*
مقدمة
*
موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة
*
معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه
*
موقف ابن حجر من الأشاعرة
*
الأصول المنهجية في مذهبهم
*
إثبات وجود الله
*
التوحيد
*
الإيمان
*
القرآن
*
القدر
*
السببية وأفعال المخلوقات
*
الحكمة الغائبة
*
النبوات
*
التحسين والتقبيح
*
التأويل
*
السمعيات
*
التكفير
*
الصحابة والإمامة
*
الصفات
*
فارق منهجي ونموذجي: التناقض ومكابرة العقل
*
ضابط من ضوابط معرفة الفرق واختلافها
*
من أهل القبلة لا من أهل السنة
*
كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة
مقدمة
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فقد اطلعت على ما نشرته مجلة (المجتمع) في الأعداد من رقم627-632، والمقالات السابقة لها كذلك المقالتان المتضادتان في العدد 646 مما كتبه الشيخان الفوزان والصابوني عن مذهب الأشاعرة.
وإذا كان من حق أي قارئ مسلم أن يهتم بالموضوع وأن يدلي برأيه إن كان لديه جديد، فكيف بمن هو متخصص في هذا الموضوع مثلي؟
فالأشاعرة جزء من موضوع رسالتي لدكتوراه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" إذ هي أكبر فرق المرجئة الغلاة. ولن أستعجل نتائج بحثي ولكن حسبي أن أدّعي دعوى وأطرحها للمناقشة وأقبل بكل سرور من يدلي بوجهة نظره فيها.
فمن واقع إسلامي وتخصصي رأيت أن أقول كلمة عسى الله أن ينفع بها، -ويعلم الله أني لو لم أشعر أن قولها واجب ضروري لما سطرتها- ولكن الموضوع أكبر من أن يسكت عليه أو يجامل فيه.
ولي على كلام الشيخين ملاحظات:-
أما الصابوني فلا يؤسفني أن أقول إن ما كتبه عن عقيدة السلف والأشاعرة يفتقر إلى أساسيات بدائية لكل باحث في العقيدة كما أن أسلوبه بعيدا كثيرا عن المنهج العلمي الموثق وعن الأسلوب المتعقل الرصين.
وقد استبشرت بالبيان الأخير خيراً وحسبته بيان رجوع وبراءة فإذا هو بيان إصرار وتوكيد.
ونظرا لكونه ليس إلا جزءاً من تيار بدعي يراد له اكتساح الأمة. ونظراً لتعرضه لقضايا بالغة الخطورة تحتاج إلى بحث مستفيض لا تسعه المقالات الصحفية فسوف أرجئ الكلام عنه إلى حين يتيسر لي بإذن الله إخراج الرد في الصورة التي أراها.
وليكن معلوما أن هذا الرد الموعود ليس مقصودا به الصابوني ولا غيره من الأشخاص فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إنها مسألة مذهب بدعي له وجوده الواقعي الضخم فالفكر الإسلامي حيث تمتلئ به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول فضلاً عن كتب العقائد والفكر، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة في اكبر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال.
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات ضخمة متواصلة لترميمه وتحديثه تشرف عليها هيئات رسمية كبرى ويغذونها المستشرقون بما ينبشونه من تراثه ويخرجون من مخطوطاته.
ولهذا وجب على كل قادر أن يبين لأمته الحق وينصح لها مهما لقي فإن مما كان يبايع عليه النبي صلى الله عليه ويلم أصحابه النصح لكل مسلم وأن يقولوا الحق لا تأخذهم فيه لومة لائم.
أما فضيلة الشيخ الفوزان فقد أحسن إلى (المجتمع) وقرائها بتلك المقالة، فقد عرض فيها -على قصرها- حقائق أصولية مركزة في أسلوب علمي رصين.
وله العذر كل العذر - إذ لم أستوف الرد على الصابوني وبيان التناقضات التي هي سمة من سمات المنهج الأشعري نفسه، لأن الموضوع أكبر من أن تحيط به مقالة صحفية.
ولهذا رأيت من واجبي أن أضيف إلى ما كتبه فضيلته مستدركاً ما لا يجوز تأجيله إلى ظهور الرد المتكامل.
سفر بن عبد الرحمن الحوالي
الفهرس
موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة
أولاً: فات فضيلته أن يرد على الصابوني فيما عزاه إلى شيخ الإسلام -مكرراً إياه- من قوله "الأشعرية أنصار أصول الدين والعلماء أنصار فروع الدين".
ولعل الشيخ وثق في نقل الصابوني مع أن الصابوني -على ما أرجح- أول من يعلم بطلان نسبة هذا الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولغة العبارة نفسها ليست من أسلوب شيخ الإسلام، والغريب حقاً أنه أعاد هذا العزو في بيانه الأخير بالعدد 646 مؤكدا إصراره على التمويه والتدليس.
وأنا أطلب من كل قارئ أن يراجع النص في ج 4 ص 16 من مجموع الفتاوي ليجد بنفسه قبل تلك العبارة نفسها كلمة "قال" فالكلام محكي منقول وقائله هو المذكور في أول الكلام -آخر سطر من ص 15- حيث يقول شيخ الإسلام:
"وكذلك رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد هو والد إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (وهو أشعري) رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف فتوى طويلة.... قال فيها: "إلى أن يقول:
"قال: وأما لعن العلماء الأئمة الأشعرية فمن لعنهم عزز وعادت اللعنة عليه .. والعلماء أنصار فروع الدين والأشعرية أنصار أصول الدين.
"وقال: وأما دخولهم النار..." الخ.
وفي أخر هذه الفتوى نفسها يقول شيخ الإسلام (ص 158-159، وانظر أيضا 156).
"وأيضا فيقال لهؤلاء الجهمية الكلامية مصاحب هذا الكلام أبي محمد وأمثاله كيف تدعون طريقة السلف وغاية ما عند السلف أن يكونوا متابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟".
إلى أن يقول "وأبو محمد وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد(1)" . الخ.
وبهذا يتضح قطعا:
(أ ) أن العبارة المذكورة ليست من قول شيخ الإسلام بل قائلها أشعري يمدح مذهبه (2) .
(ب ) أن شيخ الإسلام نسب هذا القائل ومذهبه إلى الجهمية الكلابية وأتباع طريقة السلف وهذا ينفي ما حاول الصابوني تدليسه في مقالاته الست تماماً.
وبالمناسبة أذكر بعض ما يحضرني من الكتب التي ألفها شيخ الإسلام في الرد على الأشاعرة نصاً غير التي رد عليهم فيها مع غيرهم:-
1- درء تعارض العقل والنقل وهو كله رد عليهم بالأصالة كما نص في مقدمته. حيث استفتحه بذكر قانونهم الكلي الآتي في ص 12.
2- بيان تلبيس الجهمية المسمى بنقص التأسيس، رد فيه على إمامهم الثاني "الفخر الرازي" صاحب تأسيس التقديس أو أساس التقديس.
3- التسعينية وهي التي كتبها في الأشهر الأخيرة من حياته -رحمه الله- جوابا عن محاكمة الأشاعرة له (3) .
4- شرح العقيدة الأصفهانية وهي شرح لعقيدة الشمس الأصفهاني التي جرى فيها على أصول الأشاعرة.
5- الفتوى الحموية: معروفة.
6- الرسالة المدنية: وهي في الجزء (6) من مجموع الفتاوى.
7- النبوات: وهو نقص لكلام الباقلاني خاصة والأشاعرة عامة في النبوات.
8- الإيمان: وهو نقد الأشاعرة في الإيمان وذكر بقية المرجئة تبعا.
9- القاعدة المراكشية: وهي كالبيان لمذهب الإمام مالك وأئمة المالكية في العقيدة ضد المتأخرين من مالكية المغاربة المائلين إلى مذهب الأشعري، وهي في الجزء الخامس من مجموع الفتاوي وطبعت محققة.
10- المناظرة في العقيدة الواسطية: ألفها في محاكمة الأشاعرة له بسبب الواسطية وهي في الجزء الثالث من مجموع الفتاوي.
11- الاستقامة: كتبة نقضاً لكتاب القشيري الصوفي الأشعري وبين فيه أن عقيدة أئمة السلوك المعتبرين هي مذهب السلف وأن بداية الانحراف في العقيدة عند المنتسبين للتصوف فبالجملة إنما جاءت متأخرة في أوائل القرن الخامس حين انتشر مذهب الأشعري.
ولتلميذه ابن القيم رحمه الله -في الرد على الأشاعرة كتب منها:-
(1) مختصر الصواعق المرسلة فيه أصولهم ومنها موقفهم من النصوص.
(2) شفاء العليل: معظمه عنهم.
(3) العقيدة النونية: معظمها عنهم.
(4) اجتماع الجيوش الإسلامية: كله رد على مذهبهم خصوصاً
في نفي العلو. هذا ولم يصدر من شيخ الإسلام مدح مطلق للأشاعرة أبداً. وإنما غاية مدحه لهم (كما في ج12 من الفتاوى) أن يصفهم بأنهم أقرب من غيرهم وأن مذهبهم مركب من الوحي والفلسفة أو يمدح المشتغلين منهم بالحديث لا لكونهم أشاعرة ولكن لاشتغالهم بالسنة مع سؤال المغفرة لهم فيما وافقوا فيه متكلمي مذهبهم. لكن هذا أقل بكثير من المواضع التي صرح فيها بتبديعهم وتضليلهم وفساد منهجهم فهي أكثر من أن تحصر. كما أنه حدد -رحمه الله- متى يعد المنتسب إلى الأشعري من أهل السنة فقال:
"أما من قال بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة لاسيما لأنه بذلك يوهم حسنا لكل من انتسب هذه النسبة وينفتح بذلك أبواب شر(4)" ... أي أن من كان على عقيدة السلف منهم لا ينبغي له الانتساب للأشعري لأنه بدعة ومذمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر أيضاً ص 156 من الجزء نفسه وهذا الكلام المنقول من ص 158 لا بد أن الصابوني قرأه لأنه استشهد بكلام بعده في ص 167 من الفتوى.
(2) قائلها هو أبو محمد الجويني والد أبي المعالي (توفي 440) وقد رجع آخر عمره إلى عقيدة السلف وشهد له بذلك شيخ الإسلام في مواضع، وكتب في توبته النصحية المطبوعة مع المجموعة المنبرية، وطبعها المكتب الإسلامي معزوة إلى ابن شيخ الحزاميين وهو الخطأ، ومناسبة فتواه هذه هي صدور مراسيم سلطانية بلعن أصحاب البدع -ومنهم الأشاعرة- على المنابر، انظر المنتظم لابن الجوزي حوادث سنة 433 وما بعدها.
(3) وهي أول رسالة في المجلد الخامس من الفتاوي الكبرى (الطبعة الطويلة) وهي تشمل الجزء الخامس كله من الطبعة التي قدم لها مخلوف، وسمعت أنها تحقق بجامعة الإمام وهي جديرة بالعناية.
(4) مجموع الفتاوى: 6/359.
الفهرس
معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه
ثانيا: أحسن الشيخ في مطالبة الصابوني بأي دليل صحيح على مسألة تكفير الأشاعرة، ويضاف إلى كرم فضيلته: إن الحاصل فعلاً هو العكس فالأشاعرة هم الذين كفروا وما يزالون يُكفرون أتباع السلف بل كفروا كل من قال أن الله تعالى موصوف بالعلو كما -سيأتي هنا- وحسبك تكفيرهم واضطهادهم لشيخ الإسلام وهو ما لم يفعله أه السنة بعالم أشعري قط. وقد سطر -رحمه الله- بعض أجورهم عليه في أول التسعينية وصرح به كل من كتب عن سيرته.
ولولا الإطالة لأوردت بعض ما تصرح به كتب عقيدتهم من اتهامه بالزندقة والكفر والضلال. ومن الأمثلة المعاصرة كتب الكوثري ومقالاته وكتاب (براءة الأشعريين) نقل لنا عن بعض أهل العلم أن صاحبه هو عبد الفتاح أبو غدة وكتاب "ابن تيمية ليس سلفياً" وبعض ما ورد في كتاب "أركان الإيمان (5)" .
فيا عجباً لهؤلاء القوم يكفرونه ثم يدعون أنهم وإياه على مذهب واحد ويشملهم جميعاً اسم "السنة والجماعة"!! وإذا كانت كتب الأشاعرة تتبرأ من "الحشوية والمجسمة والنابتة" وغير ذلك مما يلقبون به أهل السنة والجماعة فكيف يكونون وهم سواء!!
ثالثاً: كان بودي أن يفصل الشيخ معنى مصطلح أهل السنة ودخول الأشاعرة فيه أو عدمه وهي التي يدندن حولها الصابوني، وأنا أوجز جداً فأقول:
إن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان:
(أ ) المعنى الأعم: وهو ما يقابل الشيعة فيقال: المنتسبون للإسلام قسمان: أهل السنة والشيعة، مقلما عنون شيخ الإسلام كتابه في الرد على الرافضي "منهاج السنة" وفيه بين هذين المعنيين (6) وصرح أن ما ذهبت إليه الطوائف المبتدعة من أخل السنة بالمعنى الأخص.
وهذا المعنى يدخل فيه كل من سوى الشيعة كالأشاعرة. لاسيما والأشاعرة فيما يتعلق بموضوع الصحابة والخلفاء متفقون مع أهل السنة وهي نقطة الاتفاق المنهجية الوحيدة كما سيأتي.
(ب ) المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الأهواء وهو الأكثر استعمالا كتب الجرح والتعديل فإذا قالوا عن الرجل أنه صاحب سنة أو كان سنياً أو من أهل السنة ونحوها فالمراد أنه ليس من إحدى الطوائف البدعية كالخوارج والمعتزلة والشيعة وليس صاحب كلام وهوى.
وهذا المعنى لا يدخل فيه الأشاعرة أبدا بل هم خارجون عنه وقد نص الإمام أحمد وابن المديني على أن من خاض في شيء من علم الكلام لا يعتبر من أهل السنة وإن أصاب بكلامه السنة حتى يدع الجدل ويسلم للنصوص، فلم يشترطوا موافقة السنة فحسب بل التلقي والاستمداد منها (7) فمن تلقى من السنة ولم يوافقوا في النتائج فكيف يكونوا من أهلها.
وسنأتي بحكمهم عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء فما بالك بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث:-
1- عند المالكية:
روى حافظ المغرب وعلمها الفذ ابن عبد البر بسند عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز منداذ "أنه قال في كتاب الشهادات شرحاً لقول مالك لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء، وقال:
"أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً ويهجر ويؤدب على بدعته فإن تمادي عليها استتيب منها. (8)
وروي ابن عبد البر نفسه في "الانتقاء" عن الأئمة الثلاثة "مالك وأبي حنيفة والشافعي نهيهم عن الكلام وزجر أصحابه وتبديعهم وتعزيزهم ومثله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية فماذا يكون الأشاعرة إن لم يكونوا أصحاب كلام؟
2- عند الشافعية:
قال الإمام أبو العباس بن سريج الملقب بالشافعي الثاني وقد كان معاصراً للأشعري: لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة بل نقلبها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل. (9)"
قال الإمام أبو الحسن الكرجي من علماء القرن الخامس الشافعية ما نصه: "لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرءون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة، وضرب مثالاً بشيخ الشافعية في عصره الإمام أبو حامد الاسفرائيني الملقب "الشافعي الثالث" قائلاً: "ومعلوم شدة الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الشعري، وعلق عنه أبو بكر الراذقاني وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزةً وقال: "هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين" (10) أ.هـ.
وبنحو قوله بل أشد منه قال شيخ الإسلام آلهروي الأنصاري. (11)
3- الحنفية:
معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان، وكان الإمام الطحاوي معاصراً للأشعري وكتب هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبي حنيفة وأصحابه وهي مشابهة لما في الفقه الأكبر عنه وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش أو توقف فيه وتلميذه أبو يوسف كفر بشراً المريسي، ومعلوم أن الأشاعرة ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضا أن أصولهم مستمدة من بشر المريسي (12)!! .
4- الحنابلة:
موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدّع الإمام أحمد "ابن كلاب" وأمر بهجره -وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري- لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام الملك -التي استطالوا فيها- وبعدها كان الحنابلة يخرجون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشيء من مذهب الأشاعرة.
ولم يكن ابن القشيري إلا واحداً ممن تعرض لذلك، وبسبب انتشار
مذهبهم وإجماع علماء الدولة سيما الحنابلة على محاربته ادر الخليفة القادر منشور "الاعتقاد القادري" أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اعتقادها سنة 433هـ (14) .
وكذلك يفعل أتباعهم في عصرنا هذا بمليء خطبهم الحماسية أو مواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية لثقة قرائهم -من الشباب المتحمس- العمياء بهم ولجهل أكثر هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها سلفهم الصالح من تبعهم بإحسان.
هذا وليس ذم الأشاعرة وتبديعهم خاصة بأئمة المذاهب المعتبرين بل هو منقول أيضا عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السنة واتباع السلف، فقد نقل شيخ الإسلام في الاستقامة كثيراً من أقوالهم في ذلك وإنهم يعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافياً لسلوك طريق الولاية والاستقامة حتى أن عبد القادر الجيلاني لما سئل "هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟. قال: ما كان ولا يكون (15)" .
هذا موجز مختصر جداً لحكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة فما ظنك بحكم رجال الجرح والتعديل مما يعلم أن مذهب الأشاعرة هو رد خبر الآحاد جملة وأن في الصحيحين أحاديث موضوعة أدخلها الزنادقة.. وغيرها من العوام وانظر إن شئت ترجمة إمامهم المتأخر الفخر الرازي فيا لميزان ولسان الميزان.
فالحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة لا شك في ذلك أما أنهم من أهل السنة فلا وسيأتي تفصيل ذلك في الموضوعات التالية:
وها هنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم -كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم- وهي حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟.
إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟. وإلى أي عقيدة رجعوا؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- وانظر عن القدامى: الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر، وكتاب الحصني: دفع شبهة من شبه وتمرد. ولعلم فبعض هذه الكتب المعاصرة باسم مستعار، وممن اعترف بموقفهم من شيخ الإسلام الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ابن تيمية ص 56 ومن ذلك قول صاحب حواشي على شرح الكبرى للسنوسي قوله: "ابن تيمية.. أي الحنبلي المشهور زنديق وبغضه للدين وأهله لا يخفي" ص 62. وانظر في كتاب وهبي غاوجي أركان الإيمان ص 297- 299.
6- ج 2 ص163 تحقيق محمد رشاد سالم.
7- أنظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. اللالكائي، تحقيق الأخ أحمد بن سعد بن حمدان: (1/157، 165).
8- جامع بيان العلم وفضله 2/117 تحقيق عثمان محمد عثمان، وهو 2/96 من الطبعة المنبرية.
9- توفي ابن سريج سنة 306: انظر تاريخ بغداد 4/290 وسير أعلام النبلاء 14/201 والظاهر أنه توفي قبل رجوع الأشعري لمذهب السلف، والأشعري توفي 324 أو 330 على قولين. وانظر عقيدة ابن سريج في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 62.
10- التسعينية: 238-239 وانظر شرح الأصفهاني: 31 من ج5 من الفتاوى الكبرى نفسها وانظر عن الكرجي وعقيدته: اجتماع الجيوش الإسلامية ومختصر العلو وله ترجمة في طبقات الشافعية لابن السبكي وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط).
11- يلاحظ أن كلا من الشافعية والحنابلة يدعي الهروي لمذهبهم ورجح شيخ الإسلام أنه يأخذ من كليهما ويتبع الأثر. انظر (شيخ الإسلام عبد الله الهروي ص 96) وقوله فيهم نقله في التسعينية: 277 عن كتاب ذم الكلام "وهو يحقق بجامعة الإمام كما قرأت. وانظر أيضا عن موقف الشافعية درء التعارض 2/106.
12- انظر عبر ما ذكر سير أعلام النبلاء ترجمة بشر 10/200-201 والحموية: ص14-15 طبعة قصي الخطيب.