إن للعلم في الإسلام شأنا عظيما، ويكفي للدلالة على منزلته أنه صفة من صفات الله جل جلاله: قال الله تعالى: ( وَهُوَ السَّمِيعُ العّلِيمُ ) الأنعام - 13، وأنه سبحانه قد أمر به قبل العمل فقال: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ) محمد - 19، وما ذلك إلا لأن صحة العمل مرهونة بالعلم، وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بطلب الاستزادة منه فقال: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) طه -114، وقد استفاض حديث القرآن الكريم عن العلم حيث وردت مادة ( علم ) فيه أكثر من سبعمائة مرة، كذلك لم يخل كتاب من كتب السنة من موضوعه العلم.
النص :
عن أبى الدرداء - رضى الله عنه-قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول :(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ))
أولا : التمهيد :
س:- بم تقدم الإنسان و تميز عن غيره من المخلوقات ؟ بالعلم.
س :ما هو موقف الإسلام من العلم؟
دعا إليه في العديد من الآيات و الأحاديث و رغب فيه لما فيه من فضائل
المعنى الإجمالي
س : ما هي أهم موضوعات هذا الحديث؟
1- جزاء طالب العلم(طلب العلم طريق للجنة) 2- فضل وثواب طالب العلم. 3- العالم يتقدم على العابد.4- العلماء هم ورثة الأنبياء. 5- العلم فيه الخير كله.
راوي الحديث:
هو الصحابي الجليل عويمر بن زيد ابن قيس الأنصاري، أبو الدرداء الخزرجي. أسلم عقب بدر. وتوفي سنة 32 هـ.
معاني المفردات
سلك: سار. / طريقا : ج طرق وهو الممر / يبتغي: يطلب. /علما : العلم: هو إدراك الشيء على حقيقته×الجهل/ الاعتقاد الجازم/ الحجة الواضحة.ج : علوم
سَلَكَ اللَّهُ بِهِ سهل الله له بسبب العلم الْمَلَائِكَةَ مخلوقات من نور م : ملك
تضع أجنحتها: تتواضع لطالب العلم/ وتعظمه /و تعينه على بلوغ قصده /وتدعو له /تنزل بالرحمة عليه رضاء: قبولا ومحبة الْحِيتَانُ : م الحوت وهو العظيم من السمك سائر : جميع.ج سوائر ( فمن أخذ به ) أي بالعلم حظ : نصيب وافر: كامل.
الشرح :
يوضح لنا هذا الحديث جزاء طالب العلم فمن يرغب في طلب العلم
لأنه باب من أبواب الجنة كما يوضح فضل وثواب طالب العلم حيث تنزل الملائكة بالرحمة وتحضر مجالسه وتستغفر الخلائق له مادام يطلب العلم لوجه الله - تعالى ولرفع الجهل عن نفسه، ونشر العلم النافع بين أقاربه، وإصلاح مجتمعه، كما أن
العالم يتقدم على العابد لان العالم يفيد نفسه و غيره فيؤدي العبادة عن اقتناع و على أحسن وجه كما انه يفيد غيره فيما يحتاجون إليه من أنواع العلوم أما العابد فعبادته تنفعه في نفسه وتنفع الناس المحيطين به فقط.
والعلماء هم ورثة الأنبياء فإذا كان الأنبياء هم خيرة خلق الله تعالى، فكذلك ورثتهم هم خيرة العباد بعد الأنبياء فالعلماء هم قادة الأمة نحو الطريق المستقيم وهذا هو الميراث الحقيقي... والعلم فيه الخير كله
س :- ما هو جزاء طالب العلم؟
ج : الجنة أو الوصول به إلى الجنة.
كيف ذلك؟ لأن العلم يجعله يعرف حقيقة وجود الله و كيفية عبادته ويهديه إلى الأعمال الصالحة فالعلم وسيلة العمل، وشرط في صحته وصحة القول،كما أنه مصحح للنية التي هي شرط في صحة العمل.
و لهذا نجد الإسلام يحث عليه و يرغب فيه و في مجالسة العلماء و الأخذ منهم.
س : ما حكم طلب العلم؟ طلب العلم فريضة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)
ومن هذا الفرض ما يكون فرض عين ومنه ما يكون فرض كفاية
فكل ما يُحتاج إليه لصحة العبادة فهو فرض عين، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وماعدا ذلك من سائر العلوم التي نحتاج إليها في إقامة حياة سوية فهو فرض كفاية لابد أن يكون في المسلمين من يعلمه بالقدر الذي يسد حاجتهم إليه وإلا أثم المسلمون جميعاً.
س :ما العلم أو العلماء الذين يتحدث عنهم الحديث؟
والمقصود بالعالم والمتعلم والعلماء الجامعون بين العلم النافع والعمل به .فالعالم هو الذي يخشى الله بعلمه وفي عمله وقوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور.
2س :- ما فضل طالب العلم أو العالم في الحديث؟
1) دخول الجنة. 2) تنزل الملائكة بالرحمة و حضور مجالسه.3) استغفار الخلائق له.4) أن يرث الأنبياء و مهمتهم.
س : ما الذي يحمل الحيتان أن تدعوا لمعلم الناس الخير؟
قالوا: لأن العالم هو الذي يعلم الناس الإحسان إلى الحيوان، ويعلم الناس ما يحل منها وما يحرم.
ما الفوائد والإرشادات التي يمكن استخلاصها؟
- الترغيب في طلب العلم ومجالسة أصحابه .
- العلم عند المسلمين عبادة و طلب العلم فريضة على الذكر والأنثى وأول كلمة نزلت في القرآن (اقرأ)
- للعلماء في الإسلام مكانة عالية دل عليها الكتاب والسنة.
- وفيه الأمر بطاعة العلماء والتحذير من الإساءة إليهم.
- الدعوة إلى الحفاظ على ميراث النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم.
*************************************************************
مظاهر الجمال :
مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ : أسلوب شرط يبين فضل طالب العلم ويرغب في طلب العلم ومجالسة أصحابه
سلك تدل على الجدية
طَرِيقًا/ عِلْمًا : نكرتان للعموم والشمول
يَبْتَغِي تدل على حب العلم وقصده فمن أحب شيئا أتقنه
يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا أسلوب قصربتقديم (فيه)
سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ :نتيجة لما قبله/ فيها تكريم لطالب العلملأنه باب من أبواب الجنة
وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَاأسلوب مؤكد بوسيلتين ( إِنَّ والام ) يؤكد (أوكنايةعن)
تعظيم الملائكة لطالب العلم فهى تنزل عليه بالرحمة وتعينه على بلوغ قصده وتدعو له ويدل على ثواب و شرف طلب العلم
رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ : تعليل لما قبله
وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ: أسلوب مؤكد ب ( إِنَّ والام ) وبأسلوب القصر بتقديم (له) وهو يؤكد استغفار الخلائق له مما يدل على فضل ومنزلة طالب العلم
حتى الحيتان : خص الحيتان لتأكيد أن من في الأرض يشمل من في البحر / حتى تفيد الغاية
السموات والأرض : بينهما تضاد يوضح المعنى ويفيد العموم والشمول
وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ :تشبيه للعالم بالقمروتشبيه للعابد بالكواكب مما يدل على فضل العالم على العابد
فالقمر يضيء الآفاق للعالَم وكذلك العالِم، والكوكب يضيء لنفسه وإن تجاوز فإنه يتجاوز غير بعيد وكذلك العابد الذي عبادته تنفعه في نفسه وتنفع الناس المحيطين به.
س:- لماذا شبه العالم بالقمر ولم يشبهه بالشمس مع أن نور الشمس أقوى؟
والسبب يعود لأمرين:
أ- أن نور العالم مُستفاد من غيره، فالقمر يستفيد ضوءه من الشمس فكذلك العالم يستفيد علمه من غيره.
ب- أن الشمس لا يلحقها اختلاف من أول الشهر إلى آخره، لكن القمر يلحقه اختلاف فتارة يكون بدرا، وتارة يكون هلالا، وتارة يزيد وتارة ينقص، وكذلك العلماء فمنهم من هو في علمه كالبدر في تمامه، ومنهم من هو أقل من ذلك بليلة، وبليلتين وهكذا.
س : لماذا كان تقديم العالم على العابد في الفضل و المنزلة؟
لان العالم يفيد نفسه و غيره فيؤدي العبادة عن اقتناع و على أحسن وجه كما انه يفيد غيره فيما يحتاجون إليه من أنواع العلوم أما العابد عبادته تنفعه في نفسه وتنفع الناس المحيطين به فقط.
العالِم قلّما يخطئ لأنه لا يقبل شيئاً إلا بالدليل ولا يرفض شيئاً إلا بالدليل
والعابد قد يفتن ويقع فى الخطأ
إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ أسلوب مؤكد بِ (إِنَّ) ولم يقل ورثة الرسل ليشمل الكل
إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ تعبير يدل على أن العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال
( دينارا ولا درهما) أي شيئا من الدنيا وخص الديناروالدرهم لأنهما أغلب أنواعها وذلك إشارة إلى زوال الدنيا وأنهم لم يأخذوا منها إلا بقدر ضرورتهم فلم يورثوا شيئا منها
إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ : اسلوب قصر بانما يفيد التوكيد والتخصيص وتصوير للعلم بمال يورث ويدل على أن العلم هو الكنز الحقيقى، وأن أصحاب العلم هم خيرة العباد بعد الأنبياء لأن العلماء قادة الأمة نحو الطريق المستقيم وهذا هو الميراث الحقيقي
فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ أسلوب شرط يبين نتيجة الأخذ بالعلم فنصيب يكون تاما لا حظ أوفر منه والباء زائدة للتأكيد
سبحان الله و
ولا اله الا الله
وما توفيقى الا بالله