عدد المساهمات : 105 نقاط : 325 تاريخ التسجيل : 22/11/2009 العمر : 29
موضوع: الحسن بن الهيثم الجمعة 18 ديسمبر 2009 - 13:57
الحسن بن الحسن بن الهيثم
بقلم: إسماعيل القريشي الشريف
الإسلام دين العلم والمعرفة، غير الله به المخاطبين وقت نزوله، وكل من يؤمن به إلى يوم القيامة، تغيراً جذرياً وسماً بأفكارهم إلى آفاق بعيدة لا يحدها زمان أو مكان، ودعا إلى العلم والبحث والنظر، ومن هنا كان المسلمون أصحاب ريادة في العلوم كلها فتعلموا الدين والعلم، ووظفوا العلم في خدمة الدين، ولم يجدوا إشكالية الصراع بين الدين والعلم كما هي في الحضارة الغربية، فأول ما نزل من القرآن قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم). وبعد نصر الله في يوم الفرقان أطلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سراح بعض الأسرى مقابل تعليم عدد من أبناء المسلمين.
وبدأت الأمة تتحول تدريجياً من أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، وتستعيض عن ذلك بالحفظ إلى أمة تحفظ وتكتب وتحسب، وبلغت ترجمة العلوم المختلفة ذروتها في عهد الدولة العباسية.
وواصل علماء المسلمين تهذيب تلك العلوم، والإضافة عليها ولم يقفوا عند ذلك الحد بل أبدعوا واخترعوا أشياء كثيرة لم يسبقوا غليها، وبعد توقف تقدم الأمة الإسلامية لأسباب داخلية وخارجية شرع الغرب يبني حضارته العلمية على ما وقف عنده المسلمون، وفصل بين العلم والدين، ولم يكن نزيها في اقتباسه وإفادته من علوم المسلمين، حيث نسب كثيراً من اكتشافات علماء المسلمين إلى علمائه، وقليل من اعترف بسبق المسلمين في ذلك، وأكتفي هنا باعتراف علم من أعلامهم هو نيكسون ـ رئيس أمريكي سابق ـ حيث قال: (إنه بينما كانت أوربا ترتع في غياهب العصور الوسطى كانت الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها لقد أسهم الإسلام كثيراً في تقدم العلم والطب والفلسفة، ثم ينقل قول (ديور انت): إن المسلمين قد أسهموا مساهمة فعالة في كل المجالات وكان ابن سينا من أكبر العلماء في الطب ومثله الرازي، والبيروني، أعظم الجغرافيين، والحسن بن الهيثم أكبر علماء البصريات، وجابر بن حيان أشهر الكيمائيين.
وكان العرب رواداً في التربية والتعليم... ثم يقول وعندما ظهر النوابغ والعلماء في عصر النهضة الأوروبي فإن نبوغهم وتقدمه كان راجعاً إلى أنهم وقفوا على أكتاف العمالقة من العالم الإسلامي).
لقد سبق عالمنا هذا وأمثاله علماء الغرب الذين زعم الغرب أنهم أصحاب الاكتشافات والقوانين والنظريات العلمية وشرعنا نحن نردد ذلك دون وعي، أمثال روجر بيكون، وديكارت، وكوبرنيكوس، ونيوتن، وجاليلو، ولم نشر أو نذكر شيئاً عن ابن الهيثم وابن سينا والرازي والبيروني وابن جبير وأمثالهم!!
إن من أولئك الأعلام العمالقة والعلماء المكتشفين حقاً الحسن بن الهيثم ذلك العالم الذي تميز بأخلاق البحث الإسلامي الذي يجعل الحق، والعمل دليلاً من دلائل قدرة الله وبذلك توصل إلى حقائق وقعد قواعد لم يسبق إليها، وكشف عن نظريات علمية مهمة في علوم الطبيعة وبين طريقة البحث بشكل عجز عنه علماء أوروبا في القرن الثالث عشر أمثال: روجر بيكون، وليوناردو، وغيرهم ممن يعتبرهم الأوروبيون مؤسسي المنهج العلمي الحديث!! ومن تلك النظريات التي سبق إليها ابن الهيثم ـ رحمه الله ـ علم المناظر، أو الضوء والإشعاع وبينهما من خلال تجارب علمية دقيقة واضحة.
التعريف به:
اسمه: الحسن بن الحسن بن الهيثم أبو علي البصري .
لقب ببطليموس الثاني .
وقيل: هو الحسن بن الحسين بن الهيثم .
وقيل: محمد بن الحسن والأول أصح وأشهر .
ميلاده: ولد نحو عام 354هـ وتوفي في عام 430هـ .
(الموافق عام 965 وعام 1029م) بالقاهرة .
تخصصه:
مهندس له في فنون الهندسة وآراء ومؤلفات، وفلكي، ورياضي، بارع وطبيب حاصل على الإجازة في الطب، له تصانيف عديدة، بلغ خبره الحاكم الفاطمي – صاحب مصر – ونقل إليه قوله: ( لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملاً يصلح به النفع في كل حالة من حالاته، فقد بلغني أنه ينحدر من موضع عال، وهو في طرف الإقليم المصري)، فدعاه الحاكم إليه، وخرج للقائه، وبالغ في إكرامه، ثم طالبه بما وعد من أمر النيل، فذهب في بعثة علمية حتى بلغ الموضع المعروف بالجنادل (قبلي مدينة أسوان) فعاين ماء النيل واختبره من جانبيه وضعف عن الإتيان بشيء جديد في هندسته، واعتذر بما لم يقنع الحاكم، فولاه بعض الدواوين فتولاها خائفاً، ثم تظاهر بالجنون، فضبط الحاكم ما عنده من مال ومتاع وأقام له من يخدمه، وقيد وترك في منزله . فلم يزل إلى أن مات الحاكم، فأظهر العقل، وخرج من داره، فاستوطن قبة على باب الجامع الأزهر، وأعيد إليه ماله فانقطع للتصنيف والإفادة إلى أن توفي .
ولعل لاعتذاره سبباً وملابسات منعته مما أراد . والله أعلم .
وواضح أنه كان يقصد بتلك الفكرة ـ التي لم تخرج إلى حيز العمل ـ بناء السد العالي وذلك لقوله: (فقد بلغني أنه ينحدر من موضع عال، وهو في طرف الإقليم المصري)، بل إن الدكتور أحمد شوقي الفنجري يؤكد ذلك فيقول: وهناك اختار الحسن بن الهيثم الموقع لإقامة السد، وهو نفس الموقع الذي أصبح فيما بعد السد العالي) ثم يعتذر عنه ـ ولا يبعده الصواب في ذلك ـ فيقول: (ولكن ابن الهيثم بعد طول الدراسات والتجارب تبين أنه من المستحيل بناء سد على النيل بهذه الضخامة وبإمكانات ذلك العصر اليدوية، وأن ذلك يحتاج إلى معدات هائلة ومتطورة) .
ويكفي في هذا أنه سبق إلى فكرة السد العالي التي يعدها اليوم الحكام المصريون والروس من أكبر مفاخرهم .
أعماله العلمية:
ألف ابن الهيثم كتباً كثيراً قاربت المائة، وقيل إن ما كتبه من كتب ورسائل في شتى فروع المعرفة بلغ مائتين وسبعاً وثلاثين (237)، أكتفى بذكر بعضها:
فمن مؤلفاته:
*المناظر – مخطوط – نشرت ترجمته إلى اللاتينية سنة 1572م – وكان لها – كما يقول سوتر H. Suter أثر بالغ في تعريف الغربيين بهذا العلم في العصور الوسطى، ففي قسم الأعلام من المنجد أن ابن الهيثم اشتهر بكتابة: (المناظر) في البصريات وأفاد منه علماء الغرب.
*كيفية الإظلال، ترجم إلى الألمانية ونشر بها مختصراً .
*تهذيب المجسيطي .
*الشكوك على بطليموس . رسالة مخطوطة .
*الأخلاق – رسالة مخطوطة – قال عنها البيهقي: ما سبقه بها أحد .
*ومساحة المجسم المتكافئ، نشر بالألمانية .
*الأشكال الهلالية، مخطوط .
*تربيع الدائرة، مخطوط .
*شرح قانون أقليدس، مخطوط .
*مساحة الكرة، مخطوط .
*المرايا المحرقة . ترجم إلى الألمانية ونشر بها .
*تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن .
*ارتفاعات الكواكب .
*مقدمة ضلع المسبع .
*خواص الثلث من جهة العمود .
وقد ألف ابن الهيثم في البصريات ما يقرب من أربعة وعشرين موضوعاً بين كتاب ورسالة ومقالة .
منهج ابن الهيثم وأسباب التأليف عنده:
كان ابن الهيثم رحمه الله عالماً ورعاً لا يبتغي بعلمه سوى وجه الله تعالى، والوصول إلى الحق، ويدل على هذا رفضه للمال والجاه واكتفاؤه بما يسد حاجته.
لقد حدد ابن الهيثم أسباب كثرة تأليفه في ثلاثة أسباب هي:
الأول – أن يجد الناس في كتبه – بعد موته – الفائدةو العلم اللذين يقدمهما لهم في حياته .
الثاني – أن يجعل من التأليف وتدبيج الرسائل ارتياضا لنفسه بهذه الأمور في تثبيت ما تصوره فكره وأتقنه من هذه الدراسات .
الثالث – أن يدخر من تلك التآليف عدة لزمن الشيخوخة وأوان الهرم .
ولم يكن في هذه المؤلفات مجرد ناقل بل كان محللا معللا مبتكرا ناقدا بصيرا، وكان يعتمد في منهجه العلمي على الاستقراء والتتبع في أغلب الأحيان وربما اعتمد أسلوب الاستنتاج أحيانا أخرى، وكان سبيله في ذلك كله المشاهدة والتجربة والملاحظة .
يبدأ من حيث وصل من سبقه بعد فحص وتحقق ناسبا الفضل لذويه وفي هذا يروي عنه البيهقي ما يمكن أن يكون أصلا في التوثيق والأمانة العليمة – التي حرمها الغرب في نهضته العلمية ويفقدها الكثيرون اليوم – فيقول: إذا وجدت كلاما حسنا لغيرك فلا تنسبه لنفسك، واكتف باستفادتك منه، فإن الولد يلحق بأبيه والكلام بصاحبه )، وكان يصرح بما توصل إليه وينسبه لنفسه من غير فخر أو خوف أو تردد في أدب الباحث المسلم كقوله: ( ولا نعرف واحدا من المتقدمين ولا المتأخرين بين هذا ولا وجدناه في شيء من الكتب) . وبهذا يكون ابن الهيثم سبق (روجر بيكون) إلى المنهج العلمي، ولا غربة في هذا إلا عند من لم يفتحوا أعينهم إلا على الفكر الغربي، أما من قرأ في التراث الإسلامي وعرف مناهج المحدثين في التثبت والتوثيق ووضع الفهارس، وعلماء الأصول في الاستقراء والتتبع والقياس علم أن المسلمين هم أصحاب السبق في هذا وكيف لا وهم يتلون قوله تعالى: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .
وقوله تعالى: ( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين )، وقوله تعالى: ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) .
ثناء العلماء عليه:
قيل: إن علم البصريات وصل إلى ذروة من التقدم بفضل ابن الهيثم . قال عنه ابن أبي أصيبع: ( كان ابن الهيثم: فاضل النفس قوي الذكاء متفننا في العلوم، لم يماثله أحد من أهل زمانه، وكان دائم الاشتغال كثير التصنيف، وافر الزهد محباً للخير، ولقد لخص كثيرا من كتب جالينوس في الطب .. وكان حسن الخط جيد المعرفة بالعربية ) .
وقال عنه ابن القفطي: ( إنه صاحب التصانيف والتآليف في الهندسة وكان عالما بهذا الشأن متقنا له متفننا فيه، قيما بغوامضه ومعانيه، ومشاركا في علوم الأوائل، أخذ عنه الناس واستفادوا ) .
وقال عنه مصطفى نظيف بك: ( إن ابن الهيثم رائد علم الضوء في القرن الحادي عشر للميلاد كما أن نيوتن رائد علم الميكانيكا ) .
وقال فيه سارطون: إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن علماء البصريات القلائل في العالم كله .
وقال عنه الأستاذ جون دبزوندبرناك – رئيس قسم الفيزياء بكلية بيركبك بجامعة لندن: ( ويعتبر كتاب المناظر لابن الهيثم هو أول دراسة علمية جادة في موضوع الضوء، وابن الهيثم وغيره من علماء العرب، هم أول من فهم موضوع انعكاس الضوء بالمفهوم الجديد، وبمرور الضوء خلال الأجسام المشفة، الأمر الذي كان له الفضل في إرساء قواعد علم البصريات ) .
هذه نبذة مختصرة عن واحد من أعلامنا في العلم والبحث والاكتشاف هو الحسن بن الهيثم العالم البحاثة الزاهد صاحب المنهج والضمير الذي لم يكن يريد بعلمه عرضاً من الدنيا – هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحدا .
ودراسة هذه النماذج وإبرازها للأجيال من حق علمائنا علينا إضافة إلى ما فيها من بعث روح الثقة في أمتنا ومعرفة مدى ما وصلت إليه وما يمكن أن تصل إليه مستقبلاً – إن شاء الله – خاصة إذا علمنا أن عطاء أمتنا لم يتوقف وأن كثيرا من أعلامنا المعاصرين لهم إسهاماتهم العلمية – التي لا تنكر – في بناء الحضارة العلمية الإنسانية المعاصرة وفي أدق التخصصات العلمية مع تمسكهم بحمد الله بدينهم وقيمهم الإسلامية، وفق الله أمتنا وأعاد لها وسطيتها وخيريتها وشهادتها على الناس، ورحم الله وغفر لهذا العالم الفذ الحسن بن الهيثم وتقبل منا ومنه صالح العمل.
جومانة عضو vip
عدد المساهمات : 6816 نقاط : 6982 تاريخ التسجيل : 02/11/2009
موضوع: رد: الحسن بن الهيثم الأحد 7 يوليو 2019 - 6:33