حياتنا بالشقلوب وعجائب الدنيا ليست سبعه

صعب جدًّا أن يسير المرء على يديه بدلاً من قدميه، أو ينظر بقفاه بدل عينيه، أو يلتقط الأشياء بأصابع قدميه لا بأصابع كفيه.. صح واللا غلط؟..
وإذا أصر أنه بُرَم، ومُجدد، ومتطور، ومستنير، وأنه نسيج وحده ويستطيع ذلك، فإنه سيفعل زمنًا قصيرًا ثم يتأكد أن الصواب في عودته للفطرة التي خلقه الله عليها، أو سيظل يعيش في معاناة أبد الآبدين.

هل تسمح لي قارئي الكريم أن أدّعي أن حياتنا معظمها تسير هكذا بالمقلوب أو "بالشقلوب"، كما يقول بعض عوامنا عند المبالغة في المخالفة، في الوقت الذي نعتقد أننا (آخر حلاوة وكله تمام)، هل تصدق هذا؟، وهل تصدق أن الله تعالى يبتلينا في حياتنا بقسط لا بأس به من الضنك والكرب والهم، ونحن نظن أننا في عافية؟ لا تصدق؟.

عجائب الدنيا ليست سبعة

اقرأ هذا إذن ودعني أسألك: وإيه في حياتنا صح هذه الأيام يا سيدي حتى نحس أننا طبيعيون؟، سامحني.. ولست والله متشائمًا وإنما أنا راصد ومتابع، وما عليّ إلا البلاغ:

• ألم يتضح ويتأكد بما لا يدع مجالاً للشك في الإعلام العالمي، وعلى ألسنة بتوع الأمم المتحدة والبتاع العالمي الجديد أن أحمد ياسين – الله يرحمه- رجل وِحِش ودموي وإرهابي، وأن شارون – الله يجحمه- رجل طيب ووديع ومسالم، وهو مضطر أن يدافع عن نفسه من أهوال الكرسي المتحرك الذي كان الشيخ أحمد مربوطًا فيه على الدوام؟..
ألم يقولوا إن الأطفال الذين يواجهون الدبابات بالحجارة عيال مش مؤدبين، ولازم يتربوا.. ودواؤهم في القذائف المطاطية وكسر العظام؟..

ألا تتوقع قريبًا جدًّا أن ينال الرجل الوديع الرقيق (الشهيد) شارون جائزة نوبل للسلام، كما نالها سلفاه مناحيم بيجن، وإسحاق رابين؟، وهل كانا أرق منه وأرحم بالمسلمين في فلسطين؟.

• ألم يظهر في الميديا بأنواعها، وعلى المنابر الدولية أن حماس ناس فجرة وكفرة ومتطرفون وهمجيون، وأنهم خطرون على الحضارة والعالم المتنور، وأن اليمين الصهيوني عسل ووطني ويدافع عن أمنه وحقوقه المهددة؟.

• ألا يعلن كثيرون من قومنا -ممن اسمهم أحمد ومحمد وحسين وأمين وسيد وعفيف- أن الإسلام دين ظلام وتخلف، وأن الفرعونية والفينيقية والآشورية والبربرية وأديان عبادة المعيز وأبو بريص -والاغتراب الكامل عن ديننا وقيمنا- عشرة على عشرة، ونور على نور، وتطور على تطور، وفيها مواكبة للقرن الثاني والعشرين واللي بعده ؟!.

من العصرية إلى الحرية!

تابعني قارئي العزيز موافقًا أو مخالفًا، وقل رأيك في صور الشقلبة التي نعيشها، أو تعيشنا، وتدور حولنا، مما يحتاج تأملاً ويستدعي الدمع والحزن:

• ألا ترى بعض من لا يركعون لله ركعة، ولا يعرفون هل المصحف يفتح من الشمال لليمين واللا من فوق لتحت، ولا يفعلون من المنكر أي شيء -إطلاقًا- غير الشرب والزنا والشم وأكل الربا وسرقة المال العام، وزيارة بانكوك في الصيف؛ يقولون إن قلوبهم بيضااااااااااا، وإن علاقتهم بالله تعالى زي الفل، وإن الإيمان مش بالمظاهر، وإن المتدينين أوحش ناس على ظهر الأرض، ومش فاهمين حاجة في الإسلام، ويؤكدون في كل المناسبات يسر الإسلام وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسيدي السيد البدوي، والعندليب الأسمر الله يرحمه!.

• ألا تدرك إصرار بعضنا الغريب على (عصرنة) الإسلام وتطويره، بدعوتنا للتخلي عن العقيدة كلها والمعاملات كلها والعبادات كلها -بس– لنتمسك فقط بثلاثة من أخلاقه الرفيعة.. وكأن محمدًا صلى الله عليه وسلم بعث ليعلم الناس النظام واحترام المواعيد والوفاء بالوعد، ومالوش دعوة بعد ذلك بالتوحيد والصلاة والصيام والجهاد والدعوة والحكم والمرأة والتعليم والتربية والاقتصاد والسياحة ومكارم الأخلاق.. وأن ربنا سبحانه وتعالى لم يرسله للعالمين، وأن الجامع مالوش دعوة بالمدرسة والشارع والتلفزيون والبورصة والفن والإبداع!

• وما ترى فينا حين نصر على تسمية العري فنًّا، والرقص تحضرًا، والتلطيش اللوني إبداعًا، والتهريج المسرحي تجريبًا، ونكش الفراخ شعرًا، والواقع المهبب الذي تعيشه الأمة ديمقراطية وحرية وانفتاحًا، والانكسار والانبطاح الذي نستمتع به سلامًا، والتنازلات التي نقدمها بكيفنا مفاوضات ومكاسب، ومصافحة العدو تكتيكًا، والممثلين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون مثقفين!.

• وما بال الصحافة المتتبعة للفضائح، ونبش خصوصيات الناس، وتتبع عوارتهم، واقتحام أسرارهم، وتعرية ضعفهم، والتخصص في نشر صور البنات الدلوعات الفاتنات بقمصان النوم، وبدون قمصان النوم، والضحك على الأمة بالتأكيد على إبراز مواهب أمثال فنانة الإغراء أم جلمبو منذ كانت في اللفة، وأنها تكلمت وهي بنت شهرين، ونظمت الشعر وهي بنت تسعة أشهر، وكادت تدخل الجامعة وهي في الثالثة وشهرين من عمرها؛ لولا أنها -بعد بروز مواهبها الفذة- اختارت طريق الفن والجهاد السقافي.. وكل ذلك ينشر عيني عينك؛ بأسماء صحفيين مرخصين وحلوين ولعّيبة، تحت مسمى حرية الصحافة، وطهارة الكلمة، والشفافية، والعصرنة، وتقدير المواهب، ويا بخت من نفع واستنفع!

الفرانكو أراب

• ثم ما تقول في صاحب الشهادة التي لا شهادة بعدها، البعيد عن الدنيا، الذي يشبه الهواء الساكن.. لا تراه ولا تشمه ولا تحس به إلا إذا تحرك -وصاحبنا ذكي بما يكفي لإبقاء نفسه ساكنًا لا يتحرك- لأنه إذا تحرك ستبدو ريحه، ويفوح عبيره، ثم ليتضح أن شهاداته تايواني، وكتبه زيوف، وأستاذيته أونطة، وإمكاناته 3%، لا تصنع فكرًا، ولا تقيم حجة، ولا تشكل وعيًا، والمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، كما قال سيد الجميع المصطفى صلى الله عليه وسلم!

• وما تقول فينا ونحن عرب ولغتنا غير عربية لا في الإعلام، ولا الأفلام، ولا الشوارع، ولا الجوامع، ولا المدارس والجامعات!، وكم من أستاذ يقف بين طلابه ليحدثهم بالعامية أو بخليط مضحك من لغات عدة، عامية على فصحى على إنجليزية على لاتينية، حتى إن كثيرين ممن أعرف يتهربون من لقاءات الإعلام بسب العي اللغوي (المبين)!.. وحتى إن كثيرًا من مصالحنا يحتاج إلى إعادة تعريب، كالمستشفيات والمطارات والمصانع الكبرى والمؤسسات العامة والخاصة، فهي تستخدم لغات لا علاقة لها بلغة الناس وميراثهم ودينهم، وصرنا نحن نتعجم بدل أن يتعرب القوم، ونستخدم -كثيرًا- لغة الخدم والسواقين وأرباب المهن الدنيا.. رايت بابا؟.

• بعض الستات من فئة three digits تكون أشبه بفيل صغير يتدحرج على الأرض، وتصر بشكل غريب على السير في الشوارع أو على الكورنيش ببطلون استريتش لاصق بطبقات الشحم والشحم كأنها جلد على الجلد، وكأن لسان حالها يقول: آدي الرشاقة واللا بلاش!.

• تكون السيدة غامقة اللون –ومش عيب ولا عار؛ فالمسك أحوى- وأكون أنا أحلى منها ثلاثين مرة، وراسها وألف بتاعة أن تقول لله: يا رب: أنت ما خلقتني في أحسن تقويم؛ أنا سأكون أحلى ببشرة أفتح، وشعر أنعم، وحواجب أرفع، وتكشُّف أكثر!، وتبدأ تصبغ نفسها بطريقة مبكية لا مضحكة: باروكة شقراء، وعدسات للعينين حمراء، و5,750 كج طلاء، لتغير سحنتها إلى شكل عجيب غريب، وتتصرف بعد ذلك ولا مارلين مونرو!.. فتراها إذا مشت تمشي تتقصع، وإذا تكلمت فإنها تتدلع، وإذا تصرفت فإنها تتصنع وتتقمع، وإذا ضحكت رن صوتها لتسمع اللي في ميدان التحرير؛ لتؤكد أنها لا تحسن النظر إلى نفسها بعين الرضا، ولا إلى ربها تبارك وتعالى بعين الامتنان، ولا إلى الناس حولها بعين الاستحياء!.

كفاية واللا أقول كمان؟..

يا رب عدّل أحوال هذه الأمة الغلبانة.. يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.. يا عزيز يا حكيم!