مرت ساعات الصباح الاولي وهى ممده على الأرض ، لا تشعر بشىء ولا يشعر بها أحد ،فالجميع بات فى سبات عميق ، ومرت ساعات أخري وهى مازلت على وضعها حتى بدأت تشعر أن هناك أمرُ خاطىء فى نومها .. ففتحت عيناها لتكتشف انها باتت ليلتها ممدة على الارض ، وتتسآءل مالذى حدث ؟؟ ، فهى لا تتذكر شيئا غير انها إستيقظت بالأمس من نومها .. لتشرب قليلا من الماء .. ولا تتذكر شيئا آخر بعدها وتنهض قبل أن يفيق أحدا ً من أهلها ويجدها جالسه على الأرض ، فهى لا تريد إخبار احدا ً بما حدث .. حتى لا يصيبهم القلق عليها والأمر بسيط .
وتقوم مسرعه متوجهه فى خطواتها المتثاقله إلي غرفتها وترمي بجسدها المنهك على فراشها، وتغمض عيناها لتعطى جسدها قسطا آخر من الراحه ولكن هذه المره على فراشها الدافىء .
ويعلن الصبااح عن إشراق يوم جديد ، ويستيقظ الجميع ، وتستيقظ نهي أيضا كعادتها كل صبااح بتلك الابتسامه التي تروي قلوب من حولها .. وكأن شيئا لم يكن ، الا هذا الألم الطفيف الذي أصاب مؤخرة رأسها والذي ربما نتج عن ارتطام رأسها بالارض عندما فقدت وعيها .
وبعد ان وزعت سلامها وقبلاتها على الجميع وتناولت طعام الإفطار الذي لم يخلو من مداعباتها وضحكاتها .. قامت مسرعة لتستعد ليوم آخر فى العمل.
وعلى الوقت تماما تصل لعملها كما تعود منها الجميع ، حيث يشيد الجميع وبإلتزامها ودقتها فى العمل. وحيث تحظي بحب الجميع لها حتى التلاميذ ، وبرغم عصبيتها احيانا الا أنهم يشعرون بطيبة قلبها وطفولتها التي تظهر معهم فى بعض الأحيان
وتمارس نهي عملها بشكل طبيعى وتتنقل بين الفصول كفراشه تسقى برحيقها كل الزهور
ولكن ، فى منتصف اليوم الدراسي ، تشعر انها فقدت توازنها وتكاد تفقد وعيها للمره الثانيه فى نفس اليوم ، وتحضر لها بعض الزميلات قليل من ماء مُحلي بقليل من السكر علـّها تكون مصابه بإنخفاض فى الضغط
فتتناولها وتخبر الجميع انها أصبحت بخير ، وتقوم مجددا لمواصلة عملها ، ولكن ينصحها الجميع بالعوده للمنزل واخذ قسط من الراحه .ولكنها ترفض وتخبرهم انها بالفعل اصبحت بخير ، وانها لا تريد أن تسبب قلق لأهلها عندما يجدوها عادت مبكرا فهي تعلم كم يحبونها فهى الابنه المدللله من الجميع ، فهي آخر العنقود كما يقول عنها الجميع وتقوم لمواصلة عملها برغم علامات الاجهاد الواضحه عليها ،
وتمر الأيام ولا تخبر أحد بما حدث وتتكرر الواقعه مرات ومرات وهي مازلت لم تخبر بها أحد ، برغم تساؤل الجميع عن علامات الإجهاد الواضحه عليها
ولكنها تنكر وتقول انه من الجلوس الكثير امام تلك الشاشة العنكبوتية وقلة النوم
وتقرر نهي ان تستشير طبيبا دون أن تخبر احدا ، وبالفعل تتصل لحجز موعد عند طبيبة اشتهرت بتخصصها فى هذا المجال ، وحددت لها الممرضه موعدا بعد الظهر
فوجدت نهي انه موعد مناسبا تماما لها ، وهكذا تعود للمنزل فى موعد عودتها من العمل
وتأخذ أذن من العمل لتنصرف مبكرا .
وانصرفت نهي قبل موعدها مع الطبيبة بساعة حتى تكون هناك فى الموعد المحدد
وبالفعل وصلت قبل موعدها بوقت كاف ، وانتظرت حتى أشارت لها الممرضه أنها أصبح عليها الآن لقاء الطبيبة .
وتنهض نهي وهى تتمتم ببعض آيات القرآن الكريم ، ثم تدخل وتلقى السلااام
نهي : السلااام عليكم
الطبيبة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، اتفضلى
وتشير بيدها لنهي للجلوس ، وتجلس فى الكرسي المواجه لها
وقد وضعت أمامها الاستمارة الخاصة ببيانات نهي
الطبيبة : ها خير يا نهي ؟؟
وتقص نهى علي طبيبتها ما كان من أمرها ، وما تشعر به من حين لآخر
وبعد الكشف المبدئي
فتطمئنها الطبيبه وتخبرها انه لابد اولا من اجراء بعض التحاليل اللازمه حتى تتبين من سبب ما تشعر به.
نهي : طيب حضرتك عاوزة التحاليل دى إمتي ؟؟
الطبيبة : طبعا كل ما كان بدري كل ما كان أفضل ، يعني ياريت دلوقتي لو تقدرى
نهي : طيب معلش هستئذن حضرتك انى اعملهم بكره لانى مرتبطه بموعد واتأخرت عليه
الطبيبة : خلاااص ولا يهمك ، هنتظرك بكره ، وان شاء الله خير
نهي :
يا دكتوره ، سلااام عليكم
وتخرج نهي ، وهي حائرة فى أمرها ، فماذا ستفعل ؟؟ وهل تكمل الامر وحدها أم تخبر احد من عائلتها حتي يصاحبها فى أمرها ، فهي لم تتعود أخفاء شيئا عن اسرتها ، فكيف ستقوم بكل هذا دون علمهم ،وتعود الي منزلها وهي تسأل الله الخير ة فى أمرها
وكعادتها عند دخول منزلها ، وضعت ابتسامتها المعهوده ولكن هذه المرة لم تنقذها ابتسامتها
فشعرت والدتها ان بها امرا ما ، وسألتها
الام : مالك يا نهي ؟؟
نهي : ابداً يا ماما مفيش حاجه ، بس راجعه مرهقه من الشغل
هصلى وادخل اريح شويه
الأم : طيب مش هتتغدى ؟؟
نهي : معلش يا ماما لما اصحى ان شاء الله ،معلش بقي هحرمك انتى والحج من نوري ع الغدا وأهي فرصه برده تاخدوا راحتكم شويه من غير عوازل
وتضحك نهي وهى تداعب والدتها وتضع قبله على جبهتها ثم تنصرف متوجهه الى غرفتها
وتبيت نهي ليلتها وقد قررت أن تخوض التجربه لأخرها دون ان تزعج أحدا بأمرها
وجاء اليوم التالي .. وذهبت إلي عملها كالمعتاد ، ولكنها ذهبت لاخذ أذن بأجازه حتى تستطيع الذهاب لعمل التحاليل اللازمه واستشارة الطبيبة ، ولم تخبر احدا فى المدرسة حتى لا يتسرب الخبر الى منزلها .
وذهبت الى المعمل واجراء التحاليل المطلوبه وأخدها الي طبيبتها وجاء موعدها للدخول وها هي مجددا تتمتم ببعض الآيات القرآنيه وتدخل
نهى :
يا دكتوره
الطبيبة : وعليكم السلام ،
يا نهى ؟ عامله ايه النهارده ؟
نهي : بخير
، عملت التحاليل اللى حضرتك طلبتيها ، اتفضلي
وتلقى الطبيبة نظره سريعه على التحاليل لتجد انه ليس بها سبب مقنع لما وصفته لها نهي غير انها مصابه بنقص فى نسبه الهيمجلوبين
فتقرر الطبيبة إجراء رسم مخ لنهي حتى تتضح الرؤيه أكثر ،
وتستدعى الطبيبة الممرضه لتصطحب نهي لاجراء رسم مخ وعمل بعض الصور المقطعية لها بغرفه الاشعه
وتنظر لها نهي فى قلق : رسم مخ ؟؟
الطبيبة : متخافيش ده بس عشان نطمن اكتر
نهي مستسلمة : خير ان شاء الله
وتقوم مع الممرضه وتذهب لغرفة الاشعه وتقوم بأجراء ما طلبته طبيبتها
وتطلب منها طبيبة الاشعه انتظارها بالخارج حتى تنتهى من عمل الاشعه وكتابة التقرير
وتخرج نهي وهى تحدث حالها كيف ستخبر اهلها ان كان هناك شيئا ما بالاشعه
وكيف سيكون حال والدتها ، ووالدها اللذان لم يعودا يتحملا فراقها بعد زواج اخوتها .
وتمر الدقائق بطيئة ، ونهي مستغرقه في افكارها وكأنها تسلي نفسها حتى يمر الوقت سريعا
وبعد طول انتظار تسلمت الاشعة الخاصه بها وتوجهت بها مجددا الى طبيبتها
نهي : اتفضلى الأشعه يا دكتورة
الطبيبة تلقى نظرتها الفاحصه على اشعة نهي وتصمت لحظات قبل أن تسألها
الطبيبة : انتى مش معااكى حد يا نهي
نهي : لا محبيتش اقلق حد من عيلتى يعنى الأمر مش مستدعي
هو فى حاجه يا دكتورة
الطبيبة وهي حائرة : لا أبدا انا بس بسئل اصلى شايفاكى لوحدك
نهي تعاود سؤالها مرة اخرى
نهى : خير يا دكتوره حضرتك لقيتى الاشعه فيها ايه ؟؟
الطبيبة : شوفى يا نهى هو خير ان شاء الله بس ياريت يكون فى حد من عيلتك موجود
نهي : ليه هو فى ايه ؟؟
الطبيبة : أبدا بس ممكن نحتاج نعملك كمان شويه اشعه وهتبقى تعباانه بعدها شويه ولازم يكون معااكى حد من عيلتك
نهي وهى غير مقتنعه : صدقينى يا دكتورة لو فى حاجه بالاشعه حضرتك تقدرى تقوليلي انا انسانه مؤمنه بقضاء الله وهرضي باللى ربنا كاتبهولي ومقدرش اجيب حد من عيلتى لان والدي ووالدتي ناس كبار فى السن ومش هيستحملوا ان كان فى حاجه فأحب انا اللى ابلغهم.
الطبيبه وكأن نهي أعطتها اشارة الامان للحديث : طيب يا نهي انا مش هخبي عليكى وهقولك
بس زى مانتى قولتى انتى بنت مؤمنه بقضاء الله والمرض ده ابتلاء من ربنا بيختبر بيه عباده المؤمنين
نهي وقد تيقنت من شعورها : ونعم بالله ، اتفضلي
الطبيبة : صور الاشعه اللى قداامى بتقول ان عندك ورم فى المخ وللأسف الورم وصل لمرحله مينفعش معاها التدخل الجرااحي
كل اللى نقدر نعمله دلوقتى اننا نخفف الاعراض اللى ممكن تتعرضيلها مع الوقت
نهي وقد سلمت أمرها لله : انا لله وانا اليه راجعون
الطبيبة : مقاومتك للمرض مهمه برده يا نهي ، وكل يوم فى حاجه جديده فى الطب
نهي : كله بامر الله يا دكتورة ، جزااكى الله خير ، انا مقدرة خوف حضرتك عليه ، بس انا دلوقتى مبفكرش غير فى والدي ووالدتى وازاى ممكن أبلغهم حاجه زى دي
الطبيبه : لو تحبي اكون معااكى انا معنديش مانع
نهي : جزااكي الله كل خير ، انا ان شاء الله هحاول ابلغهم بشكل يقدروا يتقبلوه
تعبتك معايا يا دكتورة
الطبيبة : ده واجبي ، انا احب اطمن عليكى دايما ، انا مش شايفه فى الابليكيشن بتاعك الانمرة موبايل دى نمرتك أكيد
نهي : اه ان شاء الله
الطبيبة : خلااص انا هسجلها معايا وهبقى دايما اطمن عليكى ، وعموما دى مجموعه من الادويه المسكنه لو حسيتى بأى ألم تقدرى تاخديها ، ولو احتجتى اى شيء متتردديش انك تتصلي بيه.
وتستئذن نهي فى حاجتها للإنصراف
وتأذن لها الطبيبه على وعد من نهي انها ستهتم بحالها وان لا تفقد الامل فى رحمة الله
وتخرج نهي وهى تائهه وكأنها كانت بحلم ولم تفق منه بعد ، وتكاد لاتري امامها من وقع ما سمعت وتنصرف نهي ولكن كان مازال امامها متسع من الوقت حتى يحين موعد خروجها من عملها وقررت أن تقضيه فى احدى الحدائق حيث الخضرة ، والهدوء ، بعيدا عن ضجيج الكافتريات والنوادى وهنااك تستطيع ان تفكر جيدا كيف ستخبر والديها بهذا الامر
وظلت ساعاااتها ولم تحمل معالم وجهها غير الصمت ولكن ما كان يدور بداخلها كأنها حرب مشتعله لا تستطيع ايقاف نيرانها
فما هذا الخبر ؟؟ وما هذا المرض المفاجىء؟؟ ومتى اصابها فهي لم تشعر الا بالالام طفيفه!!
وكيف تستطيع تقبله ؟؟ وكيف ستخبر عائلتها ؟؟ وماذا سيكون رد فعلهم ؟؟
كثير وكثير من الافكار التى تلاعبت بمخيلتها حتى جاااء موعد عودتها للمنزل
ولم تجد حلا للامر بعد !!!