:flower: بسم الله الرحمن الرحيم :flower:
لا يخلو بحث أو دراسة عن الإسكان والسكان في مصر من جانبين يمثلان رافداً للجريمة والعنف والإرهاب، الأول: يتعلق بأحياء قديمة تجاوزها الزمن وتم بناؤها في النصف الأول من القرن الماضي، والثاني: يدور حول الأحياء الجديدة «العشوائية» التي ازداد عددها خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ولأسباب اجتماعية واقتصادية وأمنية، يجري البحث عن مخرج منذ عدة سنوات للتخلص من «العشش» و«العشوائيات»، وإذ يبدو أنه من الممكن احتواء «العشش» إلا أنه يبدو أيضاً من الصعب القضاء على ظاهرة «العشوائيات» في الوقت القريب، بعد أن قالت الحكومة إنها تحتاج لأكثر من 3 مليارات جنيه لإدخال المرافق الأساسية إليها.
وتم نقل الآلاف من سكان «العشش» إلى مناطق سكنية جديدة خارج القاهرة، سواء بشكل مباشر من الدولة أو غير مباشر، إضافة إلى خطط أخرى بهدم عشش قديمة وبناء عمارات مخططة محلها بتسهيلات مالية ودعم من الحكومة لذات السكان، لكن هذا لا ينفي أن نقل سكان عشش مجاورة للنيل كان وراؤه رجال أعمال كبار لبناء أبراج سكنية واستثمارية مكانها، خاصة أن غالبية سكان العشش لا يحوز معظمهم سندات ملكية لتلك الأراضي التي تحولت بتغير الزمن لمنجم ذهب لرجال العقارات و«البزنس». ويرجع تاريخ معظم «العشش» السكنية القديمة إلى بداية الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وما زال عدد كبير منها يجاهد في البقاء بجوار الأبراج السكنية العصرية الضخمة، والمباني الإدارية الشاهقة.
لكن الهاجس الأمني لم يتوقف تجاه سكان «العشش» الذين لعبوا دوراً في غالبية المظاهرات العنيفة التي شهدتها القاهرة في السبعينات، مثل انتفاضة 1977 التي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات «انتفاضة الحرامية» لاقترانها بأعمال سلب ونهب، واحتضانها لمتطرفين ومجرمين وهاربين من القانون، شارك بعضهم في حادث المنصة عام 1981.
وتتصدر جرائم بعض سكان تلك المناطق بأنواعها عناوين الصحف المحلية، وصفحات الحوادث، وتشير حوادث الإرهاب والتطرف إلى احتضان تلك المناطق لمعظم الحوادث الإرهابية والفتن الطائفية بدءا من أحداث الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء أواخر حكم السادات، وتبعتها أحداث مماثلة فى منطقة الوايلي، وأحداث أسيوط بصعيد مصر عام 1981 عقب اغتيال السادات فى حادث المنصة الشهير، وتبعتها أحداث فتنة بالمرج، شمال القاهرة، وبعدد من القرى والريف المصري مثل أحداث الكشح ودار السلام بسوهاج.
وأدى نقل سوق روض الفرج الشهير، وكان عبارة عن تجمع ضخم لتجارة الخُضر والفاكهة، من منطقة روض الفرج بشمال القاهرة، إلى تقليل الفرص الاقتصادية للآلاف من الفقراء الذين كانوا يعتمدون عليه في كسب الرزق، ومن ثم استجابت قطاعات واسعة منهم للهجرة إلى تجمعات سكنية مخططة في مدن السلام والشروق والنهضة على أطراف القاهرة، والتي أصبحت بالتبعية قريبة من تجمعات تجارية سبقتهم إلى هناك، مثل سوق العبور.
لكن المشكلة التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة تتعلق بالمناطق «العشوائية»، خاصة أن بيانات وزارة الإسكان تشير إلى أن سكان «العشوائيات» يبلغ عددهم نحو 8 ملايين مواطن، موزعين على 497 منطقة سكنية بكافة انحاء البلاد، إلا أن النسبة الكبيرة منها منتشرة حول «القاهرة الكبرى»، والتي تضم المحافظات الواقعة على رأس مثلث دلتا نهر النيل، وهي القاهرة، والجيزة والقليوبية.
ومنذ بداية السبعينات تقريباً كان هناك مثل للمهاجرين من الأرياف للقاهرة والمدن الكبرى، يقول إن مصر تستيقظ كل صباح لتبدأ من حيث انتهت منه في اليوم السابق، وهو مواصلة البناء.. بناء العمارات والبيوت والشقق بدون تخطيط من الحكومة، أو كما قال أحد خبراء التخطيط العمراني: كانت حركة البناء أسرع من أي تخطيط، ولهذا ظهرت أحياء كبرى يطلق عليها «المناطق العشوائية»، أو «العشوائيات» يقطنها مئات الآلاف من المواطنين، إن لم يكن عدة ملايين الآن، من دون أن تدخلها المرافق الأساسية لفترة طويلة، بل إن الرئيس حسني مبارك تدخل أواخر العام الماضي وأصدر قراراً بتوصيل التيار الكهربائي إلى «العشوائيات».
وربما كان عدد قليل فقط من المصريين هو من حذر علانية من خطر المباني غير المخططة، التي لا تصلها المرافق الأساسية إلا بالكاد، وما يمكن أن تسببه من تنامٍ لمشاعر الإقصاء والتهميش من جانب سكانها، وما لذلك من تأثير على الاستقرار السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي، وهو ما ورد في مضابط للجنة الإسكان بالبرلمان المصري. وتؤكد الدراسات الرسمية الحكومية، وبحوث الجمعيات الأهلية بمصر وجود علاقة وثيقة بين ظاهرة «العشوائيات» السكنية، وبين ظواهر الإرهاب والجريمة، إلا أن العشوائيات وسكانها لم يكونا مشكلة تؤرق الحكومة المصرية قبل ظهور موجات متتالية من الإرهابيين، ينتظمون في جماعات متشددة دينيا، اعتبارا من سبعينات القرن الماضي، حتى الآن، وهي المرحلة التي بدأت بسياسة الانفتاح التي أقرها الرئيس المصري الراحل أنور السادات.. حينذاك زحف مئات الآلاف من سكان جنوب مصر وشمالها إلى القاهرة بحثاً عن فرص للعمل وزيارة الدخل، لكن القاهرة التي كانت تغص بسكانها لم تكن لديها القدرة على استيعاب تلك الأعداد من المهاجرين القرويين، إضافة إلى أن سكان الأرياف حين زحفوا على العاصمة لم تكن لديهم القدرة المالية على استئجار شقق في الضواحي السكنية القديمة. الدكتور أحمد المجدوب، المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أشار إلى أن المناطق «العشوائية» عبارة عن بؤر شديدة التخلف على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، لارتفاع معدلات البطالة والأمية والكثافة السكانية بشكل لا يمكن تخيله، قائلاً إنها تفتقر لأبسط الحاجات الإنسانية. وأضاف: «لوحظ أن التطرف مرتبط بعلاقات وثيقة مع تلك المناطق، وكذلك الذين ينفذون عمليات إجرامية نظرا لأنهم يعيشون حالة من الحرمان الشديد من أبسط مقومات الحياة».
ومن أكبر المناطق العشوائية مساحة وكثافة منطقة «دار السلام» بجنوب القاهرة، والتي تقع بين ضاحية مصر القديمة وسكانها المنتمين للطبقة الوسطى، وضاحية المعادي الراقية، وتمتد تلك المنطقة العشوائية على مساحة واسعة بطول نحو 7 كيلومترات على نهر النيل، وبعرض يزيد على 5 كيلومترات، وكانت حتى عام 1970 أرضاً زراعية يعيش بها عدة مئات من المزارعين وواضعي اليد الذين يمدون العاصمة بالطماطم والخيار والبطاطس والخس وحليب الأبقار، لكنها تحولت طوال العقدين التاليين إلى مبان متلاصقة وضيقة تخترقها شوارع غير مستقيمة وغير مرصوفة، ويقطنها خليط من عمال البناء والمصانع وصغار التجار والموظفين والعاطلين. كما إن المدارس التي تم بناؤها في السنوات العشرين الأخيرة لم تتمكن من استيعاب العدد المتزايد لتلاميذ «العشوائيات»، لدرجة أن بعض المدارس كانت تعمل لثلاث فترات في اليوم الواحد حتى وقت قريب، وحين فكرت وزارة التعليم في حل المشكلة لم تجد أمامها بدا من التوسع الرأسي (زيادة طوابق المباني المدرسية) أو البناء على الملاعب التي كانت موجودة في المدارس القديمة، وحتى مثل هذه الحلول لم تتمكن من خفض الكثافة العددية في الفصل الدراسي الواحد، والتي تصل في بعض المدارس، بحسب التقارير البرلمانية، إلى نحو 80 تلميذاً في الحجرة الدراسية الواحدة، بينما العدد المثالي الذي يطالب به النواب كان لا يزيد عن 20 تلميذاً وهو يبدو حتى الآن حلما بعيد المنال في المناطق العشوائية، وهو ما يتسبب في حرمان التلاميذ من ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية.
ولا يوجد في منطقة دار السلام العشوائية، التي يطلق عليها البعض «الصين الشعبية» بسبب ضخامة عدد سكانها (يقدر بنحو مليون مواطن) أي ناد اجتماعي أو ساحة لممارسة الرياضة، أو دور للسينما أو المسرح، إضافة إلى معاناتها الدائمة من انقطاع المياه والكهرباء وانفجار مواسير الصرف الصحي، لسبب بسيط هو أن عدد مستخدمي تلك المرافق يزيد أضعافاً عما هو مسجل في الإدارة المحلية المسؤولة.
سعد زغلول حلمي محمد، الشهير بـ«عم سعد» من منطقة الزاوية الحمراء بشمال القاهرة، جاء إلى القاهرة من ديروط بأسيوط بصعيد مصر قبل نحو 35 عاما، وقال «كانت هذه المنطقة مجرد أرض زراعية تشقها ترعة كبيرة، وبالقرب منها مجموعة عشش، ومساكن بسيطة مبنية بـ«الطوب اللبن»، وأضاف «في البداية سكنتُ في غرفة استأجرتها مع آخرين من رجل كان يضع يده على مساحة كبيرة من الأرض، وعملت في عدة مهن حرفية حوالي 10 سنوات إلى أن زاد السكان في المنطقة، وحينذاك كان لدي بعض المال واستأجرت غرفة مستقلة في مسكن آخر وبدأت أتاجر في مواد البقالة من مسكني إلى أن تمكنتُ من فتح دكان صغير لا تزيد مساحته عن 2 متر في نفس المنزل». وأوضح «بعدها استأجرت الغرفة المجاورة لي ثم تزوجت إحدى قريباتي من الصعيد وأصبحت تعيش معي في ذات الغرفة الداخلية، وبدأت أتوسع في تجارة البقالة بزيادة كميات البضاعة وأنواعها بالمحل، وبعد 10 سنوات من زواجي تمكنت من شراء المنزل حيث عرضه صاحبه للبيع». وتابع قائلاً «الشراء والبيع في الأراضي يتم بيننا هنا بعقود ابتدائية.. الأرض والمباني التي عليها غير مسجلة في الشهر العقاري.. الحكومة تعترف بالعقود الابتدائية، خاصة إذا حصلت على حكم قضائي بصحة البيع والنفاذ، وهو نوع من الأحكام القضائية التي تصدرها المحكمة من أول جلسة إذا وجد البائع والمشترى معا، وبهذا الحكم تستطيع توصيل المياه والكهرباء إلى مسكنك بصورة قانونية».
وقال زغلول: «هذه المباني أقيمت اجتهادا من دون تخطيط بالمنطقة ولذلك فإن عرض الشارع هنا لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة أمتار، مما يصعب على أجهزة الأمن والمطافئ، والإسعاف الدخول إلى المنطقة، حين يتطلب الأمر ذلك، كما أن الحكومة لا تجد أماكن خالية بالمنطقة لبناء أية مرافق للخدمات مثل المدارس والمستشفيات على الأقل».
وأضاف: «أي كلام تقوله الحكومة عن تطوير العشوائيات غير صحيح لأنه حتى لو صدقت نية الحكومة فأين تقيم مرافقها.. أعتقد أن هذا أمر يحتاج إلى معجزة لأن إعادة التخطيط تتطلب الإزالة، والإزالة غير ممكنة، لأن عدد السكان كبير ولن تستطيع الحكومة توفير مساكن لهم، وإذا تمكنت من ذلك، فإن الغالبية سيرفضون هذا الحل لأن مصالحهم كلها ارتبطت بالمكان، خاصة أن الانتقال من وإلى وسط القاهرة لا يستغرق من هنا سوى أقل من عشر دقائق».
أما حال «أم عيد» فيختلف عن حال «عم سعد».. قالت: «أسكن في غرفة منذ عشرين عاما وهي واحدة من ثلاث غرف بالشقة.. يسكن آخرون الغرفتين الأخريين، المنزل به حنفية (صنبور) مياه واحدة أسفل السلم، لكن كل شقة بها دورة مياه.. ليس هذا هو المهم.. أنا أعيش مع أولادي الأربعة، ولدين وبنتين، في الغرفة بعد وفاة زوجي.. البنت الكبيرة عرفت واحدا فاستحسنت الأمر وقلتُ حلو.. البنت ستخفف أعباء السكن عني.. المصيبة أنها جاءت بزوجها وعاشا معنا لعدم قدرته على توفير سكن».
وعن الطريقة التي تنظم بها عملية نوم أسرتها وأسرة ابنتها داخل غرفتها الوحيدة، قالت «(ينامون) في نفس الغرفة.. أنا وابنتي الثانية على السرير.. الولدان على كنبة صغيرة في جانب الغرفة.. أغلب الوقت ينام أحدهم عند أصحابه خارج البيت.. البنت وزوجها تحت السرير.. وأنجبا طفلهم الأول تحت السرير أيضاً».
ويؤكد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر أن عدد البؤر العشوائية في شتى أنحاء البلاد يقدر بحوالي 1034 بؤرة، يعيش فيها أكثر من ستة ملايين نسمة، ومن هذه البؤر 903 مناطق طالب خبراء الإسكان وعلماء الاجتماع، الحكومة بالعمل على تطويرها، مشددين على ضرورة إزالة الـ81 منطقة الأخرى، لفقدان الأمل في إصلاح أحوالها.
«العشوائيات» أصبحت أكبر بكثير من القدرات البشرية لأجهزة الأمن بسبب ضيق شوارعها وتلاصق مبانيها بما يحول دون دخول سيارات الشرطة والإطفاء والإسعاف، مما يؤدي إلي سقوط قتلى من المواطنين الأبرياء، كما قال تقرير للمجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام (أحد المجالس القومية المتخصصة) عن العشوائية، وربط فيه بين حوادث الإرهاب وتلك المناطق. وكشفت دراسة لمركز بحوث الإسكان والبناء والتخطيط العمراني حول الإسكان العشوائي أن 18% من الأسر المصرية تعيش في غرف مشتركة وأن معدل التكدس يبلغ 7 أفراد في غرفة واحدة بالمناطق العشوائية، فضلا عن اشتراك عشرات الأسر في دورة مياه واحدة الأمر الذي يعني غياب سياسة واضحة للإسكان. الدكتورة ضحى عبد الغفار أستاذة الاجتماع بكلية البنات، جامعة عين شمس تذكر في دراسة لها أن مصر تضم 434 منطقة عشوائية، وتختص القاهرة وحدها بـ88 منطقة يسكنها حوالي 50% من سكان القاهرة البالغ تعدادهم بين 17 إلى 19 مليون نسمة بحسب الإحصائيات الخاصة لعام 2004/2005، وتقول الحكومة إن هذه المناطق تحتاج إلى 3.485 مليار جنيه مصري لإدخال المرافق الأساسية فقط إليها.
الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وصفت لـ«الشرق الأوسط» المناطق العشوائية بأنها «قنبلة موقوتة» تشمل «جميع الأنماط السلبية والمتدنية في المجتمع أخلاقيا واجتماعياً وهي النماذج المحرومة من الرعاية ومن حقوقها في المأكل والمشرب والسكن والتعليم والصحة».
وتذكر الدكتورة عزة أن طبيعة الحياة في تلك المناطق تجعلها بيئة ملائمة لظهور الإرهابيين والمتطرفين دينيا، مشيرة إلى أن أغلب الدراسات التي أجريت على الإرهابيين الذين نفذوا عمليات إجرامية في مصر ثبت خروجهم ونشأتهم من المناطق العشوائية المحرومة. بينما حذر الدكتور محمود عبد اللطيف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس مما أسماه «ثورة سكان المناطق العشوائية»، موضحا أن «هناك 3 أسباب أساسية تساعد على ثورتهم ضد المجتمع المحيط بهم وأهمها شعورهم بالظلم، وعدم احترام آدميتهم، وتهميش وجودهم عند اتخاذ القرارات السياسية».
وقال إنه، على سبيل المثال، يسكن 150 ألف نسمة في مساحة لا تتجاوز 3 كيلومترات مربعة، بمنطقتي «العسال» و«عزبة جرجس» بمنطقة شبرا، بمتوسط كثافة 50 شخصا في المتر المربع بما يتناقض مع كافة المعايير الإنسانية للسكن، مطالبا بإعادة تخطيط المناطق العشوائية خاصة القريبة من قلب القاهرة، وتوفير مساحات خضراء وحدائق وملاعب حيث تفتقد هذه المناطق مثل هذه النوعية من الخدمات التي تساعد بشكل كبير في امتصاص المشاعر العدوانية وتحد من العنف في المستقبل، وتقلل مشاعر الاغتراب التي يشعر بها أهالي هذه المناطق.
ومن جانبها أوضحت الخبيرة في علم النفس، الدكتورة إيمان شريف، أن الإنسان المصري بطبيعته «يتكيف مع أية ظروف يعيش فيها منذ القدم ولكن مع تطور الحياة والتقدم الذي وصلنا إليه والمتغيرات الاجتماعية التي يمر بها المجتمع ككل تحدث تغيرات في سلوكيات الأفراد».
وأشارت إلى أن هناك من يتكيف مع وضعه القائم لأنه لا يجد بديلاً له ولكن البعض الآخر يظهر تمرده على وضعه في شكل سلوكيات سلبية خطيرة تجاه المجتمع. وأوضحت أن ذلك «أدى إلى تحول هذه المناطق إلى وكر للعصابات الإجرامية ومراكز لتجارة المخدرات والسلاح». وشددت على وجود علاقة بين حياة العشوائيات والتطرف الديني خاصة لدى الشباب الذين يسهل استمالتهم من خلال استثارة مشاعر الحقد والضغينة لديهم تجاه سكان المناطق الأخرى، واقتناعهم بإمكانية فرض العدل بقوة السلاح على الحكومة والمجتمع ككل.
وحسب التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي صدر مؤخرا عن التنمية البشرية في مصر لعام 2005 وكتب مقدمته الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التخطيط فإن مصر تأتي ضمن الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة وترتيبها 120 بين 177 دولة يشملها دليل التنمية البشرية، وبعدها يأتي المغرب والهند وكمبوديا وغانا وجزر القمر وبنغلاديش والسودان ثم الكاميرون آخر الدول المتوسطة التنمية البشرية، في حين تأتى دولة كالبحرين في المركز الـ 40 والكويت 44 وقطر 47 والإمارات 49 وكوبا في المرتبة 52. وتبدو مشكلة عثور الفقراء والمهمشين على سكن سواء في مناطق «العشش» أو «العشوائيات» أمراً صعب المنال أيضاً، حيث كشف تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنَّ 12 مليون مصري يعيشون في المقابر والعشش والجراجاتِ والمساجد وتحت السلالم. وأشار التقرير إلى أن 1.5 مليون مصري يعيشون بالقاهرة في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصر الجديدة. كما أشارت وزارة الإسكان في تقاريرها عن حالة الإسكان إلى أن عدد سكان المقابر يبلغ نحو نصف مليون مواطن في القاهرة وحدها، وتؤجر نحو 1150 أسرة أحواش المدافن التي تقيم فيها، و3088 أسرة ليست لديهم مطابخ و1233 أسرة لديهم مرحاض مشترك، ولا يوجد حتى الآن إحصاء شامل لهم، حيث قال الخبراء إنه يبدو أن الحكومة لن تتمكن في الوقت القريب من حل مشاكل من لا مأوى لهم، إلا إذا انتهت من إعادة تخطيط وتنظيم «العشش» و«العشوائيات».
وتعول الحكومة المصرية على ما يمكن أن يقدمه القطاع الخاص من حلول لمشاكل الاسكان. ويبدي الرئيس مبارك اهتماما كبيرا بهذه المشكلة وتضمن برنامجه الانتخابي خططا لتوفير نصف مليون وحدة سكنية للشباب، الأمر الذي دفع وزارة الاسكان الى طرح عدة مشروعات حمل بعضها عنوان «بيت العائلة» و«ابن بيتك بنفسك» فوق مساحات لا تتجاوز 63 مترا، بقروض ميسرة، ومشروع ثالث لمع
ي الدخل حمل عنوان «الأولى بالرعاية» ولا تتجاوز مساحة المسكن فيه 30 متراً. لكن الخطط الحكومية قد لا تكفي وحدها لانهاء مشكلة تفاقمت على مدى اكثر من قرن، ومازال صنبور العشوائيات مفتوحا بحاجة الى استثمارات ضخمة لاغلاقه، عدا ما يقتضيه الأمر من معالجات أخرى تشريعية وسياسية واجتماعية وأمنية.
جريدة الشرق الاوسط الجمعـة 12 صفـر 1428 هـ 2 مارس 2007 العدد 10321 . القاهرة: حمدي سليم
مع تحيات محمد رجب سعيد نور الايميل
Medo_pasha2010@yahoo.com
على فكرة الفاصلة الى فى الايميل السالب الى جمب الموجب فوق فى اللوحة تضغط على السالب بس ملتضغطش معاه حاجة خالص سلام