عندنا مثل عامي يقول " لا يغرنك الطير بصفة ريشه " يضرب للتحذير من
الاغترار بالمظاهر الخارجية ، والانخداع بالشكليات أو الكلام المعسول
والألفاظ البراقة على حد قول الشاعر " يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك
كما يروغ الثعلب ".
في واقعنا اليومي .. كم من الأشخاص الذين تلتقي بهم وتتعرف عليهم ،
فيغرك حسن مظهرهم أو كلامهم المنمق المعسول ثم في أبسط موقف تكتشف معدنه
وأنه عبارة عن حديد " مصدي " بعدما كنت تظن من مظهره أنه ذهب أصلي !.
لذلك صدق من قال الرجال مواقف .. لأن المواقف هي معيار الرجولة
الحقيقية ، لأنها هي التي تكشف معادن الرجال بغض النظر عن أشكالهم أو
ملابسهم أو أرصدتهم في البنوك أو أصلهم وفصلهم أو مناصبهم أو سياراتهم .
ذات يوم كان النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً ومعه أحد الصحابة
– رضي الله عنهم – فمر أمامهم رجل يظهر عليه من مظهره الخارجي الغنى والعز
والجاه .. يعني " هامور " كما نقول بلهجتنا المحلية .
فقال النبي – عليه الصلاة والسلام – ما تقول في هذا ؟ فقال الجالس
هذا حري إن خطب أن يزوج ، وإن تكلم أن يسمع ، وإن شفع أن يشفع .. فسكت
النبي – عليه الصلاة والسلام – ثم مرً رجل أخر يظهر من مظهره أنه إنسان
بسيط تظهر عليه علامات الفقر .. فقال للرجل بجواره .. ما تقول في هذا ؟
فقال الرجل .. هذا حري إن خطب ألا يزوج ، وإن تكلم ألا يسمع ، وإن شفع ألا
يشفع .. فقال عليه الصلاة والسلام هذا – يعني الرجل البسيط – خير من ملء
الأرض من ذاك يعني الغني – أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
نعم .. هكذا يعلمنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – كيف نعرف الرجال
.. ليس بملابسهم أو بأصولهم أو أحسابهم وأنسابهم وليس بأموالهم وأرصدتهم
أو بمناصبهم أو بأشكالهم .. لا .. وإنما يعرف الرجال بمواقفهم وأخلاقهم
وسلوكياتهم .
فالذي يكذب على الناس ليس برجل .. والذي يعطي الوعود ثم يخلفها ليس
برجل ..والذي يضيع حقوق الناس ليس برجل .. والذي يتأخر عن مساعدة الناس
وهو قادر عليها ليس برجل .. والذي يضيع حقوق الناس ويقصر في أدائها ليس
برجل .. حتى لو لبس أفخر الثياب وأجود أنواع الغتر وركب أفخر السيارات
وتعطر بأجمل العطور .. ليس برجل .. ليس برجل ..ليس برجل .. لأن الرجال
أصحاب مواقف تشهد لهم برجولتهم ومروءتهم وشهامتهم ووفائهم وصدقهم وطيبة
قلوبهم .
لذلك أذكر نفسي وأذكركم " لا يغرك الطير بصفة ريشه " .. وما أكثر
هذا الطير في حياتنا اليومية .