مابعد رحيل الشمس ... فاروق جويدا

الوقت.. (1)

والدرب يلبس حولنا ثوب الحداد عين الليل يسبح في شواطئها السواد

قط وفأر ميت القط يأكل في بقايا الفأر ثم يدور يرقص في عناد شيخ ينام على الرصيف

هذا زمان مجاعة و الناس تسقط كالجراد والشيخ يصرخ جائعا ويصيح: يا رب العباد

يا للعمر وقت ضائع العمر

لست أعرف كم مضى.. عام مضى.. عامان.. عشر

والليل يلتهم الصباح فالعمر في قدم الرياح

* * * والجرح ينزف بالجراح

يقول الناس إني جئت في زمن حزين زمني

قد جئت في الزمن الخطأ وأنا أقول بأنني

إن صارت الدنيا و صارت الناس كالرقم الخطأ؟ ماذا يفيد صوابنا

تردد الأنفاس في أعماقنا خطواتنا الحيرى على هذا الطريق

لكننا نحيا مع الزمن الخطأ ونعيش في أوهامنا

عنوان أيامي * * *

ما عدت أذكر اسم شارعنا الجديد على المظروف أكتب اسم شارعنا القديم

قد غيروه.. وغيروه.. وغيروه الشارع المسكين صار حكاية..

لكنني ما زلت أعرف اسم شارعنا القديم ما عاد يذكر اسمه

أما أنا * * *

وبأن عمري صار بيتا قالوا بأني كنت يوما فارس العشق القديم

ولأنني رغم القبور.. ورغم موت الأرض من بيوت العنكبوت

قالوا بأني فارس ما زال يرفض أن يموت أرفض أن أموت

(2) اليوم الأول بعد رحيل الشمس

أشتاق كالأطفال ألهو.. ثم أشعر بالدوار ما زال حبك أمنيات حائرات في دمي

أحمل الذكرى على صدري شعاعا.. وأظل أحلم بالذي قد كان يوما..

والدار يخنقها السكون كلما أختنق النهار

وسنابل الأحلام في يأس تموت فئران حارتنا تعربد في البيوت

العمر يرسم في تراب الوجه أحزان السنين نظرت للمرآة في صمت حزين

يمضغها وينساها.. ويأكلها أصبحت بعدك كالعوز يردد الكلمات

ما عدت أعبأ بالكلام ويدرك أن شيئا لا يقال

كل الذي عندي كلام لا يقال فالناس تعرف ما يقال

(3) اليوم الأول بعد المئة لرحيل الشمس

لم تبتسم من ألف عام ولدي يسألني: لماذا أنت يا أبتي حزين..

الوحش يا أبتاه في النهر الكبير أترى تخاف..

ما زال يأكل في الزهور قالوا بأن الوحش قد أكل الطيور

ويدور في كل الشوارع يخنق الأطفال يعبث بالقبور الوحش يأكلنا ويشرب عمرنا

ويعود يشرب من جديد الوحش يشرب كل ماء النهر ثم يبول في النهر العجوز

النهر جرح غائر الأعماق والنهر بئر من دموع الناس

والوحش يسكر بالجراح تنبت في جوانحه الجراح

أشتاق عطرك كلما عادت مع الليل الهموم * * *

لم أبتسم من ألف عام ولدي يقول بأنني

حزني عنيد لا ينام قلبي وحزن النهر والأيتام في برد الطريق

(4) اليوم الأول بعد الألف لرحيل الشمس

تتسلل الأحزان بين جوانحي في الدرب رائحة ومنديلي قديم

قد مات عصفوري الصغير تتزاحم الرعشات بين أصابعي..

سقط الصغير على جناح الدار وانسابت دماه قد ظل يصرخ في عيون الناس يلتمس النجاة..

ويطير بين جوانحي شبح الدماء الريش يعبث في عيوني مثل غيمات الشتاء

عصفورنا في الدرب مات ويصيح في صدري البكاء

يمضي علينا العمر.. والحلم الجميل * * *

اليوم الأول بعد.. لرحيل الشمس ما زال في صمت يقاوم كل أحزان الرحيل

أصبحت لا ألقاك صرت سحابة (5)

ورجعت للحزن الطويل عبرت على عمري كما يهفو النسيم

يمضي الزمان بعمرنا ما زلت ألمح بعض عطرك بين أطياف الأصيل

واليأس يسخر بالمنى الخوف يسخر بالقلوب

عصفورنا قد مات والناس تسخر بالنصيب

* * * من قال إن العمر يحسب بالسنين

أخفى شعاعا كان يحمله القمر الليل لم يرحم رحيل الزيت من قنديلنا

ثم انزوت تبكي على صدر الظلام والشمعة الثكلى تساقط ضوءها

الليل والقمر الذبيح وأنا أحدق.. كل شيء صار بعدك صامتا

من يأخذ الأيام والعمر الطويل الشمعة الحيرى ومزماري الجريح

يا شمس.. فارسك القديم.. لتعود شمس مدينتي

مازال يبكي عمره بعد الرحيل

_________________

» المغنى الحزين... فاروق جويدا
» دعينى أحبك ... فاروق جويدا
» الحزن يطارد عنوانى لفاروق جويدا
» رحيل بلا صوت
» الفصل التاسع رحيل عبلة