فصل: في أسماء السور قال العتبي: السورة تهمز ولا تهمز فمن همزها جعلها من أسأت: أي أفضلت من السؤر وهوما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة من القرآن.
ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدم وسهل همزها.
ومنهم من يشبهها بسورة البناء: أي القطعة منه: أي منزلة بعد منزلة.
وقيل من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ومنه السوار لإحاطته بالساعد.
وقيل لارتفاعها لأنها كلام الله والسورة المنزلة الرفيعة.
قال النابغة:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ** ترى كل ملك حولها بتذبذب
وقيل لتركيب بعضها على بعض من التسور بمعنى التصاعد والتركيب ومنه إذ تسوروا المحراب وقال الجعبري: حد السورة قرآن يشتمل على آي ذي فاتحة وخاتمة وأقلها ثلاث آيات.
وقال غيره: السورة الطائفة المترجمة توفيقاً: أي المسماة باسم خاص بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك.
ومما يدل لذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كان المشركون يقولون سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها فنزل {إنا كفيناك المستهزئين}.
وقد كره بعضهم أن يقال سورة كذا لما رواه الطبراني والبيهقي عن أنس مرفوعاً لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله وإسناده ضعيف به ادعى ابن الجوزي أنه موضوع.
وقال البيهقي: إنما يعرف موقوفاً على ابن عمر ثم أخرجه عنه بسند صحيح وقد صح إطلاق سورة البقرة وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ومن ثم لم يكرهه الجمهور.
فصل قد يكون للسورة اسم واحد وهو كثير وقد يكون لهما اسمان فأكثر
سورة الفاتحة من ذلك الفاتحة: وقد وقفت لها على نيف وعشرين اسماً وذلك يدل على شرفها فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى أحدها: فاتحة الكتاب.
أخرج ابن جرير من طريق ابن أبي ذئب المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هي أن القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني وسميت بذلك لأنه يفتتح بها في المصاحف وفي التعليم وفي القراءة في الصلاة وقيل لأنها أول سورة أنزلت وقيل بأنها أول سورة كتبت في اللوح المحفوظ حكاه المرسي وقال: إنه يحتاج إلى نقل.
وقيل لأن الحمد فاتحة كل كلام وقيل لأنها فاتحة كل كتاب حكاه المرسي.
ورده بأن الذي افتتح به كل كتاب هو الحمد فقط لا جميع السورة وبأن الظاهر أن المراد بالكتاب القرآن لا جنس الكتاب.
قال: لأنه قد روى من أسمائها فاتحة القرآن فيكون المراد بالكتاب والقرآن واحداً.
ثانيها: فاتحة القرآن كما أشار إليه المرسي.
وثالثها ورابعها: أم الكتاب وأم القرآن وقد كره ابن سيرين أن تسمى أم الكتاب وكره الحسن أن تسمى أم القرآن ووافقهما تقي الدين بن مخلد لأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ قال تعالى وعنده أم الكتاب وإنه في أم الكتاب وآيات الحلال والحرام قال تعالى آيات محكمات هن أم الكتاب قال المرسي: وقد روى حديث لا يصح لا يقولن أحدكم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب.
قلت: هذا لا أصل له في شيء من كتب الحديث وإنما أخرجه ابن الضريس بهذا اللفظ عن ابن سيرين فالتبس على المرسي وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تسميتها بذلك.
فأخرج الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة مرفوعاً إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني.
واختلف لما سميت بذلك فقيل لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف وبقراءتها في الصلاة قبل السورة.
قال أبو عبيدة في إعجازه: وجزم به البخاري في صحيحه واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب.
وأجيب بأن ذلك بالنظر بأن الأم مبدأ الولد.
قال الماوردي: سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعاً لها لأنها أمته: أي تقدمته ولهذا يقال لراية الحرب أم لتقدمها وأتباع الجيش لها ويقال لما مضى من سني إنسان أم لتقدمها ولمكة أم القرى على سائر القرى.
وقيل أم الشيء اصله وهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه من العلوم والحكم كما سيأتي تقريره في النوع الثالث والسبعين.
وقيل سميت بذلك لأنها افضل السور كما يقال لرئيس القوم أم القوم.
وقيل لأن حرمتها كحرمة القرآن كله.
وقيل لأن مفزع أهل الإيمان إليها كما يقال للراية أم لأن مفزع العسكر إليها.
وقيل لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب.
خامسها: القرآن العظيم روى أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم وسميت بذلك لاشتمالها على المعاني التي في القرآن.
سادسها: السبع المثاني ورد تسميتها بذلك في الحديث المذكور وأحاديث كثيرة أما تسميتها سبعاً فلأنها سبع آيات.
أخرج الدارقطني ذلك عن عليّ.
وقيل فيها سبعة آداب في كل آية أدب وفيه بعد.
وقيل لأنها خلت من سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والفاء.
قال المرسي: وهذا أضعف مما قبله لأن الشيء إنما يسمى بشيء وجد فيه لا بشيء فقد منه.
وأما المثاني: فيحتمل أن يكون مشتقاً من الثناء لنا فيها من الثناء على الله تعالى ويحتمل أن يكون من الثنيا لأن الله استثناها لهذه الأمة ويحتمل أن يكون من التثنية قيل لأنها تثني في كل ركعة ويقويه ما أخرجه ابن جرير بسند حسن عن عمر قال: السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة.
وقيل لأنها تثنى بصورة أخرى.
وقيل لأنها نزلت مرتين.
وقيل لأنها نزلت على قسمين ثناء و
.
وقيل لأنها كلما قرأ العبد منها آية الله بالإخبار عن فعله كما في الحديث وقيل لأنها اجتمع فيها فصاحة المباني وبالغة المعاني.
وقيل غير ذلك.
سابعها: الوافية كان سفيان بن عينية يسميها به لأنها وافية بما في القرآن من المعاني قاله في الكشاف.
وقال الثعلبي: لأنها لا تقبل التصنيف فإن كل سورة من القرآن لوقرئ نصفها في ركعة والنصف الثاني في أخرى لجاز بخلافهما.
قال المرسي: لأنها في حديث أنس السابق في النوع الرابع عشر.
تاسعها: الكافية لأنها تكفي في الصلاة عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها.
عاشرها: الأساس لأنها أصل القرآن وأول سورة فيه.
حادي عشرها: النور.
ثاني عشرها: وثالث عشرها: سورة الحمد وسورة الشكر.
رابع عشرها: وخامس عشرها: سورة الحمد الأولى وسورة الحمد القصرى.
سادس عشرها وسابع عشرها وثامن عشرها: الراقية والشفاء والشافية للأحاديث الآتية في نوع الخواص.
تاسع عشرها: سورة الصلاة لتوقف الصلاة عليها.
وقيل إن من أسمائها الصلاة أيضاً لحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين أي السورة.
قال المرسي: لأنها من لوازمها فهومن باب تسمية الشيء باسم لازمه وهذا الاسم العشرون.
الحادي والعشرون: سورة ال
لاشتمالها عليه في قوله اهدنا.
الثني والعشرون: سورة السؤال لذلك ذكره الإمام فخر الدين.
الثالث والعشرون: سورة تعليم المسئلة.
قال المرسي: لأن فيها آداب السؤال لأنها بدئت بالثناء قبله.
الرابع والعشرون: سورة المناجاة لأن العبد يناجي فيها ربه بقوله )إياك نعبد وإياك نستعين.
الخامس والعشرون: سورة التفويض لاشتمالها عليه في قوله )وإياك نستعين فهذا ما وقفت عليه من أسمائها ولم تجتمع في كتاب قبل هذا.
ومن ذلك سورة البقرة كان خالد بن معدان يسميها فسطاط القرآن.
ووردفي حديث مرفوع في مسند الفردوس: وذلك لعظمها ولما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها.
وفي حديث المستدرك تسميتها سنام القرآن وسنام كل شيء أعلاه.
وآل عمران روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي عطاف قال: اسم آل عمران في التوراة طيبة وفي صحيح مسلم تسميتها والبقرة والزهراوين.
والمائدة تسمى أيضاً العقود والمنقذة.
قال ابن الغرس: لأنها تنقذ صاحبها من ملائكة العذاب.
والأنفال أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال قال: تلك سورة بدر.
وبراءة تسمى أيضاً التوبة لقوله فيها {لقد تاب الله على النبي} الآية.
والفاضحة أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة قال: التوبة بل هي الفاضحة ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتى ظننا أن لا يبقى أحد منا إلا ذكر فيها.
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: قال عمر: ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أنه لم يبق منا أحد إلا سينزل فيه وكانت تسمى الفاضحة وسورة العذاب.
أخرج الحاكم في المستدرك عن حذيفة قال: التي تسمون سورة التوبة هي سورة العذاب.
أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: كان عمر بن الخطاب إذا ذكر له سورة براءة فقيل سورة التوبة قال: هي إلى العذاب أقرب ما كادت تقلع عن الناس حتى ما كادت تبقي منهم أحداً
والمقشقشة أخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم أن رجلاً قال لابن عمر: سورة التوبة فقال: وأيتهن سورة التوبة فقال: براءة فقال: وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هي ما كنا ندعوها إلا المقشقشة: أي المبرئة من النفاق والمنقرة.
أخرج أبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال: كانت تسمى براءة المنقرة نقرت عما في قلوب المشركين والبحوث بفتح الباء.
أخرج الحاكم عن المقداد أنه قيل له: لوقعدت العام عن الغزو قال: أتت علينا البحوث: يعني براءة الحديث.
والحافرة ذكره ابن الغرس لأنها حفرت على المنافقين وكان يقال لها المثيرة أنبأت بمثالبهم وعوراتهم.
حكى ابن الغرس: من أسمائها المبعثرة وأظنه تصحيف المنقرة فإن صح كملت الأسماء العشرة ثم رأيته كذلك المبعثرة بخط السخاوي في جمال القراء وقال: لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين
وذكر فيه أيضاً من أسمائها المخزية والمتكلة والمشردة والمدمدمة.
النحل قال قتادة: تسمى سورة النعم أخرجه ابن أبي حاتم.
قال ابن الغرس: لما عدد الله فيها من النعم على عباده.
الإسراء تسمى أيضاً سورة سبحان وسورة بني إسرائيل الكهف ويقال لها سورة أصحاب الكهف كذا في حديث أخرجه ابن مردويه.
وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعاً أنها تدعى في التوراة الماثلة تحول بين قارئها وبين النار.
وقال: إنه منكر.
طه تسمى أيضاً سورة الكليم.
ذكره السخاوي في جمال القراء.
الشعراء وقع في تفسير الإمام مالك تسميتها بسورة الجامعة.
النمل تسمى أيضاً سورة سليمان.
السجدة تسمى أيضاً المضاجع.
فاطر تسمى سورة الملائكة.
يس سماها صلى الله عليه وسلم قلب القرآن أخرجه الترمذي من حديث أنس.
وأخرج البيهقي من حديث أبي بكر مرفوعاً: سورة يس تدعى في التوراة المعمة تعم صاحبها بخيري الدنيا والآخرة.
وتدعى المدافعة والقاضية: تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة.
وقال إنه حديث منكر الزمر تسمى سورة الغرف.
غافر تسمى سورة الطول والمؤمن لقوله تعالى فيها وقال رجل مؤمن.
فصلت تسمى السجدة وسورة المصابيح.
الجاثية تسمى الشريعة وسورة الدهر حكاه الكرماني في العجائب.
سورة محمد صلى الله عليه وسلم تسمى القتال.
ق تسمى سورة الباسقات.
اقتربت تسمى القمر.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أنها تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه.
وقال: إنه منكر.
الرحمن سميت في حديث عروس القرآن أخرجه البيهقي عن عليّ مرفوعاً.
المجادلة سميت في مصحف أبي الظهار.
الحشر أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر قال: قل سورة بني النضير.
قال ابن حجر.
كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة وإنما المراد به ها هنا إخراج بني النضير.
الممتحنة قال ابن حجر: المشهور في هذه التسمية أنها بفتح الهاء وقد تكسر فعلى الأول هي صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها وعلى الثاني هي صفة السورة كما قيل لبراءة الفاضحة.
وفي جمال القراء: تسمى أيضاً سورة الامتحان وسورة المرأة.
الصف تسمى أيضاً سورة الحواريين.
الطلاق تسمى سورة النساء القصرى وكذا سماها ابن مسعود أخرجه البخاري وغيره وقد أنكره الداودي فقال: لا أرى قوله القصرى محفوظاً ولا يقال في سورة من القرآن قصرى ولا صغرى.
قال ابن حجر: وهورد للأخبار الثابتة بال مستند والقصر والطول أمر نسبي.
وقد أخرج البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: طولي الطوليين وأراد بذلك سورة الأعراف.
التحريم يقال لها سورة المتحرم وسورة لم تحرم.
تبارك تسمى سورة الملك.
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: هي في التوراة سورة الملك وهي المانعة تمنع من عذاب القبر.
وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس مرفوعاً: هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر
وفي مسند عبيد من حديث أنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها.
وفي تاريخ ابن عساكر من حديث أنسأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها المنجية.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: كنا نسميها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المانعة.
وفي جمال القراء: تسمى أيضاً الواقية والمانعة.
سأل تسمى المعارج والواقع.
عم يقال لها النبأ والتساؤل والمعصرات.
لم يكن تسمى سورة أهل الكتاب وكذلك سميت في مصحف أبيّ وسورة البينة وسورة القيامة وسورة البرية وسورة الانفكاك ذكر ذلك في جمال القراء أرأيت تسمى سورة الدين وسورة الماعون الكافرون تسمى المقشقشة أخرجه ابن أبي حاتم عن زرارة بن أوفى.
قال في جمال القراء: وتسمى أيضاً سورة العباد.
قال: وسورة النصر تسمى سورة التوديع لما فيها من الإيماء إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
قال: وسورة تبت تسمى سورة المسد وسورة الإخلاص تسمى الأساس لاشتمالها على توحيد الله وهوأساس الدين قال: والفلق والناس يقال لهما المعوذتان بكسر الواو المشقشقتان من قولهم خطيب مشقشق.
تنبيه قال الزركشي في البرهان: ينبغي البحث عن تعداد الأسامي هل هوتوفيقي أوبما يظهر من المناسبات فإن كان الثاني فلم يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسماء لها وهوبعيد.
قال: وينبغي النظر في اختصاص كل سورة بما سميت به ولا شكط أن العرب تراعي في كثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أومستغرب يكون في الشيء من خلق أوصفة تخصه أوتكون معه أحكم أوأكثر أوأسبق لإدراك الرائي للمسمى ويسمون الجملة من الكلام والقصيدة الطويلة بما هوأشهر فيها وعلى ذلك جرت أسماء سور القرآن كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة قصة البقرة المذكورة فيها وعجيب الحكمة فيها وس ميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردد فيها شيء كثير من أحكام النساء وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها وإن كان ورد لفظ الأنعام في غيرها إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشاً أم كنتم شهداء لم يرد في غيرها كما ورد ذكر النساء في سور إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد في غير سورة النساء.
وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها فسميت بما يخصها.
قال: فإن قيل قد ورد في سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى فلم خصت باسم هود وحده مع أن قصة نوح فيها أوعب وأطول قيل تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء بأوعب مما وردت في غيرها ولم يتكرر في واحدة من هذه السور الثلاث اسم هود كتكرره في سورته فإنه تكرر فيها أربعة مواضع والتكرار من أقوى الأسباب التي ذكرنا.
قال: فإن قيل: فقد تكرر اسم نوح فيها في ستة مواضع قيل: لما أفردت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة برأسها فلم يقع فيها غير ذلك كانت أولى بأن تسمى باسمه من سورة تضمنت قصته وقصة غيره أه.
قلت: ولك أن تسأل فتقول قد سميت سور جرت فيها قصص أنبياء بأسمائهم كسورة نوح وسورة هود وسورة إبراهيم وسورة يونس وسورة آل عمران وسورة طس سليمان وسورة يوسف وسورة محمد صلى الله عليه وسلم وسورة مريم وسورة لقمان وسورة المؤمن وقصة أقوام كذلك سورة بني إسرائيل وسورة أصحاب الكهف وسورة الحجر وسورة سبأ وسورة الملائكة وسورة الجن وسورة المنافقين وسورة المطففين ومع هذا كله لم يفرد لموسى سورة تسمى به مع كثرة ذكره في القرآن حتى قال بعضهم: كاد القرآن أن يكون كله لموسى وكان أولى سورة أن تسمى به سورة طه أوسورة القصص أوالأعراف لبسط قصته في الثلاثة ما لم يبسط في غيرها وكذلك قصة آدم ذكرت في عدة سور ولم تسم به سورة كأنه اكتفاء بسورة الإنسان وكذلك قصة الذبيح من بدائع القصص ولم تسم به سورة الصافات وقصة داود ذكرت في ص ولم تسم به فانظر في حكمة ذلك على أني رأيت بعد ذلك في جمال القراء للسخاوي أن سورة طه تسمى سورة الكليم وسماها الهذلي في كامله سورة موسى وأن سورة ص تسمى سورة داود ورأيت في كلام الجعبري أن سورة الصافات تسمى سورة الذبيح وذلك يحتاج إلى مستند من فصل وكما سميت السورة الواحدة بأسماء سميت سور باسم واحد كالسور المسماة بآلووالآي على القول بأن فواتح السور أسماء لها.
فائدة في إعراب أسماء السور قال أبوحيان في شرح التسهيل: ما سمي منها بجملة تحكى نحو {قل أوحي} و{أتى أمر الله} أوبفعل لا ضمير فيه أعرب إعراب ما لا ينصرف إلا ما في أوله همزة وصل فتقطع ألفه وتقلب تاؤه هاء في الوقف وتكتب هاء على سورة الوقف فتقول قرأت اقتربة وفي الوقف اقتربه.
أما الأعراب فلأنها صارت اسماً والأسماء معربة إلا لموجب بناء.
وأما قطع همزة الوصل فلأنها لا تكون في الأسماء إلا في ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها.
وأما قلب تائها هاء فلأن ذك حكم تاء التأنيث التي في الأسماء.
وأما كتبها هاء فلأن الخط تابع للوقف غالباً.
وما سمي منها باسم فإن كان من حروف الهجاء وهوحرف واحد وأضفت إليه سورة فعند ابن عصفور أنه موقوف لا إعراب فيه وعند الشلوبين يجوز فيه وجهان: الوقف والإعراب.
وأما الأول ويعبر عنه بالحكاية فلأنها حروف مقطعة تحكى كما هي.
وأما الثاني فعلى جعله أسماء لحروف الهجاء وعلى هذا يجوز صرفه بناء على تذكير الحرف ومنعه بناء على تأنيثه فإن لم تضف إليه سورة لا لفظاً ولا تقديراً فلك الوقف والإعراب مصروفاً وممنوعاً وإن كان أكثر من حرف فإن وازن الأسماء الأعجمية كطس وحم وأضيفت إليه سورة أم لا فلك الحكاية والإعراب ممنوعاً لموازنة قابيل وهابيل وإن يوازن فإن أمكن فيه التركيب كطسم وأضيفت غليه سورة فلك الحكاية والإعراب إما مركباً مفتوح النون كحضرموت أومعرب النون مضافاً لما بعده ومصروفاً وممنزعاً على اعتقاد التذكير والتأنيث وإن لم تضف إليه سورة فالوقف على الحكاية والبناء كخمسة عشر والإعراب ممنوعاً وإن لم يكن التركيب فالوقف ليس إلا أضفت إليه سورة أم لا نحو كهيعص وحم عسق ولا يجوز إعرابه لأنه لا نظير له في الأسماء المعربة ولا تركيبه مزجاً لأنه لا يركب كذلك أسماء كثيرة.
وجوز يونس إعرابه ممنوعاً وما سمي منها باسم غير حرف هجاء فإن كان فيه اللام انجر نحوالأنفال والأعراب والأنعام وإلا منع الصرف إن لم تضف إليه سورة نحوهذه هود ونوح وقرأت هوداً ونوحاً وإن أضيفت بقي على ما كان عليه قبل فإن كان فيه ما يوجب المنع منع نحوقرأت سورة يونس وإلا صرف نحوسورة نوح وسورة هود انتهى ملخصاً.
خاتمة قسم القرآن إلى أربعة أقسام وجعل لكل قسم منه اسم.
أخرج أحمد وغيره من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطيت مكان التوراة السبع الطوال وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل وسيأتي مزيد كلام في النوع الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى.
وفي جمال القراء: قال بعض السلف: في القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياض فميادينه ما افتتح بالم وبساتينه ما افتتح بالمر ومقاصيره الحامدات وعرائسه المسبحات وديابيجه آل عمران ورياضة المفصل وقالوا الطواسم والطواسين وآل حم والحواميم.
قلت: وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال: الحواميم ديباج القرآن.
قال السخاوي: وقوارع القرآن الآيات التي يتعوذ بها ويتحصن سميت بذلك لأنها تفزع الشيطان وتدفعه وتقمعه كآية الكرسي والمعوذتين ونحوها.
قلت: وفي مسند أحمد من حديث معاذ بن أنس مرفوعاً آية العز {
الذي لم يتخذ ولداً}الآية.
النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه قال الدير عاقولي في فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.
قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أوتلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر.
وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابه مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
قال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات.
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال كنا عند رسول الله صلى اله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع الحديث.
وقال البيهقي: شبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: بحضرة أبي بكر روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراءة القرآن وإني أخشى أن أستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: هو والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا تنهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن واجمعه فوالله لوكلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هووالله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها في غيره لقد جاءكم رسول حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر رحمة الله على أبو بكر هوأول من جمع كتاب الله.
لكن أخرج أيضاً من طريق ابن سيرين قال: قال علي: لما مات رسول الله صلى اله عليه وسلم آليت أن لآخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعته.
قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه صح فهوالمعتمد.
قلت: قد ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله: حدثنا بشر بن موسى حدثنا هودة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي
قال: لا والله قال: ما أقعدك عني قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر: فغنك نعم ما رأيت قال محمد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأول فالأول.
قال: لواجتمعت الأنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا.
وأخرجه ابن أشتة في المصاحف من زجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه
وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة.
فقال: إنا لله وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف.
إسناده منقطع والمراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار بجمعه.
قلت: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن أشتة في كتاب المصاحف من طرق كهمس عن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتى جمعه فجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه فقال بعضهم: سموه السفر قال: ذلك تسمية اليهود فكرهوه فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف.
إسناده منقطع أيضاً وهومحمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر.
وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان وهذا يدل على أن زيداً كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوباً حتى يشهد به من تلقاه سماعاً مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
وأخرج ابن أبي داود أيضاً من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من متاب الله فاكتباه.
رجاله ثقات مع انقطاعه.
قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب وقال السخاوي في جمال القراء: المراد انهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أوالمراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.
قال أبو شامة: وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ.
قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة: لم أجدها مع غيره: أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت: أوالمراد أنهما يشهدان على ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وقاته كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر.
وقد أخرج ابن أشتة في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية بشاهدي عدل وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع أبي خزيمة بن ثابت فقال: اكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب وإن عمر آتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده.
وقال الحارث المحاسب يفي كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقاً في الرقاع والأكتاف والعسب فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعاً وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت فيبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها قرآن منتشراً فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال قيل لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجوز ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فكان تزوير ما ليس منه مأمونا وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه.
وقد تقدم في حديث زيد أنه جمع القرآن من العسب واللخاف.
في رواية: والرقاع.
وفي أخرى: وقطع الأديم.
وفي أخرى: والاكتاف.
وفي أخرى: والأضلاع.
وفي أخرى: والأقتاب.
والعسب جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الحوص ويكتبون في الطرف العريض.
واللختاف بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق.
وقال الخطابي: صفائح الحجارة والرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أوورق أوكاغد.
والأكتاف جمع كتف وهوالعظم الذي للبعير أوالشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه.
والأقتاب جمع قتب وهوالخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وفي موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عبد الله بن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس بما كانوا معهم عندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في المصحف.
قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما توفي أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده
قال: والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولاً قبل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة.
قال الحاكم: والجمع الثالث هوترتيب السور في زوم عثمان.
روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها إلى حفصة فأمر زيد ابن ثابت عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أومصحف أن يحرق قال زيد ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فألحقناها في سورتها في المصحف.
قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين.
قال: وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستنداً انتهى.
وأخرج ابن أشتة من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال: اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيباً وأكثر لحناً يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً فاجتمعوا فكتبوا فكانوا إذا اختلفوا وتدارءوا في أي آية قالوا هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً فيرسل إليه وهوعلى رأس ثلاث من المدينة فيقال له كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا فيقول كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكاناً.
وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا اندرءوا في شيء أخروه.
قال محمد: فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله.
وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأمنا قال ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يول إن قراءتي خير من قراءتك وهذه يكاد يكون كفراً قلنا: فما ترى قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فال تكون فرقة ولا اختلاف قلنا: فنعم ما رأيت.
قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتباً لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قروه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئه بعض فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتباً لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
وقال الحارث المحاسي: المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشى الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق وقد قال عليّ:
يت لعملت بالمصاحف التي عمل بها عثمان.
انتهى.
فائدة اختلف في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق المشهور أنها خمسة.
وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسل عثمان أربعة مصاحف.
قال ابن أبي داود: ز سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة والشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحداً.
فصل الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توفيقي لا شبهة في ذلك.
أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبوجعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوفيقه صلى الله عليه وسلم أمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين انتهى.
وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه وأما النصوص فمنها حديث زيد السابق كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع.
ومنها ما أخرجه أحمد وأبوداود الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: نلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لها أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال.
ومنها: ما أخرجه احمد بإسناد حسن بن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى إلى آخرها
ومنها: ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً قد نسخها الآية الأخرى فلم تكتبها أوتدعها قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه
ومنها: ما رواه مسلم عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء.
ومنها: الأحاديث في خواتيم سورة البقرة.
ومنها: ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعاً من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الجال.
وفي لفظ عنده من قرأ العشر لأواخر من سورة الكهف.
ومن النصوص الدالة على ذلك إجمالاً ما ثبت من قراءته صلى الله عليه وسلم لسور عديدة كسورة البقرة وآل عمران والنساء في حديث حذيفة والأعراف في صحيح البخاري أنه قرأها في المغرب.
وقد أفلح روى النسائي أنه قرأها في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع.
والروم: روى الطبراني أنه قرأها في الصبح.
وألم تنزيل وهل أتى على الإنسان روى الشيخان أنه كان يقرؤهما في صبح الجمعة.
وق في صحيح مسلم أنه كان يقرؤها في الخطبة.
والرحمن: في المستدرك وغيره: أنه قرأها على الجن.
والنجم: في الصحيح أنه قرأها بمكة على الكفار وسجد في آخرها.
واقتربت: عند مسلم أنه كان يقرؤها مع ق في العيد.
والجمعة والمنافقون: في مسلم أنه كان يقرأ بهما في صلاة الجمعة.
والصف: في المستدرك عن عبد الله بن سلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأها عليهم حين أنزلت حتى ختمها في سور شتى من المفصل تدل قراءته صلى الله عليه وسلم لها بمشهد من الصحابة أن ترتيب آياتها توقيفي وكان الصحابة ليرتبوا ترتيباً سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على خلافه فبلغ ذلك مبلغ التواتر.
نعم يشكل على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها في آخرها.
قال ابن حجر: ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلا بتوقيف.
قلت: يعارضه ما أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب أنهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ظنوا أن هذا آخر ما أنزل فقال أبيّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعد هذا آيتين لقد جاءكم رسول إلى آخر السورة.
وقال مكي وغيره: ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا.
وقال أيضاً: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله هوهذا الذي بين الدفتين الذي حواه مصحف عثمان وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه ز أن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى ورتبه عليه رسوله من آي السور لم يقدم من ذلك مؤخر ولا منه مقدم وإن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة وأنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره وأن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده ولم يتول ذلك بنفسه.
قال: وهذا الثاني أقرب.
وأخرج عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البغوي في شرح السنة: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أوأنقصوا منه شيئاً خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أ قدموا شيئاً وأخروا أووضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ في اللوح على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقاً عند الحاجة.