عدد المساهمات : 252 نقاط : 725 تاريخ التسجيل : 01/11/2009 العمر : 28 الموقع : saidsaleh2002@yahoo.com
موضوع: حكم الحكام المستبدلين لشرائع الدين.. الثلاثاء 22 ديسمبر 2009 - 21:07
حكم الحكام المستبدلين لشرائع الدين.. الشيخ محمد مصطفى المقرئ ألا يزال الخطاب الإسلامي في حاجة لأن يُقرر قواعد البحث العلمي الصحيحة على رأس كل جولة من جولاته؟ إن كثيراً من المخالفات الشرعية المروجة الآن بين طلاب العلم ترجع في تقديري إلى أخطاء منهجية تتعلق بالقواعد والأصول، أكثر منها أخطاء تفصيلية في النظر والاستدلال.. ومما يتعلق بمسألتنا هذه أو على رأس الأخطاء المنهجية التي وقع فيها كثير من الباحثين وطلاب العلم، اعتماد دليل واحد في مسألة تعددت أدلتها، وإنما يؤسس حكم مسألة على دليل واحد فيها إذا لم يرد سواه، وإلا لزم استقصاء جميع أدلة المسألة ثم إدخالها مراحل الاجتهاد والنظر.. ومعرفة واقعة الحكم على وجه الدقة والتحقيق والتوصيف الجامع المانع أمر لازم لا يغني عنه التعميم والإطلاق.. فإذا قيل: ما حكم تارك الصلاة؟ فقيل: تاركها جحداً لها كافر، وتاركها كسلاً عنها فيه الخلاف المعروف.. كان الجواب قاصراً إذا وجد فريق ثالث أو حتى افترض وجوده، وهو من ترك صلاة المسلمين، وصلى صلاة غيرها أتى بها من عند نفسه، أو اقتبسها من شرائع شتى كاليهودية والنصرانية والبوذية وفيها من الملة الإسلامية وهم لم يكتف بصلاته صلاة غير ما أنزل الله، بل راح يحمل الأمة الإسلامية على صلاته هو ويمنعهم أن يصلوا صلاتهم، ومن صلى منهم إلى القبلة وجعل كلام الله وحده هو المشروع فيها وحكم النبي صلى الله عليه وسلم في كيفيتها، من فعل ذلك عاقبه، وربما قتله. ألا فيا كل مقهور لحكم الطاغوت: {كلا لا تطعه واسجد واقترب} (العلق).. {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (المائدة)..
إنه يلزم المفتي أن يكون عالماً بالواقع مدركا له وإلا كان الخطأ لصيق فتياه.. قال ابن القيم رحمه الله: (ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات، حتى يحيط به علماً. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر) (إعلام الموقعين 1/87 - 88). الوجه الأول : ترك الأصلين الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع.. قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: (نرى في بعض بلاد المسلمين - ولو كان في زماننا هذا ما بعض- قوانين ضربت عليها، ونقلت عن أوربة الوثنية الملحدة، وهي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه، وذلك أمر واضح بديهي، لا يخالف فيه إلا من يغالط نفسه، ويجهل دينه أو يعاديه من حيث لا يشعر، وهي في كثير من أحكامها أيضا توافق التشريع الإسلامي، أو لا تنافيه على الأقل. وإن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز، حتى فيما وافق التشريع الإسلامي، لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها، إنما نظر إلى موافقتها لقوانين أوربة أو لمبادئها وقواعدها وجعلها هي الأصل الذي رجع إليه، فهو آثم مرتد بهذا سواء أوضع حكماً موافقاً للإسلام أم مخالفا.. وقد وضع الإمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا، ولكنه لم يضعها في الذين يشرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية.. فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك بريئة من هذا العار، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين، الذي يستنبطون الأحكام قبل أن يثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، ويقيسون ويجتهدون برأيهم على غير أساس صحيح، فقال في كتاب الرسالة (رقم 178 بشرحنا وتحقيقنا): (ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب - وإن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة، والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه) (كلمة الحق: 95-97). قلت: ولا يقتضي ذلك تسوية المجتهد المخطئ بالمشرع من دون الله في الحكم، لأن من أراد الحق فأخطأه ليس كمن أراد الباطل فأصابه أو أخطأه.. وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهداً قصده اتباع الرسول، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه) (الإيمان محمد نعيم ياسين ص 67). الوجه الثاني : تنزيل القانون منزلة ما نزل به الروح الأمين.. قال الشيخ محمد بن إبراهيم: (إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً }[النساء: 59] ) . [رسالة تحكيم القوانين ص: 5]. وقال رحمه الله: (وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره، يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة.. أما الأول: وهو كفر الاعتقاد - فهو أنواع: أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله. الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقاً، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه وأتم وأشمل إما مطلقا وإما بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث.. الثالث: لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، ولكنه اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين اللذين قبله في كونه كافراً الكفر الناقل عن الملة، لما يقتضيه من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله عز وجل: {ليس كمثله شيء} الشورى، ونحوها من الآيات الكريمة الدالة على تفرد الرب بالكمال، وتنزيهه عن مماثلة المخلوقين في الذات والصفات والأفعال، والحكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.. الرابع: أن لا يعتقد الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أن يعتقد كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه، لاعتقاده جواز ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه) [رسالة تحكيم القوانين لمحمد بن إبراهيم ص 8 - 10]. ومن تأمل أحوال حكام زماننا هذا فلن يخرجوا عن هذه الأقسام الثلاثة الأخيرة، فدخولهم تحت أحدها أو جميعها ظاهر بين من قرائن الأحوال فضلاً عن دلالة أقوالهم عليه.. ومن زعم الإيمان وقال أنا لا أنقاد لمقتضاه ولا أطيع هذا الرسول ولا أتبع شريعته بل أرفضها وأنكرها وأمنعها ولا أسمح لأحد إلا باتباع ما أراه من الشرائع. هذا لا يشك في كفره إلا من شك في إيمانه.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإذا قام الدليل على الباطن، لن يلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن بخلافه) [الصارم المسلول على شاتم الرسول]. وقد قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً} أي أنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا. وقال السدي: (استنصحوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً} أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ {لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} أي: تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلا هو ولا رب سواه) [تفسير القرآن العظيم 2/362 ط دار المعرفة بيروت]. قلت: والآية محل الاستدلال قد بينت أن التحليل لما حرمه الله والتحريم لما أحل الله شرك، وأن من فعل هذا قد جعل نفسه نداً لله ورباً معه، وأن من اتبعه في تحليله وتحريمه - معتقدا بقوله أو راضياً به- مشرك كافر لاتخاذه أنداداً من دون الله، يعطيهم حق التحريم والتحليل وحق الطاعة في ذلك.. قال البغوي - في التفسير- (فإن قيل: وإنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان قلنا: معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلوا ما أحلوا، وحرموا ما حرموا، فاتخذوهم كالأرباب.) [تفسير البغوي 3/85]. وعن حذيفة بن اليمان قال: (أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكن كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم) [تفسير الطبري 10/115]. ونحو هذا قال أبو البحتري: (أما إنهم لم يصلوا لهم، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه، وحرامه حلاله، فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية) [الفتاوى لابن تيمية 7/67]. ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: (وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعوهم على هذا التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسول، فهذا كفر.. وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذاك دون ما قاله الله والرسول مشركا مثل هؤلاء) [مجموع الفتاوى 7/70]. قلت: قوله (واعتقد ما قاله ذاك..إلخ) يدل على أنه يشترط في التابعين ما لم يشترط في المتبوعين إذ المتبوع المشرع من دون الله أتى كفراً بمجرد التشريع.. الثاني : يقول ابن تيمية رحمه الله: (أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنه معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الطاعة في المعروف" وقال: "على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية" وقال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه") [مجموع الفتاوى 7/71]. وغني عن البيان أن التحليل ليس شرطاً فيه أن يكون بنص صريح من المستحل أنه استحل كذا، بل كذلك يكون ضمنيا بعدم اعتباره جريمة أو اعتباره جريمة في حق الناس (أي دون حق الله) فإن وقع برضاهم أو تنازلوا عنه فلا جريمة ولا عقوبة كما هو الحال في جريمة الزنا - مثلا- حيث تعاقب المرأة على الخيانة الزوجية لا على الزنا نفسه، فإن تنازل الزوج بطلت الدعوى ولا جريمة. [انظر كتابنا "هداية الحائرين في حكم من بدل شرائع الدين"]. قال الأستاذ علي جريشة: (والتحريم والتحليل - اللذان أشارت إليهما الآيات الكريمة- يتخذ صورة العدول أو التعديل، فمن عدل عن تحريم الخمر إلى إباحتها فقد أحل ما حرم الله ووقع في الكفر والشرك.. وكما يكون العدول صريحا، بأن يقال عن الحرام حلال، فإنه يكون كذلك ضمنيا، بتغيير وصف الحكم من الحرام إلى الحلال ففي مثل الخمر جاء تحريما بالنص والإجماع، فإذا جاءت نصوص وضعية خالية من العقاب، فقد غيرت وصف الحكم وجعلته مباحاً والمباح أحد أقسام الحلال، ومن ثم فإنها تكون بذلك قد أحلت ما حرم الله. كذلك الزنا حرمته الشريعة بالنص والإجماع فإذا جاءت نصوص وضعية خالية من النص على العقاب عليه ولو في بعض الأحوال، فإنها تكون قد أباحته في هذه الحالات.. أي تكون قد أحلت ما حرم الله وهذه صور من العدول.. أما صور التعديل: فإن الحكم يبقى على وضعه الأصلي فلا ينقلب من الحرام إلى الحلال ولكن مثلاً يجوز التعديل في العقوبة التي وضعها الله سبحانه للفعل، كأن يحتفظ النص الأصلي بتحريم الفعل وتجريمه ولكنه يعدل في العقوبة المقررة له شرعاً فيجعلها الحبس بدلاً من الجلد أو الرجم. ويمكن أن يقال إن مثل هذه النصوص الوضعية التي تتضمن تعديلاً في الحكم الشرعي تتضمن كذلك عدولاً، فإن وضع عقوبة مكان أخرى عدول عن العقوبة الأصلية التي شرعها الشارع الحكيم علاجاً للداء وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير، وعلى ذلك فالعدول والتعديل هو من قبيل التحريم والتحليل الذي دمغه القرآن بالكفر والشرك، وتلك أفشى صور عدم الشرعية [أصول الشريعة الإسلامية 22-23]. وكذلك استحلال الحكم بغير ما أنزل الله كما أنه يكون صريحاً كذلك يكون ضمنياً إذ يعتبرون شرائع أخرى غير الشريعة الإسلامية من الشرائع المسوغ اتباعها، ويسمونها "مصادر شرعية" يستقون منها قوانينهم. فأقل ما يقال: إنهم أباحوا الأخذ عن مصادر أخرى وأجازوا التشريع والحكم لغير الله والرسول). وقد يكون استحلالهم للحكم بغير ما أنزل الله بغير لفظ الحل أو الإباحة، ولكن يرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما يراه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسواليف البادية، - وكانوا الأمراء المطاعين- ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر. فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون. فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار). ويقول الشيخ ابن كثير - رحمه الله- في تفسير قول الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيره، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد هواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير) [تفسير ابن كثير 2/70 ط دار المعرفة بيروت]. قول الله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام 121]، قال ابن كثير: (وقوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه، إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره، فهذا هو الشرك، كقوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله }.. الآية وقد روى الترمذي في تفسيرها - عن عدي ابن حاتم - أنه قال: (يا رسول الله ما عبدوهم فقال: بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فتلك عبادتهم إياهم) [تفسير القرآن العظيم 2/171]. قال الشنقيطي رحمه الله : (ويفهم من هذه الآيات كقوله: {ولا يشرك في حكمه أحداً} أن متبعي أحكام المشرّعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحته الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}، وقوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم: {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا}، وقوله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً} أي ما يعبدون إلا شيطاناً، وذلك باتباع تشريعه، ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء، كما في قوله تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} الآية، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم} الآية. فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وهذا هو اتخاذهم إياهم أرباباً) [أضواء البيان]. ويؤيد هذا الدليل ويعضده قول الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى].. قال الشنقيطي: (وأما النظام الشرعي "يقصد المشرع المضفي عليه الشرعية" المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض.. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، بل يلزم استواؤهما في الميراث وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوها أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.. فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السماوات والأرض وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها، سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}{قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل ألله أذن لكم أم على الله تفترون}{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}). وقال أيضاً عند تفسير قول الله تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً} بعد أن ذكر الآيات التي تقرر اختصاص الله سبحانه بالحكم والتشريع، انتهى إلى حكم من يحكمون بهذه الشرائع الموضوعة المناقضة لكتاب الله فقال: (ولا يشك في كفر هؤلاء إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي) [أضواء البيان]. وإن من الخلط الجسيم مساواة المشرعين لما لم ينزل الله بالحاكمين بغير ما أنزل الله حتى مع افتراض أن هؤلاء الآخرين لا يكفرون، وذلك لأن التشريع مع الله أو من دون الله اختراع لدين جديد ثم الحكم به بين الناس، ثم قهرهم على اتباعه واتخاذه ديناً لهم.. ومنعهم من اتباع دين الله الواجب عليهم.. فهو كفر فوق كفر فوق كفر.. {ظلمات بعضها فوق بعض}. قال علي جريشة: (ومن صور الشرك الذي هو أعظم الظلم وفي مقدمتها: شرع ما لم يأذن به الله {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. كذلك الحكم بغير ما أنزل الله، وصف القرآن الحاكمين بأنهم ظالمون وفاسقون وكافرون، وإذا انصرف الحكم إلى التشريع فإن الكفر والظلم يلتقيان، وإذا انصرف إلى التنفيذ فإن الصور الثلاث بمعانيها المختلفة تكون واردة) [أصول الشريعة الإسلامية 49]. وقال وهو يصف الوضع البديل لشرع الله بالشرك: (فإما أن يقام ما شرع من الدين، أو يكون لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) [المصدر السابق 18]. ويوضح هذا المعنى ويؤكده قول الله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} [الأعراف 3]. قال ابن كثير في تفسيرها: (أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره، {قليلاً ما تذكرون} كقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، وقوله: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} الآية، وقوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}. قال الشيخ إسماعيل بن إبراهيم: (فأمر باتباع المنزل منه خاصة ونهى عن اتباع أولياء من دونه، فدل على أن من اتبع غيره فقد اتبع من دونه أولياء) [تحذير أهل الإيمان 39]. الوجه الثالث: تحليل الحرام وتحليل الحلال.. قال الطحاوي في عقيدته: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله). فمستحل الحرام كافر بالإجماع وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة، وكذا محرم الخلال.. قال ابن تيمية: (والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء) [مجموع الفتاوى: 3/267]. وذلك لأن التشريع خالص حق الله تعالى وهو من أخص خصائص ألوهيته سبحانه، كما قال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً} [الكهف].. وكما قال سبحانه على سبيل الحصر والقصر: {إن الحكم إلا لله} [يوسف]. فهو حق لا يمنح لغير الله، ولا يعطى لأحد سواه فمن زعم هذا الحق لنفسه أو