منتدى شنواى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة شنواىأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القول المنيرفي علم أصول التفسير

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الحسن مجدى
عضو ملكى
عضو ملكى
الحسن مجدى


عدد المساهمات : 698
نقاط : 1709
تاريخ التسجيل : 19/11/2009

القول المنيرفي علم أصول التفسير Empty
مُساهمةموضوع: القول المنيرفي علم أصول التفسير   القول المنيرفي علم أصول التفسير Emptyالخميس 19 نوفمبر 2009 - 18:55

اعلم أن (علم أصول التفسير) هو علم يبحث فيه عما يختص بالقرآن الكريم، الذي أنزله الله تعالى على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان آيات آيات، وسورا سورا، نورا وضياء وبصائر وحجة وبرهانا، وأمره بإبلاغه للناس كافة وتبيانه لهم جميعا. وذلك البحث من حيث الإنزال وأسبابه ومعرفة متقدمه ومتأخره، ومكيّه ومدنيّه، وحضريّه وسفريه نزولا، وأسمائه وأسماء سوره وعددها وعدد آياته، وغير ذلك مما يجب معرفته لمن يدرس القرآن الكريم وتفسيره العظيم.
وهذا العلم غير (علم تفسير القرآن) وهو العلم بالأصول والقواعد التى يعرف بها معانى آيات الكتاب العزيز.
(وموضوعه) كلام الله تعالى المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فى مدى ثلاث وعشرين سنة، من حيث المباحث العامة التى يتوقف عليها علم التفسير.
(واستمداده) من القرآن الكريم والسنة النبوية والأخبار الصادقة، والعلوم التي لا بد منها فى هذا الشأن.
(وواضعه) الأئمة المجتهدون الراسخون في علم التفسير للقرآن العظيم. وأول من ألف فيه - كما ذكره الجلال السيوطي فى الإتقان - شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني صاحب كتاب (مواقع العلوم من مواقع النجوم) بين فيه أنواعه ورتبه وجعله نيفا وخمسين نوعا فتكلم فى كل نوع منها بالمتين من الكلام ثم تبعه فى ذلك وزاد عليه الجلال السيوطي في كتابه (التحبير فى علوم التفسير) ثم لما وقف على كتاب (البرهان فى علوم القرآن) للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي زاد على ما فيه وألف كتابه (الإتقان فى علوم القرآن) وجعله مقدمة لتفسيره الكبير الذى سماه (مجمع البحرين ومطلع البدرين) وذكر أنواعه تفصيلا وأبلغها ثمانين نوعا على سبيل الإدماج، ولو تنوعت لنيفت على الثلاثمائة نوع.

(الدرس الثاني): أسماء القرآن، ومعنى السورة والآية
سمى الله تعالى القرآن العظيم كتابا ومبينا وكريما وكلاما ونورا وهدى ورحمة وفرقانا وشفاء وموعظة وذكرا ومباركا وعليا وحكمة وحكيما ومهيمنا وحبلا وصراطا مستقيما وقيّما وقولا وفصلا ونبأً عظيما وأحسن الحديث ومثاني ومتشابها وتنزيلا وروحا ووحيا وعربيا وبصائر وبيانا وعلما وحقا وهاديا وعجبا وتذكرة والعروة الوثقى وصدقا وعدلا وأمرا ومناديا وبشرى ومجيدا وزبورا وبشيرا ونذيرا وعزيزا وبلاغا وقَصصا وصفحا مكرمة مرفوعة مطهرة. وهذه أسماء للقرآن الكريم وصفات له. وكلها مذكورة في كلام الله تعالى، وحمدلله رب العالمين.
(السورة): هي اسم لطائفة من الآيات مسماة باسم خاص بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت أسماء السور في الأحاديث والآثار والمصاحف كسورة الفاتحة، وسورة البقرة وغيرهما، وهي مأخوذة من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور، ومن السوار المحيط بالساعد.
وقد تتعدد أسماء السورة الواحدة. وأقل سور القرآن آيات سورةُ الكوثر وسورة النصر، فإن عدد آيات كل منهما ثلاث آيات. وأطول سور القرآن سورة البقرة فإن عدد آياتها 286 آية.
(الآية): وهي لغة: العلامة والمعجزة. واصطلاحا: طائفة من كلمات القرآن مفصولة ومميزة عما قبلها وما بعدها بفاصل. وأقصر آية فى القرآن (مدهمّتان) في سورة الرحمن فى وصف الجنتين أي خضراوتان شديدتا الخضرة، وقوله تعالى فى سورة المدثر (ثم نظر) أي تأمل فيما قدر وهيأ من الطعن عنادا وكفرا وضلالا. وأطول آية فى القرآن آية الدَيْن فى آخر سورة البقرة.

(الدرس الثالث)
(فائدة): ينقسم القرآن إلى فاضل ومفضول بمعنى أن آياته وسوره بعضها أفضل من بعض في الأجر والمثوبة كسورة (الإخلاص) فإنها أفضل من سورة (تبت يدا أبى لهب) أي أكثر أجرا منها قراءة، وآية الكرسي أفضل آية فى سورة البقرة أي أكثر أجرا ومثوبة لقارئها لاشتمالها على وحدانية الذات العلية، وعلى صفاتها وأفعالها فقط.
(فائدة): يحرم قراءة القرآن بغير العربية، وترجمته بلغة أجنبية ترجمة حرفية لأنها تذهب بالإعجاز وتخل بالمعنى لعجز البشر كافة عن الإتيان بما يساوى القرآن تماما فى المعنى المراد من الآية.
أما ترجمة القرآن ترجمة معنوية، وترجمة تفسيره بغير العربية فجائزتان بشرط أن يكون المترجم عليما باللغة العربية واللغة المترجم بها، صادقا فى ترجمته، أمينا غير مضلل ولا كذاب كما هو شأن بعض الضالين من المترجمين أعداء الدين.
ويحرم قراءة القرآن بالمعنى، وإنما يقراء لفظه ويفسر معناه. ويحرم تفسيره بالرأي والهوى لأن ذلك ضلال وكفر وإلحاد، وإنما يفسر بما تقتضيه اللغة العربية الفصحى، وبما ورد من التبيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعمن روى عنه من الثقات الأعلام.

(الدرس الرابع): فى معرفة المكي والمدني
ينقسم القرآن من حيث النزول مكانا وزمانا إلى مكي ومدني. والمراد بالمكي: ما نزل قبل الهجرة، وبالمدني: ما نزل بعدها، سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم فى سفر من الأسفار، وهذا أشهر الأقوال فى تعريفهما كما ذكره الجلال السيوطي فى الإتقان.

وجملة سور القرآن 114 سورة، أكثرها مكي والأقل مدني، وهي على ما فى الإتقان نقلا عن أبي عبيد فى فضائل القرآن السور الخمسة والعشرون الآتية، وهي: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الأنفال، وسورة التوبة، وسورة الحج، وسورة النور، وسورة الأحزاب، وسورة محمد، وسورة الفتح، وسورة الحديد، وسورة المجادلة، وسورة الحشر، وسورة الممتحنة، وسورة الصف، وسورة التغابن، وسورة الطلاق، وسورة التحريم، وسورة الفجر، وسورة الليل، وسورة القدر، وسورة البينة، وسورة الزلزلة، وسورة النصر. وسائر السور الأخرى مكية.
ونقل السيوطي عن أبي الحسن بن الحَصَّار فى كتابه الناسخ والمنسوخ أن المدني باتفاق عشرون سورة، والمختلف فيه 12 سورة، وما عدا ذلك مكي باتفاق.
ومن فوائد معرفة ذلك: العلمُ بالمتأخر فيكون ناسخا أو مخصصا على رأي من يجوز تأخير المخصص.
والحكم على السورة بأنها مكية أو مدنية قد يكون حكما على جميع آياتها، وقد يكون حكما باعتبار الغالب، فيقال: سورة كذا مكية، وفيها كذا آيات مدنية، وسورة كذا مدنية، وفيها كذا آيات مكية.
وكل ذلك مبين باحكام وضبط متين.
والأكثرون على أن الفاتحة مكية، وورد أنها أول ما نزل من القرآن بدليل قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فسرها صلى الله عليه وسلم بالفاتحة. وقيل: أنها نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة إعلاما بتشريفها.
وأما أول ما أنزل من آيات القرآن فهو خمس الآيات، أول سورة العلق التى نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم أول مرة وهو فى غار حراء بمكة المكرمة يوم البعثة النبوية.

(الدرس الخامس): معرفة الحضري والسفري
والمراد بالحضري: ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحضر أي حال الإقامة، لا السفر وهو الأكثر، وبالسفري: ما نزل عليه فى حال السفر وهو الأقل.
وهذا النوع أعم مما قبله، لأن الحضري قد يكون مكيا، وقد يكون مدنية، وكذلك السفري.
(ومن السفري) قوله تعالى في سورة المائدة في التيمم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} إلى آخر الآية، فإنها نزلت بالبيداء أمام ذي الخليفة كم طريق مكة، أو بمحل يقال له ذات الجيش قرب الكدينة عند رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الحديبية.
(ومنه) آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فى سورة المائدة، فقد نزلت عشية يوم عرفة، وكان يوم الجمعة فى حجة الوداع السنة الهجرية العاشرة.
(ومنه) آية: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} نزلت بالجحفة فى سفر الهجرة.
(ومنه) سورة الفتح، نزلت كلها بين مكة والمدينة في شأن الحديبية كلها.
أما الحضري فكثير، وغالب آيات القرآن نزلت في الحضر.

(الدرس السادس): في النهاريّ والليليّ والفراشيّ
والمراد بالنهاريّ: ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نهارا، وباليليّ: ما نزل عليه ليلا، وبالفراشيّ: ما نزل عليه وهو على فراش نومه، سواء كان نائما أو غير نائم.
وهذا النوع أعم مما قبله، لأن النهاري قد يكون حضريا، وقد يكون سفريا، وقد يكون مكيا، وقد يكون مدنيا،وكذلك الليليّ والفراشيّ، والنهاريّ أكثر.
(ومن أمثلة الليليّ) آية تحويل القبلة، وهي: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}. وكان صلى الله عليه وسلم يصلى شطر بيت المقدس ومكث كذلك سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن يصلى شطر المسجد الحرام، فنزلت المدنية هذه الآية ليلا.
(ومنه): سورة الأنعام، نزلت بمكة ليلا جملة حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح.
(ومنه): سورة مريم والمعوذتان والمنافقون.
(ومن الفراشي) آية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وكانوا يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، ولما نزلت عليه هذه الآية قال لهم: {انْصَرِفُواْ فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ}.

(الدرس السابع): معرفة الصيفيّ والشتائيّ في التنزيل
والمراد بالصيفي: ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم صيفا، ويدخل فيه الربيع مدة حلول الشمس في البروج الشمالية الستة، وهي: (الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة).
والمراد بالشتائيّ، ويدخل فيه الخَريف مدة حلول الشمس في البرود الجنوبية الستة، وهي: (الميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت) فجملة فصول السنة أربعة (الصيف، والربيع، والشتاء، والخريف). وجملة البروج اثنى عشر، وهي التى ذكرناه، ستة شمالية وستة جنوبية.
ومن أمثلة الصيفي (آية الكلالة)، وهي في سورة النساء {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة} إلى آخر السورة، نزلت في سفر حجة الوداع فبعد ما نزل فيها من الصيفي كأول المائدة، وكقوله تعالى فيها {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}، وكقوله تعالى في سورة البقرة {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}، وسورة النصر، وآية الدين في البقرة.
ومن أمثلة الشتائي قوله تعالى فى سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى آخر عشر آيات، وهي التى تسمى آيات البراءة التى نزلت تبرأة للسيدة عائشة رضي الله عنها مما نسبه إليها المنافقون إفتراء وضلالا.

(الدرس الثامن): في أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن الكريم
دلت الأحاديث على أن أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بغار حراء بمكة المكرمة الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، ثم فتر الوحي مدة، وبينما هو يمشى فى الوادى أن سمع صوتا فنظر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، فلم ير شيئا، فنظر إلى السماء فإذا بها جبريل عليه السلام الذى جاءه بحراء، فأخذته رجفة وعاد إلى بيته وطلب أن يدثّروا فدثّروه فنزل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} إلى آخر الآية.
أما أول ما نزل فى المدينة بعد الهجرة فسورة المطففين، وآخر سورة نزلت بها براءة.
آخر آية نزلت آية الكلالة في سورة النساء وآخر سورة براءة. رواه الشيخان عن البراء بن عازب.
وروى البخاري عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا فى آخر البقرة. وعن اب عباس أن آخر آية نزلت: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه} فى سورة البقرة، وتوفي الرسول بعدها بأحد وثمانين يوما، وقيل: بتسع ليال حيث توفي ليلة الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول فى السنة الحادية عشرة من الهجرة. وعن ابن عباس آخر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، وقد أطال الكلام فى هذا الموضوع صاحب الإتقان.

(الدرس التاسع): معرفة سبب النزول
والمراد بسبب النزول: ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أو مبينة لحكمه وقت وقوعه، وذلك فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفوائد هذا النوع كثيرة، (منها) معرفة الحكمو الباعثة على تشريع الحكم، (ومنها) الإطلاع على المعنى المراد من الآية وإزالة الإشكال، (ومنها) أن معرفة سبب النزول طريق قوي إلى فهم معانى الآيات، فإن العلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب.
واعلم أن سبب النزول هو ما ورد بسند متصل عن صحابي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم يرفعه ولكنه لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع.
ومثال ما عرف سببه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى آخر عشر آيات فى سورة النور، وتسمى آيات الإفك، وآيات البراءة، فإنها نزلت فى المنافقين الذين افتروا على السيدة عائشة رضي الله عنها، كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما.
وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية فى سورة البقرة، فإن سبب نزولها تحرج بعض المؤمنين عن السعي، لأن الكفار كانوا يفعلونه، فنزلت مبينة أنه لا حرج فيه على المؤمنين، با هو من أعمال الحج والعمرة.
وكذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} لو نظر فيه لمجرد اللفظ لجاز أن يصلي المسلم إلى أيّة جهة دون تقيد باستقبال الكعبة، ولكنه لو عرف سبب النزول علم أن استقبال الكعبة فرض فى كل صلاة، كما أمر الله تعالى بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
أما سبب نزول هذه الآية فهو أن اليهود قالوا: إن محمدا إنما ترك استقبال بيت المقدس واستقبل الكعبة تبعا لهواه فسفههم الله تعالى ببيان أن لله المشرق والمغرب، فله أن يأمر باستقبال أية جهة فى الأرض، وقد أمره باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس ولا محيد عن حكم الله وطاعته، فالقبلة له ولأمته هي تالكعبة لا غيرها إلى قيام الساعة.

(الدرس العاشر): فى المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ من القراآت
اعلم أنه لا خلاف فى أن كل ما هو من القرآن فهو متواتر فى أصله وأجزائه، وكذا فى محله ووضعه وترتيبه عند محققى أهل السنة.
وأما القراآت فأنواع:
(الأول) المتواترة، وهي التى نقلها جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم كذلك إلى النهاية، وغالب القراآت كذلك.
(والثانى) القراءة المشهورة، وهي ما نقلت عن جمع كثير، ولكنها لم تبلغ درجة التواتر، ووافقت الرسم والعربية، واشتهرت عن القرّاء، ولم تعد من الغلط ولا من الشاذ.
(والثالث) قراءة الآحاد، وهي ما صح سندها وخالفت الرسم أو العربية أو لم تشتهر الإشتهار المذكور، وهذه لا يقرؤ بها.
(والرابع) الشاذة، وهي ما لم يصح سندها، كقراءة: {مَلَكَ يَوْمَ الدِّيْن} بصيغة الماضى ونصب يوم، وهذه يقرؤ بها أيضا.
(ومن المتواتر): القراآت السبع الثابتة من طرق عن القراء السبعة، وهم نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وعبد الله بن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير. وهذا النوع لا تجوز القراءة فى الصلاة بغيره، ولا تثبت الأحكام الشرعية كالحدود وغيرها إلا به، ولا تثبت بغيره إلا على سبيل التفسير له.
ومن النوع الثالث قراءة القرّاء الثلاثة تمام العشرة، وهم يعقوب، وأبو جعفر، وخلف، ويلحق بها قراءة بعض الصحابة، كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه.
(فائدة): ثبت فى الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إِنَّ القُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ} وقد اختلف العلماء فى معنى هذا الحديث، وأحسن ما قيل فيه: أن المراد على سبعة أوجه من وجوه لغة العرب للتوسعة وعدم المشقة، فمهما كان الإختلاف كثرة وتعددا فلا يخرج عن السبعة الأوجه. فأما القول بأن المراد به القراآت السبعة، فهو غير صحيح.

(الدرس الحادي عشر): فى القراآت الواردة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بها
فمن ذلك ما رواه الحاكم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّيْن} بلا ألف، وقد قرأ بها خمسة من القرّاء السبعة، وهم: أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وابن كثير، ونافع، وقرأ عاصم والكسائي بألف.
وكذلك (الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْمْ) بالصاد، وهي قراءة الجمهور ما عدا عقيلا، وهو أبو عمر محمد بن عبد الرحمن المحزومي، فإنه قرأ بالسين، وما عدا خلفا، وهو أبو محمد خلف بن هشام، فإنه قرأها بإشمام الصاد زايا.

وكذلك قوله تعالى فى سورة البقرة: {فَرِهَانٌ مَقْبُوْضَة} ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها {فَرُهُنٌ مَقْبُوْضَة} بضم الراء والهاء بصيغة الجمع بغير ألف، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. وأما الباقون فقرؤها {فَرِهَانٌ مَقْبُوْضَة} بكسر الراء وألف بعدها.
وقرأ صلى الله عليه وسلم {نُنْشِزُهَا} بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر الشين بعدها زاي، وهي قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر، وقرأ الباقون {نُنْشِرُهَا} بالراء بدل الزاي.
وقرأ صلى الله عليه وسلم {مِنْ أَنْفَسِكُمْ} فى آخر سورة التوبة بقتح الفاء، ومعناها: "من أعظمكم قدرا" كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال فى روح المعانى: وهي قراءة ابن عباس، وابن محيصن، والزهري. وقرأ السبعة {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} جمع نفس. إهـ، وغير ذلك مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

(الدرس الثاني عشر): فيمن اشتهر من الصحابة والتابعين
رضوان الله عليهم بحفظ القرآن الكريم وإقرائه
فمن الصحابة الذين اشتهروا بذلك أحد عشر، وهم: علي ابن أبي طالب الهاشمي، وعثمان بن عفان الأموي، وأبي بن كعب الخزرجي، وزيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي، وعبد الله بن مسعود الهذلي، وأبو الدرداء عُوَيْمِرْ بن زيد الخزرجي، ومعاذ بن جبل، وأبو قيس بن السكن رضي الله عنهم، فهؤلاء ثمانية اشتهروا بحفظ القرآن وتعليمه لغيرهم.
فمنهم أخذ أبو هريرة عبد الرحمن بن صَخْر الدوسي اليمني، وعبد الله بن عباس الهاشمي، وعبد الله بن السائب المطّلبي رضي الله عنهم. فهؤلاء ثلاثة أخذوا عن أولئك الثمانية، فجملة الصحابة أحد عشر، رضي الله عنهم أجمعين.
وأما التابعون، فقد اشتهر منهم بحفظ القرآن وإقرائه كثيرون، منهم: يزيد بن القعقاع، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن يسار، والأسود بن يزيد، وعكرمة مولى ابن عباس، والحسن البصري، وعبيدة بن قيس السلماني، وغيرهم.
فهؤلاء القراء والحفاظ من الصحابة والتابعين هم مرجع القراء السبعة المتواترة قراءتهم، فإن نافعا أخذ عن يزيد بن القعقاع، وابنَ كثير أخذ عن عبد اللح بن السائب، وأبا عمرو أخذ عن يزيد بن القعقاع ومجاهد، وابنَ عامر أخذ عن أبى الدرداء، وعاصما أخذ عن زِرّ بن حبيش، وحمزة أخذ عن عاصم، والكسائي أخذ عن حمزة رضي الله عنهم أحمعين.

(الدرس الثالث عشر): وقوع المعرّب والغريب فى القرآن الكريم
اعلم أن (المعرّب) بضم الميم وفتح العين والراء المشددة هو اللفظ الذى يوجد فى اللغة العربية استعماله، ويوجد له استعمال فى العجمية، بأن كان أصله أعجميا، ثم نقل إلى العربية أعلاما، ومنها أسماء غالب الأنبياء، كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وغير ذلك.
وقد اختلف العلماء فى (المعرّب)، هل ورد فى القرآن الكريم أم لا ؟، والصحيح أنه ورد فيه لكن بقلة جدا، وهذا لا ينافى قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبيًّا} مع المراد الغالب، أو أن الأعجمي الذى فيه صار عربيا باستعمال العرب له وتناسى أصله، أو أنه من توافق اللغات.
فمثال ذلك: (أّوَّاهٌ) من قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}، فإن معناه الموقن بلغة الحبشة. وكذلك (الكِفْلُ) من قوله تعالى: {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا}، و قوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}، فإن معناه الضِعْف بكسر الضاد، بلغة الحبشة. وكذلك (القِسْطَاسُ) بمعنى العدل، وغير ذلك.
أما الغريب فهو هنا اللفظ الذى يطلق على معنى لا يعرف إلا بالتفتيش والبحث عنه فى معاجم اللغة ولا مدخل للرأي فيه، كـ (القَسْوَةِ) إسم للأسد، و (الأَبّ) من قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}، وغير ذلك مما لا يعرف معناه إلا العلماء المطلعون، والنقلة الباحثون. والله أعلم

(الدرس الرابع عشر): المشترك والمرادف
اعلم أن المشترك ينقسم إلى قسمين: (مشترك معنوي) وهو: ما اتحد فيه اللفظ والمعنى، ولكن يختلف باختلاف ما يصدق عليه، فينزل فى كلٍ بحسب ما يليق به من ذلك المعنى، و(مشترك لفظي) وهو المقصود هنا، وهو : ما اتحد لفظه وتعدد معناه بحسب الوضع، نحو (القُرْءِ)، فإنه مشترك بين الطهر والحيض. والأصح أنه هو والمرادف واقعان فى القرآن الكريم، نحو (القُرْءِ) فى قوله تعالى: {فعدتهن ثلاثة قروء}، وتحو (وَيْل)، فإنه إسم لواد فى جهنم وكله عذاب، ونحو (المَوْلى)، فإنه إسم للسيد والعبد، و (تَوَّاب) فإنه إسم للتائب، ولقابل التوبة، وغير ذلك.
وأما المرادف فهو عكس المشترك اللفظي أي ما اتحد معناه وتعدد لفظه، نحو (الإنسان والبشر) و (اليَمّ والبحر) و (العذاب والرجس)، ونحو ذلك

(الدرس الخامس عشر): فى مباحث المعانى المتعلقة بأحكام القرآن الكريم
وهي كثيرة: (منها) العموم، وهو أنواع:
(أحدها) العموم المطلق أي الذى لم يخصص بشيء ولم يرد به خصوص بل هو باق على عمومه، وذلك نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}.
(ثانيها) العام المخصوص بمخصص متصل أو منفصل، نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء}، فإنه مخصوص بالحامل، فعدتها وضع الحمل، وبالأمة فعدتها قرءان. ونحو قوله تعالى: {اقْتُلُوْا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية، فإنه مخصوص بقوله تعالى: {إِلاّ الذِيْنَ عَاهَدْتُمْ}.
(ثالثها) العام الذى أريد به خاص، نحو قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُم} الآية، فإن المراد بعموم الناس القائل خصوص شخص، وهو نعيم بن مسعود الثقفي، والناس الثانى أريد به أبو سفيان. ونحو قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} الآية، فالمراد بالناس هنا النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلق عليه لأنه جامع لجيع صفات الناس الحميدة.
والنوع الأول حقيقة، والثانى والثالث مجازان، أحدهما قرينته لفظية، وهو العام المخصوص بخاص، فقرينته المخصص له. وثانيهما قرينته قد تكون لفظية، كما فى قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}، فإن قرينته لفظية، لأن المراد نعيم بن مسعود المذكور، وإما عقلية، كما فى قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} إلى آخره، فإن قرينته حالية. والله أعلم.

(الدرس السادس عشر): ما خصص من الكتاب بالسنة
وما خص من السنة بالكتاب
اعلم أن هذا يقال له: (مبحث تخصيص العام)، وقد وردت فى القرآن الكريم عمومات كثيرة، ولها مخصص من السنة، وورد فى السنة عمومات كثيرة، ولها مخصص من القرآن الكريم، وهذا جائز عند الجمهور، كما هو مقرر فى كتب الأصول.
إذا عرفت ذلك فمما خص من القرآن الكريم بالسنة آية الربا، وهي قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} خصت بغير العرايا الواردة فى حديث الصحيحين: {أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِىْ بَيْعِ العَرَايَا}، والعرايا هو بيع تمر برطب فيما دون خمسة أوسق، وكقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّم}، فإنه شامل لكل ميتة حتى السمك والجراد، ولكل دم حتى الكبد والطحال، لكنه مخصوص بحديث: {أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ} الحديث.
ومما خص من السنة الشريفة بالكتاب العزيز قوله صلى الله عليه وسلم: {مَا أُبِيْنَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ} رواه الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه وصححه على شرط الشيخين، فإنه عام فى كل ما انفصل من الحيّ فهو كميتة، لكنه خاص بغير الشعر والصوف، لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ}.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلاَّ الله} الحديث، فإنه عام شامل لمن يعطى الجزية وغيره، لكنه مخصوص بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {لاَتَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِلْغَنِيِّ} رواه النسائي وغيره، فإنه شامل للعاملين وغيرهم، لكنه مخصوص بالآية بغير العاملين، فيجوز أن يكون العامل غنيا، فيحل له أخذ الصدقة أي الزكاة لأنها أجرة له.

(الدرس السابع عشر): فيما ورد من الناسخ والمنسوخ
فى القرآن الكريم
(النسخ) معناه لغة: الإزالة والنقل، تقول نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه مع بقاء الأصل على هيئته من غير تغيير. واصطلاحا: رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لثبت مع تراخيه عنه.
والناسخ والمنسوخ فى القرآن كثير، وقد ألف فيه كثير من العلماء مؤلفات عديدة.
ثم اعلم أن المنسوخ هو المتقدم نزولا، والناسخ هو المتأخر بعده. أما ترتيب المصحف فقد يوجد فيه عكس ذلك، فيوجد الناسخ متقدما وامنسوخ متأخرا، كما فى آيتي العدة، فإن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج} نسختها التى قبلها، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}، وكذلك قوله تعالى:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية، فيها ذكر عدم القتال، وكقوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}، وكقوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} الآية، ونحو ذلك كثير، وبعضه متأخر فى ترتيب المصحف عن آية السيف المذكورة فى قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة} الآية.
ثم النسخ ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
(الأول): نسخ الحكم فقط مع بقاء التلاوة، كآية العدة المتقدمة، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج}، فإن حكمها منسوخ كما علمت.

وفائدة بقاء التلاوة أمران: (الأول): أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم والعمل به، كذلك يتلى لكونه كلام الله عز وجل فيثاب عليه فأبقيت التلاوة لهذه الحكمة. (والثانى): أن النسخ غالبا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفعا للمشقة.
(القسم الثانى): نسخ التلاوة فقط مع بقاء الحكم، وذلك نحو آية الرجم، وهي: {الشّيْخُ والشِّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوْهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللهِ - وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمْ} كانت فى سورة الأحزاب، فنسخت تلاوتها وبقي حكمها.
(القسم الثالث) نسخ الحكم والتلاوة معا، وذلك كآية الرضاع، وهي المذكورة فيما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: {كَانَ فِيْمَا أُنْزِلَ "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُوْمَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَنُسِخْنَ "بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُوْمَاتٍ يُحَرِّمْنَ}.

(الدرس الثامن عشر): في المجمل والمبين من القرآن الكريم
(المجمل): هو ما لم تتضح دلالته على معناه لسبب من الأسباب. وأسباب الإجمال كثيرة:
(منها) الإشتراك أي تعدد المعانى للفظ واحد، فإذا ورد هذا اللفظ فلا يحمل على أحد المعانى المذكورة إلا بدليل يخصصه، ويسمى هذا الدليل والقرينة بيانا ومبينا، فيخرج بسببه حينئذ اللفظ من حيّز الإشكال إلى حيّز الظهور. مثال ذلك لفظ "قرء" في قوله تعالى: {فعدتهن ثلاثة قروء} جمع قرء بفتح القاف وضمها، فهو مشترك بين الحيض والطهر وقد بينته السنة، ففى الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه طلّق زوجته وهي حائض، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَتَغَيّظَ، ثُمّ قَالَ: {مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمّ لْيُمْسِكْهَا حَتى تَطْهُرَ، ثُمّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ، فَتلِْكَ العِدَّةُ التِىْ أمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ} أي قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ} يعنى فى الوقت الذي يشرعن فى العدة فيه، فدل على أن زمان العدة هو الطهر.
ومن أسباب الإجمال فى معنى اللفظ: (الحذف)، نحو قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُن}، فإنه يحتمل تقدير حرف الجر المحذوف "في"، ويحتمل أن يقدر "عن" فيكون التقدير على الأول: "وترغبون فى أن تنكحوهن" بمعنى تحبون ذلك، وعلى الثانى: "وترغبون عن أن تنكحوهن" بمعنى تكرهون ذلك، وغير ذلك من الأمثلة كثيرة.
(تتمة) قال في الإتقان: واختلف في وقوع المجمل في القرآن الكريم، فالجمهور على أنه واقع، خلافا لداود الظاهري، ثم على كونه واقعا، وهو الراجح، هل يبقى مجملا أم لابد من البيان له ؟. ففي ذلك أقوال للعلماء، أصحها: أن ما كلف الله به العباد لا بد له من بيان يوضح المراد منه، وما ليس كذلك يجوز أن يبقى مجملا. والله أعلم.

(الدرس التاسع عشر): المطلق والمقيد
المراد (بالمطلق): اللفظ الدال على الماهية أي الحقيقة بلا قيد، وهو المسمى عند النحاة باسم الجنس، كإنسان وأسد. (والمقيد) ضده، وهو: ما دل على جزء من الجزءيات أو فرد من الأفراد، كزيد وبكر. والمراد هنا حكمهما إذا تعارضا فيحمل المطلق على المقيد إذا أمكن ذلك الحمل، بأن اتحد الحكم والسبب أو أحدهما، وحينئذ يكون الحكم للمقيد، فيحمل المطلق عليه.
مثاله فيما إذا اتحد الحكم والسبب كفارة اليمين - مثلا في محل عتق رقبة، وفي محل عتق رقبة مؤمنة - فيحمل المطلق على المقيد، فلا بد أن تكون الرقبة مؤمنة.
ومثال ما اتحد فيه الحكم دون السبب قوله تعالى في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيْرُ رَقَبَة}، وفي كفارة القتل: {فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}، وحكمهما واحد، وهو وجوب الكفارة، والسبب مختلف، وهو القتل والظهار، فيحمل الأول، وهو كفارة الظهار، على الثانى وهو كفارة اليمين، فلا بد أن تكون الرقبة مؤمنة. والله أعلم.

(الدرس العشرون): آداب تلاوة القرآن الكريم
(منها) أن يتعوذ القارئ قبل القراءة، وأن يكون على طهارة كاملة، وذلك واجب إن حمل المصحف، ومندوب إن قرأ عن ظهر قلب.
(ومنها) أن يكون حاضر القلب، يتدبر معانى ما يقرؤه ليحصل له به كمال الإتعاظ وزيادة الفهم ومضاعفة الأجر والثواب. ولولم يفهم المعانى بل يقرأ مجرد تلاوة فإنه يؤجر ويثاب، لأن القرآن الكريم متعبد بتلاوته، فمجرد تلاوته عبادة يثاب عليها، وفهم المعانى والتدبر أمر آخر يثاب عليه ثوابا زائدا على ثواب التلاوة.
(ومنها) أن يستقبل القبلة إن أمكنه
(ومنها) أن يكون جالسا إن أمكنه
(ومنها) الترتيل في القراءة حتى تكون القراءة مفسَّرة حرفا حرفا
(ومنها) أن يقأ في المصحف ولو كان يحفظ عن ظهر قلب لينال أجرين، أجر القراءة وأجر النظر في المصحف.
(ومنها) أن يكون في محل طاهر لائق بحرمة القرآن الكريم بعيد عن الروائح الكريهة وعن المواضع الخسيسة
(ومنها) أن يستشعر آدابه وأخلاقه التى تمر به عند التلاوة، وينوى التخلق بها حتى يكون مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان خلقه القرآن كما في الحديث الصحيح
(ومنها) أن لا تمر به آية رحمة إلا سأل الله الرحمة ولا آية عذاب إلا استعاذ بالله من العذاب
(ومنها) أن يلاحظ في قراءته الأحكام التجويدية فيطبّقها في قراءته، فإن لم يكن يعرفها فليتعلم من أهلها
(ومنها) أن يتجنب التكلف في الصوت حال القراءة
(ومنها) أن لا يقرأ القرآن بغير العربية، لإنها تذهب بإعجازه المقصود منه. ويسن الإستماع إلى القراءة وترك اللغط والحديث أثنائها، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وأن لاينوي التصنع إلى أحد ولا الرياء ولا العجب ولا السُمْعة.
(ومنها) أن لايتخذه حرفة يسترزق بها فيتلوه في بعض المساجد أو غيرها لأجل أن يعطيه المستمعون شيئا من المال وهو بإسقاط نفسه وردائه في الأرض كهيئة صاحب السلعة الذى يعرضها في الأسواق للبيع أو كهيئة صاحب الدكان. وهذا لا ينافى أن الإستئجار لقراءة القرآن أو لتعليمه جائز، لأن هذا لا يخلّ بحرمة القرآن الكريم وآدابه، بخلاف الأول كما لا يخفى.
وهذا بعض آدابه، وغيرها كثير يطلب من المطولات. والله أعلم.
تمت بخير وحمدلله. وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه
وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shadow
عضو vip
عضو vip
shadow


ذكر
عدد المساهمات : 3980
نقاط : 3981
تاريخ التسجيل : 11/12/2014
العمر : 25

القول المنيرفي علم أصول التفسير Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول المنيرفي علم أصول التفسير   القول المنيرفي علم أصول التفسير Emptyالأربعاء 10 يوليو 2019 - 2:49

جزاك الله خيراً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القول المنيرفي علم أصول التفسير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القول في الاستعاذة
» تحميل كتاب القول المعين فى مرتكزات معالجى الصرع والسحر والعين
» تحميل ملف الصدق فى القول و العمل بوربوينت رائع
» تحميل كتاب القول المبين فى أخطاء المصلين
» تحميل كتاب القول المبين فيما يطرد الجن و الشياطين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شنواى  :: القسم العام والإسلامى :: المكتبــة الإسلاميـــة-
انتقل الى: