سورة التوحيد:
إن سورة التوحيد هي ثُلثُ القرآن الكريم، قال -صلى الله عليه وآله-: «قل هو الله أحد ثلث القرآن».. وقال الإمام الصادق -عليه السلام-: (من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرّة؛ فكأنّما قرأ ثلث القرآن، وثلث التوراة، وثلث الإنجيل، وثلث الزبور).. والثلث فسر بمعنيين:
أولاً: التلاوة.. البعضُ يقول: ثُلث القُرآن من حيث الأجر، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرة، فكأنما قرأ ثلث القرآن.. ومن قرأها مرتين، فكأنما قرأ ثلثي القرآن.. ومن قرأها ثلاثًا، فكأنما قرأ القرآن كله».. وأفضل مكان لقراءتها: الطواف؛ لأن الطواف حركة توحيدية، وكذلك يلهج بها من أول الإحرام في مسجد الشجرة إلى أن ينتهي من أعمال العمرة أو الحج.. وأما من حيث الوقت: ففي شهر رمضان المبارك؛ لأن كُل آية بختمة، ومن قرأ التوحيد ثلاثاً، كأنما ختمَ القرآن.. فتصور الأعداد العجيبة من الأجر العظيم!..
ثانياً: المعنى.. البعضُ يقول: بأنَ أصول الدين هي: التوحيد، والنبوة، والمعاد، والإمامة، والعدل.. وسورة التوحيد تتناول التوحيد، فبهذا المعنى تُعدّ ثُلثَ القُرآن الكريم.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.. لم يقل: واحد، لأنه إن نفى الواحدية، فالإثنينية ممكنة، إنما نفى الأحدية.. عندما يقول الإنسان: ليسَ في الدارِ أحد؛ أي ليس في الدار أي موجود؛ بخلاف ما لو قال: ليس في الدار واحد؛ هنا من الممكن أن يكون في الدارِ اثنان فـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أبلغ في التعبير!..
{اللَّهُ الصَّمَدُ}.. معظم المسلمين ومن كافة المذاهب، لا يعرفون ما معنى {اللَّهُ الصَّمَدُ} رغم أنهم يلهجون بسورة التوحيد صباحاً ومساءً!.. {الصَّمَدُ} مأخوذة من صَمدَ.. عندما نقول: صمدَ الرجل؛ بمعنى راجعَ فلان معتمداً عليهِ في قضاء حوائجه.. فـ{اللَّهُ الصَّمَدُ} هو ذلك الرب الذي نرجعُ إليهِ في قضاء الحوائج، (أزمة الأمور طراً بيده، والكلّ مستمدّة من مدده).. لماذا يذهب الإنسان إلى زيد وعمرو متوكلاً عليه؟.. ليبتغ الواسطة ولكن ليقل: يا رب، أنتَ المسبب للأسباب، يا ملين القلوب لين قلبَ فلان لي!.. البعض يعتمد على فلان من الناس، وعنده كل الثقة، أن حاجته مقضية على يديه، فيذهب إليه وإذا بهِ يخيب ظنه!.. وقد يذهب إلى إنسان لا يتوقع منهُ شيئاً، وإذا بهِ يفتح له الأبواب.. وذلك ليعطيه رب العالمين درساً أنهُ: عبدي!.. أنظر إلي، ولا تنظر إلى غيري.
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}.. رب العالمين يقول: لستُ جزءاً من أحد؛ ليس هنالكَ جزءٌ منه {لَمْ يَلِدْ}، وليسَ هنالكَ جزءٌ هو منه {وَلَمْ يُولَدْ}؛ نفي الجزئية من لوازم الصمدية.. {اللَّهُ الصَّمَدُ}: الكُلُ يحتاجُ إليه؛ فإذا كانَ جزءاً من أحد؛ احتاجَ إلى ذلكَ الجُزء.. وإن كانَ لهُ جُزء؛ الكُلُ يحتاجُ إلى جزئه.. فإذن، هذهِ من لوازم الصمدية، الكُلُ مفتقرٌ إليه، فلا جُزءَ منه ولا جُزءَ له.
{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.. أي لا شبيه ولا نظير له!.. فهذه الآية تنفي أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله.. والرب الذي بهذهِ الصفة، أفلا يستحقُ أن يُعبد؟.. أمير المؤمنين (ع) أعلم الناس بحقائق القرآن، بعدَ النبي المصطفى (ص) وقد جاء في الخبر: (أن أمير المؤمنين (ع) قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ فلما فرغ قال: "يا هو يا من لا هو إلا هو!.. اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين").. عليٌ (ع) إمام المتقين، ويعسوب الدين، عندما قرأَ التوحيد قال: (يا هو!.. يا من لا هو إلا هو)!.. إشارة إلى مقام: الواحدية، والأحدية، والصمدية؛ أي وحّد ربهُ، وذكرهُ بأعلى الصفاتِ والأسماء، ثم بعد ذلك طلب من الله -عز وجل- حاجته.
فإذن، بعدَ أن يقرأ الإنسان سورة التوحيد التي هي نسبة الرب، -روي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- قوله: (لكل شيء نسبة، ونسبة الرب سورة الإخلاص)- يطلب حاجته.. إن الذي يعيش هذهِ المعاني، بعد قراءة الحمد والتوحيد بتوجه وتفاعل، ما المانع أن يدعو ربه قبلَ أن يركع؟.. القنوت في محله، ولكن في الركعة الأولى، بلا قنوت يدعو الله -عز وجل- ب
أمير المؤمنين، يقول: "اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين".. أو بأي
آخر مثل: يا ربِ عرفني نفسك، وأذقني حلاوة حبك!.. اللهم كن لي ولياً!.. اللهم لا تخذلني!.. اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين!.. اللهمَ لا تردني إلى سوءٍ استنقذتني منه!.. اللهم لا تسلب مني صالح ما أعطيتني!.. العبد المؤمن عندما يُناجي ربهُ؛ تنقدح عندهُ مشاعر الحب والحنان والود، فيناجي ربهُ طويلاً.. وربُ العالمين يباهي ملائكته بهكذا إنسان!..