لن أتحدث عن الأخلاق العالية والصفات الرائعة التي كان يحملها خاتم النبيين، لأن هؤلاء لا يتمتعون بهذه الأخلاق ولا يعترفون بها، ولكن سنوجّه لهم خطاباً علمياً ومادياً لحقائق جاء بها هذا النبي الكريم، وهي موجودة في القرآن وتتلى منذ أربعة عشر قرناً ولا تزال.
وأقول لهؤلاء الذين يفتخرون بالعلم والعدل، فهم دول متطورة تقنياً، وهم دول ديمقراطية تؤمن بالعدل والحقوق، نقول: إن القرآن الذي تستهزئون به هو أول كتاب يدعو للعلم والعدل، وهما المقياسان لنجاح واستمرار أي حضارة.
إن أول كلمة نزلت على هذا النبي الكريم هي (اقرأ)[2]، وهذا دليل على أن الإسلام دين العلم. وإن آخر كلمة نزلت من القرآن هي (لا يُظلمون)[3] وهذا دليل على أن الإسلام دين العدل. إذن ما تفاخرون به اليوم قد سبقكم إليه نبينا صلى الله عليه وسلم قبل قرون طويلة.
إنكم تقولون بأنكم أول من دعا إلى البحث في تاريخ الكون والمخلوقات وتفتخرون بذلك، ولكن نرجو منكم أن تقرأوا قول الله تعالى في القرآن الكريم عن دعوة صريحة ومباشرة للنظر في بداية الخلق: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[ العنكبوت: 20]. وهذا دليل على اهتمام القرآن بالنظر والتأمل والبحث والدراسة.
إن نبيّنا عليه الصلاة والسلام قد وضع أساساً علمياً لعلم الفلك والظواهر الكونية عندما ظن الناس بأن الشمس قد انخسفت لموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته)[رواه البخاري ومسلم]. وقد صدر هذا الكلام من نبيّ الرحمة عليه صلوات الله وسلامه في الزمن الذي كنتم تعتقدون فيه بأن الكسوف هو إشارة لولادة رجل عظيم أو موته أو سقوط حاكم أو خسارة معركة [4].
في زمن كانت أوربا تعجّ بالكهّان والمنجمين والمشعوذين، والذين كانوا موضع تصديق من معظم الناس آنذاك، في ذلك الزمن أنكر وحرّم نبينا عليه الصلاة والسلام هذه الأعمال فقال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) [رواه أحمد]. في الزمن الذي كنتم تظنون بأن الأرض ثابتة لا تتحرك، وضع القرآن حقيقة علمية يؤكد فيها أن كل شيء في الكون يسير بمدار محدد، وهذه الحقيقة لم تكتشفوها إلا مؤخراً. يقول تعالى عن الأرض والشمس والقمر: (وكل في فلك يسبحون) [يس: 40].
في زمن كانت أوربا تعتقد بوجود إله للريح وإله للمطر وإله للبرق [5] وضع القرآن أساساً علمياً لكل هذه الظواهر التي لم تكتشفوها إلا قبل سنوات معدودة. فإذا أردتم أن تقرأوا حقائق عن الرياح فاقرأوا قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22]. ألم تكتشفوا بأجهزتكم وآلاتكم حديثاً دور الرياح في تلقيح الغيوم ونزول المطر؟
وإذا أردتم أن تعرفوا الآلية الهندسية لحدوث البرق والتي ظلت مجهولة بالنسبة لكم حتى قبل سنوات قليلة، فاقرأوا حديث نبينا عليه الصلاة والسلام: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]. ألم تلتقط كاميراتكم الرقمية صوراً للبرق وشاهدتم شعاع البرق كيف يمرّ ويرجع، تماماً كما جاء في الحديث الشريف؟ [7].
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول رجل في التاريخ دعا إلى البحث الطبي من خلال أحاديث كثيرة أرسى من خلالها أهم الأسس للطب الحديث. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاءً) [رواه البخاري]. هذا الحديث العظيم يؤكد وجود الشفاء لمختلف أنواع المرض، وهذا يعني أن الإنسان إذا بحث عن العلاج سيجده. أليس علماؤكم اليوم يطبقون هذا الحديث في أبحاثهم عن علاج لأمراض كثيرة كان يُظن في الماضي أنه لا علاج لها؟؟
إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلّم هو أول من تحدث عن النسيج الكوني cosmic web في قوله تعالىوالسماء ذات الحُبُك) [الذاريات: 7]. والحُبُك جاءت من النسيج المحبوك بإتقان، ألم تروا من خلال حواسبكم الفائقة صورة هذا النسيج المحبوك للكون؟[7].
تفتخرون اليوم بأنكم أنتم من اكتشف بداية نشوء الكون وتؤكدون أن هذا الكون كان كتلة واحدة ثم تباعدت أجزاؤها بانفجار عظيم. ونسيتم بأن هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام قد سبقكم للحديث عن هذه الحقيقة الكونية منذ أربعة عشر قرناً، عندما لم يكن على وجه الأرض رجل واحد يتخيل شيئاً عن الانفجار الكبير. يقول تعالى: (أولم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) [الأنبياء: 30].
ولو شئنا لعددنا لكم مئات بل آلاف الحقائق العلمية المكتشفة حديثاً، وجميعها موجود في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام. فهل لكم أن تقرأوا شيئاً منها قبل أن تتصوروا من هو هذا النبي الذي وصفه الله بأنه رحمة للعالمين؟
لذلك نرجو من كل من لديه صَمَمٌ في أذنيه ألا ينتقد الأصوات الجميلة! ونرجو من كل من لديه عمىً في بصره ألا يهاجم الصور الرائعة! وكذلك نرجو من كل من لديه زَكَم في أنفه ألا يعترض على الرائحة العطرة!!!
فصورة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ستبقى مشرقة بهية ورائعة مهما حاول المشككون تشويهها، وسيبقى كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أجمل وأعذب كلام مهما حاول الملحدون أن يفعلوا، وكذلك سيبقى نور القرآن ونور الله مضيئاً برّاقاً مهما حاول المبطِلون إطفاءه بأفواههم. يقول تعالى:﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 32-33].
اللهم أنت أقوى من هؤلاء جميعاً، وأنت القادر على الردّ عليهم وعلى إيقافهم ومحاسبتهم هم ومن يقف وراءهم، فأنت القائل في كتابك العظيمإِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب: 57].ونقول كما قال الله تعالى: