غزوة بني المصطلق
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ثم غزا بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ست .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال نميلة بن عبد الله الليثي .
سبب الغزوة
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه .
مقتل ابن صبابة خطأ
وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر يقال له هشام بن صبابة ، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ .
--------------------------------------------------------------------------------
غزوة بني المصطلق
وهم بنو جذيمة بن كعب من خزاعة ، فجذيمة هو المصطلق وهو مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت .
وذكر المريسيع ، وهو ماء لخزاعة وهو من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد .
وذكر سنان بن وبرة وقال غيره هو سنان بن تميم من جهينة بن سود بن أسلم حليف الأنصار .
فتنة
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث فقال أوقد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .
ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال مر به عباد بن بشر فليقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه لا ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها ، فارتحل الناس
حول فتنة ابن أبي ونفاقه
وقد مشى عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به - وكان في قومه شريفا عظيما - فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل حدبا على ابن أبي ابن سلول ودفعا عنه .
قال ابن إسحاق : فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا نبي الله والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال وأي صاحب يا رسول الله ؟ قال عبد الله بن أبي . قال وما قال ؟ قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإن قومه لينظمون له الحرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا . ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي . ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع ; يقال له بقعاء . فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوها ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار . فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان عظيما من عظماء يهود وكهفا للمنافقين مات في ذلك اليوم
ما نزل في ابن أبي من القرآن
ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال هذا الذي أوفى الله بأذنه وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .
موقف عبد الله من أبيه
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عبد الله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل ( رجلا ) مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا .
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ، حين بلغه ذلك من شأنهم كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ; قال قال عمر قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري
--------------------------------------------------------------------------------
تحريم دعوى الجاهلية
وذكر أنه نادى : يا للأنصار ونادى جهجاه الغفاري يا للمهاجرين ولم يذكر ما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعهما ، وفي الصحيح أنه عليه السلام حين سمعهما منهما ، قال دعوها فإنها منتنة يعني : إنها كلمة خبيثة لأنها من دعوى الجاهلية وجعل الله المؤمنين إخوة وحزبا واحدا ، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة يا للمسلمين فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه للفقهاء فيها ثلاثة أقوال أحدها : أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا ، حين سمع يا لعامر فأقبل يشتد بعصبة له . والقول الثاني : أن فيها الجلد دون العشرة لنهيه عليه السلام أن يجلد أحد فوق العشرة إلا في حد والقول الثالث اجتهاد الإمام في ذلك على حسب ما يراه من سد الذريعة وإغلاق باب الشر إما بالوعيد وإما بالسجن وإما بالجلد .
فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها قلنا : قد قال دعوها فإنها منتنة فقد أكد النهي فمن عاد إليها بعد هذا النهي وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم لها بالإنتان وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها ، كما فعل أبو موسى رحمه الله بالجعدي فلا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها والعقوبة عليها .