|
|
| إيمان سيدنا إبراهيم-عليه السلام | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
احمد رمضان المعداوي عضو محترف
عدد المساهمات : 461 نقاط : 1313 تاريخ التسجيل : 21/11/2009 العمر : 30 الموقع : مدرسه شنواي
| موضوع: إيمان سيدنا إبراهيم-عليه السلام الخميس 17 ديسمبر 2009 - 13:37 | |
| في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مثل حي لكل إنسان ودرس خالد للبشر في كل زمان ومكان فالإنسان مهما تكن البيئة التي نشأ فيها والأسرة التي ربَّته بين أحضانها ومهما أحاطت به الضلالات والجهالات فباستطاعته أن يتوصَّل بذاته إلى طريق الحق والرشاد وأن يكتشف معالم الحقيقة فيخرج من الظلمة إلى النور ويشهد الخير من الشرِّ وإن خفي على غيره من الناس. نعم يستطيع الإنسان بذاته وبذاته وحده أن يشق طريق الحقيقة ويكتشف معالمها لأن الله تعالى تفضَّل على الإنسان بجوهرةٍ ثمينة وكرَّمه بها فإن هو حاول الاستفادة منها والانتفاع بها توصَّل إلى كل خير وسما إلى مراتب الإنسان الكامل فكان من أعلى المخلوقات شأناً وأقربهم إلى الله جميعاً وممن ذكرهم الله تعالى في قوله: {إنَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ} سورة البينة: الآية 7 . وإن هو ألقى هذه الجوهرة جانباً واتخذها وراء ظهره حبط عمله وانحطت منزلته فصار أدنى وأشرّ مخلوق على وجه الأرض قال تعالى: {إنَّ الذين كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ والمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا أُولئكَ هُمْ شرُّ البَريَّةِ} سورة البينة: الآية 6. إنَّ هذه الجوهرة التي أنعم الله تعالى بها على كل إنسان إنَّما هي الفكر وبالفكر يستطيع الإنسان مهما تكن لغته ومهما تكن بلاده وأمته ومهما تكن شيعته وملَّته أن يعرف خالقه المعرفة اللائقة فيهتدي إلى الحق ويشهد الحقيقة، ذلك أنه لا عبرة في الوصول إلى هذه المعرفة للُّغة واللسان ولا يحول دون الحصول عليها قطر ولا بيئة ولا مكان. فهذا الكون المحيط بالناس جميعاً وما فيه من آيات بيِّنات إنما هو كتاب مفتوح يستطيع أن يقرأ فيه دلائل العظمة وأن يرى الآيات الدالة على الخالق كل إنسان أينما حلّ وحيثما ارتحل وفي أي جيل وعصر نشأ وفي أي أمة أو شعبٍ كان. كيف توصَّل سيدنا إبراهيم عليه السلام بفكره إلى معرفة ربِّه وكذلك الأنبياء من قبله ومن بعده؟. نشأ سيدنا إبراهيم عليه السلام في أمة تعبد الأصنام وكان قومه جميعاً حتى أبوه يتخذون أصناماً آلهةً فلم يجارِ الناس على سيرهم ولم يوافق أباه على ضلاله بل إنه جعل ينظر ويتأمَّل وصار يُفكِّر ويتعمَّق في التفكير فنظر أول ما نظر إلى نفسه وهداه تفكيره المتواصل إلى أنَّ نطفةً من منيٍ يمنى لا يمكن لها بذاتها أن تتحوَّل بعد حين وتصبح مخلوقاً كريماً وإنساناً سوياً ذا سمع وبصر ونطق وشم ووعي وتفكير وله ماله من قلب ورئتين ومعدة وكليتين وكبد وأمعاء إلى غير ذلك من الأجهزة والأعضاء التي يحار في دقة تركيبها وبعظمة صنعها كل ناظر ومتأمل. نعم لقد أوحت إليه هذه الفكرة المتواصلة وهداه هذا التأمل إلى أنَّ له ربّاً عظيماً خلقه ورتَّبه وأحكم صنعه وركَّبه. وراح سيدنا إبراهيم عليه السلام يبحث عن خالقه ويُفكِّر ليلاً نهاراً جاهداً جادّاً في معرفة ربِّه. ونظر فيما يعكف عليه أبوه وقومه مفكِّراً متسائلاً أيمكن لصنم نحته إنسان بيده أن يكون خالقاً مربياً؟. وهل يستطيع هذا الصنم الذي لا يقوى على أن يمسك ذاته بذاته أن يمسك السموات والأرض وأن يمد ما فيها بالحياة؟. وذلك ما لا يقبله فكر سليم ولا يقرّه عقل ولا منطق صحيح. وهكذا استطاع سيدنا إبراهيم عليه السلام بتفكيره أن يتحرَّر من عقيدة الوثنية التي درج عليها أبوه وقومه من قبل وأن يُخالف البيئة والمجتمع الذي نشأ فيه وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إبْراهِيمُ لأَبيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إنِي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبينٍ}سورة الأنعام: الآية 74. وإنَّه لخليق بكل إنسان ما دام قد أعطي من التفكير ما أعطيه أبوه وسائر الناس أن يفكِّر كما فكَّر سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأن يبحث بذاته عن الحقيقة فلا يكون كالحيوان الأعجم مسوقاً لغيره تتلاعب به الضلالات وتتقاذفه الأوهام. وبعد أن قطع سيدنا إبراهيم عليه السلام مرحلتين من مراحل التفكير في سبيل الوصول إلى الحقيقة. انتهت به الأولى أن له ربّاً عظيماً خلقه وأوجده. وانتهى في الثانية إلى إنكار أن يكون الصنم له ربّاً، انتقل إلى مرحلة ثالثة مرحلة البحث المتواصل والتفكير الذي لا ينقطع في طلب الحق واجتلاء الحقيقة، وقد وصف لنا تعالى هذه المرحلة في كتابه العزيز وصدَّرها بآية كريمة تبيِّن لنا فيها أنَّ الصدق في البحث عن الخالق وأن الشوق الملح والشغف في الوصول إلى الحقيقة سينتهي حتماً بهذا الإنسان المفكِّر وبكل امرىء صار مثله إلى شاطىء الحقيقة وسيوصله إلى بحر المعرفة قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُري إبْرَاهِيم مَلَكُوتَ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقنِينَ} أي: وبهذا التفكير الذي شغل إبراهيم وبناءً على ما ظهر لنا منه من الصدق فإننا سنريه الحقيقة وسنبلِّغه مراده وكذلك نُري كل صادق مقتف أثره طالب مطلبه. كيف قطع سيدنا إبراهيم عليه السلام خطوات هذه المرحلة: كان جالساً ذات ليلة يفكِّر على جاري عادته، {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ الليلُ}، وستره بظلامه {رَءَا كَوكَباً}: شاهد كوكباً منيراً يتألَّق في السماء فقال في نفسه متسائلاً. ترى هل هذا ربي الذي يمدُّني بالحياة؟. فلمَّا أفل الكوكب وغاب قال لا أحب الآفلين. فما دام هذا الكوكب قد أفل وغاب فلا يمكن أن يكون ربِّي الدائم عليّ فضله والمتتالي إمداده وخيره والذي يجب عليّ أن أحبَّه وتابع سيدنا إبراهيم تفكيره {فَلَمَّا رَءَا القَمَرَ بَازِغاً} مشرقاً بنوره على الكون عاودته الفكرة أيمكن أن يكون هذا القمر ربّه؟. وتساءل في نفسه {قَالَ هَذا رَبِيّ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَمْ يَهْدِني رَبّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}. والمُراد بقوله {مِنَ القَوْمِ الضَّالّينَ}: أي التائهين عن الحق، وأنت ترى أنه أدرك في هذه الخطوة أنَّ هدايته إنَّما هي بيد ربه فهو وحده الفعَّال وبنوره يستبين الحق لطالب الحق وبإذنه يهتدي المهتدون. واستمر سيدنا إبراهيم عليه السلام على تفكيره وواصل ليله بنهاره وكذلك شأن كل مشوق وحال كل صادق {فَلَمَّا رَءَا الشَّمسَ بَازِغَةً} وقد عمَّ الأرض نورها: {قَالَ هَذا رَبِي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ}. أدرك أن ربَّه ليس بالكوكب ولا القمر ولا الشمس فما يمكن لهذه الأجرام الآفلة على عظمتها أن تكون ربّاً، إذ الرب لا يغيب ولا ينقطع نظره عن مخلوقاته ولو أنه انقطع طرفة عين لزالت المخلوقات كلّها وانمحت جميعها ولم يبق لها أثر. نعم لقد أدرك في هذه الخطوة أنَّ هذه كلها مخلوقات وأنَّ المسيِّر لها واحد أكبر منها جميعاً أعظم من الكواكب والقمر والشمس وسائر ما يشهده الإنسان ويراه. إنه رب عظيم لا يمكن أن يدركه بصر أو تراه عين إنه رب دائمي الإمداد عظيم القدرة إنه رب السموات والأرض الذي فطرهن وما فيهن على هذا النظام البديع. ولمَّا استعظم ربَّه هذا الاستعظام اتجه بكل قلبه إليه: {قَالَ يَا قَوْمِ إِني بَريء مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِني وَجَّهتُ وَجْهيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّموات وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} سورة الأنعام: الآية 75-79. وهنالك وفي هذه اللحظة كشف الله له النقاب عن الحقيقة فشاهد عظمة هذا المسيّر لهذا الكون العظيم شهوداً نفسياً ورأى يد الإمداد بالتربية مبسوطة على كل مخلوق من مخلوقاته تعالى وعاين أنَّ قيام السموات والأرض وسير جميع ما فيها من مخلوقات إنَّما هو بيد الله سبحانه وتعالى وإليه وحده تؤول أمور هذا الكون كله فلا يتحرك شيء إلاَّ بإذنه ولا يقع واقع إلاَّ بأمره وحده وهو المسيّر فلا إله غيره ولا مسيِّر سواه. نعم عقل سيدنا إبراهيم عليه السلام ذلك كله وأدركه فما كان منه إلاَّ أن استسلم بكلِّيته إلى الله تعالى ففوَّض أمره وألقى مقاليد نفسه إليه وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمتُ لِربِّ العَالَمِينَ} سورة البقرة: الآية 131. العبرة من هذه القصة: وأنت ترى من تفصيلات هذه القصة كيف أن الصدق لا بدَّ أن يصل بصاحبه إلى شاطىء الحقيقة والارتشاف من بحار المعرفة والسبح في شهود العظمة والكمال الإلهي فما لهذا الإنسان الضال إذا وقف يوم القيامة على النار عذر يعتذر به أو حجَّة يقدِّمها بين يدي ربه. إذ باستطاعته ما دام الله قد وهبه فكراً وتمييزاً أن يُعمل فكره فيعرف خالقه ويهتدي إليه. على أن هذا الدرس الخالد الذي قام به سيدنا إبراهيم عليه السلام يعلِّم به البشر أُصول البحث العلمي الصحيح ويضرب لهم مثلاً أعلى في كيفية كشف الحقيقة ما هو بالدرس الأول في هذا المضمار فما من نبي ولا رسول من قبله أو بعده إلاَّ وسلك هذا السبيل. ولذلك أعقب الله تعالى قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الواردة في سورة الأنعام بذكر طائفة من الأنبياء والرسل الذين سبقوا أو أعقبوا هذا الرسول الكريم. وبيَّن لنا أن أولئك الأنبياء والرسل وإن الذين اهتدوا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم إنَّما اهتدوا إلى ربِّهم عن هذا الطريق، وأنها هي الطريق الوحيدة لمن يريد معرفة ربّه قال تعالى: {ذَلكَ هُدى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ثم بيَّن لنا تعالى أنَّ كمال هؤلاء الرسل وسيرهم العالي إنما كان باتِّباعهم لدلالة الله وحده وعدم إشراكهم بعبادة ربهم أحداً سواه قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة الأنعام: الآية 88. ثم حثَّنا تعالى على اقتفاء آثار هؤلاء الرسل ومتابعتهم في هذه الطريق التي سلكوها، باهتدائهم إلى ربهم فقال تعالى: {أُولئِكَ الذينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ..} سورة الأنعام: الآية 90. ومن هنا يتبيَّن لنا أنه ما لمؤمن توصَّل أو يُريد الوصول إلى معرفة ربِّه غير هذا السبيل. أمَّا ذلك الإيمان التقليدي الذي يرثه الإنسان عن أبيه وأمه، ذلك الإيمان الذي لم يبذل الإنسان جهداً في الوصول إليه ولم يتوصل إليه عن طريق التفكير في آيات الله فما هو بالإيمان الصحيح، وإنه ليس بمنجٍ صاحبه بين يدي الله ولا بمغنٍ عنه شيئاً. ومن الظاهر أن أكثر الناس ممَّن آمنوا هذا الإيمان التقليدي الذي ورثوه عن آبائهم قد ملك حب الدنيا قلوبهم فهم لا يعرفون حلالاً من حرام، ولا يميزون خيراً من شر ولا يتورعون عن أكل أموال الناس بالباطل، أو إزهاق أرواح الأنفس البشرية في سبيل تأمين مصالحهم الخاصة أو إشباع شهواتهم الخبيثة وهم إلى جانب ذلك يدّعون الإيمان، ولو آمنوا حقّاً لسمت نفوسهم وكملت أخلاقهم قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِاليومِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤمِنِينَ، يُخادِعونَ اللهَ وَالذينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرضاً وَلَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} سورة البقرة: الآية 8-10. وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُه فِي الحَياةِ الدُّنيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ ليُفسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسلَ وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} سورة البقرة: الآية 204-205. | |
| | | | إيمان سيدنا إبراهيم-عليه السلام | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|