المقد مـــة:-
لا شك أمن مجال السكان وتنظيم الأسرة يمثل واحدة من أهم أولويات القيادة السياسية التي تشعر بنبض الوطن وبإحساسه بمشاكله وترتيبها تبعاً لأولويات تأثيرها السلبي علي البلد، ولا جدال أن المشكلة السكانية بأبعادها الثلاثة (الزيادة السكانية والتوزيع السكاني والخصائص السكانية) تعد من أخطر المشاكل التي واجهت وتواجه مصر علي مر العصور والأزمان، فهي تأتي علي الأخضر واليابس ولا تعطي فرصة للتنمية للظهور، ولا لأثارها أن يتمتع بها المواطن المصري، وقد شكلت الزيادة السكانية علي مر السنوات عائقاً كبيراً أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكانت من أهم المشكلات التي أثرت علي الوصول إلي مجتمع يتمتع بالرفاهية ويعيش في عصر التقدم والحضارة ويصارع وينافس من أجل البقاء والنمو .
وعلي الرغم من الجهود التي بذلت في العقود السابقة، وتحقق معها بعض النجاحات المحدودة، إلا أن الطريق ظل طويلاً أمام تطويق مشكلة الزيادة العددية للسكان وظلت هناك حاجة دائماً إلي بذل مزيد من الجهد والعطاء في هذا السبيل، ورغم فداحة هذه المشكلة وتأثيرها السلبي إلا أن أسلوب مواجهتها كان يعتمد علي أساليب تقليدية نمطية مكررة فاقت سلبياتها إيجابيتها، إلي أن أعلنت القيادة السياسية الواعية رفضها لأساليب مواجهة هذه المشكلة، وكعادتها في مواجهة المشاكل بأن تطلق سهام الرمح في صميم المشكلة فتستوعب أبعادها وجوانبها وأسبابها المتعددة وتحلل فتحصل علي بيانات إحصائية ومعلومات تفيدها في العلاج الناجح وفي تصور خطة المواجهة الحاسمة، وقد كان فكر القيادة السياسية الثاقب في دمج الصحة والسكان في وزارة واحدة بداية المواجهة الحقيقية لهذه المشكلة الشائكة حيث تكاملت سياسيات الصحة والسكان.
وفي سبيل تخطي عقبة هذه المشكلة وتجاوز صعابها التي قال عنها بحق السيد رئيس الجمهورية إنها المشكلة الأم لكل المشاكل التي يعانى منها الشعب المصري، فقد أولت وزارة الصحة والسكان بعد توليها مسئولية تنفيذ السياسة السكانية وتنظيم الأسرة منذ 1996 اهتماماً غير مسبوق نبع من فهم واضح وتنفيذ جيد للفكر الثاقب للقيادة السياسية لدفع عجلة العمل في هذا المجال وتم وضع استراتيجية واضحة المعالم تكون نبراساً تدور حوله كافة البرامج والأنشطة التي تقرر تنفيذها، مع الوضع في الاعتبار أن حل المشكلة السكانية هو مسئولية جماعية تحتاج تضافر جهود جميع القطاعات بالوزارة، وكافة الهيئات والمؤسسات العاملة في مجال السكان، أو التي لها علاقة بالسكان بما في ذلك القطاع الأهلي والخاص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الزيادة السكانية:-
- زيادة عددالمواليد عن عدد الوفيات بشكل ملحوظ مما يثير كثير من المشكلات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* حجم المشكلـة:-
تشهد مصر المزيد من الارتفاع في معدلات السكان في ظل تحسن الأوضاع الصحية، وذلك رغمالجهود المبذولة للحد من ذلك، إذ إن الزيادة الكبيرة ناجمة عن انخفاض في نسبةالوفيات وليس عن ارتفاع في حجم الولادات. وأعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئةوالإحصاء في مصر اللواء إيهاب علوي يوم الإثنين (7/5/2001) أن مصر تشهد مولوداجديدا كل 23.5ثانية موضحا أن تحسن الأوضاع الصحية أسفر عن ارتفاع معدل الزيادةالسكانية. وقال علوي خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الجهاز أن العدد الإجمالي للسكانيبلغ حاليا 66.552مليون نسمة، أي "بزيادة قدرها مليون و346 ألف شخص خلال سنةواحدة". وكانت وتيرة الولادات الأخيرة حددت بمولود جديد كل 24.6 ثانية. وأفاد تقريرصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن المصريين يزدادون بمعدل 113 ألف نسمةشهريا أو 3679 نسمة يوميا. واعتبر علوي إن المعدل السنوي للنمو السكاني ونسبته(2066) الآلاف مرتفع، وعزا "السبب إلى الجهود المبذولة في المجال الصحي مما أدى إلىنقص في أعداد الوفيات بين المواليد الجدد". وأضاف أن السبب الآخر في ازدياد معدلاتالسكان هو ارتفاع مستوى الأعمار بنسبة ثلاث سنوات لكل من الإناث والذكور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تأثير المشكلة السكانية علي كافة المستويات:-
وأكد أن "الجهود الكبيرة المبذولة أدت إلى نقص في حالات الحمل لكن تحسن الأوضاعالصحية" أسفر عن ضياع الجهود التي بذلت من أجل تنظيم الأسرة. ورأى عدد من الخبراءأن الحلول المتاحة لمواجهة الزيادة السكانية ليست متعددة كالمصاعب الناجمة عنهاويؤكد مسؤولون رفضوا الكشف عن هويتهم أن الحل يكمن بوجوب تحديد النسل لكن الأمريواجه معارضة الأوساط الدينية المتشددة في مجتمع محافظ مثل مصر. وكان الرئيس حسنيمبارك أطلق قبل ثلاثة أشهر تحذيرا، لم يكن الأول من نوعه، حيال مخاطر الزيادةالسكانية وانعكاساتها على النمو الاقتصادي إضافة إلى آثارها وأبعادها على المستوياتكافة.
الجانب الاقتصـــادي:-
وفي هذا الصدد، حذر علوي من المضاعفات التي ترتبها الزيادة السكانية على معدلاتالاستهلاك الغذائي، مشيرا إلى أن مصر تستهلك 10.8مليون طن من القمح سنويا تستوردمنها 4.3مليون طن. وتابع أن مصر تستهلك مليون و324 ألف طن من السكر سنويا ومليونو865 ألف طن من اللحوم، لكنه لم يوضح نسبة ما يتم استيراده من الكميات المذكورة. وأكد أن نسبة الأراضي المرزوعة قمحا تبلغ 31.8% من المناطق الزراعية. ورأى انه فيحال استمرت الوتيرة الحالية للولادات، فان "عدد السكان سيبلغ 123 مليون نسمة سنة 2029 مما سيؤدي إلى زيادة المساحات المزروعة قمحا على حساب الزراعات الأخرى،وبالتالي ستزداد الحاجة إلى استيراد الكثير من المواد الغذائية الأخرى". وأوضح رئيسالجهاز أن عدد السكان، حتى الأول من كانون الثاني/يناير 2001 بلغ 66.552مليون نسمة،بينهم 64.652مليون نسمة داخل مصر، في حين لم يطرأ أي تغيير على عدد العمالة المصريةفي الدول العربية التي لا تزال في حدود 1.9 مليون شخص. ويعمل غالبية المصريين فيالسعودية وليبيا والأردن والكويت. أما العراق، فلا يتجاوز عدد المصريين فيه 65 ألفاحاليا بعد أن كان يتجاوز الميلونين قبل عشرة أعوام. وكان عدد السكان، حتى الأول منكانون الثاني/يناير 2000 بلغ 65.205مليون نسمة بينهم 63 مليون و200 ألف نسمة داخلالبلاد. وقال علوي إن الإعلان عن الزيادة السكانية في مصر هو "إجراء سنوي يحتسب عبرتعداد الفارق بين نسب المواليد والوفيات في حين أن الإحصاء العام للسكان يجري مرةواحدة كل عشرة أعوام". وأوضح انه منذ "العام 1950 حتى الآن ازداد السكان من 20مليون إلى 66.5مليون نسمة". مضيفا أن "عدد السكان ازداد 24.5مليون نسمة بين 1980وعام ألفين. وأوضح علوي أن معدل عدد أفراد الأسرة المصرية انخفض من 4.9عام 1986 إلى 4.6 عام 1996. وشدد على وجوب "عدم تخطي أفراد الأسرة الأربعة أشخاص لكي نحققمستويات مريحة". من جهة أخرى، أكد علوي أن عدد القوى العاملة في مصر لا يقل عن 18.6مليون شخص في حين يبلغ عدد العاطلين عن العمل 1.5مليون شخص. وكان مجلس الشورىأعد دراسة مفصلة حول الأبعاد المترتبة على الانفجار السكاني في مصر وسجل عددا منالنقاط أبرزها ارتفاع "معدلات البطالة بين الخريجين الجدد وزيادة أعداد فرص العملالمطلوبة سنويا". إلى ذلك، أضاف علوي أن عدد الذكور في المجتمع المصري يفوق عددالإناث (51.17% مقابل 48.83%)، بينما يبلغ معدل الأعمار 69.5 سنة لدى الإناث و 66.5سنة لدى الذكور. وأفاد التقرير الصادر عن الجهاز أن عدد سكان القاهرة الكبرى التيتضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، لا يتجاوز 16.750 مليون نسمة في حين يبلغعدد سكان القاهرة الصغرى 7.28 ملايين نسمة، إلا أن علوي قال أن ما بين 1.8 و2.2مليون شخص يدخلون العاصمة يوميا.
دراسة: توقعات بتحول مصر إلى مستورد للنفط بحلول عام 2017 بسبب الزيادة السكانية المطردة
القاهرة: نبيل أبو ستيت.
توقعت دراسة علمية تحول مصر الى دولة مست
للبترول بحلول عام 2017، خاصة في ظل سياستها الرامية لاصلاح الهيكل الاقتصادي، والانطلاق على طريق النمو الاقتصادي لرفع مستوى المعيشة والدخل، ومواجهة الزيادة السكانية المطردة.
واشارت الدراسة التي اعدها الدكتور حسين عبد الله رئيس جهاز تخطيط الطاقة ووكيل وزارة البترول السابق بعنوان «ازمة نضوب البترول والغاز في مصر» الى ان قطاع البترول يمثل نحو 14 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي المصري واضافت ان مصر استوردت خلال عامي 1974 و1975 بترولا قيمته 300 مليون دولار، ثم تحولت الى دولة مصدرة منذ عام 1976 بحصيلة صافية من العملة الاجنبية تصاعدت حتى بلغت ذروتها 2.5 مليار دولار سنويا في الفترة من 1980 ـ 1985 ثم انخفضت هذه الحصيلة الى 700 مليون دولار فقط عام 1986 الا انها عادت مرة اخرى للنمو التدريجي حتى وصلت الى 1.3 مليار دولار سنويا في الفترة 1996 ـ 1999 فاذا اضيفت الى هذه الحصيلة قيمة الاستهلاك المحلي من البترول فانها تصل الى 5.3 مليار دولار سنويا، ويساهم قطاع البترول في الوقت الحاضر بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بــ 16 في المائة لكل من قطاع الزراعة والصناعة والتجارة وتوضح الدراسة ان مصر نجحت في تغطية احتياجاتها المحلية من البترول حيث زاد انتاجها من 7.5 مليون طن في عام 1975 الى 34 مليون طن في عام 1997 ومع حالة الكساد التي صاحب السنوات الاولى من برنامج الاصلاح الاقتصادي في الفترة من1990 ـ 1993 توقف استهلاك الطاقة عند 28.4 مليون طن في حين ارتفع استهلاك البترول في الفترة من1994 ـ 1997 من 29.3 الى 34 مليون طن أي بمعدل زيادة 5 في المائة سنويا، وتتوقع الدراسة زيادة استهلاك البترول والغاز الطبيعي بمعدل 3 في المائة سنويا في الفترة من 1997 الى 2017 وبذلك سترتفع احتياجات مصر من البترول والغاز الطبيعي من 34 مليون طن عام 1997 الى 50 مليون طن في عام 2010 والى 61.4 مليون طن في عام 2017 وتؤكد الدراسة انه وفقا لتقدير احتياجات مصر من الطاقة على اساس معدل نمو 3 في المائة سنويا فان نصيبها من الاحتياطيات والذي يقدر بنحو 830 مليون طن بترول بخلاف حصة الشركاء الاجانب، يمكن ان ينضب في عام 2015، بافتراض التوقف عن تصدير البترول السائل من الآن والامتناع عن تصدير الغاز مستقبلا.
وترى الدراسة انه اذا استمرت مصر في تصدير البترول للحصول على 1.3 مليار دولار سنويا كما الحال الآن فان نصيبها من الاحتياطيات المؤكدة سوف ينضب في عام 2012.
وكشفت الدراسة عن خطورة الاتفاقيات التي عقدت مع الشركاء الاجانب في حقول الغاز الطبيعي والتي يحصلون بمقتضاها على نسبة تتراوح بين 20 في المائة و40 في المائة من الانتاج، بالاضافة الى التوسع في تقديم حوافز جديدة للشريك الاجنبي عن طريق زيادة سعر شراء نصيبه من الغاز، وطالبت الدراسة بعدم تصدير الغاز الطبيعي الى ان يصبح الاحتياطي 40 تريليون قدم مكعب موضحة انه اذا استمرت مصر في تصدير الغاز قبل تحقيق هذا الاحتياطي فانها تعجل بنفاده وستضطر الى استيراده من الخارج باسعار مرتفعة تصل الى 38 دورلارا عام 2010 و55 دولارا عام 2017 ويضرب المؤلف مثالا على ذلك انه اذا قامت مصر بتصدير الغاز الى تركيا كما اعلن عن ذلك وهو ما يقتضي تخصيص نحو 808 تريليونات قدم مكعب من اجمالي الاحتياطيات الغازية لمواجهة هذا الالتزام، واذا ما استمرت ايضا في تصدير البترول فان نصيبها من احتياطيات البترول والغاز يمكن ان ينخفض الى نحو 678 مليون طن بترول معادن وهو ما يؤدي الى استنفاد ذلك النصيب بحلول عام 2009م.
وتدعو الدراسة الى اعادة حساب احتياجات مصر من الغاز في ضوء الخطط التي وضعتها مؤخرا لمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى عام 2017.
واذا ثبت من تلك التقديرات ان ما تحقق من احتياطيات للغاز لا يكفي لمواجهة الاحتياجات المحلية حتى عام 2020 على الاقل خاصة مع ما يشهده انتاج الزيت من انخفاض مستمر خلال السنوات الاخيرة، فمن الواجب ان يعاد تقدير رقم الاحتياطي القومي والالتزام بعدم تصدير الغاز قبل بلوغ الهدف الجديد اذا ما شرعت مصر في تصدير الغاز قبل ان تحقق الاحتياطي القومي المناسب، فان ذلك سوف يعجل بنفاده ايضا بنقطة التحول الى استيراد الطاقة التي تعتبر من اهم عناصر النمو الاقتصادي، وهذا يهدد بوقوع ازمة خطيرة خاصة في ظل ارتفاع البترول واشارت الدراسة الى ان هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والتي انشئت لاستغلال المصادر غير البترولية لم تحقق الامال المنشودة، اذ لم تتجاوز مساهمة المصادر الشمسية والرياح والكتلة الحيوية 0.46 في المائة من الاحتياجات المحلية من الطاقة عام 1995 وتدعو الدراسة الى تذليل العقبات التي تحول دون الانتشار السريع لاستخدام تلك الطاقات، وان كان من المعروف انه حتى على المستوى العالمي ان تلك الطاقات امامها وقت طويل قبل ان تحتل مكانة مهمة على قائمة الاستهلاك العالمي للطاقة لان تكنولوجيتها مازالت في المراحل الاولى من التطوير، وفي مصر تقدر هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة مساهمتها في تغطية الاحتياجات المحلية بما لا يتجاوز 4.2 في المائة من تلك الاحتياجات بحلول عام 205، وتؤكد الدراسة ان الرؤية المستقبلية للحفاظ على احتياطي كبير من الغاز للاستهلاك المحلي وترشيد طاقة التكرير بما يلائم نمط الاستهلاك المحلي دون الوقوع في فخ انتاج كميات متزايدة من المازوت الملوث للبيئة والذي يصعب تسويقه مستقبلا تقتضي التوسع في تزويد معامل التكرير بطاقة للتكسير بحيث يتحول الفائض من المازوت الى منتجات خفيفة كالبنزين والسولار وهو ما يفي باحتياجات المواصلات وفيما عدا ذلك ينبغي ان يحل الغاز كوقود محل السوائل في كل الاستخدامات ويمكن ايضا التوسع في استخدامه في السيارات وبذلك يمكن ان تنخفض طاقة التكرير اللازمة لمواجهة الاحتياجات المحلية الى النصف والتخلص من المازوت الفائض الملوث للبيئة وتفادي الصعوبات المتزايدة في تصديره فضلا عن تحسين مستوى البيئة في مصر نتيجة للتوسع في احلال الغاز محل المازوت.
الجانب الاجتماعي:-
التعليم:
بالرغم من أن التعليم في مصر مجاني (نظريا على الأقل) إلا أن نسبة الأمية تزيد على 45%، ومعدل الإناث هو الأعلى في الأمية حيث يبلغ 60% من البالغات بينما تصل النسبة وسط الذكور البالغين إلى 36%.
البطالة:
تبقى البطالة أكثر التحديات الاجتماعية التي تواجه النظام المصري، ومع أن نسبتها حسب بعض التقديرات الرسمية عرفت تراجعا في السنوات الماضية إلا أنها وصلت إلى 8.4% عام 2000/2001 بعد أن كانت 9.2% عام 1991/1992. غير أن تقديرات المؤسسات الدولية والاقتصاديين المصريين ترفع هذه النسبة إلى ما بين 20-30% من مجموع القوى العاملة في مصر، وترتفع هذه النسبة بين الفتيات وفي المناطق الريفية لا سيما في محافظات الصعيد. وتحددها بعض المصادر بأكثر من 5.3 مليون عاطل عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة.
الجانب الصحـــــــي:-
رسمت وزارة الصحة والسكان صورة كاملة متكاملة لاستراتيجيتها لتواجه بها التحديات التي تحاول تغيير ملامح هذه الصورة فتم دراستها دراسة جيدة وتمثلت في :
·الهرم السكاني ذو قاعدة عريضة ويمثل 40 % من تكوينه مواطنين صغار السن في طريقهم للدخول في سن الزواج، الأمر الذي سيتطلب احتياجات من الخدمات أضعاف ما كان موجوداً في ذلك الوقت وسيزيد العبء أضعافاً مضاعفة .
·تذبذب معدلات المواليد سنة بعد سنة، وانخفاض معدلات الوفيات وكذلك ثبات معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة عند 47.8 مدة ثلاث سنوات متتالية، مما دعا الحاجة إلي دراسة متعمقة لدفع المؤشرات إلي الاتجاه المحقق للأهداف من خفض معدل المواليد وخفض معدل الوفيات وتحريك الزيادة الطبيعية إلي الهبوط، مع سرعة زيادة معدلات استخدام الوسائل ليترادف التوأمان انخفاض معدل المواليد وزيادة معدل استخدام الوسائل علي درب الحل والوصول للهدف.
·إن وزارة الصحة والسكان بمنافذها المتعددة وميادينها المتنوعة من خلال خدمات الرعاية الصحية الأساسية والمستشفيات المختلفة والهيئات التابعة لها تشكل أكثر منافذ الخدمة انتشاراً، ولكن نظراً لانهيار البنية الأساسية وحاجتها إلي التحديث والتطوير، والافتقار إلي التجهيزات الحديثة مما مثل عائقاً أمام تقديم خدمات ذات مستوي لائق يقبل عليه الجمهور ويحث العاملين علي أداء واجبهم خير أداء .
·مستوي أداء مقدمي الخدمة كان دون المطلوب مما يدل علي الحاجة إلي إعادة النظر في مستوي التدريب إلي جانب أساليب الثواب والعقاب وتحديد الأدوار علي كافة مستويات الإشراف والتقييم والمتابعة .
·غياب التكامل والتنسيق بين البرامج الرأسية وبين القطاعات وبعضها مما ساعد علي وجود جزر منفصلة يسعي كل منها إلي تحقيق هدف محدد والاستقلال بذاته دون النظر إلي الهدف العام لوزارة الصحة والسكان وهو الحفاظ علي صحة المواطنين سواء عن طريق الخدمات الصحية أو خدمات تنظيم الأسرة .
·علي الرغم من توافر وسائل تنظيم الأسرة إلا أن الأنواع التي كانت تستخدم ظلت محددة وغير ملبية للاحتياجات الخاصة لكل منتفعة طبقاً لاحتياجاتها الصحية والنفسية وملاءمتها للظروف البيئية وهذه المحدودية حصرت 80 % من المستخدمات في تركيب اللوالب الرحمية، وكان لابد من توفير أنواع أخري حديثة تلبي الاحتياجات لعدد أكبر من المنتفعات المستفيدات وتوسيع قاعدة المستخدمات بدرجة كبيرة ليصبح البرنامج متعدد الاستخدام، فكلما تعددت البدائل زادت فرصة الاختيار وزاد الإقبال .
·مثل القطاع الأهلي والخاص منذ بداية البرامج السكانية عنصراً مفيداً وعضواً أساسياً وجزءاً هاماً في تنفيذ السياسة السكانية سواء في تقديم الخدمات أو البرامج المتعلقة بالخصائص السكانية عامة ولكن ظل هذا القطاع يعاني من قصور الإمكانيات التي تحد من دوره ولا تسمح بنمو هذا الدور بالدرجة التي تحتاجها الشراكة الحقيقية بين الجهات العاملة في هذا المجال وكان علي وزارة الصحة والسكان مراجعة الاستراتيجيات المتعلقة بهذين القطاعين الهامين .
·كان للإعلام دائماً دور رائد في مجال السكان وتنظيم الأسرة بما يبث عن طريق الإذاعة والتليفزيون، وما يحرر بالصحف ولكن تلاحظ حالة الاسترخاء والقناعة التي أحاطت بالأنشطة الإعلامية، وظلت معدلات الاستخدام قاصرة ومحدودة وكان لابد من مراجعة البرامج والأدوار التي يقوم بها الإعلام وتغيير سبلها لتواكب المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسلوكية في المجتمع .
·محدودية التمويل وتقلص التمويل الأجنبي في مجال السكان وحسن استخدام الأموال المتاحة للبرامج المختلفة وأهمية الاستفادة من التنسيق بين القطاعات وضبط الإنفاق ليعطي أكبر عائد علي الأنشطة، والقياس المستمر للتحسن في المؤشرات .
·انخفاض الخصائص السكانية للمرأة المصرية، وارتفاع نسبة الأمية وانتشار العادات والتقاليد غير الصحية، وتدني المستوي الاقتصادي للمرأة والحاجة إلي رفع مستوي المرأة الصحي والنفسي والاجتماعي .
·متابعة المؤشرات كانت مقصورة علي إجمالي الجمهورية دون تحديد للمناطق والقطاعات ذات الاحتياج الخاص، والتركيز علي الأماكن مهما صغرت التي تحتاج إلي تدخل بأنشطة مستحدثة لدفع عجلة العمل بها .
·علي الرغم من عقد مؤتمر السكان والتنمية 1994 والذي أجمع العالم علي خطة العمل التي أسفر عنها إلا أن البرنامج المصري ظل وحتى 1996 قاصراً علي الطرق التقليدية لخدمات تنظيم الأسرة دون المحاولة إلي تنفيذ باقي توصيات المؤتمر والتي تعني الدخول في حل مشكلات السكان عن طريق خدمات الصحة الإنجابية وتقوية دور المرأة في المجتمع والتركيز علي برامج الشباب والمشاركة بطريقة فعالة في برامج التنمية .
ومن واقع المواجهة الشاملة والتحدي الصريح لهذه التحديات جاءت استراتيجية وزارة الصحة والسكان محققة لأهداف تحقق أول خطوة حقيقية نحو الهدف الأساسي وهو الحد من الزيادة السكانية والأهداف الأخرى والتي تمثل أهدافاً مترادفة من تعزيز صحة المواطن والمشاركة في دفع عجلة التنمية بالتنسيق بين القطاعات المختلفة والمتنوعة وبالمشاركة مع الهيئات والمؤسسات العاملة في المجال السكاني وبالشراكة الكاملة مع القطاع الأهلي والخاص في إطار من المفاهيم الراسخة المختلفة في أن تكون المعلومات والخدمات حق لكل مواطن لاتخاذ القرارات الحيوية الخاصة له ولأسرته بحرية كاملة مبنية علي المعرفة العلمية للحقائق وللوقائع ولدوره في المجتمع .
ولذا فقد قامت وزارة الصحة والسكان في عام 2000 بمراجعة وثيقة السياسة القومية للسكان التي صدرت عام 1986 وأقرتها القيادة السياسية وقامت بتحديثها بحيث تتلاءم مع متطلبات المرحلة القادمة بإضافة هدف رابع للسياسة القومية للسكان والخاص بتقليل التفاوتات الديموجرافية والاجتماعية والاقتصادية بين المجموعات السكانية في المناطق الجغرافية المختلفة كما تم مراجعة الاستراتيجيات المختلفة وتبني استراتيجيات متعددة غير تقليدية من اجل تحقيق الهدف القومي ألا وهو خفض معدلات المواليد ومعدلات الخصوبة للحفاظ علي ثمار التنمية القومية لرفع مستوي رفاهية المواطن في الريف والحضر مع إعطاء الأولوية لمحدودي الدخل وغير القادرين .
كما قامت وزارة الصحة والسكان بعمل الخطة الاستراتيجية القومية للسكان في الفترة من 2002 – 2010 والتي تعمل علي تحقيق أهداف السياسة السكانية وذلك بمشاركة جميع الوزارات والجهات المعنية والتي سبق لها أن شاركت في تحديث هذه السياسة السكانية .
حيث تم تحديد الأهداف العامة للخطة الاستراتيجية القومية للسكان في مصر وتحديد الأهداف المحددة والفرعية للاستراتيجيات النوعية مع تحديد أدوار الوزارات والهيئات المشاركة في أساليب تحقيق تلك الأهداف بحيث تتكامل في أدوارها كما تم وضع المستهدفات لكافة شركاء التخطيط الاستراتيجي في المرحلة القادمة من خلال عمل الاسقاطات السكانية .
وتنبع من هذه الخطة الاستراتيجية أنشطة متعددة وتدخلات غير تقليدية يتم تنفيذها في جميع وحدات وزارة الصحة والسكان المنتشرة في المدن والقرى علي مستوي الجمهورية ويتم إجراء متابعة مستمرة لتطور معدلات المواليد والوفيات والخصوبة ومعدلات الاستخدام لوسائل تنظيم الأسرة علي المستوي القومي والمحافظات كما يتم متابعة التطور في هذه المعدلات علي مستوي الإدارات والوحدات الصحية بالقرى والأحياء كل ثلاثة شهور.
الجانب السيـاسي:-
وقد كان ومازال الدعم السياسي الكبير للسيد رئيس الجمهورية أكبر الأثر في دفع القيادات إلي العمل الجاد والمخلص مما كان له أكبر الأثر في إيمان وزارة الصحة والسكان بثلاثة مبادئ غير مسبوقة وغير تقليدية لسياسة العمل التي تعود عليها العاملون داخل الوزارة وتمثل في :
·مشكلة السكان ملحة ولا تحتمل التأجيل وتحتاج سرعة تضافر الجهود وإطلاق رمح العمل الجاد والمواجهة الحقيقية .
·الانضباط الإداري والمالي لا بديل عنه .
·مبدأ الإثابة حق للعاملين المجدين والاستغناء ضرورة للعناصر التي تعوق العمل .
السياسة القومية للسكان؛-
وأعلنت هذه الاستراتيجية بوضوح اتساع الأفق في التفكير فيها ومتابعة التطورات العلمية العالمية المذهلة والإلمام المتكامل لجوانب المشكلة وأكدت تنفيذ السياسة السكانية من خلال تنمية شاملة لصحة المرأة بوجه عام والصحة الإنجابية بوجه خاص، والدعوة الجادة الصادقة لتحسين الخصائص السكانية، والتوزيع السكاني وذلك من خلال تحقيق الأهداف التالية :
·زيادة ممارسة تنظيم الإنجاب باعتباره المدخل الوقائي لمعظم مشكلات الصحة الإنجابية وصحة المرأة .
·التركيز علي صحة المرأة في فترة ما قبل الخصوبة، وفترة الخصوبة، وفترة ما بعد الخصوبة، ومساعدة الزوجين علي تحقيق أهدافهم الإنجابية .
·التنسيق والتكامل مع كافة الجهات المعنية بالسكان بهدف تحسين الخصائص السكانية .
·الدعوة إلي إعادة توزيع السكان في مصر ودراسة أفضل الوسائل لتحقيق ذلك .
·المرأة نصف المجتمع والراعي للنصف الأخر ولكن هُضم حقها فترة طويلة فوجب رعايتها منذ الطفولة وحتى الشيخوخة صحياً ونفسياً واجتماعياً وثقافياً .
·هناك مناطق في مصر لازالت محرومة من الخدمات واحتياجات غير ملباة يجب توفيرها .
·من حق كل منتفعة أن تحصل علي الحديث من وسائل تنظيم الأسرة .
·ضرورة توافر المعرفة والمعلومات والمهارات لمقدمي الخدمات لتقديم الخدمة علي أعلي مستوي .
·أن تكون جميع الخدمات حق لكل مواطن .
·أن تكون خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة جزء من الخدمات التي تكفلها الدولة للجميع، وتطبيق ذلك التطبيق الفعلي مرادفة لتطوير القطاع الصحي الجاري تنفيذه .
·توفير كافة الإمكانيات للقطاع الأهلي من تدريب وتوفير مستلزمات العمل في تكامل وتناسق بينه وبين وزارة الصحة ضرورة يحتمها العمل في الوقت الحالي .
·الحضور الدولي لمصر بين الدول ومع الهيئات الدولية أمر ضروري للحصول علي الجديد والحديث من برامج ودراسات وتبادل الخبرات وإبراز دور مصر الريادي ومكانتها الحضارية العالية يعتبر جزء من الاستراتيجية .
وطالما توافرت استراتيجية تولدت من الواقع وأخذت ما أخذت من الوقت والجهد في الدراسة والفحص والتطبيق والتقييم والمتابعة فلابد أن تكون ثمارها وارفة وإنتاجها غزيراً لذا شهدت السنوات الثلاث الماضية إنجازات عديدة ومتنوعة في مجال السكان وتنظيم الأسرة وانعكس ذلك علي المؤشرات الحيوية بصفة خاصة .
المؤشرات الحيوية لتنظيم الأسرة
البيان
1996
2001
معدل المواليد
27.7
26.7
معدل الوفيات
6.3
6.3
معدل الزيادة الطبيعية
21.4
20.4
معدل استخدام الوسائل
54.5
58.6
وقد تحقق هذا الإنجاز كنتيجة حتمية لتدخلات سريعة وحاسمة لمواجهة التحديات المختلفة فعلي سبيل المثال وليس الحصر :
·التحديد الواضح لاستراتيجية العمل التي يمكن في إطارها اكتشاف عناصر القوة والضعف من خلال النتائج السابقة .
·مدي تحقيق التعاون والتكامل والتنسيق علي كافة المستويات .
·تركيز الاستراتيجية علي الاحتياجات الفعلية لكل منطقة علي مستوي الجمهورية والعمل بقوة في المناطق الأكثر احتياج .
محاور علاج مشكلة الزيادة السكانية:-
ناقش مؤتمر الشباب والتنمية السكانية الذي عقد مؤخرًا في القاهرة، مشكلة الزيادة السكانية باعتبارها مشكلة مصر الكبرى، على اعتبار أنها تهدد التنمية بسبب عدم التناسب مع الموارد الطبيعية والقدرات الإنتاجية لمصر، كما يصاحبها عدد ضخم من المشكلات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.
ومن ذلك الزحام الخانق في الشوارع والمواصلات، وتلوث الهواء، وجيش البطالة المتزايد من الشباب، وأطفال الشوارع، وتهديد الأمن العام، وانتشار العشوائيات التي تصل إلى 1034 منطقة عشوائية يعيش فيها نحو 12 مليون نسمة يمثلون خمس سكان مصر، هذا بالإضافة إلى الصراع الرهيب على مكان في المدرسة والجامعة والمستشفي وكل الخدمات ووسائل العيش.
وكذلك الانخفاض المتزايد لقيمة العملة الوطنية نتيجة الارتفاع الصاعد الرهيب في أرقام الواردات اللازمة لمواكبة الزيادة في أعداد السكان، بما أوصلها إلى ثلاثة أضعاف قيمة الصادرات، أي أننا نستهلك ثلاثة أضعاف ما نستطيع إنتاجه، وننفق ثلاثة أضعاف دخلنا، والباقي بالدين والاقتراض وطبع البنكنوت...الخ، مما يزيد من التخلف ويعوق عملية التنمية.
ولم تتحرك الدولة بالشكل الكافي لدفع أو التخفيف من خطر هذه المشكلات خلال السنوات الماضية، فبعدما أفرزت مع جهازها التنفيذي وزارةً خاصةً بالسكان، فإنها لم تعمر طويلاً وتحولت إلى هيئة خاصة لها جهاز إداري وإمكانات محدودة، ثم ألغت الدولة هذا التشكيل وألحقت المشكلة السكانية بوزارة الصحة، هذا التردد بين وزارة ثم هيئة ثم ملحقية، يوضح لنا عدم الاستقرار في اتباع خطيً ثابتة لحل هذه المشكلة الخطيرة والتي تنبني عليها سياسات كثيرة في الصحة والتعليم وميادين العمل والتنمية بصفة عامة.
ومما لا شك فيه أن إلحاق السكان بوزارة الصحة أساسه أن النظرة إلى المشكلة السكانية هي نظرة مقصورة على مجرد التعداد والنمو السكاني، أي نظرة بيولوجية للإنسان من أجل الحد من تكاثره، إلا أنها نظرة من جانب واحد، تهمل الجوانب الاجتماعية والدينية والاقتصادية.
فهناك قصور النظرة الاجتماعية والاقتصادية التقليدية على أن كثرة (العيال) عزوة عددية أو طاقات إنتاجية بالنسبة للملاك وأصحاب الأعمال، أو طاقات عمل زراعي أجير يدر دخل بالنسبة للأسر الفقيرة. والآن تحولت الأهداف إلى أن تكون العيال طاقات عمل إداري ومكتبي يتقاضون رواتب شهريةً مؤكدةً ومضمونةً، مما أدي إلى تناقص الأيدي العاملة الزراعية، رغم زيادة عدد السكان في الريف.
ونتيجة الاقتصار على النظرة البيولوجية لهذه المشكلة، فقد تركز العلاج على التوعية الإعلامية من خلال أجهزة الإعلام المختلفة لاتباع أسلوب التنظيم، وتم إنشاء أجهزة لتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، ولكن أسلوب التنظيم لم يحقق الأهداف المرجوة بالدرجة المطلوبة، حيث زاد تعداد السكان خلال عشرين عامًا أكثر من 24 مليون نسمة، أي أكثر من مليون طفل كل عام بواقع طفل كل 27 ثانية والعدد في تزايد وتضاعف مستمر، هذا بالرغم من إنفاق عشرات الملايين من الجنيهات وعقد المؤتمرات العديدة بهذا الشأن.
وبالرغم من هذه النتائج فإن أسلوب علاج هذه المشكلة لم يتغير، حيث خلت توصيات مؤتمر السكان الأخير من أي إجابة متكاملة عن السياسة السكانية المناسبة لمصر، وكيفية تفعيلها، حيث اقتصرت التوصيات على مطالبة المجتمع بإلحاح عقيم بالتحديد أو التنظيم، فهما وجهان لسياسة واحدة لا تناسب المجتمع المصري الفقير الذي يؤمن بعضه بزيادة عدد أفراد الأسرة لأسباب كثيرة مصيرية واقتصادية واجتماعية.
وتبنى المؤتمر رؤية العالم الاقتصادي "مالتس" قبل أكثر من قرنين، حيث افترض أن النمو السكاني من أهم الضغوط المتراكمة على موارد الإنتاج، ومن ثم انصبت حلوله حول الحد من زيادة السكان، وضرورة خفض عدد أفراد الأسرة، لكن الثورة الصناعية سرعان ما برهنت على فساد رؤيته المتشائمة، كما طرحت البديل الواقعي بما حققته من طفرات إنتاجية مكنت أوروبا من تجاوز الأزمة ومن ثم استيعاب النمو السكاني مرات عديدة، والوصول إلى درجات الرفاهية.
وبقدر ما تراجعت المالتسية في العالم المتقدم بقيت تغلف الرؤى السكانية في العالم الفقير، ليس فقط لأنها تبرر قصور برامج التنمية، وإنما أيضًا باعتبارها الإجابة الجاهزة للحكومات والمؤكد أنها لا تحقق نجاحًا في المجتمعات الفقيرة، تدل على ذلك تجربة الهند والصين، وبذلك ينبغي لهذه النظرية ألا تتصدر بنود علاج الأزمة، حيث إن بعض المجتمعات يتجه إليها تلقائيًا في مرحلة معينة ترتبط بتحسن نوعية الحياة.ومن ثم فإن التحديد أو التنظيم ليس هو الحل الأمثل أو الأولى لعلاج مشكلة الزيادة السكانية وإنما العمل والإنتاج لتحقيق التنمية التي تستوعب الزيادة السكانية العالية.
اعتبارات مطلوبة:
وقبل سرد أهم محاور علاج المشكلة بصورة أوسع وأشمل، هناك مجموعة من الاعتبارات الخاصة بذلك: الاعتبار الأول: يتعلق بصعوبة اللحاق إنتاجيًا بالنمو السكاني المرتفع من أجل تحقيق التوازن بين حجم السكان وحجم الناتج القومي،ويمكن القول أن تحقيق هذا التوازن قد يتوقف إلى حد بعيد على المسؤولين عن السياسات السكانية أكثر مما يتوقف على الإنتاج والاستثمار المادي في المجتمع.
والاعتبار الثاني: أنه في ظل عالم يتناقص فيه مستوي متوسط دخل الفرد فإنه تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في السياسة السكانية وإدخال متغيرات جديدة في التعامل معها، والشباب هم أكثر فئات المجتمع التي يجب أن تسهم في صياغة هذه السياسة بمفردات تتفق ومتغيرات الواقع الذي نعيشه.
أما الاعتبار الثالث: ففي ضوء محدودية طاقة استيعاب موارد الأرض والمياه في كل دولة، فإنه يتعين عليها أن تكون لها سياسة سكانية تفصيلية موضحة بدقة، سياسة تراعي طاقة استيعاب الدولة وفق معدلات الاستهلاك التي يقررها مواطنوها.
والاعتبار الرابع: أن معالجة الزيادة السكانية لا تعني كبح جماح النمو السكاني، وإنما وضع سياسة تستند إلى حل منطقي لهذه المشكلة، ألا وهي ما هو العدد الأمثل للسكان من وجهة نظر المواطنين بعد إدراكهم لحجم المشكلة ؟ وهناك ضرورة لأن تدمج الدولة طاقة الاستيعاب الاقتصادي في السياسة السكانية في محاولة للوصول إلى الحجم الأمثل للسكان بما في ذلك نوعية هذا الحجم.
أما الاعتبار الخامس والأخير: فإنه حينما يصبح الموضوع هو بحث العلاقة بين حجم السكان والرفاهية على المستوي القومي، فإنه لابد أن يطغي الخيار المجتمعي على الخيار الفردي، وهو خيار لابد أن يكون على مستوى الموارد المتاحة وهي كثيرة وعديدة ومدى توفيرها لحياة هانئة للناس متى توفرت الخطة المناسبة وتوفر التنفيذ الصحيح وقام بوضع الخطة والتنفيذ متخصصون تحكمهم القيم والمثل وما بين المصالح العامة.
محاور العلاج:
أما عن محاور علاج المشكلة السكانية فإن أهم محور للعلاج هو تحقيق التوازن بين النمو السكاني وتنمية الموارد، وذلك عن طريق إلغاء المالتسية الثنائية بين السكان والموارد، وإحلال سياسات التنمية محل سياسات التحديد، سواء أكانت التنمية سكانية أم انتاجية، وتحقيق التنمية السكانية يتم عن طريق التوسع بلا حدود في برامج التعليم والتدريب في إطار ما يعرف بالتنمية البشرية المستمرة، التي تركز على تأهيل الفرد في مجالات الإنتاج الحقيقية، ومتابعته دوريًا بالتطوير والتحديث، وقياس إنتاجيته تبعًا لمؤشر التكلفة / العائد بما يضمن تجاوزه لمستوي الكفاية الشخصية والأسرية إلى مستوي الفائض والمدخرات.
أما بالنسبة للتنمية الإنتاجية فتمثل آلياتها أهم حلول الاختلال الواضح بين النمو السكاني وتنمية الموارد، وبالتطبيق على إقليم جمهورية مصر العربية، فإن آليات التنمية الإنتاجية تتمثل بصورة أولية في التركيز على المشروعات الزراعية والرعوية والصناعية المختلفة في شبه جزيرة سيناء وغيرها من مناطق الدلتا الشمالية، وتحقيق التنمية الإقليمية الشاملة لإقليم البحر الأحمر برامج تجمع بين الرعي والسياحة والزراعة الجافة بالإضافة إلى التعدين والبترول وتشجيع الهجرة إليه من الصعيد، والارتفاع بمستويات استثمار المدن الجديدة وتوظيفها صناعيًا للتصدير والاستهلاك المحلي، واستكمال شبكاتها في الدلتا والصعيد ورعاية برامج الهجرة إليها اقتصاديًا واجتماعيًا، واستكمال مشروعات مديرية التحرير والنوبارية وتوسيع نطاقاتها لتتصل بالواحات جنوبًا، وساحل البحر المتوسط شمالاً وغربًا، مع التركيز على الرعي الحيواني المختلط بالزراعة الصحراوية، وتغيير نظم الري القائمة وترشيدها، وإعادة جدولة مقننات الري حسب الاحتياجات المحصولية المثلي، وتحقيق التنمية البشرية المستمرة مع التركيز على الحرف الفنية والأنشطة الإنتاجية والربط بينها وبين السياسة التعليمية من جهة والقروض البنكية من جهة أخرى.
ويعد حل مشكلة الإسكان من المحاور المهمة في علاج أزمة الزيادة السكانية، تلك المشكلة التي تأتي نتيجة تخبط بعض القرارات وعدم تحقيقها لأهدافها، والدليل على ذلك تغير القوانين المنظمة للإسكان خلال فترة زمنيه محدودة، وعدم تناسب المعروض مع المطلوب من الوحدات السكنية في ضوء ضعف دور الدولة بسبب عزوفها عن بناء الوحدات السكنية منخفضة التكاليف وتمسكها بنظام التمليك المؤجل الذي اثبت فشله في حل أزمة الإسكان.
فلابد من وجود الآليات الفعالة لدفع وتنمية الطلب على الوحدات السكنية من خلال تنفيذ قانون التمويل العقاري الذي صدر منذ أكثر من عام، وإن نفذ فعليًا فسيكون علاجًا لأزمة الإسكان، أو تنشيط السوق العقاريه، ولابد من أن يكون الهدف الأساسي في علاج مشكلة الإسكان هو توفير المسكن المناسب للشباب محدودي الدخل على حساب الربح ومن ثم العمل على حل مشكلة الزيادة السكانية المتفاقمة.
وإذا كانت التوعية الإعلامية أسلوب لم يجدي كثيرًا في حل المشكلة، فإنه ليس معني ذلك العزوف تمامًا عن اتباع هذا الأسلوب ولكن مع أساليب وسياسات أخري حيث إنه من المهم الارتفاع بوعي الإنسان المصري وذلك من خلال قطاعات كثيرة مثل الثقافة والإعلام والتعليم والأوقاف والشباب وليس الإعلام فقط، فكل هذه القطاعات مطالبة بوضع استراتيجيه أو خطه شاملة خاصة بذلك، بحيث ينفذ كل قطاع ما يوكل له في هذه الخطة وفقًا لاختصاصه، وذلك مع أقصي درجات التنسيق بين هذه القطاعات، وإذا كانت إجراءات التنمية وبرامجها تكمن في حشد الموارد وتوزيعها على قطاعات إنتاجية وخدمية معينة وفقًا لخطة شاملة، فإن الأمر المهم هو ضبط الهجرة وتوزيع السكان والعمالة وفقًا لمقتضيات هذه الخطة، ولا يتعارض هذا مع الدستور أو القانون حيث إن الخطة تصبح دستورًا وجزءًا مكملاً له إذا أعطاها المشرع الأولوية والقوة التشريعية.
ومن المهم إنشاء عدة معاهد على مستويات تعليمية متعددة لتعليم مخاطر المشكلة السكانية على أن يكون لها ثقل برامجي تطبيقي في الريف، من اجل تخريج عاملين أو تكوين متفهمين لمحاذير الموضوع السكاني من داخل المجتمع.
كذلك فإن إنشاء مركز مصري لدراسة موضوع السكان على أساس قوي يساعد في تخريج خبراء على مستويً عال يصبحون الكوادر الأساسيه في وزارة أو مفوضية عليا للسكان، بحيث لا تكون هناك اجتهادات جزئية من جانب وزارة أو جهاز ما، بل خطط شاملة لكل جزئيات الموضوع بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والقيم الاجتماعية.
وأخيرًا فإن مواجهة الزيادة السكانية لا يعني إنكار أهمية وجود القوي البشرية، فالقوي البشرية في أي دولة مصدر من مصادر قوتها، لكن بشرط أن تكون هناك علاقة بين المساحة من الدولة التي يمكن استغلالها واستثمارها في شتي النشاطات الإنسانية التي تضيف إلى الناتج القومي، وعدد السكان الملائم للإقامة والعمل في هذه المساحة، بالإضافة إلى مستويات ونوعيه التعليم السائدة، والمستويات المنشود الوصول إليها، والإمكانات المتاحة التي تتحدد بناء عليها المدة الزمنية اللازمة للوصول إلى هذه المستويات، مع الوضع في الاعتبار مسألة الزيادة السكانية، وإلا فسوف يظل المجتمع والدولة يلهثان للوصول إلى هذه المستويات دون جدوي.
الخاتمــــــــــــــــــة
ومسك الختام يحلي الكلام بوصول العبرة من الأفواه إلي الأذهان، ومن القلوب إلي ذوي الأفهام....
وفي نهاية هذا المضمار أود أن قد أبلغت رسالتي إلي كل من يريد صلاح هذه البلاد الكريمة التي كرمها الله بذكرها في القران الكريم.
و أدعوا كل من يريد السلام لهذه البلاد أن يدخلها و يعمل علي حل مشكلاتها، وينتابني قول الحق تعالي
" أدخلوا مصر إن شاء الله أمنين"
و
رب العالمين
المراجـــــــــع
1-تاريخ التعليم في مصر ، أحمد إسماعيل حجي و أخرون، 2001، مصر، ط1، صـ 97،98،99.
2-مدخل إلي علم الإجتماع، محمود ذكي جابر، 2003،مصر، ط2، صـ65،66.
3-مصدر البيان التعداد السكاني :الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن عام 1997 ( آخر تحديث تم فى - أكتوبر 2003 ).
4-المجتمع المصري، نخبة من أساتذة كلية أداب قسم إجتماع، 2004،ط3، مصر، صـ103: 106.
5-مبادىء تربية، عفاف هاشم و عزة الحسيني، 2001، مصر، ط3،صـ 32،33،34.