لم يتوقع من تابع مباريات كأس القارات لكرة القدم التي تقام في جوهانسبرغ أن يخرج الفريق الأميركي نظيره الإسباني، وحامل لقب البطولة الأوروبية لهذا العام، في مباراة، صنفها الكثير المعلقين الرياضيين بأنها من فئة المستوى المتوسط، من نصف النهائي، كي يتأهل لمقابلة الفريق البرازيلي في حال فوز هذا الأخير على فريق جنوب إفريقيا. اعتبر البعض هذا الانتصار الأميركي ما يشبه المعجزة، نظراً لحداثة عهد الكرة الأميركية، إذ يكفي أن نعرف أنه حتى تسعينيات القرن الماضي لم يكن في الولايات المتحدة حتى ملعب كرة قانوني واحد.
كذلك الأمر بالنسبة لأوضاع المرأة في السعودية، إن كانت على النحو الذي ورد في تقرير منظمة هيومن رايتس الأميركية، والذي نشر موقع وكالة الأنباء الموريتانية
( ) مقالة مطولة للكاتب أحمد محمود القاسم، لخصت أهم ما ورد في ذلك التقرير، فهي الأخرى بحاجة إلى معجزة تنقلها من أوضاعها غير العادلة التي تعيش تحت وطأتها، إلى مصاف أوضاع شقيقاتها في البلدان الخليجية الأخرى ممن نعمت فيها المرأة ببعض من، ولا نقول كل حقوقها.
ومن بين ما ورد في مقالة القاسم أن طالبات جامعة الملك سعود «لا تسمح لهن الإدارة، باستخدام المكتبة العامة في حرم الطلبة، إلا يوماً واحداً في الأسبوع، ولا يُسمح للنساء، بدخول مكتبة الملك فهد العامة؛ إذ يجب أن تتصل النساء مقدماً لطلب الكتب، ثم تقمن بإرسال سائقين لإحضار الكتب المطلوبة... (كما) تطلب وزارة التعليم العالي لاستحقاق المنح الدراسية الحكومية للدراسة بالخارج، من الطالبات - على خلاف الطُلاب - أن يكنّ متزوجات، وفي رفقة أزواجهن، أو في رفقتهن ولي أمر، وكشفت الصحافة السعودية عن تزايد ظاهرة (زواج المسفار) حينما تضطر الطالبات الجامعيات، الراغبات في الاستمرار في دراستهن بالخارج، للتزوج فقط، لكي يستوفين شروط المنحة الدراسية".
قد يقال إن ذلك التقرير قد يشوبه بعض المبالغات، وقد يأخذ عليه البعض الآخر عدم توخيه الدقة المطلوبة في تقصي بعض المعلومات، لكنه في نهاية المطاف، يتحدث عن انتهاكات لحقوق إنسانية لا تزال المرأة السعودية لا تنعم بها. لكن ما يعطي ذلك التقرير الكثير من الصدقية، هي أحداث أخرى مثل تلك التي تناقلتها وكالات الأنباء ومن بينها «رويترز»، نقلا عن صحيفة «شمس» السعودية برفض «أول امرأة تتولى منصب وزيرة في المملكة وهي نورة الفايز الظهور على شاشة التلفزيون دون تصريح. وأنها لن تظهر على شاشة التلفزيون ما لم يسمح للنساء بذلك".
كما أن القارئ لا يزال يذكر البيان الذي أصدرت جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في السعودية في العام 2008، بمناسبة "اليوم العالمي للمرأة" والذي وقعته مجموعة من النساء من بينهن: سميرة البيطار، وديما الهاجري، وهيفاء اسرة، وابتهال مبارك، وفوزية العيوني، ووجيهة الحويدر ( ) والذي لم يطلب من جميع قطاعات المجتمع الحكومية والأهلية أكثر من العمل من أجل "نشر ثقافة احترام المرأة وتقديرها ومعاملتها بصورة تليق بها، (متمنين) على كل مؤسسة أو شركة أو مدرسة أو مركز أو معهد أن يختاروا نساء من كوادرهم أو نساء من المجتمع ممن تميزن هذا العام بجودة خدماتهن وتفانيهن في أداء أعمالهن لكي يتم تكريمهن، وفق ما تراه كل مؤسسة في مجال عملها".
وآخر مظاهر مطالبات المرأة السعودية هو وقوف طفلة سعودية لا يتجاوز عمرها الثامنة، كي تستفسر من أمير منطقة الرياض، خالد الفيصل، الذي كان يتحدث مساء الثلثاء الماضي في "ملتقى شباب مكة"، عن "أسباب عدم وجود ملاعب رياضية في مدارس البنات، على غرار تلك الموجودة في مدارس البنين"، مناشدة سموه في الوقت ذاته، إدراج «مادة الرياضة البدنية في مدارس الفتيات". المثير للأمل في تحسين ظروف المرأة السعودية، حمله رد الأمير خالد الفيصل الذي قال «سنرى الملاعب الرياضية في مدارس البنات بجهود وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد".
الملفت للنظر في الحركة النسائية السعودية، هو أنها بدأت تحظى بتعاطف ملموس من لدن بعض الأميرات المتنورات في الأسرة، ومن أبرزهن الأميرة عادلة بنت عبدالله، والتي إلى جانب الكثير من الدعوات الإصلاحية الكثيرة التي لم تتوقف عن الإشارة لها، مثل الإسراع باعتماد الرياضة البدنية في مدارس البنات بالتعليم الأهلي والعام فهي أيضاً ابنة للعاهل السعودي، وزوجة وزير التربية الحالي الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود".
وتتضافر جهود الأميرة عادلة من أجل انصاف المرأة السعودية مع تلك المواقف التي تطلقها الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي، الداعية، على سبيل المثال، إلى ضرورة الإسراع في «تطبيق قرار إنشاء أندية نسائية بعد أن وافق عليه مجلس الشورى دون أن يرى طريقه إلى النور».
هذه الخطوات الإصلاحية القادمة من داخل الأسرة الحاكمة السعودية وخارجها، تعبر في جوهرها عن حالات تململ إيجابية تسري في جسم المجتمع السعودي، لا يمكن لمن يتابع تطور الأوضاع هناك أن يقلل من أهميتها بل وجدواها، لكن الوتيرة السريعة التي تتطور بها المجتمعات اليوم، وخاصة بفضل التطورات غير المسبوقة في تاريخ تقدم المجتمعات الإنسانية تفقد تلك التحولات، على أهميتها، الكثير من ديناميتها المطلوبة.
لسنا من القائلين إن المعجزة هي التي أوصلت المنتخب الأميركي إلى نهائيات كأس العالم. وبالمقياس نفسه، لا نعتقد بأن المعجزة هي التي يمكن أن تنقل المرأة السعودية إلى الموقع الذي تستحقه، ونطمح أن نراها قريباً واصلة إليه. فما حققه الفريق الأميركي هو محصلة عمل دؤوب من التمارين المتواصلة. كذلك الأمر بالنسبة للمرأة السعودية التي من الطبيعي أن تؤدي التراكمات التي تفرزها جهود تلك المرأ ة وإصرارها إلى أن تنتزع هذه المرأة حقوقها، مهما حاولت قوى الظلام أن تقف في طريقها أو أن تضاعف من صعوبات تلك الطريق، التي كانت بحاجة إلى الخطوة الأولى، وهو ما قامت به المرأة السعودية.
___________________________________