وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَـاطِلِ الحق الذي لبسوه بالباطل هو إيمانهم ببعض ما في التوراة . والباطل الذي لبسوا به الحق، هو كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له . كصفات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كتموه وجحدوه وهذا يبيّنه قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما تقدم .
، وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها، وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة، فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها النهي عما لا يليق، وذلك في قوله: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ}، وأنها تجلب الرزق وذلك في قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة .
وإيضاح ذلك: أن العبد إذا قام بين يدي ربه يناجيه ويتلو كتابه هان عليه كل ما في الدنيا رغبة فيما عند اللَّه . ورهبة منه فيتباعد عن كل ما لا يرضي اللَّه فيرزقه اللَّه ويهديه.
وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـاعَةٌ ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقًا يوم القيامة، ولكنه بيّن في مواضع أُخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السماوات والأرض .
أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع . فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، وقد قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} . وقال تعالى عنهم مقررًا له: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ} . وقال: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}، إلى غير ذلك من الآيات .
وقال في الشفاعة بدون إذنه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} . وقال: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} . وقال: {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}، إلى غير ذلك من الآيات .
وا شفعاء عند اللَّه للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جلّ وعلا، كما صرح بذلك في قوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
تنبيــه
هذا الذي قررناه من أن الشفاعة للكفار مستحيلة شرعًا مطلقًا، يستثنى منه شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في نقله من محل من النار إلى محل آخر منها، كما
وقوله: {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ}، ودقوله: {رَهْواً}، أي ساكنًا على حالة انفلاقه حتى يدخلوا فيه إلى غير ذلك من الآيات .
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لم يبيّن هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة ؟ ولكنه بيّن في سورة الأعراف أنها متفرقة، وأنه واعده أولاً ثلاثين، ثم أتمها بعشر، وذلك في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} . قوله تعالى
الظاهر في معناه: أن الفرقان هو الكتاب الذي أوتيه موسى، وأنما عطف على نفسه؛ تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات؛ لأن ذلك الكتاب الذي هو التوراة موصوف بأمرين:
أحدهما: أنه مكتوب كتبه اللَّه لنبيه موسى عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام .
والثاني: أنه فرقان أي فارق بين الحق والباطل، فعطف الفرقان على الكتاب، مع أنه هو نفسه نظرًا لتغاير الصفتين، كقول الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
بل ربما عطفت العرب الشىء على نفسه مع اختلاف اللفظ فقط، فاكتفوا بالمغايرة في اللفظ . كقول الشاعر: إني لأعظم في صدر الكميِّ على ** ما كان فيّ من التجدير والقصر
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ لم يبيّن هنا من أي شىء هذا العجل المعبود من دون اللَّه؟ ولكنه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}، وقوله: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}، ولم يذكر المفعول الثاني للاتخاذ في جميع القرءان وتقديره: باتخاذكم العجل إلاهًا؛ كما أشار له في سورة "طاه" بقوله: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}،
قوله تعالى: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} لم يبيّن هنا هذا الذي أتاهم ما هو، ولكنه بيّن في موضع آخر أنه الكتاب الفارق بين الحق والباطل، وذلك في قوله: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ لم يبيّن مقصودهم بقولهم: {ما هي} إلا أن جواب سؤالهم دل على أن مرادهم بقولهم في الموضع الأول {ما هي} أي: ما سنها؟ بدليل قوله: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} الآية . وأن مرادهم بقولهم {ما هي} في الموضع الآخر هل هي عاملة أو لا ؟ وهل فيها عيب أو لا ؟ وهل فيها وشي مخالف للونها أو لا ؟ بدليل قوله: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} .
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَارَأْتُمْ فِيهَا لم يصرح هل هذه النفس ذكر أو أنثى ؟ . وقد أشار إلى أنها ذكر بقوله: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} اختلف العلماء في المراد {بالأماني} هنا على قولين.
أحدهما: أن المراد بالأمنية القراءة، أي: لا يعلمون من الكتاب إلا قراءة ألفاظ دون إدراك معانيها . وهذا القول لا يتناسب مع قوله {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}؛ لأن الأمّي لا يقرأ .
ثُمَّ أَنتُمْ هَـاؤُلااءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ الآية، يعني: تقتلون إخوانكم، ويبيّن أن ذلك هو المراد، كثرة وروده كذلك في القرءان نحو قوله: {وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}، أي: لا يلمز أحدكم أخاه وقوله: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}، أي بإخوانهم وقوله: {فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}، أي: بأن يقتل البرىء من عبادة العجل من عبده منهم إلى غير ذلك من الآيات.
ويوضح هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، كمثل الجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى" .
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، يتبيّن ممّا قبله أن البعض الذي آمنوا به هو فداء الأسارى منهم، والبعض الذي كفروا به هو إخراجهم من ديارهم وقتلهم ومظاهرة العدو عليهم، وإن كفروا بغير هذا من الكتاب وآمنوا بغيره منه.
، وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَـاتِ لم يبيّن هنا ما هذه البينات ولكنه بيّنها في مواضع أُخر كقوله: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ}، إلى غير ذلك من الآيات .
{وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} هو جبريل على الأصح، ويدل لذلك قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}، وقوله: {إِلَيْهَا رُوحَنَا} .
shadow عضو vip
عدد المساهمات : 3980 نقاط : 3981 تاريخ التسجيل : 11/12/2014 العمر : 26
موضوع: رد: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1-3) الأربعاء 10 يوليو 2019 - 3:10