عدد المساهمات : 698 نقاط : 1709 تاريخ التسجيل : 19/11/2009
موضوع: شهادة الزور وكتمان شهادة الحق الأحد 20 ديسمبر 2009 - 18:09
[size=21] ورحمة الله أقدم لكم محاضرة مكتوبة للشيخ محمد حسان وأتمنى الإفادة للجميع عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن
شهادة الزور وكتمان شهادة الحق
إنّ ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته ، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد .. فحياكم الله أيها الأخوة الفضلاء وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ، إنه ولى ذلك والقادر عليه ..
أحبتي في الله : كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق هذه من العلامات التي ذكرها النبي وعلى آله والتي ستكون بين يدي الساعة ، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي قال : " إن بين يدي الساعة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق " (1) وشهادة الزور هي الكذب المتعمد في الشهادة لإبطال الحق وكذلك كتمان الشهادة لإبطال الحق ، وهذه من العلامات التي تكون بين يدي الساعة وقد وقعت الآن بمثل ما أخبر الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، كثرت شهادة الزور وقلت الشهادة لإظهار الحق وكتمت .
ففي الصحيحين من حديث أبي بكر قال كنا عند رسول الله فقال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله قال عليه الصلاة والسلام : " الإشراك بالله " وتلي هذه الكبير كبيرة العقوق الإشراك بالله " وعقوق الوالدين " وكان متكئا – بأبي هو وأمي - فجلس ثم قال : " ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت (1) .. شهادة
الزور كبيرة كبيرة ، وخطيرة فشهادة الزور هي الكذب المتعمد وتستطيع الآن بعشرة جنيهات أو بمائة جنيه أو بألف جنيه بحسب حجم الشهادة وخطر القضية ، تستطيع أن تستأجر بهذا المبلغ رجلا ممن ينتسبون إلى الإسلام أمام محكمة من المحاكم ، ليقف أمام القاضي ليشهد زور وهو يعلم يقيناً أنه كاذب وأظن أن كلامي هذا ليس فيه ذرة من المبالغة ولا من تضخيم الأخطاء ، بل هذا واقع نعلمه ويعلمه كل منصف صادق يتقدم الرجل ليقول له القاضي : قل والله العظيم أقول الحق فيقول : والله العظيم أقول الحق ، يقسم بالعظيم أنه سيقول الحق وبهد هذه الشهادة وهذا القسم يكذب وهو يعلم يقينا أنه كذاب وهذا اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في نار جهنم أن يكذب الرجل وأن يقسم بالله جل وعلا أنه صادق هذا هو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في النار والعياذ بالله وذكرت لإخوانكم في دروس صحيح البخاري في يوم الأحد أنني حينما كنت أعمل في القصيم في السعودية وقدر الله عز وجل أن أصلي الظهر في مسجد من مساجد بريدة في يوم من الأيام وكنت أصلي مأموماً وقبل انتهاء الصلاة – والله يا إخوة – قام رجل ربما تجاوز السبعين من عمره أو ربما قارب التسعين رجل شيخ كبير وبعد ما سلم الإمام وقف وقال : يا إخواني إخواني أحذركم من شهادة الزور وظل يكرر هذه اللفظة حتى بكى وأبكى من في المسجد لهيئته – أحذركم من شهادة الزور ، وظل يكرر هذه اللفظة ثم استطرد ، ليبين فماذا قال ، قال : والله ما رأيت النور إلا بالأمس القريب فأنا مسجون منذ أربعين سنة بسبب شهادة زور تصور ضاع عمره في السجن وانتهت حياته بسبب شهادة زور إنما هو بيع للدين تماما من أجل الدنيا من أجل حفنة من الجنيهات أو من أجل مجاملة كاذبة حقيرة يتقدم الرجل في قضية من القضايا ، ليأتي برجل قريب له أو بمسلم بعيد عنه بمال حقير عفن قذر ، ليتقدم هذا الشاهد ليقف بين يدي القاضي ليكذب متعمداً على الله جل وعلا هذه كبيرة من أخطر وأخبث الكبائر وقد استشرت وانتشرت الآن كعلامة من العلامات التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام ولخطر هذه الشهادة – شهادة الزور وكتمان شهادة الحق – قرنها النبي بالشرك بالله ، وبعقوق الوالدين " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله وعقوق الوالدين " ثن تأتي شهادة الزور والله تبارك يقول في كتمان شهادة الحق ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ )(البقرة/283) إن دعيت إلى الشهادة فاشهد بالحق ، ولكن أرجو إن تقدمت إلى الشهادة أن تشهد كما لو أنك ترى الشمس في رائعة ، أو في رابعة النهار ، ولا تشهد على غبش ، ولكن اشهد على الحق الذي رأيت بعينك والذي سمعت بأذنك ، ولا تقل : بلغني كذا أو سمعت عن فلان كذا وكذا ، لا وإنما إن طلبت للشهادة فلا تكتم الشهادة ، إن رأيت بعينك أو سمعت بأذنك على مثلها فاشهد كما قال الصادق المصدوق # وإن كتمت الشهادة فإن كتمان الشهادة دليل على ضعف الإيمان في القلب وضعف اليقين في القلب (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) وأنا أقول لكم بكل أمانة : ما وقعنا في هذا الواقع المزري المر الأليم إلا بسبب كتمان شهادة الحق فلو أن كل مسلم من المسلمين الآن شهد شهادة حق لبدل الله وغير الله هذا الواقع ، لكن هذا يجامل ، وهذا يجامل ، فيضيع الحق بين هذه المجاملات الكاذبة على حساب الحق أو على حساب دين الله جل وعلا . وتزداد المصيبة إذا علمنا أن شهادة الحق قد فرط فيها الآن كثير ممن ينتسبون إلى العلم فقد يدعي رجل من أهل العلم لموقف من المواقف ويحضر ويجلس ويرى ويتابع وينكر الحق الذي يعلمه من قرآن ربه وسنة نبيه ، ولا ينظر الحق ولا يشهد به ، فقد يحضر رجل من أهل العلم في احتفاء كبير ضخم ينقل على شاشات التلفاز كما هو الحال في مولد السيد البدوي مثلا ، ويرى بعينه ما يفعله المسلمون الجهلاء حول القبر ، ويسمع بأذنه كلمات الشرك كالتي تقول : أعطني أدركني ارزقني الولد ارزقني المال ، يسمع بأذنه ويكتم شهادة الحق التي يعلمها من قرآن ربه وسنة نبيه . فأرجو أن ننظر إلى كتمان شهادة الحق نظرة شاملة واسعة إذ أن شهادة الحق لا تقتصر على مجرد أن تكون شاهداً في قضية من القضايا ، أو في محكمة من المحاكم ، بل إنها الخيانة الكبرى أن ترى المنكر وأنت تعلم أنه منكر ، ولا تشهد شهادة الحق من الخيانة الكبرى أن ترى الشرك الغليظ وأن تسمع كلماته الخبيثة ، وأن ترى أفعاله الشنيعة وأن تكتم شهادة الحق التي تعلمها من قرآن ربك ومن سنة نبيك ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (لأنفال/27) (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) ( البقرة/283) من يكتم شهادة الحق فإنه آثم قلبه . إن رأيت شركاً فذكر وحذر ، إن رأيت ظلماً فذكر وحذر إن رأيت المعصية فذكر وحذر ، هذه وظيفتك لكن لا تكتم شهادة الحق أبدا أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من الصادقين ممن لا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا حقير "ستكون فتن بين يدي الساعة كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا "(1) يشهد شهادة زور بعرض من الدنيا فيبيع بها الدين يكتم شهادة الحق لعرض من أعراض الدنيا إنه خائف على الكرسي ، أو خائف على المنصب ، أو خائف على أن تضيع وجاهته أو خائف على أن تهتز مكانته بين أهل الجاه والسلطان أو أهل المال فيجامل على حساب الحق (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) أسأل الله أن يطهرنا وإياكم وأن يردنا إلى الحق رداً جميلا . العلامة الثامنة والعشرون : هي كثرة النساء وقلة الرجال فعن أنس أن النبي قال : " من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد"(1) هذا لفظ البخاري وفي لفظ مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي قال : " ويرى الرجل يتبعه أربعون امرأة يلذن به " .. والمراد حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ، أي من يقوم على شئونهن وحوائجهن فليس بالضرورة أن يكون قائما عليهن بالزواج أو بالوطأ في صورة من صور الوطء كالسبي وغيره ، وإنما حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد .. أي يقوم على شئونهن وحوائجهن والظاهر أن يكون ذلك بسبب المعارك والحروب التي يكثر فيها قتل الرجال فتكثر النساء ، هذا قول لبعض أهل العلم . ولكنني أميل مع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى إذ يقول : والظاهر أن هذه العلامة إنما هي علامة محضة بتقدير الله جل وعلا لا لأي سبب آخر فيكثر النساء في آخر الزمان بتقدير الرحمن ويقل الرجال لا لأي سبب من الأسباب والعجيب أن المتابع منكم لو وقف على الإحصاءات السكانية لعلم صدق سيد البشرية وإن كنا لسنا في حاجة إلى إحصاء جغرافي أو سكاني ، لنؤكد به صدق الحبيب النبي لكن الإحصاءات تؤكد الآن تفوق عدد النساء على عدد الرجال في العالم بصفة عامة وفي بعض الدول والبلدان بصفة خاصة إذ أن النسبة تتفاوت من مكان إلى آخر فمثلا نسبة النساء في العراق أكثر من نسبة الرجال بالنسبة إلى دولة كدولة مصر مثلا يعني عدد النساء في العراق بالنسبة إلى الرجال أكثر ، كذلك بالمقارنة إلى دولة أخرى كمصر مثلا ترى أن عدد النساء بالمقارنة إلى نسبة عدد الرجال في العراق أكثر منه في مصر وهكذا .. فالنسبة تتفاوت من مكان لآخر ومن زمان لآخر ومن بلد لآخر لكن الإحصاءات تؤكد الآن تفوق عدد النساء ، فهم أكثر من عدد الرجال والعجيب أنه منذ شهر تقريبا كنت أتابع ندوة في إذاعة لندن بين مجموعة من المتخصصين ويومها تذكرت هذا الحديث للنبي الصادق الأمين وعلى آله وسلم هذه الدراسة تؤكد بالدليل المادي العلمي المجرد أن نسبة النساء في أوربا بالكامل تفوق نسبة الرجال ، ثم خلصت الدراسة إلى أن هذه النسبة في تزايد مستمر حتى عام 2020 يعني سيفوق عدد النساء عدد الرجال في عام 2020 بصورة كبيرة جدا جدا جدا عن ما هو متوقع أو عما هو قائم الآن ، وهذا يؤكد قول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : إن هذه العلامة إنما هي بتقدير الله تبارك وتعالى ربما يكون ذلك بدون أي سبب من الأسباب كالحروب والفتن وغيرها هذه علامة من العلامات التي ذكرها النبي . العلامة التاسعة والعشرون : كثرة موت الفجأة أو الفجاءة واللغتان صحيحتان الفَجأة والفُجَاءة كثرة موت الفجأة فعن أنس أن النبي قال : " إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة" (1)
… والحديث رواه الطبراني في الصغير والأوسط عن شيخ الطبراني الهيثم بن خالد وهو ضعيف لكن الشيخ الألباني حفظه الله حسن الحديث وذكر من أخرجه فقال : رواه الطبراني في الأوسط ورواه الضياء المقدسي ، وحسنه الألباني كما ذكرت أنه قال : " إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة " ..
وأظن أن هذا الأمر لا يحتاج إلى تعليق ، حدثني أحد إخواني منذ شهرين تقريبا عن أخ له إن نظرت إليه فقل : إنه بطل من أبطال كمال الأجسام رزقه الله بسطة في الجسم وهو شاب في ريعان شبابه في الثامنة والعشرين من عمره ورزقه الله عز وجل بثلاثة أطفال يقول : سبحان الله صلى العصر معنا ، ودخل البيت وكان لا يشعر بأي شيء إطلاقا فقال لامرأته أشعر بأنني مرهق ، وسأستريح إلى قبيل صلاة المغرب فدخل الغرفة ونام ودخلت امرأته ، لتوقظه لصلاة المغرب فوجدت زوجها الشاب الفتي القوي قد فاضت روحه إلى الرب العلي . وأظن أن عندكم من أمثال هذه القصص والحكايات الكثير ولو فتحت الآن المجال لاستمعنا إلى عشرات الأمثلة إن لم أقل إلى مئات الأمثلة ، كثر موت الفجأة ، السكتة سبحان الله . يقول لك : مات بالسكتة القلبية مات بجلطة في المخ نسأل الله أن يشفي مرضى المسلمين ، الرجل يخرج من بيته وهو لا يعلم أن الله عز وجل قد أرسل ملك الموت ليكون في استقباله في الطريق أو في العمل أو هنا أو هناك . كان الإمام البخاري رحمه الله تعالى يقول :
اغتنم في الفراغ فضل ركوع كم صحيح رأيت من غير سقم
فعسى أن يكون موتك بغتة ذهبت نفسه الصحيحة فجأة
بين غمضة عين وانتباهتها
في الأسبوع الماضي خالة لي في الأربعين من عمرها لا تشكو من أي شيء صلت الفجر نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الخاتمة فجلست وأعدت الإفطار لزوجها وتناولا الإفطار سويا حتى السابعة ، ثم نامت وطرق الباب في الثامنة صباحا ، طرق الباب فاستيقظت من نومها على الطرقات لتفتح الباب وفتحت الباب وبعد فتحها للباب بنصف دقيقة وقعت في الأرض فحملوها فوجدوها قد ماتت . فمن منا يا إخوة يضمن أن يأتي الدرس القادم والله لن تضمن أن تأتي في الأربعاء القادم وتجد محمداً ولا تضمن أنت أن تأتي بنفسك ، فالموت يأتي بغته وأقرب غائب ننتظره جميعا هو الموت ، وهذه من علامات الساعة بدون مقدمات فيا أيها الشاب الحبيب ، لا تسوف فإن الموت يأتي بغته فلا تقل ، أغتنم شبابي وأستمتع حتى إذا ما كبر السن تفرغت لعبادة الله عز وجل لا تغتر بصحتك ولا تغتر بقوتك ولا تغتر بعافيتك فقد يكون الرجل صحيحا سليما معافا وفجأة يأتيه قدر الله عز وجل ألا وهو الموت فإن أقرب غائب ننتظره جميعا هو الموت قال الله عز وجل ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (قّ/19) ولله در القائل :
كل باك فسيبكى وكل مذخور سيفنى ليس غير الله يبقى
وكل ناع فسينعى وكل مذكور سينسى من علا فالله أعلى
نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا ولكم بالإيمان . قال الحافظ ابن حجر : وكان من العجائب أن وقع للإمام البخاري رحمه الله ما قال فقد مات الإمام البخاري فجأة رحمه الله تعالى ، فالموت يأتي بغته نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخاتمة الإيمان إنه ولى ذلك والقادر عليه . العلامة المتممة للثلاثين : من علامات الساعة الصغرى من قول الصادق الأمين هي تمني الموت من شدة البلاء وكثرة المصائب ، فعن أبي هريرة أن النبي قال : " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانك "(1) .. والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة . وعن أبي هريرة أيضا – واللفظ لمسلم أن النبي قال : " والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على قبر الرجل فيتمرد عليه أو ليتمرغ عليه ويقول : يا ليتني كنت صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء "(1) وليس به الدين إلا البلاء ، قال عبد الله بن مسعود وتدبر هذا القول لابن
مسعود : سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه .. وأنا أسأل هل هناك من الناس من يتمنى الموت الآن أم لا؟ كثير كثير .
قال الحافظ العراقي : لا يلزم كونه في كل بلد ولا في كل زمان ولا في جميع الناس ، يعني لا يلزم تمني الموت عند كل الناس ، ولا في كل زمان ولا في كل مكان بل يصدق عند البعض في بعض الأقطار ، في بعض الأزمان ، وفي تعليق تمنيه بالمرور إشعار بشدة ما نزل بالناس من الفساد ، من فساد الحال ، حال إذ إن المرء يتمني الموت من غير استحضار لهيئته فإذا شاهد الموت ، ورأى القبور نشذ بطبعه ونفر بسجيته من تمنيه ، ومع ذلك لقوة الشدة التي وقعت به لم يصرفه عن الموت ما شاهده من وحشة القبور . ولا يناقض هذا – النهي عن تمني الموت ، لأن مقتضى هذا الحديث الإخبار عما يكون وليس فيه تعرض لحكم شرعي . قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى : ظن بعض الناس أن هذا الحديث معارض عنللنهي عن تمني الموت وليس كذلك وإنما يقع هذا لشدة تنزل بالناس من الفساد الحال في الدينأو ضعفه أو خوف ذهابه لا لضرر ينزل بالجسم يعني بأن الفتنة إن وقعت في الدين قد يتمنيالمسلم الموت خوفا على دينه والنبي يقول – حتى أجمع لحضراتكم بين حديثين كما فيالصحيحين من حديث أنس يقول : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابدمتمنيا فليقل : " اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي"([1]) وفي لفظ مسلم أنه قال : " لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا"([2]) أي المؤمن إن طال عمره وحسن عمله ، إذا النبي ينهي عن تمني الموت إلا لضر وقعبه لضر وقع بك ، وإن كنت لا بد متمنياً فادعوا ب النبي : " اللهم أحيني ما كانتالحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " الحافظ ابن عبد البر يقول : بأن المرء قد يتمنى الموت خوفاً على دينه من شدة الفتن التيتحيط به ، الإمام الطيبي رحمه الله تعالى أيضا يقول : لا فالنبي يقول وليس به الدين إلاالبلاء فهو يتمني الموت لبلاء أصابه في دنياه ، لا لدينه فهم يجمعون إذن بين البلاء ، الذييخشاه الإنسان على دينه وبين البلاء الذي يخشاه الإنسان على دنياه ، فيتمنى حينئذ الموت لهذاالابتلاء الذي أصابه سواء كان الابتلاء في الدين أو في الدنيا . والنبي قد أخبر كما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال – أي رؤوس الجبال – أو مواقع القبر يفر بدينه من الفتن"([3]) فإذا خاف الإنسان على دينه من الفتن فدعا الله عز وجل فله سلف وإذا نزل بالإنسان بلاء في أمر الدنيا ، فخشي على نفسه أيضا أن يذل فدعا على نفسه بهذا ال فله سلف . والحديث كعلامة من العلامات الصغرى له يبين فيه النبي أمراً سيقع ولا يبين فيه حكما شرعيابالجواز من عدمه لكنني أتعرض لقضية الجواز من عدمه فأقول : إن تمنى أحدنا الموت لفتنةيخشاها على دينه لو لفتنة يخشى بها على دنياه فليلتزم ب النبي ويقول : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي . ومن جميل ما قرأت أن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى قال : لا يتمنى الموت إلاثلاثة : رجل جاهل بما بعد الموت ، لا يعلم الأهوال الفظيعة التي تقع بعد الموت، فبعد الموتقبر والقبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران ، وبعد القبر بعث وبعدالبعث حشر ، وبعد الحشر حساب ، وبعد الحساب ميزان ، وبعد الميزان صراط ، وبعدالصراط قنطرة يعبر عليها المؤمنون الخلص ، وبعد القنطرة جنة أو نار وهذا سنفصله إن شاءالله تعالى في دروسنا المقبلة فإن الرجل الذي يتمنى الموت يقول سهل بن عبد الله الدستوريرحمه الله تعالى قال : لا يتمنى الموت إلا ثلاثة : رجل جاهل بما بعد الموت ، ورجل يفر منأقدار الله عليه ، والثالث : رجل محب مشتاق للقاء الله عز وجل . وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة أن النبي قال : " من أحب لقاء الله أحب لله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " قالت عائشة ا : أكراهية الموت يارسول الله ؟ فكلنا يكره الموت قال : " ليس ذلك يا عائشة ولكن المؤمن إذا بشر برحمةالله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بسخط الله وعذابه كرهلقاء الله فكره الله لقاءه"([4]) . رجل محب مشتاق للقاء الله عز وجل . لما نام أبو ذر على فراش الموت ودخلت ابنته تبكي فقال لها أبو ذر : لا تبكي يا ابنتي غداألقى الأحبة محمد وحزبه . ولما نام الصديق على فراش الموت ودخلت عائشة تبكي أبا بكر وهي تقول : لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فكشف الصديق الغطاء عن وجهه وقال : لا يا ابنتي لا تقولي هذا وإنما قولي (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (قّ/19) فالمؤمن مشتاق للقاء الله ، محب للقاء الله جل وعلا . ولذلك قال عبد الملك بن مروان لأبي حازم الزاهد العابد قال : يا أبا حازم كيف حالنا عند الله؟ فقال أبو حازم : اعرض نفسك على كتاب الله لتتعرف على حالك ، ولتعلم مكانتك عنده . فقال : أين أجد ذلك ؟ فقال أبو حازم : في كتاب الله تعالى في قوله ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِيجَحِيمٍ ) (الانفطار/14) فقال : أين رحمة الله عز وجل ؟ فقال أبو حازم : إن رحمة الله قريب من المحسنين . فقال : فكيف الق على الله غدا ؟ فقال أبو حازم – وهذا محل الشاهد - : أما المؤمن فكالغائب يرجع إلى أهله الرجل الغائب عن أهله في سفر – انظر كيف يكون استقبال أهله له حال عودته يستقبلونه بحفاوة وحب وفرحة وسعادة – وأما العبد المسيء فكالآبق يرجع إلى مولاه – العبد الآبق الذي هرب من سيده وخالف أوامر سيده كيف يكون حال قلبه حال عودته إلى سيده خائف مضطرب يخشى العقوبة والعذاب فكذلك المؤمن حين يرجع إلى الله عز وجل يرجع رجوع العبد الغائب عن أهله – وكذلك العبد المذنب المسيء يرجع إلى الله عز وجل كرجوع العبد الآبق إلى مولاه ولا حول ولا قوة إلا بالله . فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه اللهم حبب إلينا لقاءك يا رب العالمين واجعل يوم لقائنا بك أحب أيامنا إليك يا رب العالمين ، من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه . قالت عائشة ا : أكراهية الموت يا رسول الله فكلنا يكره الموت قال : " ليس ذلك يا عائشة ولكن المؤمن إذا بشر " . وقد يسألني طالب علم نبيه فيقول : متى يبشر المؤمن حتى يحب لقاء الله ؟ وخذ هذا الجواب واحفظه : يبشر المؤمن بلقاء الله عز وجل وهو على فراش الموت وقد أحاطت به الملائكة وعلى رأسه يجلس ملك الموت في هذه اللحظات العصيبة الشديدة تتنزل ملائكة التثبيت على عبد الله المؤمن وهو في هذه اللحظات وهو بين أهله وخلانه وأحبابه . إذا نزل ملك الموت وجلس عند رأسه وجلست الملائكة يعاين المؤمن الملائكة ويراها ، لأنه بدأ ينتقل في هذه اللحظات من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة هو وحده يرى الملائكة ولو أن الغرفة مليئة بالناس فلا يرون شيئا هو وحده الذي يرى الملائكة يرى ملك الموت عند رأسه ويرى الملائكة في الغرفة معه وحينئذ إن كان من المؤمنين الصادقين بشرته ملائكة رب العالمين بهذه البشارة العظيمة ، كما قال ربنا جل وعلا ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت/30) هنا يقول النبي : فيرى المؤمن مقعده من الجنة يكشف الله عز وجل له الحجب فيرى مقعده من الجنة فيبشر فيتمنى المؤمن في هذه اللحظة لقاء الله عز وجل . في وقت تنزل الملائكة بالثبات على أهل الإيمان قولان : القول الأول : وهم على فراش الموت والقول الثاني : حين يخرج أهل الإيمان من القبور يوم البعث والنشور ، فتتلقاهم ملائكة العزيز الغفور بهذه البشرى حتى يدخلوا الجنة ، ويا لها من كرامة في الوقتين معا فأنا أقول لكم وما الذي يمنع أن نجمع بين الوقتين في آن بمعنى أن تتنزل الملائكة عليهم ساعة الموت بالبشارة وأن تتلقاهم حين يخرجون من القبور بدليل قوله : ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة )(فصلت/31) لا نترككم أبدا كنا معكم في الدنيا نثبتكم ونحفظكم ونؤيدكم ونحن معكم في الآخرة نبشركم ولا نتخلى عنكم ، حتى تدخلوا جنة ربكم جل وعلا نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان وأن يجعلنا وإياكم من أهل البشارة الكريمة إنه ولي ذلك والقادر عليه . العلامة الحادية والثلاثون : وقوع التناكر وعدم المعرفة بين كثير من الناس فعن حذيفة ابن اليمان قال : سئل رسول الله عن الساعة فقال : " علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن أخبركم بأشراطها وما يكون بين يديها إن بين يديها فتنة وهرجاً " قالوا : يا رسول الله الفتنة قد عرفناها والهرج ما هو ؟ فقال بلسان الحبشة : " القتل ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد أن يعرف أحدا"(1)
وأنا أسأل : لو نظر أحدنا عن يمينه وعن يساره هل تعرف من يجلس بجوارك ؟ صدق المصطفى يعني إن جزمت أن نسبة ما يزيد عن 80% ممن يجلسون بين يديَّ الآن لا يعرف بعضهم بعضا ، وهم أهل الصفوة هم أهل الخير والالتزام يعني ربما ينظر كثيرا من بيننا الآن عن يمينه وعن شماله فلا يعرف من يجلس عن يمينه ولا من يجلس عن يساره وقوع التناكر بين الناس فلا يكاد أحد أن يعرف أحد ..
والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وقال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ورجاله جميعا رجال الصحيح : موضوع التناكر بين الناس أصبح واقعا وأنا أقول حينما تستولي الماديات والشهوات وتطغى على حياة الناس ، وتنزل بالناس الأنانية الرهيبة فتشعر أن كثيراً من الناسِ لا يعيش فقط إلا من أجل نفسه ، ولا يهتم البتة بغيره ولا تكون هناك على الإطلاق أي قيم أخلاقية بل تغلب المنافع المادية والمصالح المادية الدنيوية الزائلة وتكون المعيار الحقيقي أو الرئيسي في التعامل لا يشعر الإنسان بإخوانه وتقطع الآسرة الإيمانية والأخوة في الله بين كثير حتى من الملتزمين فضلا عن عوام المسلمين ، لو فتشت الآن عن الأخوة في الله ، عن الحب في الله ، عن الروابط الإيمانية العظيمة التي أرسى أساسها القرآن ورفع بنيانها العظيم محمد لو فتشت عنها الآن في زماننا ، وفي أيامنا هذه لبكيت دما بدل الدمع هذا واقع بين إخواننا الملتزمين ، فربما وهذا أمر يؤلمني كثيرا جدا – ربما يحضر الأخ بجوار أخيه عشرات المحاضرات ، ربما لا يفكر أن يتعرف عليه ، ربما لا يلقي الأخ السلام إلا على أخيه صاحب اللحية ، فإذا وجد إلى جواره أخاً في المسجد حتى لا يحتج علىّ بعض الأخوة ويقولون : يا شيخ نحن لا ننكر عليك ولكنك تعلم أننا نعيش في مجتمع أصبح لا يعرف فيه المسلم حيث إننا لا نرى فوارق كبيرة بين المسلمين ، وغير المسلمين . أنا أقول لك : حتى في المسجد قد ترى بجوارك أخ بغير لحية وفي المسجد يصلي معك ولا تشك لحظة في إسلامه ومع ذلك لا يلقي الأخ السلام على أخيه الملتحي ، ولا يهش ولا يبش إلا في وجه أخيه صاحب اللحية هذا واقع . أتمنى من كل قلبي أن يعلم إخواني من الطلاب جزاهم الله خيرا من أبناء الصحوة أن أعظم خطر أن يجامل الدعاة أبناء الصحوة على حساب المنهج من أجل ألا يغضب طلابه أو إخوانه ، هذا باطل وخطر عظيم ينبغي على الدعاة ، على الحذاة لهذه الصحوة الكريمة أن يكونوا أمناء ، وأن يصدقوا الله عز وجل في نصحهم لأبناء الصحوة وطلاب علمهم . فلا يمنعني أبدا حبي لطلابي وإخواني أن أنصح لهم وأن أبين لهم الباطل الذي هم عليه حتى ولو كان على حساب غضبهم مني فإن الحق أحب إلينا من الجميع . بل أنا أقول لكم : إن جاملت طلاب العلم على حساب المنهج خوفاً من أن يفر الطالب من بين يدي ، لا يحضر لي بعد ذلك ، أؤكد لكم أن عملي هذا يحتاج إلى توبة ، لأن النية غير صحيحة فلابد من تصحيح الأخطاء ولا ينبغي أن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام وأن نتغاضى عن أخطاء الصحوة ، وعن أخطاء الحركة الإسلامية هذا واقع ينبغي أن تفتح صدرك ، أخيك تعرف على أخيك . إن رأيت زميلا من زملائك يحضر الليلة لأول مرة ، لماذا لا تحرص على أن تكون سبباً في ربطه بهذا المسجد وهذه المحاضرة وغيرها من المحاضرات ؟ باستقبالك ، بحفاوتك به بترحيبك به ، لتتعرف عليه : بك يا أخي من أنت ومنذ متى تحضر ؟ ولماذا فرطت في هذه السنوات الماضية لماذا لا تشعر هذا الأخ بأنه جاء إلى مكان يشعر فيه بالأمن والراحة والاستقرار والأمان . تتصل عليّ أخت من الأخوات في الأسبوع الماضي فقط وتقول لي بأنها لمجرد أنها جاءت بغير الزي الشرعي ، شرح الله صدرها وحضرت لأول مرة الأربعاء الماضي فقط ، وجاءت بزي يخالف زي أخوات معنا الآن ، تقول : وما كان من الأخوات اللائى جلسن إلى جواري إلا أن وبخنني بكلمات تمنيت أن لو لم آتي إلى المسجد أبدا . قلت : سبحان الله ! مع أن هذا يخالف المنهج يخالف منهجنا تماما وأنا قلت لكم : هل سمعتم عن طبيب فتح عيادة خاصة ، ثم إذا دخل العيادة مريض ، لأنه مريض أبدا إنه ما فتح عيادته إلا للمرضى وأنتم يا من منّ الله عليكم بالسنة والالتزام والدعوة أنتم أطباء للمرضى من أصحاب المعاصي والذنوب . فإن وجدت مريضا أو إن وجدت أيتها الأخت الفاضلة مريضة بمعنى أنها بعيدة عن الله عز وجل ، فهذا هو المرض الحقيقي ، فإن كانت المصيبة في الدين فهي المصيبة وإن كانت في البدن ، فهي بجوار مصيبة الدين فهي هينة فإن وجدت رجلاً بعيداً عن الله وإن وجدت أيتها الأخت التي تجلسين معي الآن أخت بعيدة عن الله فينبغي أن نفتح قلوبنا قبل مساجدنا لهؤلاء لإخواننا ولأخواتنا إن لم يتعرفوا على الحق معنا ، أين سيتعرفون على الحق ؟ إن لم نفتح لهم قلوبنا ونشرح لهم صدورنا ونوجه هؤلاء بالكلمة الرقراقة والحكمة البالغة والموعظة الحسنة فنحن بذلك نضع الحواجز والسدود بيننا وبين هؤلاء وسنترك هؤلاء فريسة للعلمانيين الذين يتفنون في صيد هؤلاء ، وجذبهم إلى الباطل بكل الصور ، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه والعلم . الأخوة في الله التي تنبني على الحب ، إذا أخذتكم إلى الوراء قليلا لأذكركم بحجم الهوة الرهيبة بين أخوتنا الآن وبين الأخوة التي أرسى دعائمها القرآن ورفع بنيانها العظيم محمد لرأينا أننا انحرفنا بعيدا بعيدا عن الأخوة الإيمانية العظيمة التي تنبني على الإيمان وعلى الحب في الله . يكفي فقط أن أذكر بحديث واحد رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف يقول : آخى رسول الله بيني وبين سعد بن الربيع الأنصاري حينما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة ، وحدث مهرجان الحب الذي لا نظير له في التاريخ ، ولن يتكرر أبدا مهرجان الحب التي امتزجت فيه القلوب والنفوس والأرواح وأقول : لا أقول تصافحت فيه الأيدي بالأيدي بل أقول : تصافحت فيه الأرواح بالأرواح والقلوب بالقلوب والنفوس بالنفوس بين المهاجرين والأنصار . فعبد الرحمن بن عوف يقول : آخى رسول الله بيني وبين سعد بن الربيع الأنصاري فقال سعد بن الربيع لأخيه في الله : عبد الرحمن بن عوف يا عبد الرحمن إني أكثر الأنصار مالا ، وسأقسم مالي بيني وبينك شطرين ، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك لأطلقها حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها أستحلفكم بالله هل في لغة البشر ما يستطيع بليغ أديب ما يعبر به عن هذه الأخوة وعن هذا الحب ؟ إني أكثر الأنصار مالا ، وسأقسم مالي بيني وبينك شطرين ، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك لأطلقها حتى إذا انقضت عدتها تزوجتها فقال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك ، ولكن دلني على السوق ، فانطلق عبد الرحمن فباع واشترى ودخل على النبي بعد أياما قليلة وعليه أثر صفرة أي طيب فقال له المصطفى : " مهيم ؟ " أي ماذا فعلت يا عبد الرحمن ، رأى النبي [img:ccce]