منتدى شنواى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة شنواىأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمدسامح
عضو مبدع
avatar


ذكر
عدد المساهمات : 105
نقاط : 325
تاريخ التسجيل : 22/11/2009
العمر : 29

الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ   الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ Emptyالأحد 20 ديسمبر 2009 - 15:58

هذه قصة رائعة من قصص الثبات على المبدأ ، وحمل الأذى في سبيله ، والتضحية بالنفس والمال من أجله ، قصة رائعة حقاً ، لا أكاد أعرف بعد قصص شهداء الإسلام الأولين أروع منها .
ولست أستطيع أن أجلوها لكم حتى أمهّد لها تمهيداً سريعاً .
إنّ تاريخنا المكتوب يا سادتي ، هو تاريخ الملوك فقط ، أمّا تاريخ الشعب بعاداته وأوضاعه ، وطعامه وشرابه ، وأفراحه ومآتمه … أمّا تاريخ الفكر باتجاهاته ومقوماته ، فلم يكتب .. ولو كان تاريخ الفكر مكتوباً ، لقرأنا فيه أنّه كان للفكر في هذه الفترة التي أؤرخها في هذا الحديث ، في العصر العباسي الذهبي ، وجهتان مختلفتان ، وجهة التمسك بالأثر ، والوقوف عند ظواهر الأحاديث ، وترك القياس ، إلا عند الاضطرار ، ووجهة إطلاق العقل في البحث والقياس والنظر . وكان يمثل الوجهة الأولى المحدثون ، ومن ورائهم جمهرة الناس ، وكان يمثل الوجهة الثانية المعتزلة يؤيدهم أرباب العلوم الجديدة ، وكان النزاع بين المعسكرين نزاعاً فكرياً ، ميدانه المساجد ، وحلقات الدرس ، وسلاحه الحجج والبراهين ، حتى جاء المأمون فقرب إليه زعيم الوجهة الثانية ، وتبع مذهبه وسخر قوى الدولة لإكراه الناس عليه ، وبذلك بدأت هذه المأساة التي عرفت في تاريخنا ، باسم ((المحنة)) وهي في اللغة بمعنى الامتحان .
* * *
وأنا كلما قرأت خبر المحنة أقف عند أمور ثلاثة وأعجب منها أشد العجب .
أولها: أنّ المعتزلة هم أصحاب المذهب العقلي في الإسلام ((راسيوناليست)) وفيهم اللَسَن والبلاغة وبعد النظر وسعة المعرفة ، وإمامهم ابن أبي دؤاد من أجلّ رجال الإسلام فضلاً ونبلاً ، وبياناً وعقلاً ، فكيف سوّغ لهم هذا العقل أن يكرهوا الناس بالقوة على قبول آرائهم على ما فيها .
وثانيها: أنّ المأمون ، وهو أعظم ملوك بني العباس في عقله وخلقه وحلمه ، وفي سعة مداركه وعمق تفكيره ، وإحاطته بعلوم عصره المقولة والمترجمة ، كيف رضي لنفسه أن يوصم بالعدوان على حرية الفكر ، وكيف تصور أنّ الأفكار تنشر بالقوة ؟ .. إنّ السلطان يستطيع أن يكره الناس على أن يخرجوا من دروهم ، ويبدلوا ثيابهم ، ولكنه لا يستطيع أن يكرههم على الخروج عن مبادئهم ، وتبديل أفكارهم .
وثالثها: المسألة التي صارت مدار الخلاف وهي مسألة لا تستحق هذه العناية وليست من أركان الدين ولا أمرنا الله بها ، ولا يسألنا يوم القيامة عنها ، وهي هل القرآن مخلوق أم لا ؟ .
* * *
بدأت المحنة بورود كتاب المأمون ، وكان بخراسان ، على عامله في بغداد ، أن يجمع العلماء الرسميين ، من قضاة وخطباء ، ويسألهم عن القرآن ، فمن لم يقل أنّه مخلوق عزله ، وكانوا جميعاً لا يقولون بذلك ولكن الضعف البشري ، والخوف على المنصب ، دفعهم إلى التظاهر بالموافقة فتركهم .
وعمد إلى ممّن كان الناس يعدونهم أكابر المحدثين ، فامتحنهم فأبوا الموافقة ، فلم يستعمل المأمون القوة ، ولكنه هاجمهم من نقطة الضعف فيهم وفي أكثر العلماء في عصرنا ، وهي التعارض بين أفعالهم وأقوالهم ، وذكر ما أخذوا من أموال لا يستحقونها ، وما كانوا يعملون في سيرهم الخاصة ، وهدد بنشر هذه الفضائح ، فخافوا فوافقوا إلا أربعة منهم ، لم يجد عليهم مطعناً في سيرهم وأخلاقهم ، فلجأ إلى الشدة ، وأمر بوضعهم في الحبس وإثقالهم بقيود الحديد ، فوافق اثنان ، وبقي أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح ، فأمر بحملهم إليه وكان في خراسان ((عند بلاد الأفغان)) .
* * *
وتوفي المأمون قبل أن يصلوا كما توفي ابن نوح على الطريق فبقي أحمد بن حنبل وحده .
وكان جمهور العلماء وسواد الناس في جبهة المحدثين ، ولكن لم يكد المأمون ((أي الحكومة)) يعلن انحيازه إلى المعسكر الآخر ومعه الأموال والمناصب والدنيا ، حتى تبعه العلماء ، رغبةً أو رهبة ، ولم يثبت إلا الإمام أحمد .. اختصرت فيه وحده هذه الجبهة الضخمة ، وقام وحده على المسرح ، وانصبت الأضواء كلها عليه ، وتعلّقت الأنظار به ، ووقف ضدّه الخليفة ، وقوّاده ، وخزائنه ، وسلطانه ، وتعلّق نصر الجبهة بثباته ، فإن هو انهزم انهارت جبهة المحدثين وتمّت الغلبة للمعتزلة .
أمّا العامة فكانوا كما يكونون في كل عصر : قلوبهم مع علماء الحق ولكن سيوفهم مع أمراء الباطل .
* * *
وولي المعتصم وكان رجلاً قوي الجسم يستطيع أن يصارع أسداً ، ولكنه كان ضعيف العلم لا يستطيع أن يناظر أحداً ، وكان يجلّ أخاه المأمون ويراه مثله الأعلى فسار على طريقته ولكنه غلا حتى جاوز الحدود .
ولبث أحمد في السجن ، وبلغ كل مبلغ من الضعف ، ومع ذلك فقد كان دائم العبادة ، حاضراً مع الله ، يصلي بأهل السجن وهو مقيد بقيود الحديد .
وبعث المعتصم علماءه وقواده يناظرونه فكان يرفض الدخول في المناظرة ويأبى الموافقة إلا بدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله .
وحمل إلى حضرة المعتصم وجرت المناقشة أمامه ، فكان يصرّ على هذا الرد ، وجربوا أنواع الترغيب بالعطايا والمناصب ، وأنواع الترهيب بالتعذيب الشديد ، فلم يؤثر ذلك فيه أثراً .
وبعثوا إليه بعلماء السوء يأتونه من باب التقية ، فكان يقول : إنّ من قبلنا كانوا ينشرون بالمنشار فلا يرجعون .. وأظهر مرّة أنّه لا يخاف السجن فإنّ داره ليست أحسن منه .. ولا الموت فإنّه يتمنى الشهادة . ولكن يخاف الضرب ، يخشى ألا يحتمل فتهزم فكرته . ما على نفسه خشي ، ولكن على المبدأ .. فقال له أحد اللصوص وكان معه في السجن : أنا ضربت عشرين مرة ، يبلغ مجموعها آلاف الأسواط فاحتملتها في سبيل الدنيا ، وأنت تخاف أسواطاً في سبيل الله ، إنّما هما سوطان أو ثلاثة ثم لا تحسّ شيئاً فهوّن ذلك عليه .
* * *
ولما عجز المعتصم نصب آلة التعذيب ومدوه عليها وضربوه ، فانخلعت كتفه من الضربة الأولى ، وانبثق من ظهره الدم فقام إليه المعتصم يقول : يا أحمد قل هذه الكلمة ، وأنا أفك عنك بيدي وأعطيك وأعطيك ، وهو يقول هاتوا آية أو حديثاً .
فقال المعتصم للجلاد : شد قطع الله يدك .. فضربه أخرى فتناثر لحمه .
وقال له المعتصم : لماذا تقتل نفسك مَن مِن أصحابك فعل هذا ؟
وقال له عالم من جماعة الخليفة اسمه المروزي : ألم يقل الله تعالى :
((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)) :النساء: 29
قال أحمد : يا مروزي اخرج فانظر أي شيءٍ وراء الباب فخرج إلى صحن القصر .. فإذا جمع لا يحصيهم إلا الله معهم الدفاتر والأقلام . قال : أي شيء تعملون ؟
قالوا: ننظر ما يجيب به أحمد فنكتبه .
فرجع . قال : يا مروزي أنا أضلّ هؤلاء كلهم ؟ أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء كلهم !
إنّه لم ينس أمانة العلم وهو على هذه الحال ، واحتمل هذا الأذى كله لأداء أمانة العلم .
وقال بعض المنافقين للمعتصم وهو قائم يكلمه : يا أمير المؤمنين أنت قائم في الشمس وأنت صائم ؟ .. خافوا عليه من الشمس وهو الشديد القوي الذي يصرع أسداً ، ولم يخافوا على هذا الشيخ الضعيف وهو صائم ولحمه يتناثر من الضرب .
وجاء القائد التركي عجيف فنخسه بالسيف وقال : ويلك أنت تقدر على هؤلاء كلهم ؟
ولما عجز المعتصم قال للجلادين : اضربوا وشدوا .. فكان يجيء الواحد فيضربه سوطين ، ثمّ يتنحى ويأتي الآخر حتى خلعت كتفاه ، وانفرز ظهره كله ، وغطاه الدم .
وانقطعت تكة لباسه ((سراويله)) فكاد يسقط وينكشف .. ورآه الناس يحرك شفتيه .. فيقف اللباس مكانه وسألوه بعدُ .. فقال : قلت يا رب إن كنت تعلم أنّي على الحق فلا تهتك لي ستراً .
حتى أشرف على الموت ، وخاف المعتصم أن يثور الناس إن مات ، فرفع عنه الضرب وسلمه لأهله ، بعد ما لبث في السجن والقيود ثمانية وعشرين شهراً ..
وأرادوا أن يسقوه شيئاً فأبى أن يفطر .. ولم يخرج حتى أعلن أنّه سامح المعتصم وكل من حضر ضربه .. وبقى أثر الضرب فيه وبقيت كتفه مخلوعة حتى مات .
على أنّ المحنة لم ترفع تماماً إلا أيام المتوكل ، وكانت محنة حقاً ، امتحاناً لأخلاق الرجال ولإيمانهم ولرجولتهم ، وكان الناجح فيها ، وكان الأول في هذا الامتحان العالمي التاريخي ، الإمام أحمد بن حنبل .
وليت المعتزلة كانوا قد تركوا الغلو في تحكيم العقل فيما لا يقدر على الحكم عليه ، وأصلحوا ما كان منهم من خطأ .. فكانوا هم الناجحين ، فلم تكن هذه النكسة للفكر الإسلامي التي طالما أكلنا المرّ من ثمارها .
وثواب أحمد في الآخرة أكبر ، ومنزلته أعلى ..
رحمة الله عليه .


المصدر
كتاب رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
shadow
عضو vip
عضو vip
shadow


ذكر
عدد المساهمات : 3980
نقاط : 3981
تاريخ التسجيل : 11/12/2014
العمر : 26

الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ   الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ Emptyالثلاثاء 9 يوليو 2019 - 20:48

جزاك الله خيراً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإمام أحمد بن حنبل | ناصِرُ السُّنَّةِ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تحميل كتاب الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل
» الإمام البخارى
» الإمام الطبرى
» الإمام النّووي
» فَصْلٌ ‏:‏ وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شنواى  :: القسم العام والإسلامى :: من حياة الصحابة والمصلحين-
انتقل الى: