اللُّمعةَ في جواز
جمع العصر إلى الجمعة
قدَّمَهُ الشيخ / وليد محمد المصباحي 0
مقدّمة:
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أوضح الحُجة وأبان عن المحجَّة , وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى آثارهم , وبعد 00
فإن الناظر إلى منهاج النبوة في التشريع يلحظُ أن من خصائصه أنه منهج يربط بين الأحكام الشرعية وعللها كقوله تعالى {كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على اللذين من قبلكم لعلكم تتقون } وكقول النبي صلى الله عليه وسلَّم (إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر )وقد كتب العُلماء في مقاصد الشريعة وأسرار التشريع ما يُبهج النفوس ويُذهل العقول مثل ما سطره الإمام الشاطبي في كتابه (( الموافقات ))
لذلك كان ولابُدَّ للفقيه ألايكتفي بظواهر النصوص المجردة بل عليه أن يُسبر أغوارها ويتفطن للعِلَلِها من خلال المقاصد التي تهدُف الشريعة إليها وذلك لا يتم إلا باستقراء النصوص واستخرج القواعد وضبط الضوابط, ولم يتنافس العلماء على حفظ النصوص وجمعها فحسب ولم يجعلوا ذلك همهم حالاً وقالاً بل كانت هِمة همهم استخراج ما أُودع فيها من الفوائد والحكم والأسرار 0
ورحم الله الإمام الشافعي القائل: السُنَّة شارحة للقرآن وكلام العلماء شارح للسُنَّة0 لذلك كان أسعد الناس بنصوص الشريعة من عرف صحيحها من سقيمها وبعد ذلك وُفق للنظر الصحيح فيها وذلك حسب النور الذي يقذفه الله من قلب عبده فالعلمُ لا ينال إلا بسببين , الأول مادي والثاني إلهامي توفيقي 0 فالعلم المادي هو البحثُ والتعلم أخذاً عن أهل العلم وقراءةً في الكتب وهذا قد يشترك فيه الكثير والثاني السبب التوفيقي ولا يُنال إلا بالتقوى والإخلاص , فمن أخلص لله أربعين صباحاً أجرى الله الحكمة على لسانه كما ورد ذلك عن بعض السلف , وهذا أمر عظيم لا يُحسنه القليل بل أقل القليل , ونحن في بحثنا هذا نُبنيه على أصول أهل العلم ومن تِلكم الأصول نبذ التقليد والبحث المجرد عن العصبية والهوى مُستسلمين لما سيؤول إليه بحثنا هذا في هذه المسألة الاجتهادية والتي للنظر فيها نصيب ولا أدعي - حاشا- أني مصيب فيما أقوله وأن من خالف هذا القول أو ذاك فهو مخطئ -لا أقول هذا- ولكن أقول أن ما أدى إليه بحثي هو الأقرب للصواب فيما يظهر للعبد الفقير , ولكن من أراد الرد فاليرد بعلم أو يلزم الصمت بحلم , وَلْيقنع بالتقليد فإن قَنع بالتقليد فلا يكون علمه حجة إلا على نفسه , ولا يكون حجة على مقلد آخر وبالطبعِ على مجتهد , ولا يقولنَّ قائل : خالفتُ فلاناً العالم وأنت لا تُساوي شيئاً بجانبه 0 فنقول هذا منقوض بخلاف من هو أعلمُ من هذا العالم من مُعاصريه أو من كان قبله أو من السلف المُتقدمين والذي لا يُساوي فلان شيئاً إذا ما قورن به والمنهج العلمي لا يهمه زيد ولا عمرو إنما يهمه الحجة والبرهان أثراً كان أو نظراً نقلاً أو عقلاً , واني لأعجب من بعض طلبة العلم اللذين يقولون نحن لا ندعي أن العالم الفلاني معصوم وأنه لا يُخطئ بل الكل يوضَع على ميزان الكتاب والسنة, وفجأة ومن غير سابق إنذار إذا عرضت مسألة إذا بالتعصب يُكشر عن أنيابه و إذا بنا نكشتف أن الكلام الجميل السابق ما هو إلا نظري بحت ليس له من الواقع أدنى نصيب 0
{يا أيها اللذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون } والبعضُ يرى أن تخطئة العالم ولو بحجة يلزم منه انتقاصهُ وهذا يُؤكد ما قلته آنفاً , والقاعدة أن الخطأ لا يلزم منه النقص والعيب بل الخطأ في حق العالم كمال لأنه أدل دليل على بشريته وآدميته وإنسانيته 0
وما سُمي الإنسان إلا لنسيه 0
وقد قال صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وأُخـطـئ كمـا تُـخطـئون) ولكن قصرت الفهوم وطاشت العقول بسبب الكبر أو الحسد أو الشهوة أو الجهل 0 ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم 000
وختاماً أسأله تعالى أن يُوفقنا لكل ما يُحبه ويرضاه وأن يُسدد أقوالنا وأعمالنا ويجعلها خالصةً لوجهه الكريم 0 وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين0
( بين يدي المسألة )
قبل أن نخوض في مسألة جمع العصر إلى الجمعة أُحب أن أقول أنَّ المتقدمين من الفقهاء لم يتعرضوا لهذه المسألة في كُـتبهم, وأعني بالمتقدمين القرون المفضلة الثلاثة ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه جمعوا بينهما, وذلك لأن تصور هذه المسالة في ذلك الزمن كان بعيداً للأسباب التالية :-
1. أن الأماكن التي يمرُ عليها المسافرون لم تكن مأهولة بالسكان كما في عصرنا بل كانوا يمرون بقرى صغيرة وخيام لا يتجاوز عدد سكانها أصابع اليدين وذلك معلوم بالاستقراء فلا تلزمهم الجمعة 0
2. أن المسافر لا تجب عليه الجمعة 0
3. إن الناس قديماً كانوا لا يرحلون وقت الظهيرة وإنما كان جُلَّ سفرهم وقت البكور ولم يكن لديهم تلك السيارات المُكيفة السريعة والطرق المُعبدة المزفتة 0
4. ولذلك لم يحصل فيما أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحداً من أصحابه صلى جمعة وهو مسافر خَلْفَ مقيمين ثم شرع في السفر ولو كان ذلك لنُقل إلينا, فليس هناك أثر بخصوص مسألتنا هذه لا أثر قولي ولا أثر فعلي فيما أعلم للأسباب الأنفة الذكر 0
ونتيجة ذلك أن يُقال:
ما الحكم في ذلك وما المرد فيه ؟
نقول المرد في ذلك العودة إلى أصول الشريعة ومقاصدها وإلى أصل هذه المسألة في الكتاب والسنة حتى نتمكن من بناء الفرع على الأصل فيستقيم عود المسألة 0
( إشكالات ترد على المسألة )
المانعون لجمع العصر إلى الجمعة للمُسافر يُوردون إشكالات تمنع من النظر في هذه المسألة والقول بجواز الجمع , وسنعرض أولاً الإشكالات ثم نفهمها جيداً وبعد ذلك نُناقشها نقاشاً علمياً 0
1. العبادات توقيفية لا تثبت إلا بدليل 0
2. الجمعة ليست ببدلٍ عن الطهر بل مُختلفة في شروطها وصفتها ووقتها عن الظهر فلا يُجمع إليها غيرها 0
3. العبادات لا يدخلها القياس إلا في نطاقٍ ضيق 0
أولاً - التوقيف في العبادات معناها أن العبادة لا يقال بمشروعيتها إلا بنصٍ صريح فإجازتُها موقوفة على ورود النص فيها و فلا يجوز لشخص أن يخترع عبادة معينة بعدد معين أو وقتٍ أو هيئة من غير نص وسواء أكانت هذه العبادة مشروعة بأصلها أم ليست مشروعة فلو أن رجلاً التزم ذِكراً معيناً في وقتٍ معين لم يحدَّه الشارع لقلنا أن هذه من البدع الإضافية المشروعة بأصلها لا بوصفها فالذِّكـرُ مندوبٌ إليه ومرغبٌ فيه لكن لمَّا جعله المكلف على وقت أو عدد أو هيئة لم يشرعها الله ولا رسوله كان من قبيل البدع, لكن ينبغي لنا أن نضع الدائرة في حجمها الطبيعي ولا نُوسعها حتى نُدخل فيها المصالح المرسلة ولا نُوسعها أكبر حتى ندخل فيها العادات والمُباحات 0
إذن التخفيف على المُكلف ورفع الحرج والمشقة عنه مقصد من مقاصد الشريعة وخصوصاً في العبادات ومن صور هذه التيسير الجمع الذي هو رُخصة للمسافر, إذن الأصل أن الجمع للمسافر مشروع وهو مُنسحب على كافَّة الصلوات فإذا كان هذا هو الأصل فخلاف الأصل المنع منه والمانعُ يحتاجُ إلى دليل يثبت فيه المنع ثم إن الجمع لا يتعلقُ بعدد ولا بهيئة ولا جنس ولا وقت ولا كيفية غير مشروعة, بل يتعلقُ بأمرٍ خارج عن ذات العبادة خادمٍ لمقصدٍ شرعي مُتفقٌ عليه فكان الجمع بين الصلوات من قبيل المصالح المرسلة وسأذكر كلاماً للإمام الشاطبي في التفريق بين المصالح المرسلة والبدع المحدثة فهذه المسألة معيار للوسطية بين الغلاة والجفاة في هذا الباب, فتأمل:-
قال
فهذه أمثلة عشرة توضح لك الوجه العملي في المصالح المرسلة وتُبين لك اعتبار أمور:-
أحدها: المُلائمة لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من دلائله 0
الثاني:- وهكذا تجد عامة التعبدات في كل باب من أبواب الفقه, إن في هذا الاستقراء معنى يعلم من مقاصد الشرع أنه قَـصـد قصدهُ ونحَى نحوه واعتبرت جهته, وهو وإن كان من التكاليف من هذا القبيل فإن قصد الشارع أن يوقف عنده ويعزل عنه النظر الاجتهادي جملة, وأن يُوكل إلى واضعه ويُسلم له فيه وسواء علينا قـلنا إن التكاليف مُعلله بمصالح العباد أم لم نقله اللهم إلاَّ قليلاً من مسائلها (أي العبادات) ظهر فيها معنى فهمناه من الشرع فاعتبرنا به أو شهدنا في بعضها بعدم الفرق بين المنصوص عليه والمسكوت عنه, فلا حرج حينئذٍ فإن أشكل الأمر فلا بد من الرجوع إلى ذلك الأصل فهو العروة الوثقى للمُتفقِه في الشريعة والوزر الأحمى )0 أ0ه
ولا أدل على ذلك من إحداث عثمان رضي الله عنه الأذان الأول لمصلحة, حيثُ أنه علم أن الأذان له فـائـدتـان:-
الأولى :- إنه علامة دخول الوقت 0
الثانية:- تنبيه الناس لقرب إقامة الصلاة 0
فاستفاد الخليفة عثمان رضي الله عنه من هذه الحكمة فقسَمها قسمين 0
القسم الأول:- تنبيه الناس لقرب موعد الجمعة بالأذان الأول 0
والقسم الثاني :- الإعلان عن الخطبة وهو الأذان الذي يحرم فيه البيع والشراء لمن تلزمه الجمعة فكان الأذان الأول بمنزلة أذان الصلاة , والأذان الثاني بمنزلة الإقامة 0وهذا في أمر تعبدي ولم يحصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لعلم الناس بوقت الجمعة , ولأن الناس لم يكثروا وتتسع المدينة كما في زمن عثمان رضي الله عنه ومن بعده 0
وفي هذا المثال تطبيق لكلام الشاطبي رحمهُ الله , قبل ذكر هذا المثال وهذا المثال الذي ذكرناه ينطبق تماماً مع مسألة جمع العصر إلى الجمعة 0
• فهو لم يكن موجوداً زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان الأول 0
• وهذا في أمرٍ تعبدي كالأذان الأول 0
• وقد علمت الحكمة فيه وهو رفع الحرج والمشقة كما علمت حكمة الأذان الأول0
• والأذان الأول يُحقق مصلحة للمكلف والجمع المذكور فيه لذلك مصلحة للمُكلف0
• والأذان الأول لم يكن موجوداً لعلة وقد ذكرناها وكذلك الجمع بين الجمعة والعصر لم يحصل لعلل ذكرناها في صدر البحث 0
فإن قُلنا أن جمع العصر إلى الجمعة بدعة لزم علينا أن نقول أن الأذان الأول بدعة ومن قال أن هذا التلازم غير لازم قلنا بين لنا وجه الحجة فإن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) , وعثمان منهم , وقد أحدث الأذان الأول فهو سنة لكنه لم يجمع العصر إلى الجمعة 0
قلنا هل يلزم عصمة عثمان والراشدين ؟
فإنهم سيقولون بالطبع لا 00 إذن المراد بسنة الخلفاء الراشدين منهج الخلفاء المُستفاد من سنة رسول الله , فهو من باب عطف الخاص على العام فسنة الخلفاء من سنة رسول الله , وهذا حُجةٌ لنا لا علينا لأن ذلك يدل على أن من منهج الخلفاء إعمال المصالح المرسلة ولو في العبادات إذا عقل معناها ومثل جمع المصحف الذي أحدثه الشيخان , فإعمال المصالح المرسلة منهج نبوي قبل أن يكون مما أحدثه الخلفاء الراشدين 0
ثم إن المصالح والحاجيات ليست مقصورة على عصر , فقد تعظم في مكان دون آخر وفي عصر دون آخر 0
فوجب عليكم القول بالتلازم بين المثالين ولا محيص 0
إذن نخلص مما سبق أن نقول , نعم العبادات توقيفية لا تثبت إلا بدليل ويُستثنى من ذلك ما يتعلقُ بها من مصالح للمكلف إذا عقل معناها وكان من قبيل المصالح المرسلة , ومسألتنا داخلة في هذا الاستثناء كما أثبتنا ذلك بالبرهان 0
إضاءة :-
لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا جمعةً واحدة فهل يعني أن تعدد الجمع في المصر الواحد بدعة , وذلك لأن صلاة الجمعة توقيفية فلا نعدل عنها إلا بنص , لا نقول ذلك بل نقول يجوز تعدد الجمع في المصر الواحد إذا كثُر الناس دفعاً للحرج والمشقة , وكذلك مسألتنا هذه حيثُ يجوز جمع الجمعة إلى العصر بعذر المطر وبعذر السفر فمن قال ببدعة مسألتُنا لزم بذلك بدعية إقامة أكثر من جمعة في المصر الواحد ولو أصر المُفرق بين المسألتين على رأيه لكان ذلك تحكُماً سببهُ الجهل 0
إضاءة أُخرى :-
وكذلك بناء المساجد توقيفي ولم يكن في مسجد النبي طاقاً ولا قُباباً ولا مِئذنةً ولا مُصلى خاص بالنساء محجوباً عن الأنظار ولا خطوط للتسوية بين الصفوف فهل نقول أن بناء المساجد على هذه الطريقة بدعة مُحدثة أم مصلحةً مُرسلة 0
وأما قولهم أن الجمعة ليست ببدلٍ عن الظهر فهو منقوضٌ بما يلي :-
1. من فاتته الجمعة صلاها ظهراً أربعاً 0
2. واختلف الفُقهاء هل الجمعة ظهر مقصورة أم صلاة على حيالها ؟ وعلى كلا الفرضين :-
• لو قلنا ظهر مقصورة فلا إشكال في جواز جمع العصر إليها 0
• ولو قلنا صلاةٌ على حيالها لكانت بدلاً عن الظهر والبدل يأخذ حكم المبدل وما استثتى من هذه القاعدة لا يكون إلا بدليل فلو قال قائل إذا كانت الجمعة بدلاً عن الظهر والبدل يأخذ حكم المُبدل فالظهر ليس فيها خُطبة ؟
لكان الجواب أن يقال الخطبة استثنيت بدليل 0
فلو قلنا يجوز جمع العصر إلى الجمعة إعمالاً للقاعدة , وقال شخص لا يجوز لقلنا له هات الدليل على الاستثناء كما أقمنا الدليل على الخطبة 0
إضاءة :-
التيمم بدلاً عن الوضوء في الأحــوال المخصوصة وهو يــأخذ حــكم الوضــوء لأن البدل يأخذ حكم المبدل لكن أعضاء التيمم غير أعضاء الوضـوء , إذن هذا الاستثناء وردنا بدليل 0
لذلك لما قال بعض الفقهاء أن التيمم يبطل بخروج وقت الصلاة , قلنا لا يبطل لأنه يأخذ حكم الوضوء وليس هناك دليل على استثناء التيمم عن الوضوء في مسألة خروج الوقت فبقينا على الأصل وهو أن البدل يأخذ حكم المبدل فتنبه 0
وبالنتيجة نحصل على أنه يجوز جمع العصر إلى الجمعة كجمعِنا الظهر والعصر0
نقول : ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعاً حقيقياً من غير عُذرٍ أو سفر أو خوفٍ أو مطر 0
وقد قال ابن عباس : أراد ألاَّ يُحرج أُمته 0
فبالله عليكم يجوزُ ذلك ولا يجوز الجمعُ بين الجمعة والعصر للمسافر والمعذور؟!
لعمر الله هذا جمودٌ في غير محله البتة 0
قال بعضُ الفضلاء : لم يُصل الجمعة بعرفة ولو كان جائزاً جمع العصر إلى الجمعة لصلى عليه السلام الجمعة بعرفة ثم جمع معها العصر فعدوله دل على عدم الجواز 0
والجواب على ذلك من وجوه :
ألأول :- أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لا يلزمهم الجمعة كونهم مسافرين وليس المحل الذي هم فيه محل لإقامة الجمعة 0
الثاني :- أن العدول عن الشيء لا يلزم منه أن يكون عدولاً عن الباطل إلى الحق بل قد يكون العدول من الجائز إلى المندوب ومن المشقة إلى الرفق والسعة وقد يكون العدول لمصلحة مثل ترك أبو بكرٍ وعمر التضحية حتى لا يشق الفقير على نفسه ويتكلف لها , وعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن التراويح خشية أن تُفرض على الأمة 0
الثالث :- كونه يوم عرفة أخصُّ من كونه يوم جمعة فلو صلى الجمعة بعرفة لم يكن للتعريف خصوصية ولكان فيه إشعاراً بأن الجمعة أفضل من يوم عرفة والعكس هو الصواب المتفقُ عليه , وبعبارة أُخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أدى المناسك بعرفة على أساس أنه يوم عرفة بـصرف النظر كونـه جـمـعـة أو سـبت أو أحـد 0
مثال :-
شخصٌ سافر من جدة إلى المدينة لقضاء يومي الخميس والجمعة في المدينة وكان في برنامجه أن يُسافر بعد صلاة الجمعة راجعاً إلى بلده جدة , فلو قلنا له لا يجوز لك بعد الجمعة أن تُصلي العصر لترتب على ذلك أحد الأمور التالية :
1) إما أنه لن يُصلي الجمعة ويفوته الأجر فيُصلي الظهر بعد فراغ الناس من الجمعة ويجمع إليها العصر 0
2) وإما أن يصلي الجمعة في الحرم بنية الظهر 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ويُحتمل وجوب حضور الجمعة للمسافر إذا صلى خلف المقيم , فهو في ذلك سيوقع نفسه في خلاف أهل العلم 0
3) وإما أن يقع في الحرج والمشقة فيُصلي العصر في وقتها أثناء سيره ويُخالف السنة 0
4) وإما أن يُصلي الجمعة ثم يُعيدها ظُهراً حتى يجمع إليها العصر وهذا جمع بين بدلٍ ومبدل لا موجب له , بل هو بعيدٌ عن النظر والأثر 0
ولكن إن قلنا لك أن تُصلي الجعة وبعد فراغك تجمعُ إليها العصر ثم تذهب على بركة الله لما احتجنا إلى التعسفات السابقة 0
هذا والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم 0