الملا وكيل أحمد متوكل وزير خارجية طالبان («الشرق الأوسط»)
الملا وكيل متوكل يتحدث إلى مراسل «الشرق الأوسط»
الشافعي
عادت افغانستان الى عين العاصفة وقلب الاحداث مع تصاعد اعمال العنف الدامي في جنوبها امتدادا الى قلب العاصمة كابل، مما دفع قوات التحالف الغربي الى اعادة النظر في استراتيجيتها وطلب المزيد من القوات، وسط خلافات بين دول الناتو على الوضع الامني المتصاعد ومطالب بسد النقص في القوات. وتقديم قوات مدربة تتسم بالمرونة لمحاربة نفوذ طالبان مع تقديم الدعم والتدريب والمعدات التي تحتاج اليها قوات الامن الافغانية، مما دفع بعض الجهات الى التساؤل عن مصير الرئيس حميد كرزاي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
كذلك التساؤل المستمر عن الاموال التي صرفت بعشرات المليارات ودفعتها دول الغرب لاعادة الامن والاستقرار الى الشارع الافغاني من دون جدوى منذ سقوط حركة طالبان الاصولية قبل ست سنوات والتي طالت تهديداتها جميع انحاء البلاد. «الشرق الأوسط» زارت افغانستان خلال الاسبوعين الماضيين، وتنقلت بين قاعدة باغرام حيث يوجد اشهر سجن وقاعدة اميركية هناك، وزارت العاصمة كابل وولا :rendeer:
ية كونار واسعد اباد وباميان لنقل صورة ما يجري على الارض من احداث ساخنة.
وأجرت «الشرق الاوسط» سلسلة من التحقيقات الميدانية والحوارات مع شخصيات فاعلة لمعرفة حقيقة ما يجري هناك، وتعرفت على التغييرات الاجتماعية والثقافية في العاصمة كابل. وزير خارجية حكومة طالبان الملا وكيل أحمد متوكل منذ خروجه من سجن باغرام قبل ثلاثة اعوام يحاول الابتعاد عن وسائل الاعلام بكل الطرق، ليس كما عُهِد به قبل إلقاء القبض عليه أو تسليم نفسه في قندهار بعد الإطاحة بحكومته. ويعتبر الشيخ متوكل اليوم هو الوحيد القادر على كشف الكثير من الملابسات التي صاحبت سقوط الحركة الاصولية، وشاهدا على عصرها، حيث لعب دور حلقة الوصل بين قيادة الحركة المتقوقعة في قندهار وبين العالم الذي حاصرها من كل مكان إلى أن انتهى بحرب قادتها الولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر (أيلول)، ولم تنته إلا بالإطاحة بها، لكن الأكثر أهمية هو الدور الذي من الممكن أن يلعبه وكيل أحمد في ظل المتغيرات الحالية في أفغانستان وإخفاق الولايات المتحدة على ارض الواقع في فرض الأمن والاستقرار على الرغم من مرور ستة اعوام على الحرب الواعدة بالتنمية والاستقرار وإعادة البناء. ويتميز متوكل، وزير خارجية الملا عمر، بالانفتاح وهدوء الأعصاب والصراحة والبساطة، وقدرته على المناورة في مساحات ضيقة، وقد التقته «الشرق الاوسط» مرتين، الاولى في مكتبه قبل سقوط الحركة الأصولية بعدة شهور عام 2001، وكان يتحدث عن متابعته لأخبار العالم من خلال القنوات الفضائية في مكتبه، رغم حظر طالبان البث التلفزيوني في عموم أفغانستان، وكان يدافع عن عموم الحركة وقتها، والمرة الثانية في فيلته الخاصة المتواضعة في حي خوشحال خان بغرب العاصمة كابل بشارع غير مرصوف يزدان بالحفر ومياه الامطار الآسنة، وعلى باب الفيلا عدد من الحراس الباشتون الاشداء. ولم يتغير الملا متوكل كثيرا عما رأيته في مكتبه قبل اكثر من ست سنوات، فما يزال يرتدي العمامة البيضاء، ولم تتغير ملامحه باستثناء شعيرات بيضاء قليلة لونت لحيته. وقال لي الشيخ متوكل، في غرفة الضيوف، إن الحراس في الخارج «لنا وعلينا» ولم افهم المعنى إلا بعد ان فسر لي مرافقي وهو مصدر وسيط من الافغان يتحدث العربية بطلاقة سهل لـ«الشرق الاوسط» اجراء هذه المقابلة، إن الحراس من عناصر المخابرات الافغانية، اي انهم لحماية الشيخ متوكل والابلاغ ايضا عن زواره وتحركاته. وكشف متوكل في أول لقاء لصحيفة عربية، بمقر اقامته، بعد اطلاق سراحه من سجن باغرام، أنه يريد الابتعاد عن السياسة بكل الطرق، مشيرا الى انه ينشغل حاليا اليوم بترجمة امهات الكتب الاسلامية من تفسير وحديث وفقه وجوامع الكلم الى البشتو والداري، وقال لو عادت عقارب الزمن الى الوراء لما تولى وظيفة خارجية طالبان، التي شغلها مرغما و«مكره أخاك لا بطل» بسبب الضغوط التي فرضها الملا عمر عليه، كلما حاول التنصل من المنصب، على حد قوله. وكشف انه التقى الملا عمر في قندهار قبل يوم واحد من بدء الحرب في نوفمبر (تشرين الاول) 2001، وكان حاكم الحركة الاصولية في حالة «توهان» او سرحان، ولم يكن مركزا، وقال متوكل إن الملا عمر كان يعتقد ان اميركا لن تشن حربا ضد دولة صغيرة مثل افغانستان. وتحدث متوكل عن تجربة احتجازه من قبل الأميركيين في قندهار، وقاعدة باغرام لمدة عامين و 12 يوما، ثم خضوعه لإجراءات الإقامة الجبرية لنحو عام. وقال إنه حر طليق اليوم، يذهب الى صلاة الجمعة في المسجد القريب، ويستقبل زواره، واعترف ببعض أخطاء الحركة الأصولية مثل منع تعليم البنات، وقال ان تعليق تعليم البنات كان مؤقتا، إلا أنه نفى أن تكون له أي اتصالات في الوقت الحاضر مع قادة طالبان المطلوبين أميركيا. واهدى متوكل، الذي يتحدث البشتون والداري والانجليزية، نسخة من كتابه «طالبان وأفغانستان» الى «الشرق الاوسط»، وجاء الحوار معه على النحو التالي :
* ماذا يفعل الشيخ وكيل الآن بعد الافراج عنه من سجن باغرام ؟ ـ انا مشغول اليوم بالنشاطات الثقافية والدينية بترجمة أمهات الكتب العربية والاسلامية الى لغة البشتو حتى يصل الدين الحنيف الى العامة من الشعب الافغاني، مثل تفسير القرآن الكريم وصحيح البخاري، وشرح كتب العقائد.
* هل سترشح نفسك في الانتخابات النيابية المقبلة ؟ ـ اذا كانت الحالة كما هي عليه الآن، بدون صلح وامان في الشارع الافغاني، فمن الصعب الترشح.
* هل تدفع افغانستان حتى اليوم ثمن استضافتها ابن لادن والعرب في عهد طالبان ؟ ـ افغانستان ما زالت في حالة حرب، ولا استطيع القول إن الثمن لما نمر به الان هو استضافة ابن لادن.. نحن ورثنا ابن لادن والعرب، لانهم كانوا موجودين على الاراضي الافغانية قبل وصول طالبان الى الحكم عام 1996، نعم كنا مسؤولين عنه، اما اليوم فالحكومة الموجودة على الارض ليست حكومة طالبان، والحرب اليوم تختلف لانها حرب داخلية واسامة غير موجود على الاراضي الافغانية، ومع ان اسامة ابن لادن مقاول في الاساس، وهي مهنة ورثها عن عائلته، لكنه لم يقدم شيئا الى البلد في الشوارع، وحتى الحكومة الحالية لم تقدم شيئا، والحالة كما هي عليه، والحرب مستمرة اليوم.. نعم ابن لادن دمر البرجين واعلن مسؤوليته، ولكن الحرب مستمرة اليوم بعد سقوط طالبان بست سنوات ضد الشعب الافغاني، وهو تساؤل من جميع الشعب الافغاني، لماذا الحرب حتى اليوم متواصلة بدون توقف.
* قبل الحرب مباشرة، أي قبل سقوط طالبان بأيام.. هل كان الملا عمر يستشيرك باعتبارك وزير خارجيته ؟ ـ كان الملا عمر يعتقد ان الحرب ربما لن تقع، كان يتصور ان دولة عظمى مثل الولايات المتحدة لا يمكن ان تشن حربا ضارية ضد دولة صغيرة مثل افغانستان، وكنت اعتقد شخصيا العكس، الحرب آتية لا ريب فيها، وكانت الاستشارات مستمرة مع جميع الاخوة في طالبان وفي جميع المجالات، كان الملا عمر، قبل الحرب بيوم، في حالة من السرحان، اما بعد الحرب فقد قطعت الاتصالات بيننا.
* كم مرة رأيت الملا عمر في الأيام الحاسمة الاخيرة قبل سقوط الحركة؟ ـ قبل بداية الحرب الاميركية بيوم واحد فقط اتذكر أني رأيت الملا عمر، وكما قلت كان تحت ضغط فكري شديد، وكان يعتقد ان الحرب لن تقع.
* كم يوما قضيت في سجن قاعدة باغرام العسكري ؟ ـ عامين و 12 يوما بالتمام والكمال، وهي فترة صعبة جدا على النفس.
* ما أصعب درس على النفس في السجن العسكري الاميركي ؟ ـ انا اتحدث عن الحكومة الاميركية.. وجدت المسؤولين والمحققين الذين التقيتهم في السجن غير وافين بالوعد، مع انهم من المفترض حكومة غربية تعرف اصول الديمقراطية والشفافية. على سبيال المثال حينما سلمت نفسي إليهم في قندهار قالوا لي إن الامر لن يستغرق عدة ايام او عدة اسابيع على الارجح وسنطرح عليكم عدة اسئلة، هي اسئلة متعلقة بك، ولن تجلس معنا فترة كبيرة، ستعود بعدها الى اهلك، لكن الايام الاسابيع تخطت العامين، وقالوا لي لن نأخذك الى غوانتانامو في كوبا ولكنهم نقلوني في طائرة عسكرية وقفت في الاراضي التركية، ثم اعادوني بعدها الى باغرام مرة اخرى، اي الى نصف الطريق الى غوانتانامو، ربما أرادوا ان يبلغوني رسالة مفادها ان النقل الى كوبا ليس أمرا صعبا».
* ما الآية القرآنية التي كنت تتذكرها دائما وعلى طرف لسانك في السجن ؟ ـ حسبنا الله ونعم الوكيل
* من وجهة نظركم ما سبب نشاط طالبان وفورتهم اليوم بعد ست سنوات من سقوطهم في كابل ؟ ـ لا يستطيع احد ان يجيب على هذا السؤال، لاني اولا بعيد عنهم، اما الذي يمكن التحدث عنه فهو مجرد تصورات مبنية على مؤشرات من الجانبين، اي من الحكومة وطالبان، وسط مزاعم من جانب الحكومة بان باكستان هي الممول الرئيسي للحركة، اما طالبان فتقول ان الشعوب الاسلامية والناس العاديين من الافغان وغيرهم هي التي تمول الحركة.
* ما رأيكم في تقرير اميركي يقول إن حكومة الرئيس كرزاي تسيطر على 30 في المائة من ارض افغانستان ؟ ـ اذا كان الحساب بالنسبة لسطح الارض فربما هذه الاحصائية مناسبة تماما، ولكن من الناحية الادارية فالمعلن ان الحكومة تسيطر على جميع المحافظات .
* هل حرمت من ارتداء العمامة في سجن باغرام ؟ ـ لم يسمح لنا بارتداء العمامة في السجن، جاءت اوقات صعبة، اخذوا مني الزي الافغاني وسلموني بدلا منه البدلة الزرقاء، والبرتقالية قبل محاولة نقلي الى كوبا.
* التلفزيون ايام طالبان كان محرما واليوم هناك 11 قناة.. ماذا يشاهد الشيخ وكيل اليوم ؟ ـ ايام طالبان لم يحرم البث التلفزيوني بل كان معلقا لمدة معينة، وكانت هناك طواقم التلفزيون موجودة كذلك ارشيف التلفزيون، وكان هناك منصب لرئيس التلفزيون، اي ان البث كان معلقا لفترة، وكنت اشاهد ـ أيام طالبان ـ «سي إن إن» و«الشارقة» وقناة «إقرأ» و«الجزيرة» عبر الدش، اما اليوم فاشاهد نفس القنوات واحيانا القناة الافغانية «مللي».
* ما سبب انتشار المخدرات اليوم في مقاطعات كاملة مثل هلمند، وتقول الاحصائيات ان افغانستان تنتج 50 في المائة من انتاج الهيروين العالمي؟ ـ ايام طالبان، عندما كانت تصدر الفتوى او الأمر كان يطاع بدقة متناهية، وقد اصدر الملا عمر فتوى تحرم زراعة المخدرات فأطاعه الفلاحون، اما اليوم فان الوضع يختلف تماما .
* ماذا تحتاج افغانستان اليوم، وماذا ينقصها ؟ ـ تحتاج الصلح بين ابنائها الافغان .
* اذا جاء اليكم ابنكم الاكبر خالد وقال لكم انه يريد ان يعمل مذيعا هل توافق ؟ ـ هو يتعلم الدين والعلوم الشرعية الآن، واذا انهى تعليمه فلن اقف في طريق اختياره لوظيفة ما.
* هل كتبت مذكراتك ؟
ـ انا مشغول بالنشاطات الدينية والثقافية، فلا اكتب المذكرات وليس لدي وقت الان.
* ما الدور الذي يمكن ان يلعبه الشيخ متوكل اليوم في ظل فشل اميركا في فرض سيطرتها وإعادة الامن والاستقرار الى ارض افغانستان ؟ ـ الذي يلعب الدور المهم في هذه الحالة هو شخص له وقت وفراغ، اما الان فاني مشغول بالنشاطات الثقافية والدينية واقوم بدوري بما تيسر لي.
* بعد ست سنوات من سقوط طالبان، هل يمكن ان تذكر سلبيات الحركة او ايجابيات لها ؟ ـ كل حركة انسانية لها ايجابيات وسلبيات، ولكن الحكومات الاخيرة ايضا لا تستطيع ان تحل مشاكل البلد، ولكن بالنسبة لطالبان، استطيع القول نحن كنا ضعفاء والبلد كان مدمرا، فلم نكن في وضع يسمح لنا باستضافة الاخرين، ولكن بسبب المسؤولية الدينية قبلنا استضافة العرب، ولا أريد ان اقول انه كان يجب تسليم الضيوف الى الدول التي تطالب بهم، ولم نكن في الاساس في حالة تسمح لنا باستضافة الاخرين، اي بعبارة اخرى ما كان علينا استضافة ابن لادن فهذا اكبر خطأ ارتكبته طالبان، اما بالنسبة للاقتصاد والمجال التعليمي فكان يجب على الحركة ان تنفذ بعض الاشياء، مثل تعليم المرأة، بالرغم من انه كان معلقا، الا انه كان من الواجب تقديم او عمل شيء ما، بالنسبة للمرحلة الابتدائية لان التعليم الجامعي كان موجودا وكان هناك طلبة في كلية الطب، اناث وذكور، وكانت هناك ايضا كلية الشريعة .
* هل تعتقد ان القوات الاجنبية ستخرج من ارض افغانستان يوما ما ؟ ـ افغانستان بلد له تاريخ، واعتقد ان القوات الاجنبية لا يمكن ان تعيش هنا الى الأبد، وتاريخ بلدنا اقدم من الدول المجاورة، والتاريخ يثبت لنا ان القوات الاجنبية ستخرج، وقد حدث هذا من قبل أيام الانجليز ثم الروس، قد لا تخرج قريبا، ولكنها ستخرج، والافغان هم الذين سيعيشون في بلدهم.
* لو عاد الزمن الى الوراء هل كنت تفضل منصب وزارة الخارجية في عهد طالبان ؟
ـ أقول الحقيقة وبكل صراحة، حتى عندما كنت وزيرا لخارجية الحركة لم تكن تلك رغبتي، ولم أكن سعيدا بها، كان الضغط علي ان اكون وزيرا للخارجية من قبل الملا عمر، أي مكره أخاك لا بطل، وكان يجب علي السمع والطاعة، لانه ولي الأمر، وإذا عاد الزمن الى الوراء فاني اتصور نفسي بدون اي منصب رسمي