شخصية الاسكندر الأكبر من الشخصيات الكبرى في تاريخ البشرية و لها من الأثر في مجريات أحداث التاريخ ما جعلها تحتل هذه المكانة. و من الطبيعي أن تحوم حول الكتابة عنه الأساطير التي كانت جزء من طبيعة ذلك العصر قبل الميلاد و من الطبيعي أيضا أن نجد اختلاف في الآراء حول شخصيته و سلوكه، ذلك لان الأغلب الأعم من الأفراد يكتبون من زاويتهم الشخصية اتجاه هذا الإنسان، فمن يكون مقربا منه سيراه من منظور يختلف عمن يكون بعيدا عنه أو معاديا له؛ و في هذا تضيع الحقيقة بين نزعات الإنسان التي نادرا ما تحتكم إلى الموضوعية.
و على ضوء ما تجمع من معلومات حول الاسكندر الأكبر و ما اطلعت عليه من كتب سأقسم الكتابة عن الاسكندر في موضوعين أساسين، اولهما: طفولته و نشأته، و ثانيهما: شخصيته و أفكاره. و نجد في ذلك التقسيم تقسيما ضمنيا إلى معلومات لا مجال للنزعات الشخصية للتحكم بها، و معلومات نسبية تختلف من كاتب لآخر.
1.طفولته و نشأته:
الاسكندر الأكبر هو الاسكندر الثالث و كان اسمه باليونانية الكسندروس و عرفه العرب بالاسكندر المقدوني، و لد في بيلا عاصمة مقدونيا الجديدة في خريف 356 ق.م ، أمه اسمها اوليمبياس Olympias و أبوه اسمه فيليب الثاني الذي تولى ملك مقدونيا 356 ق.م ، و له أخ غير شقيق اسمه فيليب ارهيديوس و يقال انه أبله.
و كان اليونان يعدون أباه و قومه من أعاجم أوروبا لأنهم لا يتكلمون اللغة اليونانية بل لغة قريبة منها. و قد عمل الاسكندر بعد ذلك مخلفا أباه على نشر اللغة و الثقافة اليونانية في أرجاء مقدونيا. و قد عني أباه به منذ طفولته فاحضر ليونداس و هومولوس لتربية طفله الاسكندر تربية جسمية قوية و قام بتعليمه الأدب ليسمخوس. و عندما كبر قليلا استقدم أباه الفيلسوف اليوناني المعروف أرسطو طاليس و قضى معه ثلاث سنوات حاول أرسطو فيها أن يعلمه التغلب على نزوات النفس و الاعتدال في السلوك و تغليب العقل على العاطفة. و كان لأرسطو الأثر الأكبر في حياة الاسكندر و استمرت علاقته به حتى عندما خرج لفتح الشرق الأدنى، فظل الاسكندر يرسل له العينات التي يعثر عليها من نباتات و حيوانات، كما اجتهد أرسطو في تنمية الثقافة الأدبية و الذوق الفني للاسكندر ، فدرسه الإلياذة للشاعر اليوناني هوميروس، و يذكر أن الاسكندر كان يحتفظ بنسخة منها عليها شروح أرسطو و كان يربطه بهذه الإلياذة ا
والدته أنها تنتسب إلى أخيل و لذلك كان يضعها تحت وسادته و يقراها بين الحين و الآخر.
اعتلى الاسكندر عرش مقدونيا 336 ق.م و عمره آنذاك عشرين سنة و كان يصاحب أباه في غزواته منذ بلغ السادسة عشرة من عمره، و بعدها بعامين خرج بالجيش الذي كان أعده والده لفتح الشرق الأدنى أي 334 ق.م . و بعد انتصاره و قضائه على الإمبراطورية الفارسية، تزوج من استاتيرا ابنة الملك الفارسي دارا الثالث في حفل أقامه 327 ق.م، كما تزوج من روكسانا التي أنجبت ابنه الوحيد الاسكندر الرابع و كانت حاملا فيه عندما توفى الاسكندر 323 ق.م . و قد توفى الاسكندر في بابل و هناك اختلاف حول تاريخ وفاته فمن يقول انه توفى في 13 يونيو 323 ق.م و رأي آخر 11 يونيو 323 ق.م.
2.شخصيته و أفكاره:
الشخصية الإنسانية:
اخذ الاسكندر عن أمه القلق و التهور و قد غلب على شخصيته التأثر الديني إلى حد الميل الشديد للمخاطرة و اكتناه المجهول، و كان يجيد ضروب الألعاب الرياضية من عداء سريع و فروسية و مبارزة، و يذكر انه استطاع ترويض الحصان الهائج بوسيفالوس و أصبح رفيق انتصاراته المتعاقبة. على حين انه كان معتدلا في طعامه و شرابه نجده سريع الانفعال و شديد التأثر بالموسيقى و شديد التحمس للدرس شغوفا بالقراءة، كما يذكر لنا فلوطرخس.
الشخصية السياسية:
مما زرعه أرسطو في تلميذه الاسكندر التحمس الشديد للوحدة و هو ما رفع رصيد انتصاراته شيئا فشيئا لتوحدي حضارتي الشرق و الغرب، فكان جنديا باسلا توصل لانتصاراته بالجلد و العناد و عدم المبالاة بالعقبات.
كما تأثر من أبيه مواجهة الأمور بحزم لتذليل العقبات و معالجة الأمور بدهاء و رؤية واقعية، و هذا ما صنع من الاسكندر سياسيا ماهرا و إداريا حازما و قائدا نابغة، يحسن معاملة الناس و كسب ودهم. و يفي بالعهود التي يقطعها على نفسه و لم يسمح لموظفيه أو قواده بظلم رعياه و استبدادهم. و تأثره الديني ظهر في رغبته في المزج بين الدين و السياسة على أساس أن الدين دعامة السياسة و مؤازرة لها.
و نرى من خلال استعراض أهم النقاط عن الاسكندر الأكبر، أن شخصيته السياسية كانت امتداد لشخصيته الإنسانية التي كانت بدورها ثمرة طفولته و الظروف التي أحاطت به في نشأته. و إن الفصل هنا بين هذه العناصر هو من باب الإيضاح، أما واقعيا فانه يكون أحيانا من الصعب الفصل بين أمور متشابكة و امتداد لبعضها البعض.