شرح جديد ورائع لنص الاستبداد والعلم الكواكبى

شرح جديد ورائع لنص الاستبداد والعلم الكواكبى
ما أشبه المستبد فى نسبته إلى رعيته بالوصي الخائن القوى ، يتصرف فى أموال الأيتام وأنفسهم كما يهوى ماداموا ضعافا قاصرين، فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشـدهم، فكذلك ليس من صالح المستبد أن تتنور الرعية بالعلم، ولا يخفى على المستبد مهما كان غنيا أن لا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيـه و عمـاء
العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ. بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛
والحاصل أنَّ العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة، فإذا ارتفع الجهل وتنوَّر العقل زال الخوف، وأصبح الناس لا ينقادون طبعاً لغير منافعهم، كما قيل: العاقل لا يخدم غير نفسه، وعند ذلك لا بدَّ للمستبدِّ من الاعتزال أو الاعتدال. وكم أجبرت الأمم بترقّيها المستبدَّ اللئيم على الترقّي معها والانقلاب – رغم طبعه – إلى وكيلٍ أمين يهاب الحساب، ورئيسٍ عادل يخشى الانتقام، وأبٍ حليمٍ يتلذذ بالتحاب. وحينئذٍ تنال الأمة حياةً رضيّة هنية، حياة رخاء ونماء، حياة عزّ وسعادة )
التعريف بالكاتب :هو عبد الرحمن الكواكبي ولد في شوال 1271 هـ / 1855 م في مدينة حلب السورية درس الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضة في المدرسة الكواكبية اطلع علي كنوز المكتبة الكواكبية من مخطوطات قديمة وحديثة في مجالات مختلفة ( سياسة – اجتماع – تاريخ – فلسفة ) نشر مقالاته في جرائد مثل : ( الفرات – الفنون – القاهرة – المؤيد – المنار ) وأصدر جريدة الشهباء ولقب بأبي الضعفاء ولقب نفسه بالسيد الفراتي – سافر إلي الهند والصين ومصر مصلحا وداعيا إلي النهوض بالأمم العربية – شكل النوادي والجمعيات الخيرية بهدف توعية الناس وتحرير عقولهم من الخرافات – كانت وفاته بالقاهرة ( 1320 هـ /1903 م )
مؤلفاته : منها طبائع الاستبداد – أم القري – العظمة لله – صحائف قريش
المعاني :
الكلمة معناها
المستبد المنفرد بالحكم يهوي يحب غرض هدف ج أهداف
الوصي من يقوم علي شئون الصغير ج أوصياء قاصرين لم يبلغوا رشدهم بلوغهم
تتنور تهتدي بنوره اعتساف العنف والقوة والظلم حمقاء مؤنث أحمق
تخبط تسير علي غير هدي تيه ضلال × هدي عماء ذهاب البصر
العوام م العامة × الخاصة قوت ج أقوات يصول يتسلط ويقهر
يأسرهم يقيدهم وأخذهم أساري ×يحرر يطول يعلو ويرتفع شوكته قوته وبأسه
يتهللون يتلألئون فرحا×يبتئسون/يحزنون يغصب يأخذ قهرا وظلما يغري يحرض
يحمدونه يثنون ويمدحون × يذمون يهينهم يستخف ×يقدر يفتخرون يتباهون
رفعته شرفه وارتفاع منزلته×وضاعته أسرف جاوز الحد× قتر التوبيخ اللوم والتأنيب
يمثل به يعاقب وينكل بقطع أنفه أو أذنه الحاصل الخلاصة ج حواصل الناشئ الحادث المتجدد
ينقادون يخضعون ويذلون×يتمردون ارتفع زال × ثبت / استقر الغباوة الجهل/عدم الفطنة
طبعا خلقا ج طباع / أطباع الاعتزال البعد/التنحي×اتصال الاعتدال استقامة×اعوجاج
بترقيها ارتفاع وصعود والمراد نهضة الانقلاب التحول× الثبات وكيل نائب ج وكلاء
اللئيم الدنئ ج لئام/ألئام × كريم يهاب يخاف ويحذر×يأمن الحساب المجازاة والعقاب
يخشي يخاف × يأمن ويطمئن الانتقام العقاب حليم عاقل متأن
التحاب حب بعضكم بعضا × التباغض رضية راضية نماء زيادة وكثرة
رخاء سعة العيش وحسن الحال ×شدة عز قوة وغلبة × ذل هنية متيسرة × شقية

الجماليات :
التعبير الجماليات
. (ما أشبه المستبد .. بالوصي ...)
( تنور الرعية بالعلم )
( تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء)
( العوام هم قوة المستبد )
( شوكته )
( يسوقهم إلي خطر الموت )

( أن العوام يذبحون أنفسهم )
(إذا ارتفع الجهل وتنور العقل زال الخوف )
( وأب حليم يتلذذ بالتحاب ) :تشبيه للمستبد بالوصي الخائن القوي وسر جماله توضيح الفكرة
:استعارة مكنية سبه العلم بمصباح ينور سر جمالها التجسيم
:تشبيه للجهل بالظلام وللضلال بالعمي ويوضح ضرر الجهل وسوء العاقبة
:تشبيه العوام بقوت وطعام يتقوي به المستبد بيانا لانتهازيته وشراسته
: كناية عن قوته وبأسه
:استعارة مكنية شبه الرعية بالقطيع وفيه تأثر بقوله تعالي : " كأنما يساقون إلي الموت وهم ينظرون "
: كناية عن ظلم العامي لنفسه بجهلها وأسلوب مؤكد بأن
:استعارة مكنية شبه الجهل بشيء مادي يرتفع – والعقل مكانا يتنور – والخوف بشيء مادي يزول – وشرط يدل علي أثر العلم في تأمين النفس
:استعارة مكنية فقد شبه التحاب بطعام لذيذ وسر جمالها التجسيم
. (ما أشبه المستبد .... )
(أنه ليس من صالح ... )
أسلوب قصر في
طباق يوضح المعني بين
المقابلة بين
الجناس الناقص بين
( استخدام الفاء للسرعة في )

العطف بالواو للتنويع في
( حذر )
كم
بترقيها
أجبرت

السجع في أسلوب تعجب من شبه المستبد بالوصي الخائن
أسلوب مؤكد بأن
( لا استعباد إلا ما دامت .. ) ( لا يخدم غير نفسه )
( القوي - ضعافا ) ( بهم – عليهم ) ( يهين – يثني )
(يغصب أموالهم فيحمدونه علي أبقاء.. – يهينهم فيثنون علي رفعته )
( قوة – قوت ) ( يصول – يطول ) (الاعتزال – الاعتدال )
( فيتهللون – فيحمدونه – فيثنون – فيفتخرون – فيطيعونه ) ونتيجة لما قبلها وسرعة رد فعل الرعية بالتهليل والحمد .. تجاه أفعال المستبد
( يأسرهم .. ويغصب .. ويهينهم .. ويغري .. ويسوقهم ) تنويع جرائمه
مفعول لأجله يبين سبب طاعة الرعية ومدي خوفهم
خبرية للكثرة
الباء للسببية وتقديم شبه الجملة علي المفعول للاهتمام به
فعل يوحي بقوة الأمم المتعلمة الراقية وقدرتها علي تحويل الاستبداد والظلم إلي شوري وعدل
( الانقلاب – الحساب – التحاب )

أولا : بيئة النص :
ينتمي النص إلي فن المقال وهو أحد فنون النثر في العصر الحديث والمعاصر والمقال من اللون السياسي وجاء النص بأسلوب أدبي ويتميز المقال السياسي بأنه يتناول موضوعات سياسية داخلية وخارجية وبأنه سهل الألفاظ واضح المعاني لتلائم جماهير القراء يميل إلي الإطناب ( التطويل ) بالإلحاح علي الفكرة لتقريرها في النفوس ويميل إلي الإقناع الفكري والشعوري بالصور التوضيحية والأساليب التقريرية والنقد اللاذع أحيانا يؤثر اللفظ الشائع والتعبير الاصطلاحي المعروف في مجال السياسة ومثاله ( المجد ) للكواكبي
ثانيا سمات أسلوب الكاتب :
هذا المقال مقال سياسي مصوغ بأسلوب أدبي وهو مأخوذ من كتاب ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) تميز أسلوب الكاتب فيه بما يأتي :
1 – بالاقتضاب وهو الأسلوب السهل المفيد الذي يختاره كتاب سائر اللغات
2 – كما تميز أسلوبه بالبساطة والابتعاد عن الصنعة والتعقيد
3 – وتميز بالسلاسة والتأصيل للفكرة وتفريعها
4 – كما تميز في عرضه للموضوع بحيوية العرض وترابط الفكر والدقة ووضوح الأسلوب وقوته وجماله
ملامح شخصية الكاتب :
مفكر وعلامة ورائد من رواد التعليم والإصلاح وكاتب ومؤلف ومحام وفقيه شهير

موضوع رائع تسلم الايادى وجزاك الله خيراً أخى الغالى