ورحمة الله...
لا يجتمع الإخلاص في القلب و محبة المدح و الثناء و الطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء و النار .
فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس ، و أقبل على المدح و الثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة. فإذا استقام لك ذبح الطمع و الزهد في الثناء و المدح سَهُل عليك الإخلاص.
فإن قلت : وما الذي يُسَهل علي ذبح الطمع و الزهد في الثناء و المدح ؟
قلت : أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا و بيد الله وحده خزائنه ، لا يملكها غيره ، ولا يؤتي العبد منها شيء سواه .
و أما الزهد في الثناء و المدح : فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه و يضر ذمه إلا الله وحده ، كما قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه و سلم : مدحي زَين و ذمي شَين ، فقال : ذلك الله .
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ، وفي ذم من لا يشينك ذمه ، و ارغب في مدح من كل الزَين في مدحه و كل الشين في ذمه . و لن يقدر على ذلك إلا بالصبر و اليقين ، فمتى فقدت الصبر و اليقين كنت كمن أراد السفر في البحر من غير مركب ، قال الله تعالى ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون )
و قال الله ( و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَا صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون )
أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص و أن يجعلنا من عباده المُخلِصين المُخلَصين .
و
رب العالمين .
منقول من كتاب الفوائد
لابن قيم الجَوزيَّة