عدد المساهمات : 461 نقاط : 1313 تاريخ التسجيل : 21/11/2009 العمر : 30 الموقع : مدرسه شنواي
موضوع: قصة أصحاب الأخدود الخميس 17 ديسمبر 2009 - 13:07
يسوق لنا تعالى في قصة {أصحاب الأخدود} مثالاً واقعياً يبيِّن فيه عاقبة المعرض ونتائج أعماله السيِّئة وما تعود به عليه، قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}. ولشرح ملخص هذه القصة سنبدأ بتأويل الآيات الكريمة السابقة، ونبدأ بآية: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} فنقول: {قُتل} بمعنى هلك وذهبت حياته، وقُتل هنا فعل مبني للمجهول لأن فاعله معلوم، فكل واحد من أصحاب الأخدود إنما أهلك نفسه بفعله وما جنى عليه غير عمله. والأخدود: هو الشق والحفرة المستطيلة في الأرض. وأصحاب الأخدود هم الأشخاص الذين حفروا تلك الحفرة المستطيلة في الأرض، وجعلوا يُلقون فيها من كانوا يقتلونهم من المؤمنين. فقد ذكروا أن أحد الملوك الحِمْيَريين الذين ملكوا اليمن قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان اسم ذلك الملك {ذا نواس} لم يرقْ له أن يرى جماعة من أهل نجران يخالفونه في دينه فيؤمنون برسالة سيدنا عيسى عليه السلام ويؤمنون بالله، بل أراد أن يعيدهم إلى دينه وكان يهودياً مُصرّاً على كفره ويهوديته فأمر أعوانه بتعذيب أولئك المؤمنين وتقتيلهم وإلقائهم في الأُخدود أو أن يعودوا إلى الكفر. وقد أراد تعالى أن يبيِّن لنا نوع الجزاء الذي سيحلّ بأولئك المعتدين فقال تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}: أي: أن أصحاب الأخدود أهْلكوا أنفسهم وقتلوها بعملهم لأنهم سيصبحون أصحاب النار ذات الوقود. والوقود: مأخوذة من وَقَدَ بمعنى اشتعل، والنار ذات الوقود: أي: الشديدة الاشتعال. ثم بيَّن لنا تعالى كيفية عذابهم فيها فقال تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ}: والقعود: جمع قاعد وهو الجالس فبسبب ما فيهم من ألم وعلل تجدهم قعوداً على النار لا يبرحون ولا يتحوَّلون عنها. ثم بيَّن تعالى سبب عذابهم فيها فقال تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}: فهؤلاء حينما تنكشف لهم الحقيقة ويرون عملهم إزاء هؤلاء المؤمنين هنالك يتألَّمون مما فعلوه بهم ويحرق الألم نفوسهم فلا يجدون مخلصاً من ذلك الألم المعنوي سوى النار. وعلى وجه المثال نقول: لو أن رجلاً غاب عن وعيه ساعة فقام إلى زوجته وأولاده النائمين فذبحهم ذبح النعاج، وإن هي إلا ساعة مضت حتى رجع له وعيه وثاب إلى رشده فرأى أولاده وزوجته جثثاً هامدة ودماؤهم جارية على الأرض فيا ترى حينما يقف هذا الشاهد أمام المشهودين ما يكون عليه حاله؟!. هل تراه يطيب له عيش ويكون له نعيم؟. وهل يصرفه عن ألمه النفسي شيء؟. إنه ليس يغيِّبه عن ألمه إلاّ ألم جسدي عظيم وليس من ألم جسدي أعظم من حرقه بالنار. وهكذا فالنار من رحمة الله بأولئك الذين تتغلب عليهم آلامهم النفسية يوم القيامة، بسبب ما فعلوه مع من قتلوهم وأزهقوا أرواحهم، أو من سلبوا أموالهم، أو اعتدوا على أعراضهم، أو مع من ضلَّلوهم وكانوا سبباً في زيغهم عن الحق، تراهم يومئذ يقفون موقفاً يحزُّ فيه الألم قلوبهم، فبسبب إعراضهم عن الرحيم الرحمن قست قلوبهم وقاموا بأعمال شريرة عكس ما خُلقوا من أجله من عمل الخير وعمل الإحسان التي بها يرتقون في الجنَّات، فعندما تزول دنياهم وتزول معها شهواتهم الخبيثة التي كانت تحجبهم عن الحقائق ويعودون لفطرة الكمال فيرون فظائع ما اقترفوه وما كان سبباً لخسرانهم الحياة الحقيقية الأبدية، خسرانهم لما أعدَّ لهم الله من الخيرات السرمدية، لقد خسروا جنَّاتهم العُلى وانحطت قيمتهم الإنسانية التي كانت ستعلو بهم فوق كافة الخلائق غير المكلَّفة، بل فقدوا مشاهدة خالق الجمال والمجد والجلال. كانوا لو استجابوا لربِّهم فآمنوا وعملوا الصالحات سيتسنمون أعلى مكانة في العالمين، فبإعراضهم وأمراضهم التي سببت لهم الخزي والعار هووا إلى أسفل سافلين وأصبحوا شر البرية، فهنالك تشتعل بهم نيران الحسرة والخجل، نيران الانحطاط والسفالة والخزي والخسارة، ويستجيرون بالله، يطلبون منه أن يحجبهم عمَّا هم فيه من الألم النفسي المُهلك، وهناك يرحمهم الله بالنار، فيرتمون في أحضانها ليغيبوا بحريقها وألم عذابها الجسدي عن ألمهم النفسي لأن أجسادهم التي ارتكبوا فيها هذه الجرائم تكون محاطة بنفوسهم المُعرضة عن الله والتي لم تعرف إلاَّ الجسد ومشتهياته في حياتهم الدنيا فبشخوص بصيرتهم إلى أجسادهم يعيشون بذكرى أعمالهم الشريرة والمُترعة باللؤم والخبث والمكر فتلتهب نفوسهم بنيران خزيهم وإجرامهم حتى تشوي نفوسهم شيّاً، فتأتي نيران اللظى لتُنسيهم آلامهم النفسية الفظيعة، فنار الله الموقدة ينزع لظاها هذا الشوى النفسي الذي يتحرَّقون به ( كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى، نَزَّاعَةً لِلْشَّوَى ) سورة المعارج: الآية (15-16). هذه النار الموقدة تجدي ولكنها لا تشفي، إذ لا شافي للنفس ولا طهارة لها إلاَّ بالاتجاه إلى وجه الله الكريم الذي إذا اتَّجهوا إليه سرى نوره إلى نفوسهم وطهَّرها من أدرانها الخبيثة وميولها السفلية وشفاها، لكنَّ كبرهم حجبهم فاحتاجوا إلى هذا الدواء المر، وقانا الله من أن تكون لزاماً. وذلك هو يومئذ حال أصحاب الأخدود حينما يَرَونَ ما فعلوه بأولئك المؤمنين الذين لا ذنب لهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، وأنهم ما نقموا منهم إلا بسبب إيمانهم، ولذلك قال تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}. ونقم منه: أي: عاقبه عقاباً يخرج من نفسه ما فيها وما انطوت عليه. وهكذا فالنقمة إنما تكون على حسب حال الناقم، فإن كان ذا صفة عالية كانت نقمته سبباً في خروج الفساد من قلب من نقم منه. فالأب والمعلِّم المخلص ينقمان من الطفل، أي: يعاقبانه عقاباً ينتزع من نفسه ما فيها من الشر. أما أصحاب الصفة الدنيئة والنفس المنحطة فإنما ينقم من غريمه ظلماً وبغياً، وليست له غاية سوى تجريد من ينقم منه من كل ما يتمتع به من نعمة. والانتقام والحالة هذه على صورٍ شتَّى، فإما أن يعمد الناقم إلى إخراج من ينقم منه من وظيفته وحرمانه مما كان يناله بسببها من الخير، وإما أن يعمد إلى حبسه وتجريده من حرِّيته، وإما أن يعمد إلى قتله وإخراج روحه، وإما أن يشدد عليه لينتزع إيمانه من قلبه. وحيث إن أصحاب الأخدود كانوا من ذوي النفوس المنحطة لذلك عمدوا في نقمتهم إلى إخراج أرواح المؤمنين تشديداً عليهم وسعياً في ردِّهم عن إيمانهم، ولذلك تراهم يوم القيامة يتألَّمون كثيراً عندما يرون أن أولئك المؤمنين لم يكن لهم ذنب ولا جُرم، وأنّ نقمتهم منهم لم تكن إلا أن يؤمنوا بالله، أي بالمسيِّر لهذا الكون. العزيز: أي: المتفرّد في الكمال. الحميد: أي: الذي يُحمد على كل ما يسوقه لعباده. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}: أي: المالك المتصرِّف بشؤون كل ما في السموات والأرض، فهو الممدُّ لها بالوجود، المتفضِّل عليها بالحياة. وهو الذي يهبها كل ما تحتاج إليه، ويسيِّرها فيما يعود عليها وعلى الكون بالخير. {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}: والشهيد: هو المشاهد الرقيب. فكل ما تفعله أيها الإنسان محفوظ عنده تعالى وهو معك أينما كنت، ناظر إليك ومطَّلع عليك.
يمكن أيضاً الاستماع إلى تأويل سورة البروج وقصة أصحاب الأخدود