عدد المساهمات : 206 نقاط : 538 تاريخ التسجيل : 28/04/2013 العمر : 76
موضوع: أحداث سبقت الهجره الجمعة 1 نوفمبر 2013 - 21:17
ب1
لما اشتد أذى الكفار للمسلمين نصح النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملكًا عادلاًً لا يظلم أحدًا، وهذا الملك النجاشي كان نصرانيًّا. وكان ملكًا كريمًا. وقد هاجر أحد عشر رجلاً وأربع نسوة في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، وهذه سميت بالهجرة الأولى للحبشة. وبعد وقت قصير سمع المهاجرون أخبارًا بأن أهل مكة أسلموا، فعادوا إلى مكة. وفوجئوا بأن الاضطهاد والتعذيب أشد. فأشار عليهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بالهجرة مرة أخرى إلى الحبشة. وخرج في الهجرة الثانية نحو ثمانين رجلاً، وعشرين امرأة. وأرسلت قريش اثنين هما (عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة) قبل إسلامهما لكي يقنعا النجاشي بطرد المسلمين. وفشلت تلك الخطة وطرد النجاشي وفد قريش. وقد أسلم النجاشي سرًّا وصار المسلمون في أمان في بلاد الحبشة ينشرون الدعوة هناك. وعندما مات النجاشي صلى عليه النبي صلاة الغائب. وتمثل هجرة الحبشة تجربة واقعية لتدريب المسلمين على الهجرة وترك الوطن فترات أكبر، فضلاً عن تخفيف العذاب والإيذاء عن المهاجرين.
ومما يدل على اهتمام الرسول بالتخطيط طويل المدى، أنه كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج. وعقد مع وفد من يثرب "بَيْعَة العقبة الأولى" في العام الثاني عشر بموجبها يقوم هذا الوفد بنشر الإسلام في قومهم. وأرسل معهم النبي سفيرًا هو مصعب بن عمير يعلمهم القرآن الكريم. وفي العام الثالث عشر من البعثة النبوية عقد الرسول "بَيْعَة العقبة الثانية" مع وفد من المدينة مكون من ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من قبيلتي الأوس والخزرج، بايعوا الرسول على تأييده في دعوته وأن يَحْمُوه كأبنائهم وإخوانهم عند هجرته للمدينة. وبذلك أصبح لدى الرسول وطن آمن للهجرة ينشر منه رسالة ربه عز وجل. وكانت بَيْعَتا العقبة تمثلان حجر الزاوية في تهيئة الجو الاجتماعي والسياسي بالمدينة لاستقبال وإيواء المهاجرين. كما أن بَيْعَتي العقبة تمثلان تدرجا في منهجية التخطيط إذ تطورت البيعة من مستوى ما يمكن تسميته ببيعة النساء إلى مستوى الدفاع والنصرة. وتمثل بَيْعَتا العقبة مؤشرًا على التخطيط طويل المدى.
قبل أن يهاجر الرسول، أمر الصحابة بالهجرة للمدينة، فأعطى المَثَل لحُبِّه لأتباعه وحِرْصِه عليهم. وهذا الأمر النبوي بالهجرة أعطى المستضعفين الفرصة للهجرة قبل أن تنتبه قريش لخطورة الهجرة. ومضت مواكب المهاجرين تتجه صوب المدينة. وفي مدة قصيرة لم يَبْقَ في مكة إلا نَفَرٌ قليل جدًّا. وأبقى النبي عليًّا وأبا بكر رضي الله عنهما لمهام محدَّدة، كما سيتضح لاحقًا.
بدأ العد التنازلي لهجرة النبي، عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا بكر أن يُجَهِّز راحلتين، فبدأ أبو بكر على الفور بإعداد الراحلتين وتعليفهما بأحسن العلف لفترة أكثر من شهرين، لتكونا جاهزتين لهذا العمل الشاق. ومن ثم يمكن القول بأن هذا يمثل الخطوة الأولى في الخطة قصيرة المدى للهجرة. ولم يعلم أحد سوى أبو بكر بِنِّيَة الرسول للهجرة. وهذه السِرِّيَة عنصر هام من عناصر إنجاح هجرته.
]
قبل الهجرة بوقت قصير استأجر أبو بكر دليلاً للطريق هو عبد الله بن أريقط، رغم أنه كان كافرًا وذلك لأنه ذو مروءة ولخبرته بمجاهل الصحراء. وعندما قربت ساعة الصفر، وحانت لحظة الهجرة بدأت بعض التكليفات لفريق من الصحابة كفريق معاون في أداء مهام داعمة. حيث كلف سيدنا على بن أبي طالب بالنوم في فراشه وذلك لتضليل المتربصين بأنه صلى الله عليه وسلم ما زال في فراشه. كما تم تكليف عبد الله بن أبي بكر بمهمة نقل أخبار قريش للنبي وصاحبه بالغار، وكُلِّفَت أسماء بنت أبي بكر بتوصيل الطعام.
تم تكليف عامر بن فهيرة مولى أبي بكر بالذهاب بالغنم ناحية الغار لتوفير اللبن للنبي وأبي بكر بالإضافة إلى إخفاء آثار عبد الله بن أبي بكر.
وبعد تأكد قريش من عقد بيعة العقبة، خافت من انتشار الإسلام بين العرب، وشعرت بالتهديد لقوافلها التجارية نحو الشام، ومن ثم وضعوا خطة لقتل النبي عليه الصلاة والسلام. وقضت الخطة أن يشترك من كل قبيلة رجل قوى معه سيف بتار فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دَمُه بين القبائل ويضطر بنو هاشم لأخذ الدية. وفي ظل هذا التهديد بالقتل لم ينس الرسول رَدّ الأمانات إلى أصحابها، بل كان حريصًا على رَدِّها.
وتجمعوا في الليلة المحددة. علم الرسول صلى الله عليه وسلم من أمين الوحي بخبر الكُفَّار، فأيقظ ابن عمِّه على بن أبي طالب، وكَلَّفَه بالنوم مكانه وأن يتغطى بِبُرْدَتِه وأخْبَره بأنَّه لن يحدث له مكروه. وخرج عليهم مُمْسِكًَا حِفْنَة من تراب، حَثَاها في وجوههم قائلاً شاهت الوجوه، فناموا جميعًا. ولم يصحوا إلا بعد أن أيقظهم أحد المارة. وتوجه النبي إلى أبي بكر ومن هناك لم يتوجها مباشرة للمدينة، بل توجها إلى غار ثور في الجنوب ليكون نقطة انطلاق الهجرة. ومكثا في الغار ثلاثة أيام قبل أن التوجه للمدينة. وهذا التحديد لنقطة الانطلاق والتوقيت كان غاية في الدقة والحكمة، فقد أدى إلى التعمية على الكفار.
الدروس المستفادة من التجهيز السابق للهجرة:
1- أهمية ممارسة قاعدة "اعقلها وتوكل". فقد أخذ النبي بالأسباب مع أنه متأكد من نصر الله له.
2- أهمية توافر ما يسمى اليوم "رؤية" لدى المسلم. فالأحداث السابقة للهجرة تبين أن الرسول كان يتحرك بخطى ثابتة نحو توفير بيئة آمنه للمسلمين، وتكوين دولة مسلمة.
3- أهمية اعتماد المسلم على التخطيط طويل الأجل والتخطيط قصير الأجل. وهذا نجده في بيعتي العقبة الأولى والثانية كتخطيط طويل المدى. كما نجد اهتمامه بالتفاصيل الهامة مثل تحديد توفير الراحلتين وتوفير الدليل ومن يقوم بجلب أخبار الكفار، ومن يقوم بتوفير اللبن والطعام وإخفاء الأثر. ومن هنا تظهر فكرة التخطيط بنوعية قصير المدى والتخطيط طويل المدى.
4- الإيثار والتخلص من الأثرة والأنانية في المسلم. وهذا نجده في الإذن للصحابة بالهجرة قبل النبي.
5- الأخذ بالسرية والكتمان في الأمور الحياتية والعامة الخطيرة. اقتداء بكتمان الرسول (ص) لنية الهجرة.
6- أن يستعين المسلم بالصبر والكتمان في الأمور الهامة. وكان ذلك واضحًا في اقتصار خبر الهجرة على النبي وأبا بكر.
- التعمية على العدو عنصر هام من عناصر نجاح الخطة. فقد نام على كرَّم الله وجهه في فراش النبي، وذلك للإيحاء بأنه ما زال في فراشه. كما وضح ذلك في اختياره لنقطة وميعاد الانطلاق للهجرة.
8- تطبيق مبدأ الاستعانة بالقوى الأمين مبدأ هامًّا لنجاح أي برنامج أو مشروع نهضوي. وهذا واضح في استئجار عبد الله بن أريقط دليلاً للطريق.
9- إتباع أسلوب فريق العمل في حياتنا. فقد كون النبي فريق عمل للتعمية وتسهيل هجرته، وذلك من أشخاص مثل سيدنا أبو بكر وولديه عبد الله وأسماء، وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط.
10- ردّ الأمانات خلق رفيع من أخلاق النبوة. ويجب أن يتخلق المسلمون بهذا الخلق مع العدو والصديق
lightway
أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb