وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة وقال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما أجمع الصحابة على وضعه في المصحف.
فصل في ترتيب السور هل هو توقيفي أو اجتهادي وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضاً أوهو باجتهاد من الصحابة أيضاً خلاف فجمهور العلماء على الثاني منهم مالك والقاضي أبو بكر في أحد قوليه.
قال ابن فارس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين فهذا هو الذي تولته الصحابة.
وأما الجمع الآخر وهوجمع الآيات في السور فهو توفيقي تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه مما استدل به ولذلك اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور فمنهم من رتبها على النزول وهومصحف عليّ كان أوله اقرأ ثم المدثر ثم نون ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة ثم النساء ثم آل عمران على اختلاف شديد وكذا مصحف أبيّ وغيره.
وأخرج ابن أشتة في المصاحف من طريق إسماعيل بن عباس بن حبان بن يحيى عن أبي محمد القرشي قال: أمرهم عثمان وذهب إلى الأول جماعة: منهم القاضي في أحد قوليه.
قال أبو بكر بن الأنباري: أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جواباً لمستخبر ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الآية والسورة فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن قدم سورة أوأخرها فقد أفسد نظم القرآن وقال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هوعند الله في الكتاب المحفوظ على هذا الترتيب وعليه كان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين وكان آخر الآيات نزولاً واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين.
وقال الطيبي: أنزل القرآن أولاً جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقاً على حسب المصالح ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ.
قال الزركشي في البرهان: والخلاف بين الفريقين لفظي لأن القائل بالثاني يقول إنه رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم فآل الخلاف إلى أنه هوبتوقيف قولي أوبمجرد إسناد فعلي بحيث لهم فيه مجال للنظر وسبقه إلى ذلك أبوجعفر بن الزبير.
وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق.
ومال ابن عطية إلى أن كثيراً من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
وقال أبوجعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية ويبقى منها قليل ينمكن أن يجري فيه الخلاف كقوله اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران رواه مسلم.
كحديث سعيد بن خالد قرأ صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة رواه ابن أبي اشتة في مصنفه وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصل في ركعة.
وروى البخاري عن ابن مسعود أنه قال فيبني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي فذكرها نسقاً كما استقر ترتيبها.
وفي البخاري أنه صلى الله عيه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين.
وقال أبوجعفر النحاس: المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث واثلة أعطيت مكان التوراة السبع الطوال قال: فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه في ذلك الوقت وإنما جمع في المصحف على شيء واحد لأنه جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأليف القرآن.
وقال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي.
وقال ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توفيقياً.
قال: ومما يدل على أن ترتيبها توفيقي ما أخرجه أحمد وأبوداود عن أوس بن أبي أوس عن حذيفة الثقفي قال كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف الحديث وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: طرأ على حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: كيف تخربون القرآن قالوا: نخربه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى نختم.
قال: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هوفي المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحتمل أن الذي كان مرتباً حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه.
قلت: وما يدل على أنه توفيقي كون الحواميم رتبت ولاء وكذا الطواسين ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما ولوكان الترتيب اجتهادياً لذكرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهوأن جميع السور ترتيبها توفيقي إلا براءة والأنفال ولا ينبغي أن يستدل بقراءته صلى الله عليه وسلم سوراً ولاء على أن ترتيبها كذلك.
وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراء ليس بواجب ولعله فعل ذلك لبيان الجواز.
وأخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال: سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة وإنما أنزلتا بالمدينة فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه به ومن كان معه فيه واجتماعهم على علمهم فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه.
خاتمة السبع الطوال أولها البقرة وآخرها براءة كذا قال جماعة لكن أخرج الحاكم والنسائي وغيرهما عن ابن عباس قال: السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف.
قال الراوي: وذكر السابعة فنسيتها.
وفي رواية صحيحة عن ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد وسعيد بن جبير أنها يونس وتقدم عن ابن عباس مثله في النوع الأول.
وفي رواية عند الحاكم أنها الكهف.
والمئون: ما وليها سميت بذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية أوتقاربها.
والمثاني: ما ولى المئتين لأنها ثنتها: أي كانت بعدها فهي لها ثوان والمئون لها أوائل.
وقال الفراء: هي السورة التي آيها أقل من مائة آية لأنها تثنى أكثر مما يثنى الطوال والمئون.
وقيل لتثنية الأمثال منها بالعبر والخبر حكاه النكزاوي.
وقال في جمال القراء: هي السور التي تثنيت فيها القصص وقد تطلق على القرآن كله وعلى الفاتحة كما تقدم.
والمفصل: ما ولى المثاني من قصار السور سمي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة
وقيل لقلة المنسوخ منه ولهذا يسمى بالمحكم أيضاً كما روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم وآخره سورة الناس بلا نزاع.
واختلف في أوله على اثني عشر قولاً: أحدها: ق لحديث أوس السابق قريباً.
الثاني: الحجرات وصححه النروي.
الثالث: القتال عزاه الماوردي للاكثرين.
الرابع: الجاثية.
حكاه القاضي عياض.
الخامس: الصافات.
السادس: الصف.
السابع: تبارك حكى الثلاثة ابن أبي الصيف اليمنى في نكته عن التنبيه.
الثامن: الفتح حكاه الكمال الذماري في شرح التبيه.
التاسع: الرحمن حكاه ابن السيد في أماليه على الموطأ.
العاشر: الإنسان.
الحادي عشر: سبح: حكاه ابن الفركاح في تعليقه على المرزوقي.
الثاني عشر: الضحى حكاه الخطابي.
ووجهه بأن القارئ يفصل بين السور بالتكبير.
وعبارة الراغب في مفرداته: المفصل من القرآن السبع الأخير.
فائدة للمفصل طوال وأوساط وقصار قال ابن معن: فطواله إلى عم وأوساطه منها إلى الضحى ومنها إلى آخر القرآن قصاره هذا أقرب ما قيل فيه.
تنبيه أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر عنده المفصل فقال: وآي القرآن ليس بمفصل ولكن قولوا قصار السور وصغار السور.
وقد استدل بهذا على جواز أن يقال سورة قصيرة وصغيرة وقد كره ذلك جماعة منهم أبو العالية ورخص فيه آخرون ذكره ابن أبي داود.
وأخرج عن ابن سيرين وأبي العالية قالا: لا تقل سورة خفيفة فإنه تعالى يقول {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} ولكن سورة يسيرة.
فائدة قال ابن أشتة في كتاب المصاحف: أنبأنا محمد بن يعقوب حدثنا أبوداود حدثنا أبوجعفر الكوفي قال: هذا تأليف مصحف أبيّ: الحمد ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم الأعراف ثم المائدة ثم يونس ثم الأنفال ثم براءة ثم هود ثم مريم ثم الشعراء ثم الحج ثم يوسف ثم الكهف ثم النحل ثم أحزاب ثم بني إسرائيل ثم الزمر أولها حم ثم طه ثم الأنبياء ثم النور ثم المؤمنون ثم سبأ ثم العنكبوت ثم المؤمن ثم الرعد ثم القصص ثم النمل ثم الصافات ثم ص ثم يس ثم الحجر ثم حمعسق ثم الروم ثم الحديد ثم الفتح ثم القتال ثم الظهار ثم تبارك الملك ثم السجدة ثم إنا أرسلنا نوحاً ثم الأحقاف ثم ق ثم الرحمن ثم الواقعة ثم الجن ثم النجم ثم سأل سائل ثم المزمل ثم المدثر ثم اقتربت ثم حم الدخان ثن لقمان ثم الجاثية ثم الطور ثم الذاريات ثم ن ثم الحاقة ثم الحشر ثم الممتحنة ثم المرسلات ثم عم يتساءلون ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم إذا الشمس كورت ثم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ثم النازعات ثم التغابن ثم عبس ثم المطففين ثم إذا السماء انشقت ثم والتين والزيتون ثم اقرأ باسم ربك ثم الحجرات ثم المنافقون ثم الجمعة ثم لم تحرم ثم الفجر ثم لا أقسم بهذا البلد ثم والليل ثم إذا السماء انفطرت ثم والشمس وضحاها ثم والسماء والطارق ثم سبح اسم ربك ثم الغاشية ثم الصف ثم التغابن ثم سورة أهل الكتاب وهي لم يكن ثم الضحى ثم ألم نشرح ثم القارعة ثم التكاثر ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحقد ثم ويل لكل همزة إذا زلزلت ثم العاديات ثم الفيل ثم لئيلاف قريش ثم أرأيت ثم إنا أعطيناك ثم القدر ثم الكارون ثم إذا جاء نصر الله ثم تبت ثم الصمد ثم الفلق ثم الناس.
قال ابن أشتة أيضاً: وأخبرنا أبو الحسن بن نافع أن أبا جعفر محمد بن عبد الحميد قال: تأليف مصحف عبد الله بن مسعود.
الطوال: البقرة والنساء وآل عمران والأعراف والأنعام والمائدة ويونس.
والمئين: براءة والنحل وهود ويوسف والكهف وبني إسرائيل والأنبياء وطه والمؤمنون والشعراء والصافات.
والمثاني: الأحزاب والحج والقصص وطس النمل والنور والأنفال ومريم والعنكبوت والروم ويس والفرقان والحجر والرعد وسبأ والمالئة وإبراهيم وص والذين كفروا ولقمان والزمر والحواميم: حم والزخرف والسجدة وحمعسق والأحقاف والجاثية والدخان والممتحنات إنا فتحنا لك والحشر وتنزيل السجدة والطلاق ون والقلم والحجرات وتبارك والتغابن وإذا جاءك المنافقون والجمعة والصف وقل أوحى وإنا أرسلنا والمجادلة والممتحنة ويا أيها النبي لم تحرم
والمفصل: الرحمن والنجم والطور والذاريات واقتربت الساعة والواقعة والنازعات وسأل سائل والمدثر والمزمل والمطففين وعبس وهل أني والمرسلات والقيامة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت والغاشية وسبح والليل والفجر والبروج وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك والبلد والضحى والطارق والعاديات وأرأيت والقارعة ولم يكن والشمس وضحاها والتين وويل لكل همزة وألم تر كيف ولئيلاف قريش وأهاكم وإنا أنزلناه وإذا زلزلت والعصر وإذا جاء نصر الله والكوثر وقل يا أيها الكافرون وتبت وقل هو الله أحد وألم نشرح وليس فيه الحمد ولا المعوذتان.