عدد المساهمات : 124 نقاط : 372 تاريخ التسجيل : 27/12/2009
موضوع: شجرة الأركان ..بين خطر الانقراض والتنمية القروية السبت 16 يناير 2010 - 20:06
نساء قرويات أخرجتهن الشجرة من عزلتهن وانفتحن على عالم الإنتاج والتسويق هل كان اعتراف منظمة الامم المتحدة اليونسكو سنة 1998 بشجرة الأركان في المغرب ثروة طبيعية عالمية، مجرد حدث عابر؟، طبعا لا، لأن الشجرة أصبحت ذات صيت عالمي، وبات ناقوس الخطر يدق أمام إمكانية انقراضها، شجرة الاركان المتفردة في منشئها الجغرافي بالمغرب، هي شجرة تتجاوز قيمتها الغذائية والطبيعية إلى قيمتها الطبية والاقتصادية والبيئية. و مميزات الشجرة التي تعطي الثمار التي يستخلص منها زيت الأركان، والذي يتناوله المغاربة زيتا طبيعيا للمائدة، كما يعتبر مادة طبية للتداوي و التجميل، هذا إضافة إلى منافع الشجرة الرعوية والبيئية، وفي الوقت الراهن، أدرك الجميع أهمية الشجرة، ومدى قدرتها على أن تكون إحدى العوامل المسهمة في التنمية المحلية بمناطق وجودها، خاصة في الجنوب المغربي في أقاليم ومحافظات اكادير اداوتنان وانزكان ايت ملول وتيزنيت وتارودانت والصويرة وشتوكة ليت باها. وغابة شجرة الأركان الوحيدة على وجه الأرض، تمثل ثلثي المجال الغابوي بالجنوب المغربي، ومساحة تقدر ب 830 ألف هكتار، الغابة التي تعتبر آخر حاجز طبيعي أمام آفة التصحر، والأرقام تؤكد جليا تراجع هذه الغابة، فمن 100 شجرة في الهكتار الواحد في أربعينيات القرن الماضي، إلى أربعين شجرة فقط في الهكتار الواحد حاليا، وما يزيد من تراجعها عوامل بشرية وطبيعية وغيرها تقف أمام التدهور الخطير لهذه الثروة الطبيعية، بل أكثر من ذلك صارت المادة محط تنافس دولي، عبر الاستغلال الكبير للشركات الأجنبية في استيرادها وكذا استغلال اسمها الخاص بالمغرب. و المناطق التي توجد فيها شجرة الاركان، أسهمت حاليا في طفرة جديدة للمرأة القروية، وأخرجتها من عزلتها، عبر انشاء مجموعات من النسوة في عدة مناطق، لما يسمى التعاونيات النسوية للأركان، مؤسسات تحقق من خلالها المرأة عملا اعتادت عليه في استخلاص زيت الاركان من ثمار الشجرة، لكن الجديد هو تكتلها في مؤسسات ودخولها مجال الانتاج والتسويق، كأية شركة حديثة، تقول إحدى النسوة المشتغلات في هذا المجال: "لقد ساعدتنا هذه العملية كثيرا في انفتاحنا على العالم من جديد، أصبحنا نعيل أسرتنا، نشتري للأطفال الثياب والأدوات المدرسية، وكل امرأة حسب مجهودها تتلقى مصروفها، فمنا التي تستخلص الزيت بمعدل ثلاثين إلى أربعين لترا في الشهر، تنال من خلال العمل ألف درهم أو اكثر، أصبحنا بهذا نعين الرجل على أعباء البيت، فالنساء هنا تقدمن كثيرا.." هكذا تؤكد المرأة بعفوية مطلقة، وهي تشتغل ورضيعها على ظهرها، شأنها شأن كل النسوة المنهمكات في تقشير ثمار شجرة الأركان، كأنهن يد واحدة، وبصوت واحد يرددن بين الفينة والأخرى مواويل امازيغية. هذه المؤسسات أو التعاونيات، غالبيتها تديرها وتشتغل فيها النساء فقط، منها ما ينتج سنويا طنين من زيت الأركان، وتحقق رقم معاملات تصل إلى 20 مليون درهم سنويا، ويزداد الرقم كلما ازداد عدد النسوة المنخرطات في التعاونية، وفي مقابل ذلك تحصل النساء على أكثر من ثمانين درهما مغربيا في اللتر الواحد. و أمام هذا الاهتمام الكبير بالشجرة ومحاولة من الدولة في درء خطر انقراضها، والسعي إلى إنماء العمل بهذه المادة،خرج للوجود أهم مشروع تنموي هو برنامج دعم تحسين ظروف عمل المرأة، وهو شراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تبلغ تكلفته 12 مليون أورو، أسهمت اللجنة الأوروبية فيه بستين مليون درهم مغربي، والمغرب بأربعة ملايين درهم، فيما يسهم المستفيدون من السكان بمليوني درهم، ويشرف على المشروع وكالة التنمية الاجتماعية، يقول علي ليسيكي رئيس وحدة تسيير المشروع : " البرنامج يهم تأهيل التعاونيات النسوية، التي تعاني صعوبات التسيير والتسويق وكذا الإنتاج، كما إن البرنامج يهتم بتأهيل مستوى المرأة القروية بشكل عام، عبر برامج محو الأمية والتكوين المهني". مدة البرنامج تمتد من شهر مارس لسنة 2003 الماضي إلى مارس من سنة 2008 المقبل، واستفادت منه عدة تعاونيات نسوية، قد تصل منحة التعاونية الواحدة، إلى خمسين مليون سنتيم، أي إن النساء القرويات انتقلن من نشاط اقتصادي فردي هامشي إلى اقتصاد جماعي وأساسي مقرون بالإنتاج والتسويق كما في أية مؤسسة حديثة. لكن شجرة الأركان لا تخلو من إشكاليات أعمق، إضافة إلى الاستنزاف البشري والرعي الجائر، إذ تعاني التعاونيات المذكورة من مشكلة تصدير ثمار الأركان إلى الخارج وهي مادة خام، أي قبل استخلاص الزيت منها، وتدعى في اللغة المحلية "تزنين"، والمهتمون يرون المشكلة قانونيا في تصدير المادة كحبوب عادية، وليس لأنها مادة تشكل ثروة وطنية، حيث تصدر الأطنان منها بثمن بخس، وتتم معالجتها في شركات تملك إمكانيات وتقنيات كبيرة، لاستخلاص زيت الأركان، ما يقلص بالتالي زبائن التعاونيات النسوية بل إلى إمكانية تهديدها بالإفلاس. إشكال آخر يتمثل في استغلال اسم الأركان من طرف الشركات الأجنبية، إذ يبيعون منتجاتهم تحت اسم الأركان نفسه رغم أن الاسم ملكية مغربية خالصة. ألم يحن الوقت إذن لجعل شجرة الأركان رهانا اقتصاديا؟ مخافة أن تكون ضحية لشهرتها، أمام الإقبال المكثف عليها من طرف الأجانب قبل المحليين، هذا الذهب الأخضر الذي يمثل رمز الأسرة المغربية والسوسية خاصة، الحلية الغذائية التي تزين المائدة وتكرم الضيف.