التعليم الافتراضي والجامعات الافتراضية والشهادات الافتراضية
بدأت منظومة التعليم العالي في سورية اليوم الدخول بآفاق جديدة لاستيعاب الكم الهائل من الطلاب الوافدين مع الحفاظ على سوية جودة معينة من الخريجين ، وعملت وزارة التعليم العالي على استحداث نظم تعليم عالي جديدة كالتعليم الموازي و التعليم المفتوح و التعليم الافتراضي الذي هو موضوعنا اليوم .
أولا – التعليم الافتراضي
من حيث المبدأ المتعارف عليه عالميا يوجه هذا النمط من التعليم إلى أولئك الأشخاص الذين لا يمكنهم الالتزام بدوام محدد يكونون فيه ضمن صفوف واقعية لظروف العمل أو البعد الجغرافي أو غيرها، لذا جاء التعلم عن بعد عن طريق الانترنت ليحل هذه المشكلة .
بيئة التعليم الافتراضي للوهلة الأولى تبدو لك غير فعالة، حيث اعتدت على المقعد و نظرة المعلم إلى عيناك و الرعب الذي يبثه في قلوب الطلاب و نظام التلقين و الصفوف المتراصة من الطلاب . كل هذه ارتبطت بمفهوم الناس للتعليم … نعم إن هذا هو التعليم .. وما هذا الهراء الذي تأخذونه عن طريق شاشة كمبيوتر وانترنت !
هذا ما يقوله الناس أول ما يسمعون بمصطلح “التعليم الافتراضي ” ، ويعتبرون أنه لا جدوى منه ولن تستفيد من تلك المعلومات المتحصلة ، لعلهم اخطئوا بالحكم قبل أن يخوضوا التجربة ، لم يكن لدي أدنى فكرة عن منظومة التعليم الافتراضي وكيف تنتقل المعلومات من الأستاذ للطالب فقط من خلال شاشة و سماعات.. ولكن وبعد تجربة حقيقية ضمن دراستي ماجستير إدارة الأعمال في الجامعة الافتراضية السورية أصبحت أعي تماما ماذا يعني التعليم الافتراضي ، و كتجربة شخصية .. أجدها ممتعة ومفيدة أكثر من التعليم الفيزيائي الواقعي المعروف !
لا يختلف من حيث المبدأ التعليم الافتراضي عن الواقعي ، هناك صفوف و أساتذة و جامعة و مشاركات و وظائف و علامات وامتحانات وكل شيء، بل يمتد الأمر إلى التفاعل مع الأستاذ يكون بشكل أفضل منه في التعليم الواقعي وحتى إني لاحظت أنه يستخدم لوح الشرح أكثر بكثير مما كان يفعل أستاذنا بمرحلة الإجازة الجامعية
نلاحظ ضعف انتشار هذا النظام التعليمي في الشرق الأوسط ومع أن الجامعة الافتراضية السورية كانت أول جامعة افتراضية فيه، إلا أن أوربا وأمريكا تقدمت بشكل كبير في انتشار تلك الجامعات ودعم التعليم الافتراضي ولو لم يكن ذو جدوى منه لما اهتمت بهذا الشكل الواضح اليوم .
استخدمت دول أوربا المتطورة كفنلندا وغيرها هذا النظام التعليمي للتغلب على مشاكل الطقس حيث الثلوج تغطي كل الطرق في الشتاء و استفادت من وجود الكمبيوترات و الانترنت في كل بيت بالتالي إمكانية الوصول إلى الجامعة عن طريقه، وهذا ما تقوم به أي جامعة افتراضية، حيث توفر لك المرونة في اختيار زمان و مكان حضور الجلسات طالما لديك كمبيوتر متصل بالانترنت .
ثانيا – الجامعات الافتراضية
كما ذكرت الجامعة الافتراضية السورية كانت أول جامعة افتراضية في الشرق الأوسط و هي جامعة حكومية تتبع لوزارة التعليم العالي و افتتحها السيد الرئيس شخصيا .
في البداية قد يخطر لك بما أن الجامعات افتراضية وعلى الانترنت إذن ليس هناك أية تكاليف ثابتة كالمباني وهي اكبر التكاليف المطلوبة لإنشاء جامعات ، قد يخطر لك لماذا لا تقوم الجامعات الافتراضية بقبول مئات آلاف الطلاب . وكل طالب يمكنه الحضور من بيته و صل الله و بارك !
أخبرك بأن الجامعة الافتراضية السورية بالرغم من أنها جامعة حكومية إلا أنها تدار بعقلية جديدة منفتحة وتهتم بشكل كبير بجودة مخرجاتها ، على الأقل في الفترة المتوسطة الحالية و القادمة ، لذلك تحرص على قبول أعداد معينة من الطلاب تتناسب و البرامج المفتتحة .
دعني أوضح لك كيف تكون الجامعة الافتراضية، أولا الجامعة كلها على الانترنت وفي الموقع الرسمي لها هناك لكل طالب ملف شخصي و اسم مستخدم و كلمة سر يدخل عن طريقهما إلى ملفه على الموقع .. وبهذا كأنك دخلت من باب الجامعة
هناك زاوية معينة لاختيار الكليات و كأنك تختار كليتك من بين الكليات الموجودة في الجامعة … بعد أن تدخل الكلية تختار المادة التي ستحضر محاضراتها الآن … فتنظر للبرنامج وتجدها موجودة في الصف الفلاني .. ثم تصعد إلى الصف لتجد الدكتور في الصف مع الطلاب بانتظارك … تماما كالجامعة الواقعية .
الآن أنت في وسط الدرس .. كيف سيكون ؟ … إن كنت تعتقد أن الدكتور يظهر على شكل فيديو تلفزيوني كالبرامج التعليمية … لا لا الأمر ليس كذلك … بل يظهر لك ثلاثة وسائل لإيصال المعلومات
أولا برنامج محادثة وهو للتواصل بين الطلاب والدكتور أثناء الدرس والتفاعل
ثانيا لوح العرض وهو لعرض الكتاب أو المقرر والشرح عليه كذلك الرسوم التوضيحية
ثالثا صوت الدكتور والذي من خلاله يشرح الدرس
تتفاعل هذه الوسائل الثلاثة مع بعضها لتكون منظومة التعليم الافتراضي والتي تكفل وصول المعلومة بسهولة وسلاسة ، حتى لو لم يسبق لك التعامل مع هذا النظام ، فالتجربة الأولى ستبين لك كيف أن المعلومة تصل .
طبعا هناك نظام معين لإرسال الأبحاث للدكتور ليصححها و يقدم علامات الطلاب ، كما أن التواصل مع الدكاترة يتم عن طريق البريد الإلكتروني الخاص بالجامعة وهذا يضمن لك أن رسالتك ستقرأ والرد سيأتي، بينما كثيرا ما يحدث أن تتجه لمكتب الدكتور في الجامعة الواقعية ولا تجده !
للجامعات الافتراضية مزايا من المستحيل أن تحققها الجامعات الواقعية ، من أهم تلك المزايا هي الإشراف الدائم والمتواصل من الدكتور على الطلاب والتواصل معه ويمكنك أن تسأله في أي وقت شئت ، والميزة الأخرى الهامة هي المحاضرات المسجلة، حيث لا يفوتك أي درس، كل المحاضرات يتم تسجيلها ويمكنك حضورها في وقت تشاء ، في حال كان لديك عارض ولم تستطع أن تحضر المحاضرة في وقتها المعين ضمن البرنامج ، وبالمناسبة كل طالب له حرية اختيار مواعيد محاضراته ضمن ترتيب و زمن هو يحدده بناءا على ظروف عمله وفراغه .
ثالثا – الشهادات الافتراضية:
بداية و أمر لا يقبل للنقاش أن الجامعة الافتراضية السورية تقدم شهادات معترف بها من وزارة التعليم العالي و جميع الوزارات باعتبار أنها جامعة حكومية ، وبالتالي أي دولة تعترف بشهادات وزارة التعليم العالي تعترف بشهادة الجامعة الافتراضية .
يجب التفريق بين الاعتراف على الشهادات الافتراضية و الاعتراف على شهادة الجامعة الافتراضية السورية، حيث هناك دول قد تجد أنه لا يناسبها الاعتراف على شهادة صادرة من جامعة افتراضية ولو كانت جامعة أمريكية ! بينما تعترف على شهادة جامعة عربية واقعية تصنيفها متدني جدا !
ومن خلال استطلاع آراء بعض الخريجين من الجامعة الافتراضية السورية والذين توجهوا للعمل في الدول العربية أو الأجنبية تبين لي أنه لم يواجهوا أية مشاكل تذكر من ناحية الاعتراف حيث كما ذكرت أنه طالما الشهادة صادرة عن وزارة التعليم العالي و جامعة حكومية فلا مشكلة كانت سواء افتراضية أم واقعية ، لكن لا يخلو الأمر من بعض الفاشلين دراسيا فيرمون المسؤولية على الجامعة ويحاولون تشويه صورتها ، وهذا يحدث حتى بالجامعات الحكومية !
سلبيات و ايجابيات
قد تعترض الجامعة الافتراضية بعض السلبيات والتي بعضها صادر منها ويمكن تلافيه وبعضها من البيئة التي فيها، حيث من الأفضل أن تتوفر للطلاب خدمة انترنت سريع لإمكانية حضور الدروس بشكل ممتاز إلا أن ذلك يعتمد على مدى توفر الخدمة، و أرى انفراجاً في هذا الموضوع مع انتشار خدمات الجيل الثالث و بعروض خاصة للطلاب
ليستطيعوا الحضور من بيوتهم دون التوجه إلى مراكز النفاذ
صممت الجامعة برمجيات خاصة بها لحضور المحاضرات المسجلة وهذه البرمجيات كانت حديثة جدا في وقت انطلاقها إلا أن التكنولوجيا تتطور بشكل سريع ومع تطور أنظمة التشغيل تظهر مشاكل تلك البرامج مع الأنظمة الحديثة وعدم التوافقية أحيانا، لذا تتطلب بعض الحيلة للتغلب على تلك المشاكل ومن الممكن للجامعة أن تعمل
على تطوير برامجها لتتوافق مع أنظمة التشغيل الحديثة .
ومن الإيجابيات الهامة هو المرونة و حرية اختيار مكان و زمان المحاضرة ، حيث لا تتحول الجامعة إلى معيق لك فيمكنك أن تحضر في العمل و المنزل و أي مكان يتوفر فيه انترنت لو كنت في الحديقة أو اضطررت للسفر أو تسكن في محافظة بعيدة عن الجامعة .
إن دقة المواعيد و تنظيمها بشكل إلكتروني يقدم لك فوائد هائلة ، تخيل أنك في الجامعة الواقعية ولديك حلقة بحث عليك تقديمها بعد أسبوع، و انتهيت منها خلال مدة أقصر ولا يمكنك الوصول للدكتور لتسليمه إياها، أو أنهيتها في وقتها ولكن تأخرت أو جئت مبكرا للجامعة ولم تصل المشاكل،لو أن هناك نظام للاستلام جاهز
ا و يغلق مباشرة في الموعد النهائي للتقديم لكنت تلافيت كل هذه المشاكل ، وهذا ما يحصل بالجامعة الافتراضية
كثير من الخريجين لا يستطيع أن يطبق معلومة نظرية درسها على حياته العملية فيستفيد منها، وبالتالي كل ما تعلمه يرميه و تهدر الملايين في سبيل ذلك دون جدوى ، وحتى في الدراسات العليا تغلب على أبحاث طلابها النظرية البحتة و تركز تلك الأبحاث على أعداد الباحثين كمدرسين وليس كباحثين، فتهتم كثيرا بالشكليات و طريقة عرض وتقديم البحث و لا تبذل جهدا بأن يكون البحث مطبقاً على أرض الواقع لتنمية الفكر التحليلي والتركيبي لدى الباحث ، تخيل لو أن كل باحث طبق حلقة بحثه في كل مادة على شركة ما من السوق وقدم البحث لهم لينظروا فيه لو كان هناك ما ينفعه أخذوه والباقي دعوه .. تخيل على المستوى القومي التطور الذي سيحصل من أبحاث و توصيات هؤلاء الطلاب …. هذا ما تركز عليه الجامعة الافتراضية من خلال الإجازة والماجستير
في الختام وعن تجربة شخصية لست نادماً على دخول التعليم الافتراضي لأنه يؤمن لي احتياجاتي من التعليم ويعلمني كيف أطبق ما أتعلمه على حياتي و على الواقع، وهذه هي بالنهاية الجامعة، وليس المباني والحجارة