* موقعنا وأهميته الحضارية *
إن موقع مصر الفريد يجعلها حالة نادرة ومتميزة عن الأقاليم والبلاد الأخرى حيث :
• تقع مصر في إفريقيا من الناحية الجغرافية ولكنها تتصل حضاريا وتاريخيا بآسيا .
• مصر واسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في القارة الإفريقية .
• مصر تتمتع بحدود طبيعية حامية مانعة وقوية ومكانة سياسية .
• لا نقدر أن نفهم تاريخ مصر إلا إذا أدركنا أهمية موقعها .
* الأهمية التاريخية للموقع .
قد مر الموقع من الناحية التاريخية لمصر بأربع مراحل هي :
1- فترة ما قبل الفتح الإسلامي العربـي : وفيها كانت أهمية موقع مصر محدودة نسبيا , لأنها فترة النشأة و الميلاد ولأن محيط العالم المعمور كان صغيرا ومحدودا .
2- فترة الفتح الإسلامي العربي : بدأت تتطور أهمية موقع مصر واحتل الموقع مكانة في الاقتصاد المصري وذلك عندما اتسعت التجارة المارة بمصر بين الشرق والغـرب , وكان العائد يوازي دخل مصر من الزراعة .
3- مع مطلع العصر الحديث : تعرض دور موقع مصر إلى الضعف والانهيار وذلك بسبب اكتشاف البرتغال لطريق رأس الرجاء الصالح وتحول التجارة إليه , إلى جانب تعرض المنطقة للأخطار الصليبية .
4- من منتصف القرن التاسع عشر : قررت مصر استعادة أهمية موقعها الفريد , عملت على شق قناة السويس حتى لا تتوقف التجارة على البر , فأصبحت مصر بذلك شريان الملاحة العالمية وكان يمر منها أعظم سلعة في الوقت الحاضر (البترول) , وقد تأكد أهمية القناة بعد التأميم سنة 1956م وأصبحت مصر مطمع للغزاة ذلك لأن العائد من القناة نظير مرور السفن كبير .
ملامح الموقع الطبيعي لمصر :
- تعد مصر حجر الزاوية والركن الأساسي في قارات العالم القديم , حيث يلتقي فيها قارتان وتقترب منها قارة ثالثة , بفضل النيل تكتسب مصر طبيعة المدخل إلى قلب إفريقيا , وتتفتح على الاتجاه الأسيوي بطريقتين عظيمتين هما :
- في الشمـال : طريق (الشام والعراق) .
- في الجنوب : طريق غرب الجزيرة العربية . (هذا كان على اليابس)
- أما من حيث موقعها المائي : مصر الوحيدة التي يقترب منها وفيها أطول بحريين داخليين في العالم (المتوسط و الأحمر) وينتهي كل منهما بمحيط عظيم (الأطلنطي والهندي) .
* من كل ما سبق فإن مصر تجمع بين مزايا متعددة , فمصر أمة وسط في موقعها و في دورها الحضاري و في السياسة والحرب وفي التطور والتفكير .
تفرد وضع مصر الجغرافي : وذلك نتيجة :
1- الموقع الخارجي والبشري , وهو موقع مصر بالنسبة لجيرانها .
2- الوضع الداخلي , وهو بسبب وجود النيل والتجانس البشري والوحدة السياسية .
أولا : الوضع الداخلي :-
1- بالنسبة لتلك الواحة الفيضية :-
- وادي النيل خلف نظام فيضي (واحة فيضية ونظام زراعة ثابت) مما جعل مصر رائدة المدنية والعمران والحضارة .
- قدم النيل للمصريين دروسا عملية في أولويات الزراعة والري وضبط المياه , فتوالت بذلك كل الإنجازات الحضارية وأصبح النيل المعلم الأكبر للفلاح المصري.
- فالنيل إذاً أبو مصر , منه استمدت جسمها وروحها ودمه (طينها و ماؤها) , فوادي النيل كله عبارة عن واحة يسودها فلا تبتعد رقعة من مصر عن النيل وأصبح أديم مصر الزراعي عطاء متجانس بسبب السد العالي وانتشار الري الدائم واختفاء ري الحياض .
2- بالنسبة للتجانس البشري :-
- يمثل شعبنا المصري وحدة جنسية متجانسة قوية هي الصفات والملامح , وساعد على ذلك أن مصر لم تتعرض للهجرات البشرية بل لغزو حربي مؤقت , فلم تعرف حاجز لونيا أو تشهد انقطاعا سكانيا , وساعد مصر أيضا عزلة موضعها الذي حفظ لها شخصيتها الجنسية في النمط الجسمي فجعل مصر وحدة كبيرة من التزاوج الداخلي .
- كما تتجانس مصر في اللغة والدين فكل الشعب المصري يتكلم العربية والأقلية القبطية هي من صميم الجسم المصري شديد التماسك والالتحام به .
3- مصر أول أمة توحدت سياسيا :-
- نمت في مصر عناصر الأمة ثم كونت هذه الأمة أول دولة سياسية منظمة , وأصبحت هذه الدولة أول قوة سياسية فكونت أول إمبراطورية في التاريخ , بل وأطول أمة حافظت على تلك الوحدة .
- اتسعت هذه الإمبراطورية شمالا حتى سوريا والعراق وغربا حتى برقة في ليبيا وجنوبا حتى أثيوبيا , وشكل التجانس البشري أساسا للوحدة البشرية .
- وقد بدأت الوحدة السياسية منذ آلاف السنين وذلك مع بداية الاستقرار الزراعي فتحول الرحل إلى أقاليم ومقاطعات ثم اختزلت في وحدتين رئيسيتين هما الوجه البحري والوجه القبلي , ثم وحدهما الملك " مينا " في سنة 3200 ق.م لتصبح مصر أول أمة بالمعنى القومي وأول دولة بالمعنى السياسي .
* أبعاد الموضع وتأثيراته :
1- البعد الأسيوي :- ويقصد به تواصل مصر مع آسيا حضاريا وثقافيا فمنه انصبت الرسالات السماوية , وزادت أهمية البعد الأسيوي بعد الفتح الإسلامي فاكتسبت مصر شخصيتها العربية الإسلامية في اللغة والثقافة والدين , امتد من مصر إلى الشام فكانت تحت الحكم المصري واتحدت مصر مع سوريا بعد ثورة سنة 1952م , فأصبحت مصر قلب الوطن العربي وبوابة التعريب لدول المغرب العربي , وطريق الحج السنوي .
2- البعد الإفريقي :- يمدنا هذا البعد بالحياة والمال والسكان , لذلك فمصر بوابة القارة الإفريقية وحارسها من الشمال الشرقي وهي نقطة ارتكاز لتضامن (آسيا وأفريقيا) , ومصر تفخر بعنصرها الإفريقي فهي أم التاريخ في قارة لم يكن لها تاريخ , لذلك فمصر تساهم في حركة القارة نحو الحضارة والتقدم .
* صحراء مصر وواحتها :-
1- الصحراء الشرقية :-
- يوجد بها ثروات معدنية ضخمة , وتمثل مساحتها أقل قليلا من ربع مساحة مصر , وأيضا يوجد بها منجم مصر الأول بمعادنها الصناعية .
2- الصحراء الغربية :-
- وتمثل مساحتها ثلثي مساحة مصر , ويوجد بها الواحات والمياه الجوفية .
- إذن فإن صحارينا الشرقية والغربية بها ثروات اقتصادية هائلة صناعية وزراعية ومشاريع ضخمة مثل مشروع القطارة الذي يمكن أن يكون كالسد العالي , ومشروع توشكى , وبذلك تكون صحاري مصر هي المستقبل أمام الناس بعد أن ضاق وادي النيل بسكانه .
* النيل وواديه العظيم :-
- نهر النيل غير عادي بكل المقاييس سواء جيولوجيا و جغرافيا وحضاريا , فقد أفردت الديانة المصرية القديمة مكانا بارزا للنيل وذلك لأهميته , ولقد جعل النيل مصر بيئة فيضية نهرية لضبطه تنظيما اجتماعيا بين المصريين وحكومة ذات كفائة عالية وإقامة شبكة كثسفة من الترع والقنوات والخزانات والسدود لضبط النهر .
* تطور علاقة المصريين بالنيل:-
أولا : مرحلة ما قبل التاريخ :-
- لم تكن الزراعة بمعناها الصحيح قد اكتشفت بعد , لأن الإنسان كان زمان مقلدا وخضع للطبيعة و النيل .
ثـانيـا : مرحلة الزراعة الأولية القديمة :-
- حيث أصبح الفلاح المصري مهندسا يشكل ويؤثر على الطبيعة ويسيطر عليها .
ثـالثـا : مرحلة إنشاء شبكة من السدود والترع :-
- حيث تتبع الفلاح دورة حياة النيل وقد أنشأ المصريون شبكة من السدود والترع لتغيير طبيعة الوادي.
رابعا : في أوائل القرن التاسع عشر :-
- حيث تطور فن الهندسة النهرية والتوسع الرأسي للإنتاج و الاكتفاء الذاتي بل والانفتاح على السوق العالمي للتصدير.
خامسا : مرحلة الثورة الصناعي الجديدة بإنشاء السد العالي : -
- حيث غير النهر وخلق بحيرة صناعية كبرى لتخزين المياه لمئات السنين , حيث تستوعب 130 مليار متر مكعب من الماء , كما لم تعد مياه النيل تتبدد في البحر المتوسط وبذلك حمى مصر من أخطار المجاعات والجفاف بل طور حضارتها .