دلائل نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم
أيها الأخوة المسلمون .. لازلنا في رحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوة رسل الله، وأكرم خلق الله وخاتم أنبياء الله الذي بعثه الله بالرسالة العامة الخالدة، ختم به النبيين وختم بكتبه الكتب وبشريعته الشرائع .. فلا شريعة بعد الإسلام ولا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، نتحدث اليوم عن دلائل نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم وقد أُلِّفت فيها الكتب الكثيرة، ما هي الدلائل والبراهين على أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله حقاً، جاء بالوحي وجاء بالكتاب الخالد وأنه لا يتكلم من هواه ولا من عند نفسه (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) هناك من الناس من إذا دعوتهم إلى اتباع هذا النبي الكريم والإيمان برسالته والانضمام إلى أمته طالبك بالدليل والبرهان على صحة النبوة وصدق الرسالة التي ادَّعاها محمد صلى الله عليه وسلم، ومن حق الناس أن يطالبوا كل مُدَّعٍ للنبوة بالدليل على نبوَّته، وإلا لادَّعى كل إنسان ما شاء، وقد وجد في التاريخ أناس ادَّعوا النبوة حتى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر صحابته وامتدت وراءهم قبائل من العرب تبعوهم وهم يعلمون أنهم أنبياء كاذبون، ولكن العصبية دفعتهم إلى اتباعهم وقال قائلهم: كذَّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضَر، هناك أدعياء للنبوة فكيف نعرف الصادق من الكاذب وكيف نعرف صدق محمد صلى الله عليه وسلم؟
القرآن الكريم أول الدلائل والبيِّنات
إن محمداً عليه الصلاة والسلام عنده من البيِّنات والبراهين القاطعات ما يدل دلالة يقينية قطعية على صدق نبوته .. أولى هذه الدلائل والبينات هي القرآن الكريم يقول الله تعالى (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون). والحديث عن القرآن وعن هذه الآية الكبرى والمعجزة العظمى يحتاج إلى خطبة أو خطب، حسبنا أن القرآن تحدى العرب وهم أفصح الناس لساناً وأوضحهم بياناً وهم فرسان البلاغة وفيهم الشعراء والخطباء والحكماء فعجزوا أن يأتوا بحديث مثله أو بعشر سور مثله مفتريات أو بسورة مثله وحقَّت عليهم كلمة (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)، ولا نزال إلى اليوم تكتشف في هذا القرآن آيات ومعجزات علمية لم يكن الناس يعرفونها أيام البعثة وأيام العهد النبوي ولا بعده بقرون، الحديث عن القرآن يطول ولكنه هو الآية الأولى والبيِّنة الأولى على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ألَّف العلامة السيد رشيد رضا كتاباً اسمه "الوحي المحمدي" يجدِّد فيه التحدي بالقرآن للعالم أجمع ليس التحدي بالفصاحة والبيان ولكن بالمضمون الإصلاحي والتشريعي والتربوي الذي جاء به القرآن، هذا هو الدليل الأول أو البرهان الأول على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
المعجزات الحسية والآيات الكونية
والدليل الثاني هو المعجزات الحسية والآيات الكونية التي ظهرت على يد محمد صلى الله عليه وسلم، صحيح أن القرآن لم يجعل هذه استجابة للمشركين الذين طلبوا آيات من عند الله واكتفى بالقرآن، ولكن مع هذا ظهرت آيات على يد محمد صلى الله عليه وسلم لم يظهر مثلها على يد نبي قط، آيات كونية:
- منها الإسراء والمعراج، الإسراء الذي ذكره القرآن بصراحة والمعراج الذي أشار إليه في سورة النجم، (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا).
- منها نزول الملائكة لتكثير سواد المسلمين وتقوية قلوبهم في أكثر من غزوة في بدر وحنين والخندق (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً).
- منها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً لا يجد من الطعام إلا القليل ومعه جيش كثير فيضيع هذه اللقيمات القليلة ويقول لأصحابه بالجيش كلوا فيكثِّر الله سبحانه وتعالى هذا الطعام القليل حتى يكفي جيشاً بأكمله.
- ومنها أنهم أحياناً لا يجدون الماء ومعه ماء قليل فيضع عليه الصلاة والسلام يده في هذا الماء ويقول اشربوا واملئوا، فينبع الماء من بين أصابعه كأن هناك نبعاً فواراً.
هذه الأشياء رواها الجمُّ الغفير من الصحابة رأوها بأعينهم ولمسوها بأيديهم ورووها للناس بعدهم ومنها حنين الجذع إليه منها ومنها آيات يصعب حصرها وإحصاؤها، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" وذكر من هذه الآيات الكثيرة الكثير مما جاء في الصحاح فهذه من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
استجابة الله تعالى لدعائه عليه الصلاة والسلام
ومن ذلك استجابة الله تعالى لدعائه عليه الصلاة والسلام في مواقف يصعب أن تُعَد أو تحصى..
- دعا على الذين آذوه من قريش ووضعوا سلا الجزور وهو ساجد دعا على فلان وفلان وفلان فكانوا جميعاً صرعى يوم بدر قتلوا يوم بدر.
- دعا على قريش أن يشُدَّ الله عليهم الوطأة فأصيبوا بالمجاعة.
- دعا لخادمه أنس أن يُكثر الله ماله ويُكثر ذريته ويطيل عمره ويغفر ذنبه وقد طلبت أمه أم سليم منه ذلك، فرأى هذه الدعوات في حياته كثر الله نسله رأى أكثر من مئة من ذريته، وأطال الله عمره فكان من أطول الصحابة عمراً عاش ما يقارب المئة سنة وكان له بستان يثمر في العام مرتين قالوا: وأنا أنتظر الرابعة المغفرة، هذه ينتظرها في الآخرة.
- دعا لابن عباس أن يفقهه الله في الدين ويعلِّمه التأويل فكان حبر الأمة وترجمان القرآن.
- دعا في أحيان كثيرة والناس قد قُحِطوا وأصابهم المحن فنـزل الماء من السماء مدراراً ولم يكن هناك آثار من قبل.
الدعوات التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم واستجاب الله لها كثيرة خصوصاً في الغزوات، غزوة بدر "اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تُعبد في الأرض بعد اليوم"، "اللهم نصرك الذي وعدت" وجاء النصر سريعاً و
، هذه من آيات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
النبوءات الغيبية التي ذكرها وتحققت
ومن آيات نبوته كذلك ما أنبأ به من الغيوب وتحقَّق، بعضها تحقَّق في حياته وبعضها تحقَّق في حياة أصحابه، وبعضها تحقَّق في القرون الماضية وبعضها لايزال يتحقَّق إلى اليوم في غزوة خيبر قال لهم "لأُعطِيَّن الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله وسيفتح الله على يديه" وكان هو علياً رضي الله عنه ففتح الله على يديه، فُتِحت خيبر "الله أكبر خربت خيبر"، "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" وساء صباحهم وهُزِموا، وفتح المسلمون خيبر على قوة حصونها ومناعتها، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن اليمن ستُفتح وفُتحت، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام سراقة بن مالك أنه سيلبس سواري كسرى وقيصر وقد حدث هذا في عهد عمر بن الخطاب، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن وقد فتحت اليمن في عهده، أخبر بفتح مصر وأوصى بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحمة وقد فُتحت مصر، قال "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والله .. والذي نفسي بيده لتُنفَقنَّ كنوزهما في سبيل الله"، وهلك كسرى ولم يعد بعد ذلك كسرى، وهلك قيصر وخرج من أرض العرب ولم يعد، هكذا عليه الصلاة والسلام نبأ بأشياء ووقعت، قال للحسن سبطه عليه السلام: إن ابني هذا سيِّد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وقد كان وحُقِنت الدماء وتنازل عن إمارة المؤمنين وسلَّم الأمر لمعاوية وسمي ذلك العام "عام الجماعة" وقال لعمَّار بن ياسر "ويح عمَّار لقد مُلء إيمانا من قرنه إلى قدمه ويح عمَّار تقتله الفئة الباغية" وقد قُتل والعجيب أنه لم يقُل تقتله الفئة الكافرة وكان القتل في ذلك اليوم من الكفار إلى المسلمين، أما أن يقول "تقتله الفئة الباغية" معناه أنه سيحدث فُرقة بين المسلمين ويبغي بعضهم على بعض ويُقتل عمَّار بن ياسر على يد الفئة الباغية، وحدث هذا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بظهور الخوارج "سيخرج من جلد هذا قوم كذا وكذا يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وقيامه إلى قيامهم ..الخ" وحدث ظهور الخوارج في عهد علي رضي الله عنه، وهكذا رأينا أشياء كثيرة تتحقق في عهود الصحابة رضوان الله عليهم وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن أشياء بعد ذلك حدثت في العصور الماضية مثل فتح القسطنطينية "لتُفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" فُتحت القسطنطينية، أشياء كثيرة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وتحققت، وأشياء لا تزال تتحقق في عصرنا مثل إخباره عليه الصلاة والسلام "ستتداعى عليكم الأمم كما تتدعى الأكلة إلى قصعتها" قالوا: أمن قِلَّة نحن ومال يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل" مثل ما أخبر به من أن هناك "نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" ها نحن نرى ذلك بأعيننا، أشياء كثيرة نراها إلى اليوم تتحقق أمام أبصارنا أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً إنه لم يكن يحدِّث من نفسه، إنه ينطق بلسان القدر، إنه لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله تعالى به (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول) روى عنه الإمام أحمد والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي همامة "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوِّهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" هذه المنطقة كلها حوالين بيت المقدس فلسطين ولبنان والشام ومصر وكل هذه تدخل في أكناف بيت المقدس، هذه نبوءات أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم وتحققت ولازال الزمن يكشف لنا الكثير والكثير.
شهادة الله تعالى بصدق نبوَّته
كذلك من أدلة نبوية صلى الله عليه وسلم سيرته وقد تحدثنا عن ذلك في الخطبة الماضية أن هذه السيرة من أول الدلائل على صدقه ليست سيرة كاهن ولا كذاب ولا سيرة ملك من طلاب الدنيا. ومن أدلة نبوته كذلك شهادة الله تعالى له، يقول (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) شهادة الله هذه تكررت في القرآن عدة مرات أن الله يشهد بصدقه، كيف يشهد الله بصدقه أنه لا يتخلى عنه ولا يدعه لأعدائه، قد كان ضعيفاً وهم أقوياء وكان فقيراً وهم أغنياء وكان وحيداً وهم ذوو عدد فأيَّده الله سبحانه وتعالى وجعل له الحُجَّة وكتب له النصر على أعدائه وهم كُفَّار، كان يحارب في عدة جبهات الجبهة الوثنية المشركة من مشركي قريش، والجبهة اليهودية الغادرة الخائنة والجبهة المتربصة المجوسية من قريب والجبهة البيزنطية النصرانية الرومية، وجبهة المنافقين الطابور الخامس في الداخل، أيَّده الله على هؤلاء جميعاً ونصرهم ولذلك التقى الإمام ابن القيم بأحد اليهود وقال له: إنكم حينما تكذِّبون بنبوة محمد تقدحون في الرب عز وجل، قال: سبحان الله كيف نقدح في الرب؟ قال: إنكم تقولون إن رجلاً افترى على الله كذباً وجاء بدين كاذب ولم يرسله الله ولكن الله مع هذا أيَّد حُجَّته ونصره على أعدائه رغم أنه ما كان يملك من وسائل النصر شيئاً كيف أيَّد الله هذا الدين ونصره ودخل الناس فيه أفواجاً وهم يكثرون ويتزايدون وينمون يوماً بعد يوم، أليس هذا قدحاً هل كان الله يعلم أنه كاذب ثم نصره؟! إن كان يجهل فقد نسبتم الجهل إلى الله وإن كان يعلم فكيف يؤيد الله إنساناً كاذباً وهو يعلم؟! هنالك سكت هذا اليهودي ولم يجد جواباً، الله تعالى يقول (ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين) لو تقوَّل بعض الأقاويل، فما بالكم بمن يتقوَّل الرسالة من أصلها، يدَّعي نبوة لا أساس لها، كيف يسكت الله تعالى عنه وكيف يؤيِّده ويشدّ أزره وينصره على عدوِّه، هذا يستحيل على الله (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)، (إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، (لا يهدي كيد الخائنين)، (وقد خاب من افترى)، (وقد خاب من حمل ظلماً)، فكيف يؤيد هذا الظالم الكاذب المفتري، هذا مستحيل على الله تبارك وتعالى، هذه شهادة من الله له بأنه نبي من عنده، ورسول يتكلم باسمه.
[IMG]file:////خاتم%20الأنبياء%20والمرسلين%20-%20الجزء%20الثالث_[/Iالثمرات التي تركها من بعده
وهناك أيضاً من الأدلة الثمرات التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم، كل دعوة حق لابد أن تثمر ثمرة حق، كما قال الله تعالى (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً) هذا ذكره المسيح عليه السلام لحوارييه وتلاميذه، قال لهم احذروا الأنبياء الكَذَبة الذين يلبسون ثياب الحملان وقلوبهم قلوب الذئاب، قالوا: أيها السيد وكيف نعرف الكاذب من غيره، قال لهم: من ثمارهم تعرفونهم، هل تستطيع أن تخرجوا من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً، قالوا: لا، قال كذلكم الكاذب لا يخرج منه إلا شر، وانظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ماذا ترك في العالم من خيره وراءه، ماذا ترك لهذه الدنيا، سيرة عاطرة ترك مبادئ راشدة، ترك ديناً عظيماً لم تر الدنيا مثله قط، ترك مبادئ التوحيد .. إرخاء بين البشر الإنسانية الواحدة، الأخلاق التي جاء ليتممها "إنما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق" قواعد الإصلاح للفرد والأسرة وللمجتمع في الحياة الروحية والحياة الفكرية، والحياة الاقتصادية والحياة الاجتماعية والحياة الأخلاقية، وكيف استطاع هذا الأمي الذي لم يقرأ يوماً كتاباً ولم يخطه بيمينه ولم يجلس إلى معلم كيف استطاع أن يأتي بهذا كله، كما قال الله تعالى (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) هل رأينا نبياً ترك وراءه من الآثار والثمار مثلما ترك محمداً صلى الله عليه وسلم، المسيح ترك عدة أصحاب بضعة عشر رجلاً بعضهم خانه وسلَّمه لأعدائه كما يقول المسيحيون أنفسهم، النبي عليه الصلاة والسلام مات عن مئة ألف من الصحابة كانوا معه في حجة الوداع، هؤلاء الذين رأوه بأعينهم .. مئة ألف، ومن هؤلاء القريبون منه والذين تربوا على يديه، وتخرجوا في مدرسته فكانوا معلمي العالم وهداة الدين لم تر الدنيا مثل هذا الجيل من الصحابة الذين وصفهم الله تعالى بقوله (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) هذا هو الجيل الرباني الجيل القرآني الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين حفظوا عنه القرآن ورووا عنه السنن وعلَّموا الأمم وفتحوا الفتوح من بعده هم الذين أقاموا دولة العلم والإحسان وشيدوا حضارة العلم والإيمان، هؤلاء الصحابة هم تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم من (المهاجرين أُخرِجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون)، ومن الأنصار الذين (تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، هؤلاء هم تلاميذ المدرسة المحمدية هؤلاء هم الذين نشروا الإسلام في آفاق العالم لم ينشروا الإسلام بالسيف، السيف قد يفتح أرضاً ولكنه لا يفتح عقلاً ولا يفتح قلباً، إنما نشروا الإسلام بإيمانهم وأخلاقهم وخشوعهم وإخلاصهم لله، رأت ذلك منهم الأمم فأحبوهم وأحبوا الدين الذي بعثهم، هؤلاء هم الصحابة (هو الذي أيَّدك بنصره وبالمؤمنين * وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّف بينهم إنه عزيز حكيG]ن/20جالبشائر في كتب أهل الكتاب
هناك أدلة كثيرة منها أدلة البشائر في كتب أهل الكتاب (يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، قد أكَّد ذلك من أسلم من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وغيره، وأهل الكتاب سمعوا ذلك في القرآن فلم يكذبوا ولم يقل أحد منهم ليس عندنا شيء، ولا تزال إلى اليوم هذه البشائر في كتب أهل الكتاب في التوراة والأناجيل والرسائل وأُلِّفت فيها كتب من المسلمين وممن أسلم من أهل الكتاب ودلَّ على هذه الأماكن التي فيها البشارة بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، هذه كلها آيات بينات أيها الأخوة تدل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أولها وأعظمها القرآن الكريم، وثانيها المعجزات الحسية، وثالثها استجابة الله تعالى دعائه ورابعها تنبؤاته التي وقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم وخامسها سيرته الدالة أبلغ الدلالة على صدقه عليه الصلاة والسلام وسادسها هذه الثمرات التي تركها وراءه صلى الله عليه وسلم وسابعها شهادة الله تعالى له وتأييده إياه وثامنها هذه البشارات من أهل الكتاب والتي لا تزال في كتبهم إلى اليوم؛ لقد شهد بصدق محمد صلى الله عليه وسلم الكثيرون من غير المسلمين أنفسهم وجدنا من غير المسلمين من يشهد بصدق محمد صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء الكاتب المشهور كارلاي صاحب كتاب الأبطال وهو يتخذ أبطاله من رجال التاريخ المعروفين فجعل البطل في صورة نبي .. محمداً عليه الصلاة والسلام وقال أنه لا يمكن أن يكون هذا الرجل كاذباً إن الكاذب لا يستطيع أن يبني جداراً من حجارة، يعني لو واحد ادَّعى أنه بنَّاء قل له: ابن لي هذا الجدار، إذا كان كذَّاب لا يستطيع أن يبني، يقول: ولكن محمد ادَّعى أنه نبي من عند الله وبنى بنياناً هائلاً راسخ الأصول رفيع العماد، كان من السعة بحيث وسع مئات الملايين وكان من المتانة بحيث بقي أكثر من ألف سنة، ألف وأربعمائة من السنين أو تزيد، وأهله أشدُّ الناس تمسُّكاً بدينهم في الأرض من أي ديانة أخرى وهذه حقيقة.
[المسلمون أشد الناس تمسُّكاً بدينهم
الناس الآن المسيحيون يتفلَّتون من المسيحية وقالوا أن نحو 5% فقط هم الذين يذهبون إلى الكنائس وهذه الـ 5% ليس كلهم يذهبون إلى الكنيسة تديُّنا ولذلك المجتمع الغربي اسمه مسيحي في الظاهر والله أعلم بحقيقته أنه لم يعد يؤمن بدين من الأديان، المسلمون أشد الأمم تمسُّكاً بدينها في الأرض كما يقول كارلاي، يقول كارلاي: ألا فليعلم الناس أن مَثَل الباطل كمثل ورق البنكنوت الزائف، لو واحد زوَّر جنيهاً أو دولاراً فإنه سيمر من يد إلى يد إلى عدة أيدي ثم لا يلبث أن يُضبط ويُعرف أنه زائف، لا يمكن أن يظل الزيف أبد الدهر، الزيف لابد أن ينكشف حسب سنن الله عز وجل، فلو كان محمد مزيِّفاً ولو كان دينه زيفاً من الزيوف لانكشف أمره ولكن و
هذا الدين يزداد كل يوم قوة ووضوحاً ويعلم الناس أنه ليس لهم منجاة من المادية المجحفة والإباحية المسرفة وضلالات الدعوات والحضارات القائمة اليوم ليس لهم طوق نجاة إلا في هذا الدين هو وحده سفينة الخلاص هو وحده طوق الإنقاذ ولا شيء غيره، كل هذه أيها الأخوة تزيدنا نحن المسلمين إيماناً فوق إيمان ويقيناً بعد يقين أننا على الحق الذي بعث الله به خاتم رُسلِه وأنزل به آخر كتبه فعلينا أن نعتز بذلك وأن نحوِّل هذا الاعتزاز إلى إيمان صادق وإلى عمل صالح وإلى بذل وتضحية لتثبيت هذا الدين ونشره وتربية الناشئة عليه والذود عن حياضه حتى يتم الله نوره ولو كره الكافرون كما قال سبحانه (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
[I