عدد المساهمات : 487 نقاط : 1524 تاريخ التسجيل : 14/12/2009
موضوع: تاريخ المسلمين ....كيف يكتبه خصومهم؟ الثلاثاء 29 ديسمبر 2009 - 9:48
تاريخ المسلمين .. كيف يكتبه خصومهم؟(3)
بقلم - أ. د. عبد العظيم الديب / 28-12-2009
هم؟ في الكلمة السابقة بينا أن أحداً لم ينج من آثار هذا التخريب والتدمير الثقافي، ولا حتى علماء الإسلام ودُعاته، وقلنا: إننا سنجمع شيئاً مما سجلناه من واقع كتبهم، حتى يكون دليلاً على خطورة أثر هذا الذي كان، كما قلنا: إن منهجنا عدم التصريح باسم أيٍّ من هؤلاء، ووضحنا سرّ هذا المنهج، واليوم نبدأ بعرض ما يتيسر من هذه النصوص. أ ـ أستاذ جليل، وعالم من علماء الإسلام، شُغله العقيدة، والفلسفة والفكر، يقول في مقدمة كتابه:"... ولم يكن الإسلام ديناً مغلقاً، بل سرعان ما انفتح العالم الإسلامي لكل داخل فيه، (وسنرى بعدُ أحدَ خلفاء الأمويين ـ وفي الأمويين روحٌ جاهلية عمياء ـ يضيق صدره حين يسمع أن العدد الأكبر من المحدّثين والفقهاء والمعاصرين له هم من الموالي، أي من أصول فارسية)، وقد كانت الحرية الفكرية ميزة الحكم الإسلامي في البلاد المفتوحة، وقد دعت هذه الحرية الكثير من أبناء الأمم المغلوبة إلى عرض آرائهم ومعتقداتهم، بل إلى مناقشة المسلمين في عقائدهم...الخ" أ.هـ بنصه
فأنظر هذه العبارة (وفي الأمويين روح جاهلية عمياء) وتأمّل، تلاحظ ما يأتي:
1.أن العبارة جاءت بهذا الحكم القاسي القاطع بأسلوب التعميم (الأمويين) والتعميم ليس أسلوباً علمياً، كما يعرف ـ لا شك ـ أستاذ المناهج.
2.أن الكتاب في تاريخ الفكر، وليس في التاريخ السياسي.
3.أن العبارة عن بني أمية كلها مقحمة في السياق، ولا تُضيف معنى يختل الكلام بدونه، أو يقصر عن أداء الغرض منه، فلو حذفتَ العبارة كلها، وقلت:" لم يكن الإسلام ديناً مغلقاً، بل سرعان ما انفتح العالم الإسلامي لكل داخلٍ فيه، وقد كانت الحرية الفكرية ميزة الحكم الإسلامي....الخ".
انظر، وتأمل الكلامَ بدون هذه العبارة المحذوفة، تجدْه ـ لا شك ـ أكثر استقامة واتساقاً، ووضوحاً.
4.إن بناء العبارة المحذوفة بهذه الصورة من تقديم وتأخير، وألفاظ قاسية مثل: (روح جاهلية + عمياء + يضيق صدره)، كل هذا ـ كما يقرر علماء البلاغة ـ يشهد بقوة العاطفة الكامنة وراء هذه الألفاظ، فعاطفة البغض لبني أمية التي نشأ عليها العالم الجليل، هي التي جعلته يقذف بهذه (العبارة) بهذه الحدة، وبهذا العنف، من غير أن يكون لها مجال أو مناسبة.
5.أن خطورة مثل هذه الأحكام القاسية التي تصدر على هيئة مسلّمات وبدهيات، في كتابٍ مثل هذا ـ أخطرُ من العبارات المطوّلة والكلام المفصل في شأن الدولة الأموية أو الأمويين، فحيث يكون الكلام مطوّلاً متصلاً تتاح الفرصة للنظر في الأسباب التي أدت إلى الحكم المستخلص منه، أما إلقاء هذه الأحكام القاسية هكذا على هيئة مسلّمات، فذلك أبعد أثراً، وأقرب إلى القبول والاستقرار في ذهن المتلقي، وهذا هو ما يعبر عنه علماء التربية بالخبرة المصاحبة، أو التعليم المصاحب.
6.ومن أعجب العجب أن العبارة التي حكاها عن أحد الخلفاء الأمويين، وبنى عليها هذا الحكم البشع ليس لها سند، ولا أصل لها بهذه الصورة.
7.ثم على فرض صحتها، فهل تُثبت أن في الأمويين (روحاً جاهلية عمياء)؟؟
8.والذي لا ينقضي منه العجب أن الكتاب الذي يقدم له عالمنا الجليل هو عن المنهج العلمي، أو مناهج التفكير، فهل من المنهج بناء هذا الحكم على مقدماتٍ باطلة؟
فما سرّ كل هذه الثورة؟ أو سرّ هذه البغضاء لبني أمية التي جعلته ينسى أوّليات المنهج؟ أليست سطور التاريخ وراء كل ذلك!!
ب ـ وعالمنا الجليل هذه المرة ممن يشتغلون بالدعوة أيضاً، ويشارك في الصحف والمجلات بجهدٍ بارز في تجلية مكارم الشريعة، وتوجيه الشباب.
ثم هو أيضاً من (المحققين) الذين يعملون بتحقيق كتب التراث، ومعنى ذلك أنه ممن يعرفون لتاريخ هذه الأمة حقه، ويرعَوْن قدره.
نجد شيخنا هذا يحقق كتاباً تراثياً يحوي تراجم لبعض الصحابة رضوان الله عليهم، من بينهم الصحابي الجليل أبو ذر، وفي الحديث عن وفاة أبي ذرّ يأتي ذكر (الرَّبذة) فيقوم المحقق الجليل بالتعريف بها في الهامش على هذا النحو: (الرّبذة) بُليدة قرب المدينة، وفيها مات أبي ذرّ، ودفن بعد أن نفي من المدينة" أ.هـ بنصه.
لعلّك تسرع بالتساؤل: وماذا في ذلك؟ وما الذي تأخذه على هذا العالم المحقق؟
والجواب: أن ترجمة أبي ذرّ في صلب الكتاب الذي يحققه، تؤكد أن أبا ذرّ لم يُنف، بل خرج إلى الرّبذة مختاراً، ويستدلّ مؤلف الكتاب على ذلك بدليل قاطع، بحديثٍ رواه البخاري عن أبي ذرّ ينكر فيه أن يكون عثمان قد أخرجه!!
يقرأ المحقق ذلك، ولكنه لا يقع منه موقعاً، بل يذهل عنه كل الذهول، ويغطي على ما قرأه بعينيه مخزونُ ذاكرته، ومكنون عاطفته، فلا يرى ما قرأه بعينيه، نعم لم ير ما قرأ، وإلا فقد كان عليه أن يناقشه ويعلق عليه إذا لم يقتنع به دليلاً، أو لا يخط بيده أنه نفي إذا اقتنع بما قرأ دليلاً.
ولكنه لما قرأ ولم ير كان ما كان، فكتب في هامش الكتاب ما يناقض ما في صُلبه.. وهل يكون ذلك إلا لأنه قرأ ولم ير!!
وسرّ ذلك أنه نعلّم، وقرأ، وسمع مئات المرات أن عثمان نفى أبا ذرّ الصحابيّ الزاهد، والإنسان النبيل يتعاطف دائماً مع المظلوم، ويكره الظلم والظلمة، فاستقرّ في عقل الشيخ الجليل، منذ الصغر، أن أبا ذرّ مات غريباً منفياً مظلوماً، وعن هذا اشتعلت العاطفة تجاه طرفي القضية كلٌّ بما يستحق، فإذا قرأ ـ بعد أن شب على ذلك وشاب عليه ـ أن عثمان بريء، وأن أبا ذرّ لم ينف كيف يستوعب ذلك؟
هذا ما أراه تفسيراً لذلك (إنه قرأ ولم ير)، أما أن يقول قائل: إنه لم يقرأ النص الذي يحققه، فهذا اتهام خطير لا أملك أن أوجهه إليه، بل أُجل الشيخ المحقق عنه. وأجزم أن الشيخ يقبل أن يقال فيه (قرأ ولم ير ما قرأ) أي لم يقع في إدراكه، بل أعمته عاطفته (حبك الشيء يُعمي ويُصم)، يقبل الشيخ المحقق أن يقال فيه هذا ولا شك، ولا يقبل أن يقال: إنه لم يقرأ، وزعم أنه حقق. حاشاه.