منتدى شنواى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة شنواىأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
جابور المصرى
عضو فضى
عضو فضى
avatar


ذكر
عدد المساهمات : 202
نقاط : 413
تاريخ التسجيل : 12/11/2009

تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)   تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2) Emptyالجمعة 20 نوفمبر 2009 - 18:50

قال ابن القيم: وسر الخلق، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتابة وأربعة: جمع معانيها في التوراة والإنجيل، ...


مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ:
1- قرأ بعض القراء: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ .
2- وقرأ آخرون: ﴿مَلِك﴾ وكلا القراءتين صحيحة متواتر في السبع، وليس تخصيص المُلك بيوم الدين خاصاً بيوم الدين من غير الدنيا، فهو مالك يومي الدنيا والدين لأنه تقدم الإخبار بأنه ربُ العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، إنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي هناك أحد شيئاً غيره ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابً﴾ .
3- وقال الضحاك عن ابن عباس ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يقول: لا يملك من أحد في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدنيا .
4- ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾: يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، إلا من عفا عنه .

من هداية الآية:
1- الملك في الحقيقة هو الله عز وجل، وهو مأخوذ من المُلك (بضم الميم)، قال الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ .
وفي الحديث: (أختــع اسـم عند الله من تسمى بملك الأملاك، ولا مالك إلا الله) . –أختع: أذل وأقهر-.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكً﴾ . فتسمية طالوت بالملك مجاز، وفي الحديث: (مثل الملك على الأسرة) .
2- المالك في الحقيقة هو الله عز وجل، وهو مأخوذ من المِلك (بكسر الميم) وتسمية غيره في الدنيا مجاز) .
قال تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ –فالمساكين كانت السفينة ملك لهم في الدنيا-.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ:
1- ﴿إِيَّاكَ﴾ مفعول قدم للحصر، ليحصر مراد المتكلم فيما يريد أن يفصح عنه .
2- ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والعبادة في اللغة من الذلة، يقال: طريق معبد، وبعير معبد، أي مذلل، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، وهي خاصة بالله سبحانه وتعالى .
3- قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن وسرها – أي الفاتحة – هذه الكلمة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
فالأول أي: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ تبرؤ من الشرك .
والثاني أي: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تبرؤ مـن الحول والطول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل .
4- في هذه الآية: تحول الكلام من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب بكاف الخطاب بقوله ﴿إِيَّاكَ﴾ وذلك مناسب، لأن العبـد لما حمد الله وأثنى عليه ومجده وتبرأ من عبادة غيره، ومن الاستعانة بسواه، فكأنه اقترب من الله عز وجل، وأصبح حاضراً بين يديه تعالى، فناسب أن يخاطبه بكاف الخطاب بقوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إياك نوحد ونخاف ونرجوا يا ربنا لا غيرك، ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على طاعتك، وعلى أمرنا كلها.
وقدم: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ على ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لأن العبادة هي الغاية، والاستعانة هي الوسيلة إليها –ابن كثير- .

قال ابن القيم في مدارج السالكين: وسر الخلق، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتابة وأربعة: جمع معانيها في التوراة والإنجيل، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن في الفاتحة في: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .

من هداية الآية:
1- ذكر علماء اللغة العربية أن الله تعالى قدم المفعول به (إياك) على الفعل (نعبد) و (نستعين) ليخص العبادة والاستعانة به وحده، ويحصرها فيه دون سواه، فيكون معناها: (نخصك بالعبادة والاستعانة وحدك) أو ( لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك يا الله).
وأركان العبادة: الإخلاص والمحبة والرجاء والخوف، وعبادة الله وحده بما شرعه الله، حسب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- معنى العبادة والاستعانة في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إياك نوحد ونخاف ونرجو.
﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على طاعتك، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

3- إن العبادة في هذه الآية تعم جميع العبادات كلها، مثل الصلاة، والذبح، والنذر، ولا سيما الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة). فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لرسول، ولا لولي، فكذلك الدعاء عبادة، فهو لله وحده لا لغيره. ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدً﴾ . ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله).
يقول الإمام النووي في تفسير هذا الحديث ما خلاصته: إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة، فاستعن بالله، ولا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله: كشفاء المرض، وطلب الرزق والهداية، فهي مما اختص الله بها وحده، قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ .

4- وأما الاستعانة بالأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه من مداواة مريض، أو بناء مسجد، وغير ذلك فهي جائزة لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). ومن أمثلة الاستعانة الجائزة قول الله في طلب ذي القرنين من قومه:﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾.

5- إن هذه الآية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ التي يكررها المسلم عشرات المرات في الصلاة هي خلاصة سورة الفاتحة، وهي أعظم سورة في القرآن .

6- في الآية توحيد العبادة لله الذي دعت إليه جميع الرسل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾. –والطاغوت: كل ما عُبد من دون الله برضاه - .

اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ:
لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال: (فنصفها لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ وفي هذا دليل على الحض على التوسل بالصفات العلى وبالأعمال الصالحة فقد حمد الله وأثنى عليه ومجده بصفاته. (رب العالمين، الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين).
ثم أفرده بالعبادة والاستعانة: فبعد أن قدم بين يدي ربه هذه الأعمال الصالحة تقدم منه سائلاً حاجته وهي أن يهديه وإخوانه المؤمنين صراطه المستقيم الذي هو الإسلام الصحيح الخالي من الزيادة والنقصان، النفي من كل بدعة وخرافة، هذا الصراط الذي هو أقرب الطرق للوصول إلى ما يحب الله ويرضى طبق ما أمر، وبلغ رسول الله، وإذا أمعن المسلم في آيات القرآن فإنه يرى جميع آيات الدعاء، لا بد أن يسبقها توسل إلى الله تعالى إما بدعائه، أو بذات الله ـ أو بأسمائه الحسنى، أو صفاته العلى، أو بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى ربه، أو أن يتوسل إليه بدعاء إخوانه المؤمنين له بالدعاء لهم، قال الله تعالى على لسان ذي النون عليه السلام: ﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
فإن ذا النون لما ابتلعه الحوت لم يجد من التوسل إلى الله أقرب من توحيده تعالى وتنزيهه.
والهداية هاهنا: الإرشاد والتوفيق، وقد تعدي الهداية بنفسها كما هنا ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ فتضمن معنى: ألهمنا، أو وفقنا، أو أرزقنا، أو أعظنا .
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾، أي بينا له الخير والشر وقد تعدي بإلى كقوله تعالى: ﴿اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة، كذلك قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وقد تُعدي باللام، كقول أهل الجنة:
﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَ﴾ أي وفقنا لهذا وجعلنا له 52ً .
وأما (الصراط المستقيم) فقال الإمام الطبري: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن: (الصراط المستقيم) هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وذلك في لغة جميع العرب .
ولهذا قال الإمام الطبري -رحمه الله-: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي، أعني ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ أن يكون معنياً به، وفقنا للثبات على ما أرتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وُفق لما وُفق لـه من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء، فقد وُفق للإسلام وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب، والعمل بما أمره الله به والانزجار عمّا زجره عنه، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم .

من هداية الآية:
1- الترغيب في دعاء الله وحده، ولا سيما الهداية إلى الصراط المستقيم، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وقال جماعة من الصحابة: (الصراط: الإسلام )

2- علمنا الله أن نسأله الصراط المستقيم خالياً من أهله وأصحابه، فإذا عرفنا الصراط ومعالمه عرفنا أهله، وحينئذ يقول القارئ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾. فاعرف الحق تعرف أهله، فالحق: هو الصراط، وأهله: الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا .

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ:
1- ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ مفسر للصراط المستقيم، والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمً﴾ .

2- وقال الضحاك عن ابن عباس: صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين وذلك نظير ما قال ربنا في الآية السابقة .

من هداية الآية:
1- الترغيب في طلب الهداية إلى الصراط المستقيم: صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
2- الترغيب في سلوك سبيل الصالحين – الذين مدحهم الله وأثنى عليهم – وموالاتهم، والسير على طريقهم .

غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ:
1- قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾: أي غير صراط المغضوب عليهم: المغضوب عليهم: هم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه .
2- وغير صراط الضالين: وهم الذين فقدوا العلم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحـق وأكد الكلام بـ (ل) ليدل أن ثم مسلكين فاسدين وهما: طريقة اليهود وطريقة النصارى .
3- وإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم والعمل به، واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضلالة للنصارى، لأن من عَلِم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم .
4- والنصارى كما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إليه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الحق فضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليهم. لكن أخص أوصاف اليهود الغضب عليهم: قال تعالى عنهم: ﴿مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ .
5- وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى: ﴿قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ .
6- روى حماد بن سلمة عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ قال اليهود .
﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قال النصارى هم الضالون
7- وروى ابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ قال: اليهود، قلت: ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قال: النصارى .

من هداية الآية:
1- التحذير من صراط المغضوب عليهم، وهم اليهود الذين فسدت إرادتهم فعرفوا الحق وعدلوا عنه، ولـم يعملوا به، لأن من علم الحق وتركه استحق الغضب من الله تعالى .
2- التحذير من صراط الضالين: وهم النصارى الذين فقدوا العلم، فهاموا في الضلال، لا يهتدون إلى الحق، فعلى المسلمين ألا يتركوا العلم والعمل، حتى لا يكونوا مثل النصارى واليهود .
3- التحذير من طريقة اليهود والنصارى، والترهيب من سلوك سبيل الغاوين والبراءة منهم .
4- التحذير من ترك العمل الذي وقع فيه اليهود، والتحذير من ترك العلم الذي وقع فيه النصارى .
5- لا بُد من العلم والعمل معاً، وهذا هو سبيل المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾. قال ابن كثير: كلما كان العلم بالله أكمل، كانت الخشية لله أعظم وأكثر .
6- على المسلمين: أن يدعوا الناس جميعاً إلى العلم والعمل معاً لهدايتهم إلى الصراط المستقيم .

التحذير من صفات المنحرفين:
1- قال الله تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلام: ﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ اليهود و﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ النصارى .
2- قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ – الرغد: سعة العيش، حطة: حُط عنا ذنوبنا وأغفرها .
أ- ( قيل لبني إسرائيل: ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاهم، وقالوا: حبة في شعرة ، أستاهم: أدبارهم) .
ب- وفي رواية الترمذي في قول الله تعالى: ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّد﴾، قال: ( دخلوا متزحفين على أوراكهم) .
قال: وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ .
قال: قالوا: حبة في شعرة، وفي رواية: حبة في شعيرة .
ج- قال الحافظ في (الفتح): والحاصل أنهم خالفوا ما أُمروا به من الفعل والقول، فإنهم أُمروا بالسجود عند انتهائهم شوكً لله تعالى، وبقولهم (حطة) فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنطة بدل (حطة) أو قالوا: حطة، وزادوا فيها حبة شعيرة. ويستنبط منه أن الأقوال المنصوص إذا تُعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى .

من فوائد الآيات والأحاديث:
1- الترغيب في سلوك سبيل المؤمنين، والترهيب من سلوك اليهود المغضوب عليهم لكفرهم وإفسادهم وقد تركوا العمل، ومن النصارى الضالين الذين فقدوا العلم، أما المؤمنون فقد جمعوا العلم مع العمل .
2- التحذيـر من تحريف النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع كما فعلت اليهود. لقد أمر الله اليهود أن يقولوا (حطة) فقالوا (حنطة) تحريفاً، وأخبرنا الله أنه (استوى) على العرش، فقال المتأولون: (استولى) فانظر ما أشبه لامهم التي زادوها بنون اليهود التي زادوها: (في حطة: فقالوا حنطة) .
3- لقد تجرأ بعض المفسرين كالصابوني في (صفوة التفاسير) والقاضي أحمد كنعان في كتابه (قرة العينين على تفسير الجلالين) فقد قالا عند تفسير قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾. فقالا: وفي الحديث: ( يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة)، الحديث رواه البخاري، فقد بترا أول الحديث:
(يكشف ربنا عن ساقه): ولم يلتزما نص الحديث: (فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة)، لأن الفاء للعطف، و (له) يعود على الله. ولما سألت الصابوني عن سبب بتره لأول الحديث: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( يكشف ربنا عن ساقه ....) الحديث، أجاب بقوله: كل المفسرين أولوا الآية. ثم قال: الذي أريده من الحديث أخذته .
أ- وهذا خطأ كبير إذ أن المفسرين جُلهم لم يتأولوا الآية: كالطبري وابن كثير، وذكروا الحديث بتمامه، حتى قال العلامة صديق حسن خان، والشوكاني أيضاً عند تفسير ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ الآية: "إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل" ويقصدان الحديث الذي فسر الآية، وهو خير مفسر لكلام الله تعالى، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شئ، ثم ذكرا قول الشاعر:

دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر

ب- أما قوله: أخذت من الحديث ما أريده، لا يجوز لمفسر أن يقوله، لأنه غير معني الآية التي تثبت الساق لله تعالى على ما يليق به، فظهر من حذفه لأول الحديث لئلا يثبت الساق، ولأنه لو ذكره لبطل مراده وهو التأويل، وهذا نوع من التحريف والتبديل والتلاعب بالنصوص الذي حذرت منه الآيات السابقة، وسيأتي تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لمثل هذا العمل الذي وقعت فيه اليهود والنصارى .
ج- وقد فسر الصابوني آية ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾: أي تدعوهم الشدة إلى السجود لله، وخالف تفسير الطبري الذي اختصره حينما قال الطبري: "ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله".

4- ومن هذا التحريف ما سمعته من أحد الخطباء يوم الجمعة حيث قال: جاء رجل أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يرد له بصره، فرد له بصره، ولما انتهى لحقته، وقلت له: هذا الذي ذكرته نص الحديث ؟
إنَّ نص الحديث يقول: جاء أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسـول الله أدع الله أن يعافيني، فقال: (إن شئت صبرت، وإن شئت دعوت)، فقال: بل أدعه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو ...
فقال لي: الذي أريده من الحديث أخذته، فقلت: هذا تدليس، لأنه أوهم الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رد بصره، بينما الحديث ينص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له حينما طلب منه الأعمى الدعاء، وهي معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم، فرد الله له بصره، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك رد البصر ولا غيره .

5- هذا التحريف الذي ذكره ابن القيم في تبديل النصوص، وهذا البتر لأول الأحاديث الذي غير المعنى هو من عمل أهل الكتاب، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أمته سيقعون فيه، فقال محذراً: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا: اليهود والنصارى ؟ قال: فمن؟) – أي: فمن غيرهم- .

معنى آمين:
ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين، ومعناه: اللهم استجب، والصحيح: أنه يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، ويتأكد في حق المصلي سواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً وفي جميع أحوال الصلاة .

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّن الإمام فأمنّوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) .

2- ولمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الآخر غفر له ما تقدم من ذنبه) .

3- وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُعطيت "آمين" في الصلاة وعند الدعاء لم يُعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى، كان موسى يدعو وهارون يؤمن فاختموا الدعاء بـ "آمين" فإن الله يستجيبه لكم) .

4- ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فذكر الدعاء عن موسى وحده ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمن فنزل منزلة من الدعاء، لقوله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَ﴾ فدل ذلك على أن من أمّن على دعاء فكأنما قاله: فلهذا قال من قال: إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزل قراءتها، فدل هذا المنزع أيضاً على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية، والله أعلم .

5- قلت: وهذا هو الحق الموافق لما جاء في القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فالإستماع والإنصات أمر من الله تعالى حتى نُرحم، فإذا استمعنا وأنصتنا تفرغ القلب للفهم، وإذا فهمنا مراده تعالى، عملنا بمقتضاه، فيرحمنا الله جزء ما عملنا بما فهمنا .
أما إذا قرأ الإمام جهراً ونحن قرأنا معه فلا نستطيع في آن واحد فهم ما نقرأ وفهم ما نسمع، وإذا لم يحصل الفهم لا يحصل العمل، وإذا لم يحصل العمل فلا نُرحم. وكذلك فانه موافق لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به فإذا كبر، فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا ...) الحديث. هذا في الصلاة الجهرية أما في الصلاة السرية فتجب قراءة الفاتحة وراء الإمام وهاهنا يأتي دور الحديث:
( لا صلاة لمن لام يقرأ بفاتحة الكتاب) . والله تعالى أعلم .

خلاصة تفسير الفاتحة:
قد اشتملت هذه السورة الكريمة على حمد الله، وتمجيده، والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العلى وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاد عباده إلى سؤاله والتضرع إليه، والتبرؤ من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده، توحيد الألوهية تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل .

والى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة، المفضي إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، وعلى الترهيب والتحذير من مسالك الباطل لئلا يُحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون .

وما أحسن ما جاء في إسناد الإنعام إليه سبحانه في قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: غير ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ .

مفهوم الهداية والإضلال:
1- لا شك ولا ريب أن الهداية والإضلال من الله تعالى، ولكن ليس هناك من شئ إلا وله سبب، فلما كان العناد والكفر حاصلين من قبل المشركين والكفار بعد بيان الحجة وقيامها عليهم .. كان من المناسب أن يعاقبهم الله على عنادهم وكفرهم من جنس العمل، فعاقبهم بأن مدهم في الضلال كما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾، ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ فكان جزءً وفاقاً.

2- أما المؤمنون فإنه لما أصغوا إلى الحق وأخلصوا النية بالفهم والتعقل وآمنوا كان من المناسب أن يكافئهم من جنس العمل فيسر لهم طريق الهداية ومدهم بزيادة من الفهم والعقل والإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾. فكان ذلك جزاءً وفاقاً .

3- ومما هو معلوم أن الهداية والإضلال من الله خلق، فهو الذي هدى المؤمنين بسبب استجابتهم للإيمان، وأضل الكافرين بسبب عنادهم وإعراضهم، فكان كما قلنا جزاءً وفاقاً، وهذا هو الذي رمى إليه المؤلف (ابن كثير) رحمه الله بقوله: (لا كما تقول الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه) أي الضلال، والهدى، لأن الهادي والمُضل هو الله تعالى، ولكن العباد يهيئون الأسباب وهذه الأسباب هي التفهم والعمل من المؤمنين، والعناد والإعراض من الكافرين، وهذه أفعال اختيارية محضة والاختيار عليه مدار الثواب والعقاب، أما الهداية نفسها، والإضلال نفسه، فمهما قطعاً من الله تعالى ولو أن الهداية من نفس المؤمن ومختار فيها لما طلبها منه تعالى بقوله: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، وقوله: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَ﴾

والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق للصواب .

قراءة الفاتحة في الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عليه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، خداج، خداج: غير تمام) .
فقيل لأبي هريرة: إنَّا نكون وراء الإمام؟ فقال: أقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، قال: الله أثنى عليّ عبدي. فإذا قال: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: أهدنا ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾، قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل).

قال ابن كثير بعد هذا الحديث: بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة، فدل على عظم القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها، إذا أُطلقت الصلاة وأريد بها جزء واحد وهو القراءة .

هل تجب قراءة الفاتحة على المقتدي:
اختلف العلماء في القراءة للمصلي خلف الإمام على أقوال:
1- يجب على المقتدي قراءتها، كما تجب على إمامه: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .

2- لا يجب على المقتدي قراءتها سواء في الصلاة الجهرية أو السرية: لحديث: ( من كان له إمام فقراءة الإمام لـه قراءة) ولكن في إسناده ضعف كما قال ابن كثير في تفسيره.
أقول: إذا كان الحديث ضعيفاً فلا يجوز العمل به، ولا تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة .

3- يجب على المقتدي قراءة الفاتحة في السرية، ولا يقرأ في الجهرية: لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فانصتو). وهو قول قديم للشافعي، ورواية عن الإمام أحمد .

4- يجب على المقتدي قراءة الفاتحة في سكتات الإمام، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين ممن بعدهم، وهو قول للشافعي في الجديد: "وسكتات الإمام: تكون عند آخر الآية، وفي آخر سورة الفاتحة، وفي آخر القراءة" قال بعض السلف في قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .
قال: الإنصات يوم الأضحى، ويوم الفطر، ويوم الجمعة (وقت الخطبة) وفيما يجهر به الإمام في الصلاة، وهذا اختيار ابن جرير: أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة الجهرية وفي الخطبة: كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام، وحال الخطبة.

أقول: إذا كان المقتدي لا يسمع قراءة الإمام في الجهرية لبعده عنه، وعدم وجود مكبر للصوت، فعليه قراءة الفاتحة.

أخطاء شائعة في قراءة الفاتحة:

أولاً: قراءة القرآن على الأموات: ولا سيما سورة الفاتحة:
1- لأن القرآن أنزله الله للأحياء ليعملوا به، لا للأموات، قال الله تعالى عن القرآن: ﴿لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّ﴾، وفي الحديث: قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) .
2- ذكر ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فقال: أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه.
ومن هذه الآية الكريمة استنبط الإمام الشافعي رحمه الله أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها للموتى، لأنه ليس من عملهم، ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليها، ولا أرشدهم إليه بنص، ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
وباب القربات يُقتصر فيه على النصوص، لا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.
فأما الدعاء والصدقة فذلك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليها .

3- وسمعت امرأة سورة الفاتحة من الإذاعة فقالت: أنا لا أحبها، لأنها تذكرني بأخي الميت، وقد قرئت عليه "لأن الإنسان يكره الموت وما يلوذ به" .

4- لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أنهم قرأوا الفاتحة، أو غيرها على الأموات، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عند فراغه من دفن الميت: (استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فانه الآن يسأل) .

5- لم يُعلم الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته أن يقرأوا الفاتحة عند دخول المقبرة، بل علمهم أن يقولوا: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية) . –أي العذاب- فهذا الحديث يُعلمنا أن ندعو للأموات بالعافية من العذاب، لا أن ندعوهم أو نستعين بهم .

6- لقد أنزل الله القرآن ليقرأ على من يُمكنهم العمل من الأحياء، أما الأموات فلا يستطيعون العمل به: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾. أي: إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه، أما الكفار فهم موتى القلوب، فشبههم بأموات الأجساد .

ثانياً: قراءة الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم:
ليس عليها دليل من القرآن أو السنة، ولم يفعلها الصحابة، والدليل جاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
1- قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾. في هذه الآية يأمرنا الله تعالى أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لا أن نقرأ له الفاتحة، أو ندعوه لتفريج الهموم.

2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشر).

3- وقال صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم .....) والتوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروع عند الدعاء، لأنه من العمل الصالح فنقول مثلاً: اللهم بصلاتي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فرج عني كربتي وصلى الله على محمد وآله وسلم .

ثالثاً: قراءة الفاتحة عند عقد النكاح:
1- ليس عليها دليل من القرآن والسنة، وإنما هي من عادات الناس، ولا سيما إذا اعتقدوا أن عقد النكاح يتم بقراءتها، علماً بأن العقد لا يتم إلا بالصيغة الشرعية: وهو قول ولي الزوجة للزوج أو وكيله: (زوجتك ابنتي على مهر قدره كذا، فيجيب الزوج أو وكيله: قبلت تزويجك على ما ذكرت من المهر) .
2- السنة في عقد النكاح أن يقرأ العاقد خطبة الحاجة، وقد بدأ بها النبي خطبه، وعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأوا بها خطبهم، وهذا نصها: إن حمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً﴾﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً﴾.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) .

الخلاصـة: إنَّ قراءة الفاتحة للأموات، والى روح النبي صلى الله عليه وسلم، وعند عقد النكاح، وغيرها من البدع التي لا دليل عليها من الدين، وفي الحديث: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وقال ابن عمر رضين الله عنهما: كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس أنها حسنة .
وقال غضيف من السلف: لا تظهر بدعة إلا تُرك مثلها سنة .

وهذه البدع أماتت سُنن: وهي:
1- الدعاء للميت بالتثبيت، والاستغفار له، لأن الملائكة تسأله في قبره: من ربك ؟ ما دينك؟ من نبيك؟ .
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة: وصلاة الملائكة: دعاء) .
3- قراءة خطبة الحاجه (وتقدمت من قبل) والقول للزوج: بارك الله لكما، وجمع بينكما بخير.
[flash][/flash]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shadow
عضو vip
عضو vip
shadow


ذكر
عدد المساهمات : 3980
نقاط : 3981
تاريخ التسجيل : 11/12/2014
العمر : 26

تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)   تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2) Emptyالثلاثاء 9 يوليو 2019 - 12:11

جزاك الله خيراً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن
» تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)
» تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)
» تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)
» تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(1)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شنواى  :: القسم العام والإسلامى :: هـــــــذا نبينـــــا-
انتقل الى: