عدد المساهمات : 16 نقاط : 48 تاريخ التسجيل : 10/11/2009
موضوع: منهج الإمام القرطبي في تفسير الجمعة 18 ديسمبر 2009 - 15:28
6) اهتمامه بالمسائل الأصوليّة. إن المتأمّل لتفسير القرطبي يستطيع أن يُدرك أنه – رحمه الله – فقيه أصولي فهو يخرِّج بعض المسائل الفقهيّة على المسائل الأصوليّة، وقد ورد ذلك في مواضع من تفسيره : فمن ذلك ما أورده في المسألة الثالثة في آية الوضوء عند الكلام على حكم غسل الوجه قال: (( وإذا تقرر هذا من حكم الوجه فلا بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديد، كما لا بد على القول بوجوب عموم الرأس من مسح جزء معه من الوجه لا يتقدّر، وهذا ينبني على أصل من أصول الفقه وهو: " أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مثله " )) (3) ومن الأمثلة أيضاً ما ذكره في المسألة السابعة والعشرون من آية الوضوء عند قوله تعالى: (وإنّ كُنتم مَرْضَى أو عَلى سَفَرٍ أو جَاءَ أحدٌ مِنكم مِنَ الغَائط ...) الآية قال: (( تقدّم في (النساء) مستوفى، ونزيد هنا مسألة أصولية أغفلناها هناك، وهي تخصيص العموم بالعادة الغالبة، فإن الغائطَ كناية عن الأحداث الخارجة من المخرجين كما بيناه في (النساء) فهو عام، غير أن جُل علمائنا خصّصوا ذلك بالأحداث المعتادة الخارجة على الوجه المعتاد، فلو خرج غير المعتاد كالحصى والدود، أو خرج المعتاد على وجه السلس والمرض لم يكن شيء من ذلك ناقضاً... إلى أن قال: وتتمته في كتب الأصول ))(4) فهذا يدل على أن القرطبي – رحمه الله - يهتم بالمسائل الأصوليّة إلا أنه يؤْثر جانب الاختصار وعدم التطويل في ذكرها. وبمناسبة الكلام على مسألة تخصيص العام فإن القرطبي – رحمه الله – يذكر عدداً من المخصِّصَات للعموم، فمن ذلك التخصيص بعُرف الشرع حيث قال في المسألة الأولى من آية الغنائم: (( واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: ( غَنِمْتُم مِن شيءٍ ) مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه؛ ولكنّ عُرْف الشرعِ قيّد اللفظ بهذا النوع، وسمى الشرعُ الواصلَ من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئا، فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، والفيء مأخوذ من فاء يفئ إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف ))(1) ومن ذلك اعتباره للتخصيص بالإجماع حيث قال في المسألة الثالثة من آية الغنائم: (( لم يختلف العلماء أن قوله: ( واعْلَموا أنمّا غَنِمْتُم مِن شيء ) ليس على عمومه، وأنه يدخله الخصوص، فمما خصصوه بإجماع أن قالوا: سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام ))(2) وقد ذكر عن أبي العباس بن سريج من أصحاب الشافعي قوله: (( ليس الحديث (من قتل قتيلا فله سلبه) على عمومه، لإجماع العلماء على أنّ من قتل أسيراً أو امرأة أو شيخاً أنه ليس له سلب واحد منهم ))(3) وهذا مثال على تخصيص السنة بالإجماع.
7) اهتمامه بصحة الأحاديث. إن مما يُميّز منهج القرطبي – رحمه الله – في تفسير آيات الأحكام اهتمامه بالجانب الحديثي في المسائل إذا كان الدليل على المسألة حديثاً، فهو يجمع بين الفقه والحديث، وهذه ميزة مهمة؛ لأنّ بعض الفقهاء لا يلتفت إلى التحقق من صحة الحديث عند إيراده شاهداً على المسألة، وقد وقفت على بعض الأمثلة التي توضّح اهتمام القرطبي بهذا الجانب: فمن ذلك ما أورده في المسألة السابعة من آيات الصيام عند الكلام على وجوب التتابع في صوم القضاء بعض الأحاديث في ذلك فقال: (( اختلف الناس في وجوب تتابعها على قولين ذكرهما الدارقطني في سننه، فروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات ) فسقطت (متتابعات ) قال: هذا إسناد صحيح. وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (من كان عليه صوم من رمضان فليَسْرده ولا يقطعه) في إسناده عبد الرحمن ابن إبراهيم ضعيف الحديث، وأسنده عن ابن عباس في قضاء رمضان ( صمه كيف شئت ) ))(1) ومن الأمثلة كذلك ما أورده في آيات الصيام أيضاً في المسألة العاشرة في حكم من أخّر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان الآخر، فقد ذكر خلاف العلماء في وجوب الكفارة ثم قال: (( قلت: قد جاء عن أبي هريرة مسنداً فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر قال: (( يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرط فيه ويطعم لكل يوم مسكينا )). خرّجه الدار