خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، أبو سليمان، أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبّة وأعنّة الخيل، أمّا القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدّم على خيول قريش في الحرب... كان إسلامه في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (
الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا لا يسلمك إلا إلى الخير).
تعود قصة اسلام خالد الى ما بعد معاهدة الحديبية حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: (أين خالد؟)... فقال الوليد: (يأتي به الله).
فقال النبي: -صلى الله عليه وسلم-: (ما مثله يجهل الاسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له، ولقدمناه على غيره)... فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده، فترك له رسالة قال فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد... فأني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقلك عقلك، ومثل الاسلام يجهله أحد؟!... وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد - وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه - ثم قال له: فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه، فقد فاتتك مواطن صالحة) .
وقد كان خالد -رضي اللـه عنه- يفكر في الاسلام، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سرورا كبيرا، وأعجبه مقالة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه، فتشجع و أسلـم.
معركة اليرموك وبطولاتها
إمرة الجيش
أولى أبوبكر الصديق إمرة جيش المسلمين لخالد بن الوليد ليواجهوا جيش الروم الذي بلغ مائتي ألف مقاتل وأربعين ألفا، فوقف خالد بجيش المسلمين خاطباً: (إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاور الإمارة، فيكون أحدنا اليوم أميراً والآخر غداً، والآخر بعد غد، حتى يتأمر كلكم).
تأمين الجيش
وقبل أن يخوض خالد القتال، كان يشغل باله احتمال أن يهرب بعض أفراد جيشه بالذات من هم حديثي عهد بالإسلام، من أجل هذا ولأول مرة دعا نساء المسلمين وسلمهن السيوف، وأمرهن بالوقوف خلف صفوف المسلمين وقال لهن: (من يولي هاربا، فاقتلنه).
خالد و ماهان الروماني
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز إليه خالد، وبرز إليه خالد، في الفراغ الفاصل بين الجيشين، وقال (ماهان) قائد الروم: (قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع فإن شئتم أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما، وترجعون إلى بلادكم، وفي العام القادم أبعث إليكم بمثلها !).
وأدرك خالد ما في كلمات الرومي من سوء الأدب ورد قائلا: (إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمنا أنه لا دم أشهى ولا أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك !)... وعاد بجواده الى صفوف الجيش ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال: (الله أكبر، هبي رياح الجنة).
من البطولات
ودار قتال قوي، وبدا للروم من المسلمين مالم يكونوا يحتسبون، ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم... فهاهو خالد غلى رأس مائة من جنده ينقضون على أربعين ألف من الروم، يصيح بهم: (والذي نفسي بيده ما بقي من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم)... وبالفعل انتصر المائة على الأربعين ألف.
خالد وجرجه الروماني
وقد انبهر القادة الروم من عبقرية خالد في القتال، مما حمل (جرجه) أحد قادتهم للحديث مع خالد، حيث قال له: (يا خالد اصدقني، ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاك إياه، فلا تسله على أحد إلا هزمته؟)... قال خالد: (لا)... قال الرجل: (فبم سميت سيف الله؟).
قال خالد: (إن الله بعث فينا رسوله، فمنا من صدقه ومنا من كذب، وكنت فيمن كذب حتى أخذ الله قلوبنا إلى الإسلام، وهدانا برسوله فبايعناه، فدعا لي الرسول، وقال لي: (أنت سيف من سيوف الله) فهكذا سميت سيف الله)... قال القائد الروماني: (وإلام تدعون؟).
قال خالد: (إلى توحيد الله وإلى الإسلام)... قال: (هل لمن يدخل في الإسلام اليوم مثل مالكم من المثوبة والأجر؟)... قال خالد: (نعم وأفضل)... قال الرجل: (كيف وقد سبقتموه؟)... قال خالد: (لقد عشنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر، أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه ثم آمنتم بالغيب، فإن أجركم أجزل وأكبر إذا صدقتم الله سرائركم ونواياكم).
وصاح القائد الروماني وقد دفع جواده إلى ناحية خالد ووقف بجواره: (علمني الإسلام يا خالد !)... وأسلم وصلى لله ركعتين لم يصل سواهما، وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستميتا في طلب الشهادة حتى نالها وظفر بها ...