها عبر تحويل قصة إلى سلسلة من اللقطات والتعبير الخطي، وتقنية الرسم الالوان، وألعاب المخططات،وتأريخ القصة المقارنة إلى تأريخ الصورة القائمة عبر تتمة من الصور) أخيراً تسمح .القصة المصورة بوضع اليد على بعض مشاكل الصور بالمعنى الإماغولوجي علم الصورة). مثل استخدام الأنماط واستغلالها الكوميدي، والتلميحي، والساخر، مثلما هوفي المسلسل Asterix .هذه الحوارات، والتأثيرات المتبادلة، والتعاون بين النص والصورة ليسوا مقصورين على مجالات السينما أو موازي الأدب.
إن نصاً مثل الكلمات في الرسم)(34) ، لميشيل بوتور يعد تأملاً في العلاقات المتعددة التي تقيمها الكلمات، في وجودها المادي، وتخطيطها مع الرسم، مع حالة خاصة تخص العلاقات بين العنوان أو غياب العنوان)، والعمل المرسوم.
يمكن لفكر بوتور أن يتعمق ويُحرّف عبر مواجهة تدوين الرسم في النص، ليس تحت شكل ملصقات، ولكن بوساطة منقوشات كتابية أو عبر إجراء الوضع في الهاوية: يمكن القيام بالدارسة بالنسبة لعصر الأنوار لـ، أ.كاربنتييه باستخدام عنوانات منقوشات، المياه القوية لغوياً كمنقوشات ساخرة، ولوحة مونسو ديسدي يريو "الانفجار في الكاتدرائية"، تعبير عن الحركة في السكون، وتحول الثورة التي فشلت)، ويدون في بداية الرواية وفي نهايتها، والذي يستفيد من العنوان بالنسبة للترجمات الأنكلو -سكسونية.
- النص والموسيقا:
تقدم علاقات النص- الموسيقا أيضاً حالات من النصوص الهجينة) التي تستطيع أن تنال اهتمام المقارنين: سجل الأوبيرا، مكان التبادلات بين الكلمات واللحن، وهو مثلما أظهر بيير برونيل في بعض أعماله مجال المقارنية نفسه)(35) .
يمكن قول مثل ذلك عن ليدة)*، ونميل مع إيف شيفريل إلى إضافة الرقص والباليه. ولكن يجب الاعتراف معه أن المجال يبدو صعباً للاستغلال). وهذا مايجب أن نلاحظه عندما يتعلق الأمر بمقابلة بين البنيات الأدبية والبنيات الموسيقية. بالإضافة إلى ذلك، إن الأمثلة التي يقدمها جان- بيير لا نغر في مقدمته المفيدة لكتاب الموسيقا والأدب) بيرترا ندلاكوست، 1994)، تترك قليلاً من الشك: إن النتائج التي يمكن أن تؤدي إليها مقارنة حوار L"Avare.1.1V) وحوار) مثل اختراع بصوتين)، بالنسبة لمَلْمس مفتاح بيانو) دو أول مقام موسيقي)، الرئيسي عند جان -سيباستيان باخ فيها شيء من الإثارة، والتحريض، وفيها أيضاً شيء من الخيبة إذا تعلق الأمر، بعد تقطيعات عسيرة، بالانتهاء، إلى أن اللغة تستخدم في التواصل. والموسيقى، استلهام. نلاحظ الشيء نفسه، اختبار الشكل السمفوني لقصيدة سيمفونيا تشرين الثاني)، لميلوز. في المقابل، عندما يُظهر بينيتو بيليغران إجراءات الموسقة الصوتية، والإيقاعية) للافتتاحية المذهلة للكونسير باروك، لأليجو كاربنتييه(36) ، فإن هناك قراءة تفسر البعد الشعري للنص المدروس وتدركه.
- حدود المقارنة:
إن ماقيل عن الموسيقى يصلح أيضاً بالنسبة لفن مثل العمارة التي لا يمكن دمج دراستها الأدبية مع دراسة الفضاء، أو فضاءات خاصة مثل المدينة، والتي لا تُختزل، أو التي لا تشبه بتأليف نص(37) .
لهذه التحفظات أو النتائج المتعسفة، وحتى السلبية ضمانة مشهورة. بعد الخطاب المدهش عن LesMenines) لفيلازكيز الذي يفتتح كتاب الكلمات والأشياء)، نتذكر أن ميشيل فوكو اعتبر أن اللغة والرسم "لايمكن أن يذوب أحدهما في الآخر":
"عندنا قول جميل عمّا نراه، وما نراه لا ينزل أبداً ضمن مانقوله". بالإضافة إلى ذلك، من المهم ملاحظة أن أكثر الكتب المقارنية تقوم بالتحذير من أخطار الدراسات المكرسة للعلاقات بين الأدب والفنون وسهولتها أو لريش فيستان، كلوديو غيلين، إيف شيفريل)، كل ذلك مع عدم الاستسلام، بل بالعكس للتخلي عن مجالات بحث معقدة بالتأكيد، ولكنها غنية بالمنظورات الجمالية والشعرية. يمكن التساؤل عندئذٍ إذا لم تكن دراسة النصوص النظرية وشهادات الفنانين يمكن أن تستخدم من أجل تشكيل شعرية عامة ومقارنة، وحتى نظرية للأدب. بفضل بعض الأمثلة المستعارة من الفنون المختلفة .
يلتزم هذا البحث، بصورة أكثر وضوحاً مما استطاع أن يفعله حتى الآن، بتفكير حول الإبداع وليس حول التلقي والتفسير وتُستخدم المرجعية الفنية للتفكير في الأدب ليس بوصفه مؤسسة، أو حدثاً، أو ظاهرة، وتابعاً للنصوص، ولكن بوصفه وجهاً من أوجه الفعل الإبداعي.
الإبداعي الفني والإبداع الأدبي:
عندما حدد كلود مونيه موضوع الرسم بوصفه موضوع تثبيت اللحظة الإلهية)، يمكننا دون الخوف من الخضوع لإغراء المقارنة، التساؤل، إذا لم يكن يوجد تعريف لفعل الإبداع الصالح لعصر معين يبدأ مع ما نسميه حداثة، عندما نتذكر التعريف الذي أعطاه له بودلير في كتابه Salon) 1845)، ويجب أن يؤخذ في كليته لتجنب تفسيرات خاطئة مزعجة: "الحداثة هي الانتقالي المؤقت)، والزائل، والعارض، ونصف الفن، ونصفه الآخر هو الأبدي، والثابت".
اللحظة عند مانيه تقابل اللحظة الشعرية، والزمن العمودي عند غاستون باشلار، والقصائد التي أراد جان بول سارتر، أن يبدعها) في مذكراته عن دوار الحرب)(38) ، "هذه المواد برّاقة وعبثية، تشبه سفينة في قارورة، وأبدية اللحظة"، أو التعريف الذي يعطيه الروائي ارنيستو سيباتو للفن: يعطي الإنسان لنفسه، من خلال الفن، لحظات من الخلود.
بالنسبة لمالرو، الفن هو الإمكانية الوحيدة التي يمتلكها الإنسان لتغيير قدر مفروض إلى قدر مُسيطر عليه. ومثل ذلك من العناصر لجعل الفن، في هذه الحالة، ليس وسيلة اتصال التي نقصره عليها طوعاً)، ولا حتى إمكانية إعطاء أشكال للمادة القدرة التشكيلية الشعرية)، ولكن إرادة الإنسان المبدع في تشييد عالم ثانٍ من أجل جعل العالم الذي أعطي له ليعيش ويموت فيه معقولاً ويمكن العيش فيه.
سيقال إن ذلك خلط بين الأدب العام والمقارن وبين الفلسفة. يمكننا أن نرد على ذلك بأنه يجب في يوم من الأيام مواجهة مايمكن أن يعطيه هذا التبدل في الصيغة القانونية x و y) التي لم تدرس كثيراً بصورة حقيقية. بعبارة أخرى ومع أقل الطموحات: هل تستطيع دراسة العلاقات بين الأدب والفنون أن تتجاهل العلاقات بين الأدب وعلم الجمال؟ وهل تستطيع نظرية للأدب أن تتجاهل العلاقات بين الأدب والفلسفة؟ إن معالجة هذه الأسئلة والإجابات المحتملة عليها تعتمد على الوثائق المحفوظة: مثل شهادات الفنانين، وكتابات الشعراء الذين هم فلاسفة أيضاً أو العكس)، وكل نص يمكن استجوابه ويتعرض، بطريقة نظرية أو غير مباشرة، من الخارج أو من الداخل، لطبيعة الفن ووظيفته، أو لفعل الإبداع المطروح كموضوع للدراسة أو التأمل، هنا مثلما في أماكن أخرى، لا يكون المقارِن، حقيقة، في موضع البحث عن نظام تفسيري ولكن عن اقتراحات، وطرق وصول إلى إعادة تعريف مايسمى أدباً.
- تفكير نقدي، وفكر إبداعي:
يقدم الموسيقي، والمنظّر، والناقد الموسيقي بوريس سشلويزر، في مقدمته لجان- سيباستيان باخ(39) ، سلسلة من الأفكار يمكن للأدب أن يستفيد منها: قُدِم المثال من قبل جان روسيه في رسالته إلى ندوة سيريزي 1966) التي صدرت أعمالها تحت عنوان الطرق الحالية للنقد(40) )، أشار جان روسيه إلى تقارب الفكر بين ما أسماه سلسلة لفظية)، في شكل ودلالة)(41) ، وبين المفهوم العملياتي الجراحي) للسلسلة الصوتية)، الذي قدمه بوريس دوسشلويزر، أساساً لتحليله الموسيقي الذي نلخصه.
في الموسيقى، المدلول ماثل في الدال، والمضمون في الشكل: "نقول بدقة، إن الموسيقى ليس لها معنى، ولكنها معنى"، أو أيضاً "إنها تعني بوصفها أصواتاً". إن هذا المثول للمعنى بالنسبة للشكل هو الذي يعرّف الموسيقى، ويحاول الشعر الاقتراب من هذا الاتحاد، ولكن استخدام الكلمات هو الذي يجعل الشعر، و أكثر أيضاً، النثر، يمتلكان معنى سامياً، أو بصورة أدق دلالة. إذاكان للكلام معنى، يقودنا إليه، فإنه خارجه: العمل الأدبي ليس ضماناً)، إلا بموجب علاقته بالعالم المعقول.
ضمن هذه الشروط، إن فهم الموسيقى يعني تتبع مسار سلسلة صوتية)، لا تُفهم بالمعنى الكامل للكلمة إلا بدءاً من اللحظة التي أتوصل فيها إلى التقاطها في وحدتها، وتحقيق توليف جمعي لها. إن فهم الموسيقى يعني التعرّف على منظومة معقدة من العلاقات التي تتداخل فيما بينها بصورة متبادلة، أو كل صوت أو مجموعة من الأصوات تتموضع ضمن إطار واحد، وتقوم فيه بوظيفة محددة، وتمتلك قدرات خاصة بفعل علاقاتها المتعددة مع الأصوات الأخرى كلها).
أعاد غيتان بيكون عام 1967(42) ، أخذ هذا النموذج من التحليل المصاغ في فرنسا بين عامي 1944-1947، واستطاع أن يرى فيه آثار الشكلانية الروسية. وعلى هذا المفهوم تعرّف جان روسيه بوصفه أحد طرق التحليل الشكلي للأعمال الأدبية). يضاف إلى هذاالمفهوم مفهوم الأنا الأسطورية) انظر الفصل الثامن)، الذي ينظم العمل من الداخل، والذي يتعارض مع المؤلف الذي لن نمتلك عنه إلا السيرة الذاتية. يذكّر سشلويزر، كمالو أنه يتوجه إلىحراس النقدالقديم والإنسان والعمل) قبل الآوان بخمسة عشر عاماً، بصيغة فعّالة أن العمل لا يفيد في إصوات المعيش). وعليه، فإن هذا المنظّر المتشدد لم يتردد في وضع تفكيره التقني ضمن المنظور الأكثر توسعاً، وهو المنظور الذي يوضحه الأدب العام في نهاية هذه الجولة:
"كل نظرية جمالية مرتبطة، بصورة خفية، بشكل من الميتافيزيقيا". على المقارِن الذي يأمل في التفكير بنظرية جمالية ممكنة أن يجعل هذه الميتافيزيقيا)، واضحة، وأن يختار لها أساساً فلسفياً.
- عناصر من أجل جمالية الإبداع:
سنعطي بعض الأمثلة الملائمة لتفسيرات حرة. يتعلق الأمر بتشكيل مجموعة من الأمثلة المضاعفة، التي تسمح بربط كلمة مقارنية) الإبداع الفني بالإبداع اللفظي.
- الرسم والإبداع:
لنستفد من تأملات جياكوميتي التي جمعها جيمس لورد عندما كان الفنان يصنع صورته(43) ، هذه هي، غالباً، أقوال على نسيج، وأشكال في طريقها للتشكيل: "يمكننا أن نتصور أنه من أجل صنع لوحة، المطلوب فقط، وضع جزئية إلى جانب جزئية أخرى، ولكن ليس هذا، ليس هذا أبداً، المطلوب:
إبداع كيان كامل بضربة واحدة".
المقارِن عندئذ حر.... في مقارنة هذا الرأي مع صيغة سان أوغستان الشهيرة حول الكل في وقت واحد)، للخلق الإلهي من أجل الحصول ليس على ثابت)، ولكن على مثال من بين الأمثلة الأكثر إيضاحاً، عن الزمن الطويل لعلة. أوفي مقابلة هذا الرأي بالآراء التي تجعل من الإبداع فعلاً صدفوياً، ولعبياً، وعارضاً، هناك رأي آخر للنحات- الرسام : " يرى الناس الأشياء، غالباً، بالطريقة التي رآها فيها الآخرون.المسألة كلها تكمن في امتلاك نظرة أصيلة، أي الرؤية الحقيقية لمنظر بدلاً من رؤية بيسارو. وليس سهلاً إلى هذا الحد أن يظهر ذلك."
الفكرة هنا هي أن الثقافة حيث التطبيق والتوسع ممكنان في الأدب) هي ما تجعلنا نرى العالم). تتقاطع كلمات جياكوميتي مع غاياتنا وهذا مشجع لتفكيرنا) عندما حددنا وظيفة الأدب، في الفصل السابق، من خلال تعابير تأمل رمزي). نستطيع تقريب فعل مقارنة) رأي جياكوميتي من رأي بول فاليري في بداية كتابه مدخل إلى منهج ليونارد وفنشي 1894): "يجب على العمل الفني دائماً أن يعلمنا أننا لم نر ما نراه". نحن هنا لسنا بصدد اقتراح أفكار مختارة من أجل موضوعات بحث في الثقافة العامة عمل مطلوب في CAPES، ومسابقات يغيب عنها المقارنون.) يتعلق الأمر بوضع أسس تفكير عام تستخدم فيه المرجعية الفنية كأساس ملهم من أجل إعادة التفكير في الأدب، وفيما وراء فعل الإبداع.
-الشعر، واللغة، والرسم:
يخط الشاعر والناقد والمترجم إيف بونفوي بإرادة طرقاً تقود من الفن إلى اللغة عندما يتحدث عن الرسامين. بخصوص الرسام بيسيير(44) ، يلاحظ أن: الفن الحديث وُلِد من خسارة، خسارة الوحدة التي كانت تحافظ قديماً، ضمن عروضنا وممارساتنا، على شبكة من التفكير الرمزي. إنه معاصر للغات التي منع تطورها التصوري الزائد من سماع الشائعات الأخيرة التي جاءت من جانب الإشارة. لقد أخذت أعماله الأكثر خصوصية، في زمن المنفى هذا، جانب كلماتنا العمياء ضد الأرض التي لم تعد تحبها. كلمات لها مطلقها، في القوة، ولكن كمادة خالصة، ويأس: هذا ما يعرفه الشخص المخاتل منذ فتوة اللغة".
يمكن أن يكون بناء إعادة أخذ بعض الإنتاج الأدبي والنقدي) المعاصر وقراءته بالمقارنة مع ما يقترحه إيف بونفوي: إزالة تفكير رمزي وتحويل كلمات إلى إشارات تريد أن تكون ظلالاً؛ وإشارات، مثلما يقول: "لا تنبسط إلا لتحثنا على نسيان ما تسميه".
يمكن لهذا التساؤل حول الفن الحديث، إذن، أن يقارن مع كتابات روبير كلان(45) التي تنتقل من فن عصر النهضة الذي كان كلان أحد عارفيه المرهفين إلى الفن الحديث الذي لم يتوقف عن دراسته من أجل فهمه. ستسمح بعض الدراسات التي تركز على ضياع المرجعية) أو على اختفاء العمل الفني) بدمج البعد التاريخي بالفكر النظري.
ليس مضراً الإشارة إلى أن ناقداً معاصراً هو بيرنارد سيسون، يربط، عند تقديمه عمل الرسام سولاج كمثال على العمل المسلسل)، هذا المفهوم التأسيسي للرسم الحديث السلسلة) مع ما سمّاه روبير كلان احتضار المرجعية)(46) .
ينتج عن ذلك، بحسب بيرنارد سيسون سمات عدة لتعريف نشاط فني آخر: لم يعد العمل مقنعاً بل بارزاً، ويصبح الرسم مرجعيته الخاصة)، ولم يعد الرسم إلا لحظة) ولا يمكن الإمساك بها، إذن، إلا في سيرورتها، وتُلغى المرجعية) ويلغى السمو) إذن، ويتحول العمل إلى عمل أصيل)؛ ويصبح العمل بنفسه أصالته)، إنه الضمانة الوحيدة لمصداقيته ضمن السلسلة. يستحق هذا التطور الجمالي أن يوضع في موازاة بعض التظاهرات الأدبية المعاصرة، أو بصورة أدق، بعد الحداثية: هنا أيضاً توجد مسألة تشكيل وثيقة مرجعية.
-علم الجمال العام والأدب.
في مستوى أعلى نظرياً، يمكن لفكر علم الجمال العام أيضاً أن يُستخدم في تفسير الإبداع الأدبي. يستطيع مفهوم التشكل) المركزي في تفكير لويجي باريسون أستاذ أو مبيرتوإيكو، وجياني فاتيمو في جامعة توران)، أن يساعد في طرح مشكلة الإبداع بصورة أفضل، وحل المعضلة الموجودة دائماً في التأملات الأدبية بين الإبداع والتفسير(47) .
ينطلق لويجي باريسون ليس من العمل المنتهي ولكن من العمل الذي يتشكل، ويعتبر إذن نشاط المبدع تبعاً لتوليد الأشكال: ومن خلال ذلك يكتشف المبدع ما يريد فعله. لا يوجد إذن صدفة رئيسة للعمل، ولا خطة مسبقة أو تنفيذ نموذج جاهز وسيكون هذا عمل الناقد المشتغل بعد فوات الآوان!) يوجد، في الإبداع، تزامن للإكتشاف والتنفيذ: يكتشف العمل علته. في الوجود، ومبدأه حتى من خلال التشكل، والفنان إذن حر ومقيد بصورة مطلقة وفي الوقت نفسه. لا يجهل باريسون الموقف الجمالي لغوته الذي كرس له نصاً جميلاً) حول التطور العضوي للعمل). يمكننا أيضاً أن نحلم بتقريب هذا التحليل من التعريف السريع لبارك الشابة من خلال مبدعها ذاته، فاليري: "النمو الطبيعي لزهرة صناعية." تتجاوز فكرة الإبداع عند باريسون الشق بين التأليف المنظم والتطور العضوي من أجل اقتراح فكرة تأليف يولّد هو نفسه تطوره. الشكل إذن مشكّل ومشّكل في الوقت نفسه. ولا وجود، لإمكانية معارضة الإبداع بالتلقي: الفنان الكاتب مثلاً) هو أول مستقبل قارئ). وفي مادة الإبداع، لا تعارض بين الحرية والضرورة. ولكنهما متكاملتان. أخيراً، لا يعطي العمل نفسه خارج تفسيراته: إنه إذن شكل يُفسّر وبخاصية متعددة وحتى غير محدودة. بذلك يصوغ باريسون أسس ميتافيزيقيا لما لا ينضب والتي شكلت موضوع تأملاته الأخيرة.
يمكننا أن نأخذ مفهوم الشكل الذي يتشكل. تستطيع الشعرية التي تسعى إلى طرح قواعد عمل شعري) أن ترى إلى أي حد يبتكر هذا العمل، وهو يعمل، مادته في العمل، ويمكنه أن يُستخدم في تفكير شعري، وفي بعث جمالية التلقي.
سيتعلق الأمر، عندئذ، بمقابلة ما هومشروع بالنسبة للمبدع الكاتب) مع مالا يمكنه أن يكون، إلا مساراً للقراءة) بالنسبة للمتلقي). ولكن التلقي، الذي يُنظر إليه على أنه إعادة امتلاك فعّال لشكل يبقى ديناميكياً ومشكّلاً على الرغم من كونه مشكّلاً، يتطلب ليس استبدال مفهوم مثل مفهوم أفق التوقع بمفهوم آخر، ولكن نقل التفكير نحو أفق آخر: مثل الأفق الذي يعتبر الفعل النقدي القراءة) حواراً بين شعورين(48) وهذا ما يؤدي إلى طرح مسألة قراءة نص ومسألة موقف القارئ الناقد في مواجهة هذا النص.
(1) صالون عام 1846، الجزء الرابع .
(2) Wechselseitige Erhellung der Kunste
(3) ن.ب. ستالكنخت، و، هـ، فرنز، الأدب المقارِن، منهج ومفهوم، مطبعة جامعة سوثيرن، إلينواز، 1961.
(4) آداب وفنون: الحالة الراهنة، وبعض التأملات، 1977.
(5) دراسات سيميولوجية، كلينكسيك، 1972، و مجموعة مطبوعة بعد وفاة مؤلفها، من التقديم، غاليمار)، 1944.
*) طعام عجائبي يقال إنه أنزل على بني إسرائيل م).
(6) 1970، والترجمة الفرنسية عام 1986.
(7) دار كولان، 1942، ط2، 1963.
(8) موسيقى الرومانسيين، P.U.F، 1992
(9) دار سوي، 1977
(10) انظر، أ.مونتاندون، هوفمان والموسيقي، بيرن، بيتر لانغ، 1987.
(11) انظر، داريو غامبوني، القلم والريشة، أوديلون ريدون والأدب، دار مينوي، 1989.
(12) أعمال SFLC تولوز، 1961.
(13) انظر الدكتور فوستوس لتوماس مان، وكذلك أيضاً عمل زولا أو جان كريستوف لرومان رولاند.
(14) الأحياء من الآلهة القديمة، 1980، فلا ماريون، 1993.
(15) دار مينوي، 1987.
(16) نقد، 1991
(17) Rivages، 1987
(18) مع عمل غ.هـ هاميلتون، Manet and his Gitics، يال، 1956، ط2، 1969.
(19) مجلة التاريخ الأدبي لفرنسا، تشرين الثاني، كانون الأول، 1980.
(20) النظر، السماع، القراءة، بلون، 1993.
(21) غاليمارد، 1988
(22) مجموعات لوحاتي، ورسوماتي، افكار، غاليمار.
(23) ظهر العمل في فيينا عام 1924
(24) موسيقى الأنوار، P.U.f، 1985، لبياتريس ديدييه، أو فلسفات الموسيقى 1752-1780)، كلينكسيك، 1990، لبليندا كانون.
(25) مجلة التاريخ الأدبي لفرنسا، تشرين ثاني - كانون أول، 1980.
(26) Abstraktion und Einfuhlung. 1908
(27) دراسات في الأيقنة، 1939، ترجم إلى الفرنسية 1967، غاليمار.
(28) انظر ميشلين تيسون -بروم، شعرية المنظر، دراسة في الجنس الوصفي، نيزيه، 1980، وكريستين جورديس، المنظر والحب في الرواية الإنكليزية، سوي، 1994.
(29) انظر أ.مانسو، و.غ. بونو، طبعة انتقالات، SFLGC، تولوز، 1986.
*) لحن يضاف إلى آخر على سبيل المصاحبة.
**) تعاظم في حجم الصوت أو الموسيقى.
***) تغيير في طبقة الصوت.
(30) 1963، طبعة ثانية سوي - بوان.
(31) انظر مثلاً، الأدب والسينما، ناتان، 1993.