موضوع: أبو الطيب المتنبى الجمعة 6 نوفمبر 2009 - 1:47
3- أبو الطيب المتنبي
(303-354هـ)
أبو الطيب، أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الكندي. ولد في الكوفة عام 303 هـ في حي كندة فنسب إليه فقيل: الكندي، و إلا فهو جعفي من عشيرة جعفي المذحجية اليمنية.
نشأ المتنبي بمدينة الكوفة، وقد كان أبوه فقيراً إلا أنه حرص على تعليمه وتثقيفه، وكانت مدينة الكوفة تزخر بالعلماء والأدباء، فتردد المتنبي على حلقات العلم، واستمع إلى رواة الشعر والأخبار، وكان ذكياً وهبه الله حافظة قوية ساعدته على حفظ أشعار العرب وأخبارها، مما كان له أكبر الأثر في شعره.
وقد ذهب إلى البادية وأقام بين الأعراب، وأخذ عنهم اللغة العربية الصافية والأخلاق الأصيلة، فنشأ أعرابي الطبع معتزا بنفسه وقومه العرب، مما انعكس بعد ذلك على شعره وحياته.
ونبغ المتنبي في الشعر وهو صغير، فتنقل بين بوادي العراق والشام يمدح زعماء القبائل.
وقد أدى نبوغه المبكر وقوة شعره وما يكشف عنه هذا الشعر من طموح وأطماع إلى اتهامِه با النبوة عام 333 هـ، فسجنه والي حمص من قبل الِإخشيديين، وضيق عليه الخناق، فكتب المتنبي قصائد كثيرة إلى الوالي يستعطفه من غير ذلة، وينفي عن نفسه ا النبوة، فأطلقه الوالي.
وقد قيل: إن المتنبي قد ادعى النبوة فعلاً، وهذا زعم باطل، وإنما رماه حساده بهذه الدعوى، وتأولوا أبياته لتتفق مع زعمهم، كقوله:
أنا في أُمةٍ تداركها اللـ ـهُ غَرِيْبٌ كَصَالِحٍ في ثَمُودِ
وقوله:
ما مُقامي بأرض نَخْلَة إلاَ كمقام المسيح بين اليهود
أما تلقيبه بالمتنبي فقد أطلقه عليه بعض المعجبين بشعره رمزاً لعبقريته الشعرية، وأنه أتى في أشعاره بما لم يسبقه إليه غيره.
وأصل المتنبي تنقله بين مدن الشام وبواديه حتى اتصل بأبي العشائر الحمداني والي إنطاكية من قبل سيف الدولة الحمداني، ومدحه بقصائد جميلة، فقدمه أبو العشائر إلى سيف الدولة. وهنا بدأت مرحلة جديدة من مراحل حياة المتنبي، حيث انتقل إلى حلب عاصمة سيف الدولة عام 337 هـ، ولازم سيف الدولة في سلمه وحربه، وفي حله وترحاله، وأصبح أكبر شعرائه وموضع الحفاوة والاحترام منه، قال فيه أعظم قصائده وهي القصائد المشهورة بالسيفيات (نسبة إلى سيف الدولة. وبلغ المتنبي في هذه المرحلة قمة عطائه الشعري وإبداعه الفني، واستمر في كنف سيف الدولة تسع سنوات، لكن الحساد والمنافسين للمتنبي من الشعراء الذين أخمل ذكرهم والأدباء الذين كثف جهلهم تألبوا عليه، وتولى كبر ذلك أبو فراس الحمداني الشاعر المشهور وابن عم سيف الدولة، وابن خالويه اللغوي النحوي ومؤدب سيف الدولة، وأخذوا يكيدون له عند سيف الدولة حتى أعرض عنه، فقال المتنبي مُعَرضاً بذلك وأنه ينوى مغادرة حلب:
يا مَنْ يَعُزُّ علــيـنا أن نُفَارِقَهُم وِجْدَانُنَا كل شـيء بعدكم عَدَمُ
إن كان سَرَّكُمُ ما قـال حَاسِدُنا فما لِجُرْحٍ إذا أرضـاكُــمُ أَلَمُ
وبيننا- لو رَعَيْتُم ذاك- مَــعْرفَة إن المعارف في أهـل النـهى ذِمَم
كم تَطْلِبُونَ لنا عَيْبَا فَيُــعْجِزكُم ويكره الله ما تأتــون والـكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنُقْصَانَ عن شَرَفِي أنا الثريا وَذَانِ الشًــيْبُ والهَرَمُ
وبعدها رحل المتنبي عن حلب عام 346 هـ قاصداً كافورا الإخشيدي حاكم مصر.
وفي مصر كان المتنبي يطمع في أن يجد عند كافور ما يعوضه عن فراق سيف الدولة، لكن كافوراً كان داهية يحسب لطموح المتنبي وأطماعه ألف حساب، فأغدق عليه المال، لكنه كان يراقبه ويُحْكم عليه الطوق. وكان المتنبي يطمح في أن يوليه كافور أمارة تكون خطوة في طريق تحقيق أحلامه في الحكم، لكن كافورا لم يوله شيئا، فأصبح المتنبي يمدحه بقصائد تحتمل المدح والذم. ثم قرر الهرب من مصر فغادرها ليلة عيد الأضحى عام 350 هـ وهجا كافورًا هجاء مقذعًا، وذهب إلى الكوفة ومنها إلى بغداد عام 351هـ. ولكنه لم يمدح أحدا فيها، مما جعل الوزير المهلبي وزير معز الدولة بن بويه الذي كان يطمع في أن يمدحه المتنبي يغرى شعراء بغداد وأدباءها بمهاجمته والانتقاص من قدره وشعره , لكنه تركهم وغادر بغداد إلى أرّجان قاصدا زيارة ابن العميد ومدحه، ثم سافر إلى شيراز ومدح عضد الدولة البويهى، ثم قرر أن يعود إلى الكوفة مسقط رأسه، لكن أعراباً من بني ضبة بقيادة فاتك الأسدي اعترضوا طريقه لأنه كان قد هجا ضبة بشعر مقذع ، فدار قتال شديد بينهم وبين المتنبّي وابنه وغلامه ، وأراد المتنبي أن يفر ولكن غلامه قال له: كيف تفر من المعركة. وأنت القائل:
يعتبر المتنيي أكبر شعراء العربية، وقد ذاع شعره في الآفاق لما فيه من الحكمة والتجارب الصادقة، مع قدرة عجيبة على التعبير، حتى قال عن شعره مخاطبا سيف ا لدولة:
و ما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
أجزني إذا أنشدت شــعرا فإنما بشــعري أتاك المادحون مرددا
و دع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائـر المحكي والآخر الصدى
وقال أيضا:
أنا الذي نظر الأعمـى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صَمَم
أنام مِلْءَ جفوني عن شـواردها ويسهر القومُ جرَّاها ويَخْتَصِم
ويقول ابن رشيق صاحب كتاب (العمدة) بعد أن استعرض حال الشعر والشعراء قبل المتنبي: (ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس).
وهناك عوامل كثيرة أدت إلى تفوق المتنبي في الشعر، منها: نشأته العربية الأعرابية، وذكاؤه المفرط، وحفظه لعيون الشعر العربي، ثم نفسه الأبية، وطموحه الذي لا يبارى، ثم ما اكتسبه في حياته من تجارب، وما تقلب فيه من أحوال وأهوال.
وقد استطاع أن يجمع بين عمق المعاني وبين سلاسة الشعر وجمال التركيب، فجاءت الحكمة في شعره وقد لبست ثوب الشعر فحفظها الناس وردتها الأجيال العربية على مر العصور.
وفي بعض شعره مبالغة غير مقبولة وشيء من الشذوذ اللغوي، لكن ذلك لا ينقص من قدره وإن حاول أعداؤه وحساده تضخيم عيوب شعره وإبرازها.
أغراض شعره:
قال المتنبي في الشعر أغراض كثيرة، لكن الفخر يأتي في مقدمة أغراضه فقد بلغ فيه الذروة بل غالى بنفسه وأسرف في المغالاة حتى خرج عن حدود العقل والدين، فقال:
أيَّ محل أرتـــقي أيَّ عظيم أتـقي
وكل ما قد خلق اللـ ـه وما لم يخلق
محتقـــر في هِمَّتِي كشعرة في مفرقي
كما أنه يكثر من الفخر بشعره كما أسلفنا .
ويلاحظ أن فخر المتنبي بارز في أغلب قصائده، فتجده أثناء المديح يرفع نفسه إلى مستوى الممدوح إن لم يتقدم عليه، وكذلك في الرثاء كما في رثائه لجدته إذ يقول:
ولو لم تكوني بنت أكرم والد لكان أباك الضخمََ كونك لي أما
المديح:
أغلب شعر المتنبي في المديح، فقد عاش متنقلا بين أمراء الدولة الإسلامية يمدحهم وينال من عطائهم لكنه لم يكن ليذل نفسه بل كان يرى أنه من الملوك وإن كان لسانه من الشعراء.
وفُؤادي مــن الملوك وإنْ كان لساني يرى من الشعراء
هو يكثر في المديح من الحديث عن شجاعة الممدوح وكرمه وأصالته. وأعظم مدائحه ما قاله في سيف الدولة الحمداني، ولا غرابة في ذلك. فقد كان الحمداني بطلاً شجاعًاَ كريماً أصيلاً، فأعجب المتنبي به ورأى فيه صورة نفسه، فكان مديحه له نابعاً من الأعماق متصفا بالصدق والإخلاص.
الرثاء:
الرثاء قليل في شعره، وأشهره ما قاله في رثاء جدته، ومنه قوله:
ولو لم تَكُوني بنْتَ أكْرَم والـدٍ لكان أباك الضخم كـونك لي أما
تَغَرَّبَ لا مُسْتَعْظَماً غيرَ نفسـه ولا قابلا إلا لخالقــــه حُكْما
يقولون لي: ما أنت في كل بلدة؟ وما تَبْتَغِي؟ ما أبتغي جَلَّّ أن يُسْمَى!
وإني لمن قوم كأن نفوســهم بها أنَفٌ أن تَسْكُنَ اللـحمَ والعَظْمَا
وكذلك قصيدته في رثاء خولة أخت سيف الدولة:
طَوى الجزيرةُ حتى جاءني خَبَـرٌ فَزِعْتُ فيه بآمالي إلى الكـــذب
حتى إذا لم يَدَعْ لي صِدْقُهُ كذباً شـرِقْتُ بالدمع حتى كاد يشرق بي
ويلاحظ أن المتنبي يخلط الرثاء بالفخر، ويأتي فيه بالحكمة المستمدة من تجارب الحياة.
الوصف:
أجاد المتنبي في وصف المعارك الحربية، وذلك واضح في سيفياته، فقد كان يشارك سيف الدولة في المعارك، ويصورها بدقة عجيبة، حتى قال ابن الأثير: (اختص المتنبي بالإبداع في مواقع القتال، وذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتى يظن أن الفريقين قد تقابلا...).
كما أن له قصيدة جميلة في وصف شعب بوان الذي مر به وهو ذاهب إلى عضد الدولة: مَغَانِي الشِّعْب طِيْبَاً في المغاني بمنزلة الربيع من الزمــان
1- هذه القصيدة من قصائد المتنبي المشهورة بالسيفيات، وهي القصائد التي قالها في سيف الدولة الحمداني.
2- وقد بدأ القصيدة بالحكمة. ( لكل امرئ من دهره ما تعودا )، وقد عرفت في دراستك للمتنبي أنه من أشهر شعراء الحكمة في الأدب العربي، وأن حكمه لعمقها وقدرته على صياغتها شعراً قد انتشرت وأصبحت على ألسنة الناس يرددونها عندما يعرض لهم ما يناسب الاستشهاد.
والحكم في هذه القصيدة كثيرة كالبيت المشهور:
وما قتل الأحرار.... وإذا أنْت أكرمت.... ووضع الندى
3- القصيدة تعطينا صورة لسيف الدولة وما كان يتصف به من صفات، فقد كان شجاعاً: (وعادات سيف الدولة الطعن في العدا)، وكان كريماً: (هو البحر) ومقداما لا يهاب: (وصول إلى المستصعبات)، وحليماً من غير ضعف: (رأيتك محض الحلم)، و....
والصفات السابقة ليست من مبالغات المتنبي، ولكن سيف الدولة كان على جانب كبير منها كما هو معروف من أخبار حروبه ضد الروم.
4- والقصيدة تتحدث عن معركة بين سيف الدولة والدمستق، وهو من قادة الروم البيزنطيين، وقد انتصر عليه سيف الدولة فولى هارباً ووقع ابنه في الأسر، وبعد الهرب والهزيمة ترك ميدان القيادة والحرب، وتحول إلى الرهبنة المسيحية. وقد رسم المتنبي صورة دقيقة معبرة لتلك الحادثة، فهذا الدمستق قد ولى هارباً، ولشدة خوفه وفزعه ترك ابنه يقِع في الأرض، ثم ترك حياة الجندية ولبس مسوح الرهبان، وأصبح يمشي متكئًا على عكاز من الخوف والذلة، وما كان قبل تلك المعركة الخالدة يرضى بذلك، لكن سيف الدولة قضى على كل معاني الشجاعة والبأس فيه.
إنها صورة رائعة رسمها المتنبي لهذا القائد المنهزم.
5- دقة التعبير وروعته، كقوله عن الدمستق: أعطاك ابنه وجيوشه، وكأن الدمستق قد سلم الأمر لسيف الدولة بسهولة ويسر، وذلك من الرعب الذي أصابه.
وقوله يمشي به العكاز، فالعكاز هو الذي يمشي به، أما هو فقد استسلم لعكازه وعصاه من الضعف والانهيار.
6- والمتنبي صادق العاطفة في هذه القصيدة بل وفي كل سيفياته، فقد كان يعتبر سيف الدولة النموذج الأمثل للحاكم الشجاع، وقد عشق المتنبي شجاعته و إقامة ، وشاركه في حروبه ضد الروم، ولذلك كانت عاطفته تفيض بالصدق والإعجاب
7- وفي القصيدة محسنات بديعية، ولكنه جاءت في مكانها الملائم فأفاد في رسم الصورة: ( مماتا… مولدا ) و ( راكدا… مزبدا) (وأدناك... وأبعدك ).
8- وفي القصيدة شيء من مبالغات المتنبي، كقوله: ( لو كان قرن الشمس ).
shadow عضو vip
عدد المساهمات : 3980 نقاط : 3981 تاريخ التسجيل : 11/12/2014 العمر : 26
موضوع: رد: أبو الطيب المتنبى الإثنين 8 يوليو 2019 - 14:28