النوع السادس والأربعون في مجمله ومبينه المجمل ما لم تتضح دلالته وهوواقع في القرآن خلافًا لداود الظاهري.
وفي جواز بقائه مجملًا أقوال.
أصحها: لا يبقى المكلف بالعمل به بخلاف غيره.
وللإجمال أسباب: منها الاشتراك نحو {والليل إذا عسعس} فإنه موضوع لأقبل وأدبر {ثلاثة قروء} فإن القرء موضوع للحيض والطهر {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} يحمل الزوج والولي فإن كلًا منهما بيده عقدة النكاح.
ومنها الحذف نحو {وترغبون أن تنكحوهن} يحمل في وعن ومنها: اختلاف مرجع الضمير نحو {إليه يصعد الكلم الطيب} والعمل الصالح يرفعه يحتمل عود ضمير الفاعل في يرفعه إلى ما عاد عليه ضمير إليه وهوالله ويحتمل عودة إلى العمل والمعنى: أن العمل الصالح هو الذي يرفعه الكلم الطيب ويحتمل عوده إلى الكلم: أي أن الكلم الطيب وهوالتوحيد يرفع العمل الصالح لأنه لا يصح العمل إلا مع الإيمان.
ومنها: احتمال العطف والاستئناف نحو {إلا الله والراسخون في العلم} يقولون ومنها غرابة اللفظ نحو فلا تعضلوهن ومنها عدم كثرة الاستعمال نحو يلقون السمع أي يسمعون ثاني عطفه أي متكبر فأصبح يقلب كفيه أي نادمًا.
ومنها التقديم والتأخير نحو {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزامًا وأجل مسمى} أي ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزامًا {يسألونك كأنك حفي عنها} أي يسألونك عنها كأنك خفي.
ومنها: قلب المنقول نحو {طور سينين} أي سينًا على آل ياسين أي على إلياس.
ومنها: التكريم القاطع لووصل الكلام في الظاهر نحو للذين استضعفوا لمن آمن منهم.
فصل قد يقع التبيين متصلًا نحو من الفجر بعد قوله {الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ومنفصلًا في آية أخرى نحو فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيرها بعد قوله {الطلاق مرتان} بينت أن المراد به الطلاق الذي تملك الرجعة بعده ولولاها لكان الكل منحصرًا في الطلقتين.
وقد أخرج أحمد وأبوداود في ناسخه وسعيد بن منصور وغيرهم عن أبي رزين الأسدي قال قال رجل: يا رسول الله أرأيت قول الله الطلاق مرتان فأين الثالثة قال أوتسريح بإحسان.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال قال رجل: يا رسول الله ذكر الله الطلاق مرتين فأين الثالثة قال إمساك بمعروف أوتسريح بإحسان وقوله {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} دال على جواز الرؤية ويفسره ا المراد بقوله {لا تدركه الأبصار} قال: لا تحيط به.
وأخرج عن عكرمة أنه قيل له عند ذكر الرؤية: أليس قد قال لا تدركه الأبصار فقال: ألست ترى السماء أفكلها ترى وقوله {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} فسره قوله {حرمت عليكم الميتة} الآية.
وقوله {مالك يوم الدين} فسره قوله {وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين} الآية.
وقوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} فسره قوله {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا} الآية.
وقوله {وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلًا} فسره قوله في آية النحل بالأنثى وقوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قال العلماء: بيان هذا العهد قوله {لئن اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي} الخ فهذا عهده وعهدهه لأكفرن عنكم سيئاتكم الخ.
وقوله {صراط الذين أنعمت عليهم} بينه قوله {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} الآية وقد يقع التبيين بالسنة مثل وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ولله على الناس حج البيت وقد بينت السنة أفعال الصلاة والحج ومقادير نصب الزكوات في أنواعها.
تنبيه اختلف في آيات هل هي من قبيل المجمل أولا آية السرقة قيل إنها مجملة في اليد لأنها تطلق على العضوإلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب.
وفي القطع لأنه يطلق على الإبانة وعلى الجرح ولا ظهور لواحد من ذلك وإبانة الشارع من الكوع تبيين أن المراد ذلك.
وقيل لا إجمال فيها لأن القطع ظاهر في الإبانة ومنها وامسحوا بؤوسكم قيل إنها مجملة لترددها بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع الناصية مبين لذلك وقيل لا وإنما هي لمطلق المسح الصادق بأقل ما ينطلق عليه الاسم وبغيره ومنها حرمت عليكم أمهاتكم قيل مجملة لأن إسناد التحريم إلى العين لا يصح لأنه إنما يتعلق بالفعل فلا بد من تقديره وهومحتمل لأمور لا حاجة إلى جميعها والمرجح لبعضها.
وقيل لا لوجود المرجح وهوالعرف فإنه يقضي بأن المراد تحريم الاستمتاع بوطء أونحوه ويجري ذلك في كل ما علق فيه التحريم والتحليل بالأعيان.
ومنها وأحل الله البيع وحرم الربا قيل إنها مجملة لأن الربا الزيادة وما من بيع إلا وفيه زيادة فافتقر إلى بيان ما يحل وما يحرم.
وقيل لأن البيع منقول شرعًا فحمل على عمومه ما لم يقل دليل التخصيص.
وقال الماوردي: للشافعي في هذه الآية أربعة أقوال.
أحدها: أنها عامة فإن لفظها لفظ عموم يتناول كل بيع ويقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل وهذا القول أصحها عند الشافعي وأصحابه لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز فدل على أن الآية تناولت إباحة جميع البيوع إلا ما خص منها فبين صلى الله عليه وسلم الخصوص قال: فعلى هذا في العموم قولان.
أحدهما: أنه عموم أريد به العموم وإن دخله التخصيص.
والثاني: أنه عموم أريد به الخصوص.
قال: والفرق بينهما أن البيان في الثاني متقدم على اللفظ وفي الأول متأخر عنه مقترن به.
قال: وعلى القولين يجوز الاستدلال بالآية في المسائل المختلف فيها ما لم يقل دليل تخصيص.
والقول الثاني: أنها مجملة لا يعقل منها صحة بيع من فساده إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: هل هي مجملة بنفسها أم بعارض ما نهى عنه من البيوع وجهان.
وهل الإجمال في المعنى المراد دون لفظها لأن لفظ البيع اسم لغوي معناه معقول لكن لما قام بإزائه من السنة ما يعارضه تدافع معمومان ولم يتعين المراد إلا ببيان السنة فصار مجملًا لذلك دون اللفظ وفي اللفظ أيضًا لأنه لما يكن المراد منه ما وقع عليه الاسم وكانت له شرائط غير معقولة في اللغة كان مشكلًا أيضًا وجهان.
قال: وعلى الوجهين لا يجوز الاستدلال بها على صحة بيع ولا فساده وإن دلت على صحة البيع من أصله.
قال: وهذا هو الفرق بين العام والمجمل حيث جاز الاستدلال بظاهر العموم ولم يجز الاستدلال بظاهر المجمل.
والقول الثالث: أنها عامة مجملة معًا.
قال: واختلف في وجه ذلك على أوجه.
أحدها: أن العموم في اللفظ والإجمال في المعنى فيكون اللفظ عامًا مخصوصًا والمعنى مجملًا لحقه التفسير.
والثاني: أن العموم في وأحل الله البيع والإجمال في وحرم الربا والثالث: أنه كان مجملا فلما بينه النبي صلى الله عليه وسلم صار عامًا فيكون داخلًا في المجمل قبل البيان وفي العموم بعد البيان فعلى هذا يجوز الاستدلال بظاهرها في البيوع المختلف فيها.
والقول الرابع: أنها تناولت بيعًا معهودًا ونزلت بعد أن أحل النبي صلى الله عليه وسلم بيوعًا وحرم بيوعًا فللام للعهد فعلى هذا لا يجوز الاستدلال بظاهرها أه.
ومنها: الآيات التي فيها الأسماء الشرعية نحو {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فمن شهد منكم الشهر فليصمه {ولله على الناس حج البيت} قيل إنها مجملة لاحتمال الصلاة لكل
والصيام لكل إمساك والحج لكل قصد والمراد بها لا تدل عليه اللغة وافتقر إلى البيان.
وقيل لا بل يحمل على كل ما ذكر إلا ما خص بدليل.
تنبيه قال ابن الحصار: من الناس من جعل المجمل والمحتمل بإزاء شيء واحد.
قال: والصواب بأن المجمل اللفظ المبهم الذي لا يفهم المراد منه والمحتمل اللفظ الواقع بالوضع الأول على معنيين مفهومين فصاعدًا سواء كان حقيقة في كلها أوبعضها.
قال: بينهما أن المحتمل يدل على أمور معروفة واللفظ مشترك متردد بينهما والمبهم لا يدل على أمر معروف مع القطع بأن الشارع لويفوض لأحد بيان المجمل بخلاف المحتمل.
النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه أفرده بالتصنيف خلائق لا يخصون منهم أبوعبيد القاسم بن سلام وأبوداود السجستاني وأبوجعفر النحاس وابن الأنباري ومكي وابن العربي وآخرون.
قال الأئمة: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ.
وقد قال علي لقاض: أتعرف الناسخ من المنسوخ قال: لا قال: هلكت وأهلكت.
وفي هذا النوع مسائل.
الأولى: يرد الناسخ بمعنى الإزالة ومنه قوله {فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} وبمعنى التبديل ومنه {وإذا بدلنا آية مكان آية} وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث بمعنى تحويل الميراث من واحد إلى واحد وبمعنى النقل من موضع إلى موضع.
ومنه نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه حاكيًا للفظه وخطه.
قال: وهذا الوجه لا يجوز أ يصح في القرآن وأنكر على النحاس أجازته ذلك محتجًا بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وأنه إنما يأتي بلفظ آخر.
وقال السعيدي.
يشهد لما قاله النحاس قوله تعالى {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} وقال {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} ومعلوم أن ما نزل من الوحي نحو ما جميعه في أم الكتاب وهواللوح المحفوظ كما قال تعالى {في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} الثانية: النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير وقد أجمع المسلمون على جوازه وأنكره اليهود ظنًا منهم أنه بداء كالذي يرى الرأي ثم يبدوله وهوباطل لأنه بيان مدة الحكم كالإحياء بعد الإماتة وعكسه والمرض بعد الصحة وعكسه والفقر بعد الغنى وعكسه وذلك لا يكون بداء فكذا الأمر والنهي.
واختلف العلماء فقيل: لا ينسخ القرآن إلا بقرآن كقوله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرًا منه إلا قرآن
وقيل بل ينسخ القرآن بالسنة لأنها ايضًا من عند الله قال تعالى {وما ينطق عن الهوى} وجعل منه آية الوصية الآتية.
والثالث: إذا كانت السنة بأمر الله من طريق الوحي نسخت وإن كانت باجتهاد فلا حكاه ابن حبيب النيسابوري في تفسيره.
وقال الشافعي: حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها وحيث وقع نسخ السنة بالقرآن معه سنة عاضدة له ليتبين توافق القرآن والسنة.
وقد بسطت فروع هذه المسئلة في شرح منظومة جمع الجوامع في الأصول.
الثالثة: لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي ولوبلفظ الخبر أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ ومنه الوعد والوعيد وإذا عرفت ذلك عرفت فساد صنع من أدخل في كتب النسخ كثيرًا من آيات الإخبار والوعد والوعيد الرابعة: النسخ أقسام.
أحدها: نسخ المأمور قبل امتثاله وهوالنسخ على الحقيقة كآية النجوى.
الثني: نسخ مما كان شرعًا لمن قبلنا كآية شرع القصاص والدية أوكان أمر به أمرًا إجماليًا كنسخ التوجه إلى بيت المقدس بالكعبة وصوم عاشوراء برمضان وإنما يسمى هذا نسخًا تجوزًا.
الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والصفح ثم نسخ بإيجاب القتال وهذا في الحقيقة ليس نسخًا بل هومن قسم المنسأ كما قال تعالى أوننسأها فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية في ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هي من المنسأ بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة تقتضي ذلك الحكم بل ينتقل بانتقال تلك العة إلى حكم آخر وليس بنسخ إنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله.
وقال مكي: ذكر جماعة أن ما ورد من الخطاب مشعر بالتوقيت والغاية مثل قوله في البقرة فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره محكم غير منسوخ لأنه مؤجل بأجل والمؤجل بأجل لا نسخ فيه الخامسة.
قال بعضهم: سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ أقسام: قسم ليس فيه ناسخ ولا منسوخ وهوثلاثة وأربعون: سورة الفاتحة ويس والحجرات والرحمن والحديد والصف والجمعة والتحريم والملك والحاقة ونوح والجن والمرسلات وعم والنازعات والانفطار وثلاث بعدها والفجر وما بعدها إلى آخر القرآن إلا التين والعصر والكافرين.
وقسم فيه الناسخ والمنسوخ وهوخمس وعشرون: البقرة وثلاث بعدها والحج والنور وتاليها والأحزاب وسبأ والمؤمن والشورى والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والمزمل والمدثر وكورت والعصر.
وقسم فيه الناسخ فقط وهوستة: الفتح والحشر والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى.
وقسم فيه المنسوخ فقط وهوالأرعون الباقية.
وفيه نظر يعرف مما سيأتي.السادسة: قال مكي: الناسخ أقسام: فرض نسخ فرضًا لا يجوز العمل بالأول كنسخ الحبس للزواني بالحد.
وفرض نسخ فرضًا ويجوز العمل بالأول كآية المصاهرة.
وفرض نسخ ندبًا كالقتال كان ندبًا ثم صار فرضًا.
وندب نسخ فرضًا كقيام الليل نسخ بالقراءة في قوله {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}.
السابعة: النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب.
أحدها: ما نسخ تلاوته وحكمه معًا.
قالت عائشة: كان فيما أنزل عشر مرضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات.
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن.
رواه الشيخان وقد تكلموا في قولها: وهن مما يقرأ من القرآن فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك.
وأجيب بأن المراد قارب الوفاة أوأن التلاوة نسخت أيضًا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها.
وقال أبوموسى الأشعري: نزلت ثم رفعت.
وقال مكي: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضًا غير متلو ولا أعلم له نظيرًا أه.
الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة وهوعلى الحقيقة قليل جدًا وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه.
والذي أقوله: إن الذي أورده المكثرون أقسام: قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص ولا له علاقة هما بوجه من الوجوه وذلك مثل قوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون وأنفقوا مما رزقناكم ونحوذلك قالوا: إنه منسوخ بآية الزكاة وليس كذلك هوباق أما الأولى فإنها خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق وذلك يصلح أن يفسر بالزكاة على الأهل وبالإنفاق في الأمور المندوبة كالإعانة والإضافة وليس في الآية ما يدل على أنها نفقة واجبة غير الزكاة والآية الثانية يصلح حملها على الزكاة وقد فسرت بذلك وكذا قوله تعالى أليس الله بأحكم الحاكمين قيل إنها مما نسخ بآية السيف وليس كذلك لأنه تعالى احكم الحاكمين أبدًا لا يقبل هذا الكلام النسخ وإن كان معناه الأمر بالتفويض وترك المعاقبة.
وقوله في البقرة وقولوا للناس حسنًا عده بعضه من المنسوخ بآية السيف وقد غلطه ابن الحصار بأن الآية حكاية عما أخذه على بني إسرائيل من الميثاق فهوخبر فلا نسخ فيه وقس على ذلك وقسم هون قسم المخصوص لا من قسم المنسوخ.
وقد اعتنى ابن العربي بتحريره فأجاد كقوله {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا} {والشعراء يتبعهم الغاوون إلا الذين آمنوا} {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} وغير ذلك من الآيات التي خصت باستثناء أوغاية.
وقد أخطأ من أدخلها في المنسوخ ومنه قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قيل إنه نسخ بقوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} وإنما هومخصوص به.
وقسم رفع ما كان عليه الأمر في الجاهلية أوفي شرائع من قبلنا أوفي أول الإسلام ولم ينزل في القرآن كإبطال نكاح نساء الآباء ومشروعية القصاص والدية وحصر الطلاق في الثلاث وهذا إدخاله في قسم الناسخ قريب ولكن عدم إدخاله أقرب وهوالذي رجحه مكي وغيره ووجهوه ب ذلك لوعد في الناسخ لعد جميع القرآن منه إذ كله أوأكثره رافع لما كان عليه الكفار وأهل الكتاب.
قالوا: وإنما حق الناسخ والمنسوخ أن تكون آية نسخت آية أه.
نعم النوع الآخر منه وهورافع ما كان في أول الإسلام إدخاله أوجه من القسمين قبله إذا علمت ذلك فقد خرج من الآيات التي أوردها المكثرون الجم الغفير مع آيات الصفح والعفوإن قلنا إن آية السيف لم تنسخها وبقي مما يصلح لذلك عدد يسير وقد أفردته بأدلته في تأليف لطيف وها أنا أورده هنا محررًا.
فمن البقرة قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} الآية منسوخة قيل بآية المواريث وقيل بحديث ألا لا وصية لوارث وقيل بالإجماع حكاه ابن العربي.
قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية قيل منسوخه بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وقيل محكمة ولا مقدرة.
قوله {أحل لكم ليلة الصيام الرفث} ناسخة لقوله {كما كتب على الذين من قبلكم} لأن مقتضاها الموافقة فيما كان عليهم من تحريم الأكل والوطء بعد النوم ذكره ابن العربي.وحكى قولًا آخر أنه نسخ لما كان بالسنة قوله تعالى {يسألونك عن الشهر الحرام} الآية منسوخة بقوله {وقاتلوا المشركين كافة} الآية أخرجه ابن جرير عن عطاء بن ميسرة.
قوله تعالى والذين يتوفون منكم إلى قوله {متاعًا إلى الحول} منسوخة بآية أربعة أشهر وعشرًا والوصية منسوخه بالميراث والسكنى ثابتة عند قوم منسوخة عند آخرين بحديث ولا سكنى قوله تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} منسوخة بقوله بعده لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
ومن آل عمران قوله تعالى اتقوا الله حق تقاته قيل إنه منسوخ بقوله {فاتقوا الله ما استطعتم} وقيل لا بل هومحكم وليس فيها آية يصح فيها دعوى النسخ غير هذه الآية.
ومن النساء قوله تعالى {والذين عقدت إيمانكم فآتوهم نصيبهم} منسوخة بقوله {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} قوله تعالى {وإذا حضر القسمة} الآية قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس بالعمل بها.
قوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة} الآية منسوخة بآية النور من المائدة.
قوله تعالى {ولا الشهر الحرام} منسوخة بإباحة القتال فيه.
قوله تعالى {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} منسوخة بقوله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} قوله تعالى {أو آخران من غيركم} منسوخ بقوله {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ومن الأنفال قوله تعالى { إن يكن منكم عشرون صابرون} الآية منسوخة بالآية بعدها.
ومن براءة قوله تعالى {انفروا خفافًا وثقالًا} منسوخة بآية العذر وهو قوله {ليس على الأعمى حرج} الآية.وقوله {ليس على الضعفاء} الآيتين وبقوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة}.
ومن النور قوله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية} الآية منسوخة بقوله {وانكحوا الأيامى منكم} قوله تعالى {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} الآية قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس في العمل بها.
ومن الأحزاب قوله تعالى {لا يحل لك النساء} الآية منسوخة بقوله {إنا أحللنا لك أزواجك} الآية.
ومن المجادلة قوله تعالى {إذا ناجيتم الرسول فقدموا} الآية منسوخة بالآية بعدها.
ومن الممتحنة قوله تعالى {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} قل منسوخ بآية السيف وقيل بآية الغنيمة وقيل محكم.
ومن المزمل قوله {قم الليل إلا قليلا} منسوخ بآخر السورة ثم نسخ الآخر بالصلوات الخمس.
فهذه إحدى وعشرون آية منسوخة على خلاف في بعضها لا يصح دعوى النسخ في غيرها والأصح في آية الاستئذان والقسمة الأحكام فصارت تسعة عشر.
ويضم إليها قوله تعالى {فأينما تولوا فثم وجه الله} على رأي ابن عباس أنها منسوخة وقد أكثر الناس في المنسوخ من عدد وأدخلوا فيه آيا ليس تنحصر وهاك تحرير أي لا مزيد لها عشرين حررها الحذاق والكبر آي التوجه حيث المرء كان وإن يوصي لأهليه عند الموت محتضر وحرمة الكل بعد النوم مع رفث وفدية لمطيق الصوم مشتهر وحق تقواه فيما صح في أثر وفي الحرام قتال للألى كفروا والاعتداد بحول مع وصيتها وإن يدان حديث النفس والفكر والحلف والحبس للزاني وترك أولى كفروا شهادهم والصبر والنفر ومنع عقد لزان أولزانية وما على المصطفى في العقد محتظر ودفع مهر لمن جاءت وآية نج واه كذاك قيام الليل مستطر وزيد آية الاستئذان من ملكت وآية القسمة الفضلى لمن حضروا فإن قلت: ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة فالجواب من وجهين: أحدهما: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
والثاني: أن النسخ غالبًا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرًا للنعمة ورفع المشقة.
وأما ما قليل العدد كنسخ استقبال بيت المقدس بآية القبلة وصوم عاشوراء بصوم رمضان في أشياء أخر حررتها في كتابي المشار إليه.
فوائد منثورة قال بعضهم: ليس في القرآن ناسخ إلا والمنسوخ قبله في الترتيب إلا في آيتين: آية العدة في البقرة وقوله {لا يحل لك النساء} كما تقدم.
وزاد بعضهم ثالثة وهي آية الحشر في الفيء على رأي من قال إنها منسوخة بآية الأنفال {واعلموا أنما غنمتم من شيء} وزاد قوم رابعة وهي قوله {خذ العفو} يعني الفضل من أموالهم على رأي من قال أنها نسوخة بآية الزكاة.
وقال ابن العربي: كل ما في القرآن من الصفح على الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم منسوخ بآية السيف وهي {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} الآية نسخ مائة وأربعة وعشرين آية ثم نسخ آخرها أولها أه.
وقد تقدم ما فيه.
وقال أيضًا: من عجيب المنسوخ قوله تعالى خذ العفو الآية فإن أولها وآخرها وهو وأعرض عن الج
منسوخ ووسطها محكم وهو وأمر بالعرف وقال: من عجيبه أيضًا آية أولها منسوخ وآخرها ناسخ ولا نظير لها وهي قوله {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} يعني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا ناسخ لقوله {عليكم أنفسكم} وقال السعيدي: لم يمكث منسوخ مدة أكثر من قوله تعالى {قل ما كنت بدعًا من الرسل} الآية مكثت ستة عشر سنة حتى نسخها أول الفتح عام الحديبية.
وذكر هبة الله بن سلامة الضرير أنه قال في قوله تعالى {ويطعمون الطعام على حبه} الآية: أن المنسوخ من هذه الجملة وأسيرًا والمراد بذلك أسير المشركين فقرئ عليه الكتاب وابنته تسمع فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت له: أخطأت يا أبت قال: وكيف قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعًا فقال: صدقت.
وقال شيدلة في البرهان: يجوز نسخ الناسخ فيصير منسوخًا كقوله {لكم دينكم ولي دين} نسخها قوله تعالى {اقتلوا المشركين} ثم نسخ هذه بقوله {حتى يعطوا الجزية} كذا قال وفيه نظر من وجهين: أحدهما: ما تقدمت الإشارة إليه.
والآخر أن قوله {حتى يعطوا الجزية} مخصص للآية لا ناسخ.نعم يمثل له بآخر سورة المزمل فإنه ناسخ لأولها منسوخ بفرض الصلوات.
وقوله {انفروا خفافًا وثقالًا} ناسخ لآيات الكف منسوخ بآيات العذر.
وأخرج أبوعبيد عن الحسن وأبي ميسرة قالا: ليس في المائدة منسوخ ويشكل بما في المستدرك عن ابن عباس أن قوله {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} منسوخ بقوله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} وأخرج أبوعبيد وغيره عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن نسخ القبلة.
وأخرج أبوداود في ناسخه من وجه أخذ عنه قال: أول آية نسخت من القرآن القبلة ثم الصيام الأول.
قال مكي: وعلى هذا فلم يقع في المكي ناسخ.
قال: وقد ذكر أنه وقع فيه في آيات منها قوله تعالى في سورة غافر {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} فإنه ناسخ لقوله {ويستغفرون لمن في الأرض} قلت: أحسن من هذه نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها وبإيجاب الصلوات الخمس وذلك بمكة اتفاقًا.
تنبيه قال ابن الحصار: إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوعن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا.
قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر.
قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة لا النسخ يتضمن رفع حكم إثبات حكم تقرر في عهده صلى الله عليه وسلم والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد.
قال: والناس في هذا بين طري نقيض فمن قائل لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أومجتهد والصواب خلاف قولهما أه.
الضرب الثالث: ما نسخ تلاوته دون حكمه.
وقد أورد بعضهم فيه سؤالًا وهو: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم وهلا أبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها وأجاب صاحب الفنون بأن الذي ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام والمنام أدنى طريق الوحي.
وأمثلة هذا الضرب كثيرة.
قال أبوعبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر.
قال: حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير بن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن.
وقال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن المبارك بنفضالة عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبسش: قال لي أبيّ بن كعب: كأين تعد سورة الأحزاب قلت: اثنتين وسبعين آية أوثلاثة وسبعين آية قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم.
قلت: وما آية الرجم قال: إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم.
وقال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة بما قضيا من اللذة.
وقال: حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنت أبي يونس قالت: قرأ على أبي وهوابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون الصفوف الأول.
قالت: قبل أن يغير عثمان المصاحف.
وقال: حدثنا عبد الله ابن صالح عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحى إليه أتيناه فعلمنا مما أوحى إليه.
قال: فجئت ذات يوم فقال: إن الله يقول: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولوأن لابن آدم لأحب أن يكون إليه الثاني ولوكان غليه الثاني لأحب أن يكون إليهما الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب.وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} ومن بقيتها: لوأن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيًا وإن سأل ثانيًا فأعطيه سأل ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرنية ومن يعمل خيرًا فلن يكفره وقال أبوعبيد: حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة نحوبراءة ثم رفعت وحفظ منها: إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولوأن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وأخرج ابن أبى حاتم عن أبي موسى الأشعري قال: كنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات ما نسناها غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون: فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة وقال أبوعبيد: حدثنا حجاج عن سعيد عن الحكم بت عتيبة عن عديّ ابن عديّ قال: قال عمر: كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم.
ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك قال: نعم.
وقال: حدثنا ابن أبى مريم عن نافع بن عمر الجمحي حدثني ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة فإنا لا نجدها.
قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن.وقال حدثنا ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمروالمعافري عن أبي سفيان الكلاعي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك فقال ابن مسلمة: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون.
والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون.
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال: إنها مما نسخ فألهوا عنها.
وفي الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا وقنت يدعوعلى قاتليهم قال أنس: ونزل فيهم قرآنًا قرأناه حتى رفع: أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.
وفي المستدرك عن حذيفة قال: ما تقرءون ربعها: يعني براءة.
قال الحسين بن المناري في كتابه الناسخ والمنسوخ: ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر وتسمى سورتي الخلع والحفد.تنبيه حكى القاضي أبو بكر في الانتصار عن قوم إنكار هذا الضرب لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها
وقال أبو بكر الرازي: نسخ الرسم والتلاوة وإنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرناها في كتابه في قوله {إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} ولا يعرف اليوم منها شيء ثم لا يخلوذلك من أن يكون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا توفي لا يكون متلوًا من القرآن أويموت وهومتلوموجود بالرسم ثك ينسيه الله الناس ويرفعه من أذهانهم وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أه.
وقال في البرهان في قول عمر: لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: يعني آية الرجم.
ظاهرة أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس.
والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب.
وقد يقال لوكانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس لأن مقالة الناس لا يصلح مانعًا.
وبالجملة هذه الملازمة مشكلة ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر في الينبوع عد هذا مما نسخ تلاوته.
قال: لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن.
قال: وإنما هذا من المنسأ لا النسخ وهما مما يلتبسان والفرق بينهما أن المنسأ لفظ قد يعلم حكمه أه.
وقوله لعله كان يعتقد أنه أخبر واحد مردود فقد صح أن تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الحاكم من طريق كثير بن الصلت قال: كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف فمرا على هذه الآية فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة فقال عمر: لما نزلت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبها فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنا وقد أحصن رجم قال ابن حجر في شرح المنهاج: فيستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها قلت: وخطر لي في ذلك نكتة حسنة وهوأ سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيًا لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود وفيه الإشارة إلى ندب الستر.
وأخرج النسائي أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت: ألا تكتبها في المصحف قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان ولقد ذكرنا ذلك فقال عمر: أنا أكفيكم فقال: يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال: لا تستطيع.
قوله اكتب لي: أي ائذن في كتابتها ومكني من ذلك.
واخرج ابن الضريس في فضل القرآن عن يعلي بن حكيم عن زيد أن عمر خطب الناس فقال: لا تشكوفي الرجم فإنه حق ولقد هممت ا أكتبه في المصحف فسألت أبيّ بن كعب فقال: أليس أتيتني وأنا استقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعت في صدري وقلت: تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر قال ابن حجر وفيه إشارة إلى بيان السبب في رفع تلاوتها وهوالاختلاف.
تنبيه قال ابن الحصار: في هذا النوع إن قيل كيف يقع النسخ إلى غير بدل وقد قال تعالى ما ننسخ من آية أوننسها نأت بخير منها أومثلها وهذا إخبار لا يدخله خلف فالجواب أن تقول: كل ما ثبت الآن في القرآن ولم ينسخ فهوبدل مما قد نسخت تلاوته فكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن فقد أبدله بما علمناه وتواتر إلينا لفظه ومعناه.
النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض أفرده بالتصنيف قطرب والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات وكلامه تعالى منزه عن ذلك كما قال ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافًا وليس به في الحقيقة فاحتيج لإزالته وكما صنف في مختلف الحديث وبيان الجمع بين الأحاديث المتعارضة وقد تكلم في ذلك ابن عباس وحكى عنه التوقف في بعضها.
قال عبد الرزاق في تفسيره: أنبأنا معمر عن رجل عن المنهال بن عمروعن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ من القرآن فقال ابن عباس: ما هو أشك قال: ليس بشك ولكنه اختلاف قال: هات ما اختلف عليك من ذلك قال: أسمع الله يقول ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين وقال ولا يكتمون الله حديثًا فقد كتموا وأسمعه يقول فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ثم قال وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وقال أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين حتى بلغ طائعين ثم قال في الآية الأخرى أم السماء بناها ثم قال والأرض بعد ذلك دحاها وأسمعه يقول وكان الله ما شأنه يقول وكان الله فقال ابن عباس: أما قوله {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} فإنهم لما رأوا يوم القيامة والله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركًا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لوتسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا وأما قوله {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون.ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله {خلق الأرض في يومين} فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانًا فسواهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض.
وأما قوله {والأرض بعد ذلك دحاها} يقول: جعل فيها جبلًا وجعل فيها نهرًا شجرًا وجعل فيها بحورًا.
وأما قوله كان الله فإن الله كان ولم يزل كذلك وهوكذلك عزيز حكيم عليم قدير لم يزل كذلك فما اختلف عليك من القرآن فهويشبه ما ذكرت لك وإن الله لم ينزل إلا وقد أصاب به الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون أخرجه بطوله الحاكم في المستدرك وصححه وأصله في الصحيح.قال ابن حجر في شرحه: حاصل فيه السؤال عن أربعة مواضع.
الأول: نفي المسألة يوم القيامة وإثباتها.
الثاني: كتمان المشركين حالهم وإفشؤه.
الثالث: خلق الأرض أوالسماء أيهما تقدم.
الرابع: الإتيان بحرف كان الدالة على المضي مع أن الصفة لازمة.
وحاصل جواب ابن عباس عن الأول: أن نفى المسألة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك.
وعن الثاني: أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم وعن الثالث: أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ثم خلق السموات فسواهن في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيام للأرض.
وعن الرابع: بأن كان وإن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع بل المراد أنه لم يزل كذلك فأما الأول فقد جاء فيه تفسير آخر أن نفي المسئلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقول عن السدي أخرجه ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أن نفي المسئلة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية.
وقد تأول ابن مسعود نفي المسألة على معنى آخر وهوطلب بعضهم من بعض العفو فأخرج ابن جرير من طريق زاذان قال: أتيت ابن مسعود فقال: يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادي: ألا إن هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبله فليأت قال: فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها أوابنها أوأخيها أوزوجها فلا أنساب بينهم يومئ ولا يتساءلون ومن طريق أخرى قال: لا يسئل أحد يومئذ بنسب شيئًا ولا يتساءلون به ولا يمت برحم.
وأما الثاني فقد ورد بأبسط منه فيما أخرجه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: قول الله ولا يكتمون الله حديثًا وقوله {والله ربنا ما كنا مشركين} فقال: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم آتى ابن عباس ألقى عليه متشابه القرآن فأخبرهم أن الله إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون: إن الله لا يقبل إلا ممن وحده قيسألهم فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين قال: فيختم على أفواههم وتستنطق جوارحهم.
ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في أثناء حديث وفيه: ثم يلقي الثالث فيقول: رب آمنت بك وبكتابك ورسولك.
ويثني ما استطاع فيقول: الآن نبعث شاهدًا عليك فيذكر في نفسه من الذي يشهد عليّ فيختم على فيه وتنطق جوارحه.
وأما الثالث ففيه أجوبة أخرى: منها أن ثم بمعنى الواوفلا إيراد.
وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله [url=https://shanaway.ahlamontada.com/javascript:openquran(89,17,17)]{ثم كان من الذين آ