إدمان المخدرات ( دراسة ونتائج)
ها حسين – الرياض الفئات الرئيسية للموضوع
الداء والدواء
أساليب التربية الخاطئة أهم عوامل تعاطي المخدرات العودة إلى الدين والقيم حاجز يحمي أبناءنا 40 % من متعاطي المخدرات من أسر مفككة جماعة الأصدقاء أهم عنصر في مرحلة الشباب أكدت دراسة طبية أجريت في الرياض عام 1999 أن 70 في المائة من مجموع متعاطي ومدمني المخدرات هم من الشباب (الفئة المنتجة), الأمر الذي يجعل هذه الفئة عبئا على المجتمع. وإذا كان تعاطي المخدرات وإدمانها هي في الأساس سلوك منحرف للفرد, ويتعلق مباشرة بالسمات الشخصية للفرد, إلا أن للأسرة الدور الكبير في تشكيل هذه الشخصية. ويكمن خطر تعاطي المخدرات في أنه ينعكس سلبا على الفرد والأسرة, ويترك آثارا مدمرة على الحياة الاجتماعية و الصحية, والاقتصادية للأفراد والمجتمعات. ويزداد حجم هذه الظاهرة يوما بعد يوم في كل المجتمعات, ومنها مجتمعنا العربي, ويتضح ذلك من خلال الأرقام الإحصائية المعتمدة في تقارير الأمن العام الصادرة عن وزارات الداخلية في الوطن العربي. الرفقة السيئة: في دراسة أجرتها الدكتورة لآمال صلاح عبد الرحيم, أستاذ مشارك في جامعة الملك سعود في الرياض, ضمن بحث مقدم للمشاركة في الندوة التاسعة للتوعية بأضرار المخدرات في القسم النسائي للتوعية الوقائية في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في الرياض, بينت أن أهم الأسباب التي دفعت إلى تعاطي المخدرات هي: أسباب التعاطي النسبة المئوية مجاراة الأصدقاء 33.8 % نسيان المشاكل 22.5% الرغبة في التقليد 11.4 % الإشباع الجنسي 8.7 % تخفيف الألم 7.6 % الدخول في تجربة جديدة 5.5 % بعض هذه الأسباب 6.3 % أغلب هذه الأسباب 1.5 % كل هذه الأسباب 0.2 % أسباب أخرى 2.4 % ونستنتج من الدراسة أن مجاراة الأصدقاء تشكل أهم الأسباب التي تدفع الشباب للتعاطي, وتعتبر جماعة الأصدقاء من العناصر المهمة في بنية الفرد ونجاحه في مرحلة الشباب وضمنها المراهقة, التي تعد إحدى الجماعات الأولية التي تؤثر في الفرد وتشكل اتجاهاته وأنماط سلوكه, وتمارس تأثيرا مباشرا على قيم الفرد ومعاييره. ومواقف هذه الجماعة "الأصدقاء" واتجاهاتها نحو المراهق تترك الأثر البالغ على سلوكه, لأنه يحتاج إلى قبول رفاقه له, كما أن عدم فوزه برضاهم قد يؤدي إلى الإحباط والحزن والتوتر. وانخراط الشاب في جماعة الأصدقاء التي تتعاطى المخدرات توحي له بضرورة التعاطي حتى يحظى بقبول الأعضاء الآخرين وإعجابهم. كما أن حب الاستطلاع قد يكون الدافع للتعاطي للمرة الأولى, والذي عادة ما يكون بتشجيع جماعة الأصدقاء المنحرفين. وكثير من الأصدقاء يحاولون بكل قوة أن يدفعوا العضو الجديد أن يسلك مسلكهم, وعادة ما يرفضون العضو الذي يتمنع عن مجاراتهم, ويطلقون عليه الألفاظ والصفات التي تقلل من شأنه, مما يجعله في موقف حرج أو أمام أمر واقع, فيتصرف كما يتصرفون, لذا يجب الانتباه إلى أصدقاء المراهق أو المراهقة لما لجماعة الأصدقاء من أثر قوي على انحراف المراهقين, خاصة وأن هذه المرحلة العمرية تتسم بعدم النضج الجسمي والنفسي الكافيين لكي يقَدر الفرد ما يضره وما ينفعه. ومن النسب السابقة, نلاحظ أن الإدمان بسبب الرغبة في التقليد يشكل 11.4 %, ومن المعروف أن الرغبة في التقليد لدى المراهقين هي الأعلى ضمن بقية الفئات العمرية, فمن يقلد الآخرين يحسب على عالم الناضجين, مما يؤهله اتخاذ قرارات حياته بما يناسبه وليس ما يناسب الآخرين. كما أن الرغبة في التجديد والدخول في تجارب جديدة في غالب الأحيان تعد من الدوافع التي تؤدي إلى الإدمان. وعموما الشباب في هذه المرحلة العمرية يتسمون بالرغبة في التحدي لكل ما هو قائم من عموميات ومسلمات, ويتسمون بالتهور والرغبة في المغامرة, مما يدفعهم إلى الانحراف بتجربة شيء جديد, فيهوون إلى القاع, لذلك يجب إشباع حاجات المراهقين بطرق ترضيهم ولا تتعارض مع قيمنا الاجتماعية حتى لا يشبعوا حاجاتهم بطرق منحرفة. ولقد تبين من نتائج الدراسة أن مكان التعاطي غالبا ما يكون عند الأصدقاء, وهذا يتماشى مع نتائج الأسباب التي أكدت أن جماعة الأصدقاء هي من أول أسباب الإدمان, حيث ثبت أن نحو 37.8 في المائة يتعاطون المخدرات عند الأصدقاء, مما يؤكد على أنهم يشكلون خطورة حقيقية على المراهقين. الأسرة والتنشئة: وتشير ذات الدراسة إلى أن 37.1 في المائة من متعاطي المخدرات كانوا يتعاطونها في المنزل, وهذه النسبة الكبيرة يكمن وراءها مشكلات أسرية, حيث تمثل هذه النوعية من المشكلات 40 في المائة من الدوافع التي تؤدي إلى الإدمان. وفي دراسة أخرى حول التنشئة الاجتماعية ودور الأسرة في الوقاية من المخدرات, أكدت الدكتورة سلطانة الدمياطي, أستاذ التربية ورياض الأطفال في جامعة الملك سعود في الرياض, أن الأساليب غير السوية التي تمارس داخل الأسرة, والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بتكوين الشخصية المضطربة, تؤدي بالفرد إلى الانحراف و تعاطي المخدرات وإدمانها. وأهم هذه الأساليب الخاطئة التي تؤدي إلى اضطراب شخصية الطفل واستعداده للانحراف, كما تقول الدكتورة سلطانة في بحثها, التسلط و الحماية الزائدة و الإهمال و التدليل و إثارة الألم النفسي أو التحقير و القسوة و التذبذب و والتفرقة في المعاملة بين الأبناء. وكثيرا ما يلجأ الأبناء للمخدرات كوسيلة مضمونة لمضايقة الآباء والتعبير عن الرفض لهم ولمعاييرهم ولطرق معيشتهم. وتأتي المشكلات الاقتصادية, بعد المشاكل الأسرية, ضمن الأسباب التي تدفع للإدمان حيث تبلغ 33 في المائة. والملفت للانتباه أن 21 في المائة يتعاطون المخدرات لعدم وجود مشكلات, مما يرجح صحة الاتجاه القائل إن قسما من المتعاطين يتناولون المخدر بحثا عن المتعة واللذة, ولعل هذه الفئة هي التي تعيش في حالة رفاهية وبذخ ولا مسؤولية. وأوضح بحث ميداني قامت به بثينة رجب الباحثة في جامعة دمشق أن مرتكبي جرائم المخدرات هم الأبرز في تصنيف الجرائم, فبلغت نسبة جرائم المخدرات عند الذكور "تجارة وتعاطي" 30.5 في المائة, وعند الإناث 18.2 في المائة. وبينت الدراسة أن حوالي 30 في المائة من المدمنين يرتكبون حتما سلوكا منحرفا ينعكس سلبا على الآخرين. ويتنوع هذا السلوك من الضرب إلى القتل و التزوير و الاعتداء على الأعراض, وأحيانا كل أنواع هذا السلوك بنسبة 5 في المائة, لأن المدمن يضطر لتأمين مبالغ كبيرة للتعاطي, ومن الممكن أن يقدم على كل أشكال الانحراف الأخلاقي وهو تحت أثر المخدر. وعودة إلى بحث الدكتورة آمال صلاح عبد الرحيم, فهناك أسباب أخرى تؤدي إلى الإدمان مثل الأمور التي تحول دون تحقيق الرغبات الذاتية, حيث تشكل هذه الإحباطات سلوكا غير سوي, فيحدث الكبت أو ربما يشكل سلوكا عدوانيا كرد فعل ذاتي, إضافة إلى البيئة ودورها السلبي ووضع الأسرة المادي "فقيرة أو غنية", وأوقات الفراغ وعدم الاستفادة منها بشكل جيد, وافتقاد القدوة في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع. ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة وانتشارها التغيير الحضاري الشامل والسريع في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي, حيث أثر ذلك على استقرار الكثير من النظم الاجتماعية والثقافية. انتشار المخدرات عالميا: من أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار المخدرات عالميا التطور الحضاري السريع, وما ارتبط به من تغيرات في القيم الاجتماعية والمعنوية, وتغيرات في الأوضاع الاقتصادية والثقافية والتعليمية, وكذلك التأثر بالحضارات الأخرى, و التطور المتلاحق في وسائل الاتصال والمواصلات مما يسهل الحصول على المخدرات وتداولها و التطور التكنولوجي في صناعة العقاقير الاصطناعية, والتقدم العلمي في الأبحاث التطبيقية في مجال الصيدلة. مما سبق نصل إلى أن ثقافة المجتمع ومستوى تطوره يلعبان دورا هاما في تحديد أشكال سلوك أفراده, لذا لا بد من تأكيد الدور الحضاري لثقافة المجتمع, وتمسك الأفراد بقيم الدين والقيم الاجتماعية, التي تؤكد تماسك أفراد الأسرة والمجتمع, وتفرز العلاقات الإيجابية فيه, ولعل ذلك يسهم بشكل عام في تجاوز مشكلات عدة يعانيها الفرد, وكلما تمسكنا بديننا كلما تجاوزنا كثيرا من الضغوط الاجتماعية.