عدد المساهمات : 105 نقاط : 325 تاريخ التسجيل : 22/11/2009 العمر : 29
موضوع: الإمام البُخاري | أمير المؤمنين في الحديث الأحد 20 ديسمبر 2009 - 16:00
الإِمَاْم البُخَارِيّ أمير المؤمنين في الحديث ……….. من يستطيع أن يحصي الكتب التي ألّفها علماء المسلمين ؟… هذه الكتب التي أمدّت المطابع في ا لشرق والغرب من مئتي سنة إلى الآن ، لا تزال تطبع منها ، وما بقي مخطوطاً أكثر ممّا طُبع ، وما ضاع من المخطوطات أكثر ممّا بقي ، وحسبكم أن تعلموا أنّ ((هولاكو)) لمّا دخل بغداد ألقى الكتب في دجلة ، حتى لوّن حبرها ماء دجلة ، وإن الإسبان لمّا استرجعوا الأندلس أحرقوا الكتب حتى صارت الليالي من اللهب بيضاء ، عدا ما أضاعه التحريق والتخريق والتمزيق … فكم هي إذن الكتب التي ألّفها علماء المسلمين ؟ . وبعد ….. فليس في هذه الكتب كلّها ، ما هو أشهر وأفضل وأجلّ ، عند خاصة المسلمين وعامتهم ، من الكتاب الذي جئت اليوم أحدثكم عن صاحبه . الكتاب الذي لا يفضّل عليه المسلمون إلا كتاباً واحداً هو القرآن الكريم . الكتاب الذي نعدّه ، بعد كتاب الله عماد ديننا ، ونجعله حجّة بيننا وبين ربّنا ، ونقيم عليه أمر دنيانا وآخرتنا . أما عرفتموه ؟! أي كتاب يوضع بعد القرآن مباشرة إلا ((صحيح البخاريّ)) . وإن كان القرآن مقطوعاً إن كل ما بين دفتيه كلام الله . وكان يكفر من أنكر منه كلمة احدة ، وهذا على ما بذل من تحقيقه ، وما بلغ من الثقة به ، لانقطع جزماً بأن كل ما فيه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكفّر من ينكر شيئاً منه كما نكفّر من أنكر شيئاً من القرآن ، فإنّ القرآن لا يعدله كتاب وإن كان حديث رسول الله في أمور الدين لمن سمعه منه أو وصل إليه بالتواتر وحيّاً من عند الله كالقرآن ، ولكن القرآن وحي بلفظه ومعناه ، والحديث وحي ولفظه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان غنيّاً ، وكان صدراً في كل شيء ، وكان مع ذلك من أعبد العباد ، وأزهد الزهّاد ، وأشد المتواضعين ، إنه أحد أعاجيب الرجال في تاريخ الإسلام العلمي . وتاريخ المحدثين خاصة حافل بالرحلات وبالصبر على مشاقّها ، وبالإحاطة وبالحفظ ، وبالتقوى وبالورع ، وما منهم إلا من شارك في إقامة هذا البناء العظيم ، الذي لا تعرف مثله أمة في الدنيا ، ولكن لم يبلغ أحد منهم ما بلغ البخاري ، حتى ولا ((المحدّث الأكبر)) أحمد بن حنبل . نعم ليس لأمة علم كعلم الحديث، وأي أمة استطاعت أن تتبع كل كلمة قالها نبيها أو زعيمها ، وتبيّن مسراها خلال العصور ، ومن سمعها منه ، ومن نقلها عنه ، وما هو الطريق الذي مشت فيه ، من شخص إلى شخص ، لا في يوم أو يومين بل في القرون الطوال ، مع ما اضطرهم إليه من بحث أحوال الرجال ، أمانة وذاكرة ، وحسن معاملة ، وصلاح نفس ، وسيرهم وتواريخهم . وإذا كنا نصدق أن نابليون خطب في ((استرلتز)) كذا ، وأن بسمارك قال كذا ، ولم نعرف من سمع ذلك منه ، ومن رواه عنه ، ولعلّه أخذ من جريدة كاذبة ، أو مؤلف مبتدع ، فكيف نطعن بحديث نقل هذا النقل المضبوط ، بهذا السند المتصل ، على قرب الزمان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المحدّثين الأوّلين . إن علم الحديث من حيث السند ((وهو طريق الرواية)) ، قد بلغ في الكمال ما لا زيادة عليه لمستزيد . وأعود الآن إلى البخاري . لقد سمعتم في حديث مضى قصة فتح ((بُخارى)) على يد القائد الكبير ((قتيبة)) ، ولم يدخل المسلمون بُخارى فقط ، ولكن بُخارى دخلت في الإسلام ، ولم تمض عليها مدة قصيرة ، حتى صارت معقلاً من أعظم معاقله . وحصناً من أكبر حصونه ، وبذلك يمتاز الفتح الإسلامي ، إنه ليس فتحاً للبلاد ، ولا فتح للقلوب وللبصائر حتى يصير أهل البلاد المفتوحة ؛ أحرص على الدين وأخلص له من الفاتحين ، وهذه أسرار الأخوة الإسلامية ، وأن المؤمن أخو المؤمن ، إنها ((بوتقة)) ذات حرارة عالية تذيب كل عنصر ، وكل جنس ، مهما كان معدنه شديداً قوياً ، فتجعل من ذلك كله سبيكة واحدة ، هي أثمن وأغلى وأشد تماسكاً وارتباطاً ، من كل عنصر تألفت منه ، ودخل فيها ، وقد حاولت فرنسا أن تقلّد فما أحسنت التقليد … أرادت أن تجعل الجزائريين فرنسيين ، بإعطائهم الجنسيّة الفرنسيّة ، ونسيت حقيقة ظاهرة وهي ؛ أن العربيّ لا يصير أبداً فرنسيّاً ، ولكن الفارسي والصيني يصير مسلماً ، لأن الفرنسيّة (جنسيّة) و (قوميّة) ؛ والإسلام عقيدة ودين . لقد وُلد الإمام البخاري بعد فتح بُخارى بمئة سنة ، وكان أبوه هو الذي دخل الإسلام ، ونشأ هو وأبوه من قبله ، وجدّه من قبلهما ، في ظلال الإسلام ، وكان أبوه غنيّاً ، ترك له مالاً جزيلاً ، وأورثه تجارة واسعة فكان يضارب بها ، لا المضاربة في البورصات باصطلاح اليوم ، بل ((شركة المضاربة)) بالعرف الإسلامي … وهي أن يدفع الغني ماله لمن يتاجر به ويكونان شريكين ، هذا بماله وذاك بعمله . وأنا محدّثكم عن أسلوبه في التجارة لتروا كيف كان يطبّق علمه على تجارته ، ومبادئه على معاملته ، لا كمن يدّعي الدين والعلم بلسانه ، ويكون من فعله … ما نسأل الله من مثله العافية . جاءته تجارة ، فأقبل التاجر فدفع له جماعة منهم خمسة آلاف دينار ربحاً . فقال لهم : انصرفوا حتى أفكر وأعطيكم الجواب ، وجاءه بعدهم من دفع عشرة آلاف … قال : إني نويت أن أبيع أولئك ولا أحب أن أنقض نيتي ، وباع بربح خمسة آلاف وترك العشرة((هذا ورع منه ، ولو أنه باع الآخر ما كان حراماً)) . وكان يكرم العلماء ويحب السائلين ولا يردّ أحداً ، ثم إنه كان يبني من ماله الرباطات والحصون والمدارس ويدعو الناس إلى العمل فيها ، وينصب لهم الموائد ، فربما تغدى على مائدته ثلاثمائة رجل . وبلغ من الجاه والعظمة منزلة لم تبلغها الملوك ، كلما نزل بلدة((وهو برحلة دائمة)) يخرج أهل البلد عامتهم وخاصتهم وأمراؤهم ورعيتهم إلى استقباله من مسافة أميال ، ويرتج البلد فرحاً به ، ويزدحم الكبار على بابه ، ويتسابقون إلى سماع كلامه والأخذ عنه . وكان(مع هذا كله) زاهداً متقشّفاً …. مرض مرة فعرضوا ماءه (أي بوله) على الطبيب لفحصه ، وكانت هذه طريقة الفحص الطبي عندهم … نعم ! من أكثر من ألف ومئتي سنة ! … فقال : هذا ماء رجل لا يأتدم ؛ فسألوه … فقال : صحيح إني ما ائتدمت (أي ما أكلت مع الخبز إداماً) منذ عشرين سنة ، فأصرّ عليه الطبيب فصار يأكل مع الخبز سُكَّرة . أما تواضعه فكان أعجوبة ، وكان سبَّاقاً إلى كل خير … ألقى رجلاً وسخاً في المسجد ؛ فانتظر البُخاري حتى إذا رأى أن الناس لا يبصرونه ، قام فحمل الوسخ وألقاه خارج المسجد …. وأغضبته جارية مرة ، ولم تقبل أن تترضاه . فقال : إن لم ترضيني فأنا أرضي نفسي .. فأعتقها … وقال : الآن أرضيت نفسي . ولسعه زنبور مرة وهو يصلي مرات كثيرة ، فلم يترك الصلاة ؛ حتى إذا انتهت ، قال : انظروا أي شيء آذاني في صلاتي !!! وكان مع هذا جندياً محارباً ، بطلاً في الرمي ، يخرج للتدريب مع تلاميذه فلا يخيب له هدف . تسألون الآن عن عمله !! لقد بدأ يحفظ الحديث وهو في الكتّاب ابن عشر سنين ، وكان أول أستاذ له((الداخلي)) ، فسمعه البُخاري مرة يروي عن سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم ، فقال له : ما هكذا … إنّ أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم . قال الداخلي : وما يدريك أنت يا غلام ؟! … قال : ارجع إلى الكتاب ، فرجع فإذا هو كما قال البخاري . قال له ليمتحنه : وكيف هو ؟ … قال: الزبير عن إبراهيم . وكان عمره إحدى عشرة سنة . وقرأ كتب أهل الرأي مع سماعه الحديث . ثم رحل في طلب العلم ، وإذا كان الشاب اليوم يرحل بالطيّارة أو بالباخرة إلى أوربا .. فإن رحلات البُخاري لو جمعت لزادت عن محيط كرة الأرض مرتين . قضى حياته في رحلات دائمة ، فلم يدع محدّثاً ولا عالماً ، إلا أخذ منه ما عنده ، حتى بلغ من أخذ عنه أربعة آلاف شيخ !! …. وكان يرحل لطلب الحديث الواحد . حتى جمع في هذه الذاكرة العجيبة ما عند المحدّثين جميعاً . وكان يعيش للعلم يفكّر فيه نهاره كله ، ويفكّر فيه ليله ، يقوم في الليل يشعل السراج يكتب شيئاً أو يعلّم على حديث ، ثم ينام قليلاًُ ؛ ثم يخطر له خاطر جديد فيقوم . حتى أنه ليشعل السراج في الليلة الواحدة أكثر من عشرين مرة ، وقد أجمع علماء عصره على أنه الأستاذ الأكبر لعلم الحديث ، وكان أساتذته يرجعون إليه ويعرضون عليه مؤلفاتهم وقد يفخرون بأنه نظر فيها ، وصحّح لهم أخطاءها … لم يكونوا يبالون بأن يأخذوا عمن كان تلميذهم ، لأن غايتهم العلم ، لا حظّ النفس ، ولا نيل الدنيا . وقد تعجبون إذا سمعتم أنه حفظ مليون حديث ، وتقولون ..وكيف تبلغ أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام هذا العدد ؟ يا سادة ….. لقد وقع في هذا الخطأ مؤلف من أكبر مؤلفي العصر … هو أحمد أمين في فجر الإسلام ، وسبب هذا الخطأ الجهل باصطلاح المحدّثين . إن الحديث له متن … هو الكلام المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسند … وهو طريق انتقاله إلينا ، عن فلان عن فلان ، وقد يكون للمتن الواحد عشرون سنداً ، فيعد بذلك عشرين حديثاً …. فمن هنا جاء هذا العدد الضخم . وهاكم حادثاً واحداً يدلكم (إن صحّ) على ذاكرة البخاري العجيبة … هو أنه لمّا قدم بغداد في شبابه ، أحبّ بعض المحدّثين أن يختبروا حفظه ؛ فعمدوا إلى مئة حديث فخلطوا متونها بأسانيدها ، فوضعوا سند هذا لذاك ؛ وسند ذاك لهذا ، وجاؤوا بعشرة تلاميذ ، فحفّظوا كل واحد عشراً من الأحاديث المشوّشة ليسألوه عنها ، فلمّا قعد في الحلقة قام الأول ؛ فقال أتعرف حديث كذا وسرد الحديث الأول ، قال لا أعرفه ، قال فحديث كذا … حتى استوفى العشرة . ثم قام الثاني …وهكذا حتى سردوا الأحاديث المئة ، وهو يقول : لا أعرفه ، فلمّا انتهوا . قال : أمّا الحديث الأول فروَيتَه كذا …وصوابه كذا … حتى أعاد المئة بخطئها وصوابها . وهذه حادثة ثابتة وهي من أعجب حوادث الحفظ ، وليس العجيب حفظ المئة الصحيحة … ولكن العجيب كما يقول الإمام ابن حجر حفظ المئة المغلوطة من مرة واحدة . عرض هذه الأحاديث كلها ثم اختار منها أصحّها وأثبتها ، فوضعه في كتابه الذي بدأه في المسجد وبقي في تأليفه ست عشرة سنة والذي جمع فيه(( 2761 ))حديثاً فقط . هذا هو (((صحيح البُخاريّ))) … الذي اتّفق علماء المسلمون على أنّ كل ما فيه صحيح السند ، وأنه خير كتب الحديث ، وإن فضل بعض المغاربة صحيح مسلم في حسن تبويبه وترتيبه ، والذي اعتُني به أجلّ عناية فشرح ثلاثة شروح كبار : أجلّها شرح ابن حجر العسقلاني …. في ((فتح الباري)) ثم شرح العيني ثم شرح القسطلاني …. والذي اختصر في مختصرات عديدة وما زال العلماء يشتغلون به . يقبلون على الاستفادة منه والعمل به . مع العلم بأنه إذا جاء فيه أو في غيره ما يخالف القرآن ، مخالفة يتعذّر التوفيق بينها وبين القرآن أو ما يناقض الواقع المشاهد ، نحكم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقله ، ولكنّ الراوي (وإن كان عدلاً) قد توهّم أو أخطأ روايته . ولم ينج البُخاري من المحنة ، محنة خلق القرآن … ولقد ناله منها أذى وضرّ ، وفارق من أجلها بلده . ومات في سمرقند التي فتحها قتيبة ليلة عيد الفطر سنة 256 . مات … ولكن لم يمت اسمه… ولم يمت كتابه ، وسيظل أبداً باقياً ما بقي على الأرض مسلمون . جزاه الله عن حديث نبيه أفضل ما يجزى العلماء العاملين . المصدر كتاب رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
عبدالرحمن عزام عضو ذهبى
عدد المساهمات : 271 نقاط : 490 تاريخ التسجيل : 14/12/2009 العمر : 54
موضوع: رد: الإمام البُخاري | أمير المؤمنين في الحديث السبت 2 يناير 2010 - 8:55
بارك الله فيك اخي الكريم علي معلوماتك
واهتمامك بعالم من علماء الحديث
والفقه باكمله
لك وارجو المواصله
أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb