قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه وأظهر أنه يريد الشام ، ليصيب من القوم غرة . فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
قال ابن إسحاق : فسلك على غراب ، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على محيص ، ثم على البتراء ، ثم صفق ذات اليسار فخرج على بين ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذ السير سريعا ، حتى نزل على غران ، وهي منازل بني لحيان ، وغران واد بين آمج وعسفان ، إلى بلد يقال له ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال .
فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا .
فكان جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا : آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والحديث في غزوة بني لحيان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، فقال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان .
لو أن بني لحيان كانوا تناظروا
لقوا عصبا في دارهم ذات مصدق
لقوا سرعانا يملأ السرب روعه
أمام طحون كالمجرة فيلق
ولكنهم كانوا وبارا تتبعت
شعاب حجاز غير ذي متنفق
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني لحيان
ليس فيها ما يشكل وفيها من شعر حسان
لقوا سرعانا يملأ السرب روعه
سرعان الناس سباقهم والسرب المال الراعي ، كأنه جمع سارب ويقال هو آمن في سربه إذا لم يذعر ولا خاف على ماله من الغارة ومن قال في سربه بكسر السين فهو مثل لأن السرب هو القطيع من الوحش والطير فمعنى : آمن في سربه أي لم يذعر هو نفسه ولا ذعر أهله ولهذا المعنى أشار من قال من أهل اللغة معنى في سربه أي في نفسه لم يرد أن النفس يقال لها : سرب وإنما أراد أنه لم يذعر هو ولا من معه لا كالآخر الذي تقدم ذكره وقيل فيه آمن في سربه بفتح السين فكان الواحد آمن في ماله والآخر آمن في نفسه ويقال في سربه أي في طريقه أيضا .
وقوله
أمام طحون كالمجرة فيلق
يعني : كتيبة جعلها كالمجرة للمعان السيوف والأسنة فيها كالنجوم حول المجرة لأن النجوم - وأكثر ما تكون - حولها ، وقد قيل إن المجرة نفسها نجوم صغار متلاصقة فبياض المجرة من بياض تلك النجوم وقد روي في حديث منقطع أن المجرة التي في السماء هي من لعاب حية تحت العرش وفي حديث معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى اليمن قال له إنك ستقدم على قوم يسألونك عن المجرة فقل لهم هي من عرق الأفعى التي تحت العرش لكن إسناد هذا الحديث ضعيف عند أهل النقل لا يعرج عليه ذكره العقيلي ، وعن علي أنها شرج السماء الذي تنشق منه وأما قول المنجمين غير الإسلاميين في معنى المجرة فذكر لهم القاضي في النقض الكبير نحوا من عشرة أقوال وأكثر منها ما يجوزه العقل ومنها ما هو شبه الهذيان والله أعلم .
ويجوز أن يكون قوله كالمجرة أي أثر هذه الكتيبة الطحون كأثر المجرة تقشر ما مرت عليه وتكنسه . والفيلق فيعل من الفلق وهي الداهية كأنها تفلق القلوب وهي الفلقة أيضا . قال ابن أحمر
قد طرقت ببكرها أم طبق
فدبروه خبرا ضخم العنق
فقيل وما ذاك ؟ قال
موت الإمام فلقة من الفلق