قل ألفبائية ولا تقل أبجديّة
هناك بعض الأمور التي تعودنا عليها إما بحكم العادة وإمّا بحكم التعليم والتربية وإمّا لأننا هكذا وجدنا آباءنا يفعلون.
وأحيانا يتأسف البعض على أننا لا نجيد اللغة العربية ويصفها البعض الآخر بأنها لغة الأم التي يجب علينا إجادتها، وهنا بعض المفاهيم التي أعتقد أن فيها أخطاء وأنه يجب تصحيحها.
الذين يقرؤون الكتب الكبيرة وخصوصا الكتب القانونية وتفسيراتها، سيكتشفون أن تقسيم البنود والمواد يكون في كثير من الأحيان: أولا – ثانيا – ثالثا _ ...الخ
وفي أحيان أخرى: أ – ب – ج – د – هـ - و – ز – ح – ط – ي – ك – لـ - م ـ ن ـ ...الخ.
وأنا أيضا تعوّدت على هذا الترتيب الذي يذكرني دائما بأغنية ليلى مراد (أبجد هوّز حطّي كلمن شكل الأستاذ بقى منسجمن)، وعندما بحثت في أسباب استخدام هذا التقسيم بالذات لم أجد من يساعدني في ذلك ولم أعثر على كتاب واحد فيه إيضاح لهذه المسألة. وشاءت الظروف أن أعمل مع أستاذ ألماني للغة العربية وعندما فتحت معه هذا الموضوع، ضحك وأعطاني على الفور كتابا فتحته فوجدته بلغة لا أعرفها، فقال لي دقق شوية! سألته هل هذه لغة عبريّة؟ قال نعم. قلت أنني لا أعرف اللغة العبرية! ضحك وقال لي: أتحاربون إسرائيل كل هذه السنين ولا تعرفون لغتهم؟ .... واستمرّ النقاش وبعد فترة قال لي: إن الحروف التي تتحدّث عنها هي حروف اللغة العبريّة مرتبّة طبقا للترتيب العبري؟ سألته: أتعني أنّ أبجد هوّز حطّي كلمن هو الترتيب العبري؟ قال نعم، وإذا كنت غير متأكّد فعليك أن تسجّل نفسك لدراسة اللغة العبرية. قلت له
أنا أصدّقك.
من وقتها قمت بالبحث في كلّ مكان إلى أن تأكّدت من صحّة الموضوع وأن هذا الترتيب المستخدم هو الترتيب العبري وليس العربي.
وبالبحث علمت أنّ اليهود الذين كانوا في مصر هم أوّل من قاموا بالعمل ككتاب في الدوائر الحكومية والرسمية وذلك منذ أيام الفراعنة حي ازدهرت وظيفة الكاتب منذ زمن سيدنا يوسف الذي استخدم الكتّاب بكثرة في أمانة المخازن من لحظة توليه مسؤولية خزائن مصر وقيامه بتسجيل القمح الداخل والخارج من والى المخازن حرصا على الدقّة والتأكد من عدم ضياع أيّ كميات في الطريق أو صرف المستحقات لنفس الشخص مرّتين (باستثناء قصته مع أخوه بنيامين).
وعلى الرغم من دخول اللغة العربية لمصر بعد ذلك والتي يختلف ترتيبها عن اللغة العبرية (أ ـ ب ـ ت ـ ث ـ ج ـ ح ـ خ ـ ..الخ) فقد ظل استخدام الترتيب العبري في التقسيم والتصنيف ولم يحاول أحد تغيير هذا الوضع إلى الآن.
بل إن الشيئ المضحك والمؤسف في نفس الوقت هو أنّ حروف اللغة العربية أصبحت تسمّى (الأبجديّة) بينما هذا هو اسم حروف اللغة العبرية. وتسمّى حروف اللغة العربية (ألف باء) وبالتالي فقد كان الواجب أن تسمّى (الألفبائيّة).
وأعتقد أنّه قد آن الأوان لتصحيح هذا الخطأ الكبير الذي يحدث تداخلا غريبا عندما نصف الحروف العربيّة بالأبجدية بينما الأبجدية هي الحروف العبرية.
لذلك أقول: قل ألفبائية ولا تقل أبجدية، وذلك عندما تتحدّث عن حروف اللغة العربية.