موضوع: خروج الموحدين من النار بشفاعه الرسول الجمعة 11 ديسمبر 2009 - 9:32
خروج الموحدين من النار بشفاعة النبى المختار صلى الله عليه وسلم الشيخ زكريا حسينى محمد رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله «يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا عند ربنا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته، ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله، فيأتونه، فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته، ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً، فيأتونه، فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتوا موسى الذي كلمه الله فيأتونه، فيقول لست هناكم، فيذكر خطيئته، ائتوا عيسى فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا محمدًا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأستأذن على ربي، فإذا رأيته وقعت له ساجدًا فيدعني ما شاء الله، ثم يقال لي ارفع رأسك، سل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني، ثم أشفع فيحد لي حدًا، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجدًا مثله في الثالثة أو الرابعة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن» وكان قتادة يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه بالأرقام ، ، ، ، ، ، ، ، كما أخرجه الإمام مسلم في الصحيح برقم ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند بالأرقام ، وأخرجه الإمام الترمذي في جامعه برقم ، والإمام ابن ماجه برقم ، وكذا أخرجه ابن حبان وأبو يعلى والطيالسي وابن أبي شيبة وابن خزيمة في التوحيد، وأبو عوانة وابن منده والبغوي في شرح السنة والبيهقي في الأسماء والصفات أولاً من روى الحديث من الصحابة
أورد الحافظ في الفتح أسماء بعض الصحابة الذين رووا الحديث فقال بعد أن ساق بعض روايات البخاري والطرق عن أنس رضي الله عنه قال وأخرجه أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعند الحاكم من حديث ابن مسعود، والطبراني من حديث عبادة بن الصامت، ولابن أبي شيبة من حديث سلمان الفارسي، وعند الترمذي وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي سعيد الخدري، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة معًا، وأبو عوانة من رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق، وعند البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عن الصحابة أجمعين هؤلاء عشرة من أصحاب النبي ورضي الله عنهم يروون حديث الشفاعة وبأقل من هذا العدد يحصل التواتر، وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي عمر عن عبيد بن عمير أن رجلاً قال لعبيد وكان الرجل يتهم برأي الخوارج يقال له هارون أبو موسى يا أبا عاصم، ما هذا الذي تحدث به ؟ فقال له عبيد بن عمير إليك عني، لو لم أسمعه من ثلاثين من أصحاب محمد لم أحدث به ثانيًا اختلاف ألفاظ الحديث
قوله «يَجْمَعُ اللَّـهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ» وفي رواية جَمَعَ والأول المعتمد، ووقع في رواية أخرى «إذا كان يوم القيامة مَاجَ الناس بعضهم في بعض»، وأول حديث أبي هريرة «أنا سيد الناس يوم القيامة، يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون» وفي رواية أبي زرعة زاد «وتدنو الشمس من رءوسهم فيشتد عليهم حرها ويشق عليهم دنوها فينطلقون من الضجر والجزع مما هم فيه» وفي أول حديث أبي بكر «عرض عليَّ ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة ؛ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيقطع الناس لذلك والعرق يلجمهم» وفي رواية معمر «يلبثون ما شاء الله من الحبس»، وفي حديث سلمان «تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين، ثم تدنو من جماجم الناس فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم يرتفع الرجل حتى يقول عق عق» أي يصوت بصوت مزعج مثل صوت العقعق، وهو طائر كالغراب وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه «لغمِّ ما هم فيه والخلق مُلْجَمُونَ بالْعَرَقِ، فأما المؤمن فهو عليه كالزُّكْمَة، وأما الكافر فيَغْشَا الموتُ» وفي حديث عبادة بن الصامت «إني لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر، وما من الناس إلا من هو تحت لوائي ينتظر الفرج، وإن معي لواءَ الحمد»، ووقع في رواية هشام وسعيد وهمام «يجتمع المؤمنون فيقولون» قال الحافظ بعد أن ساق ذلك كله بأوسع مما أوردناه وتبين من رواية النضر بن أنس أن التعبير بالناس أرجح، لكن الذي يطلب الشفاعة هم المؤمنون اهـ قوله «فيقولون لو استشفعنا» في رواية مسلم «فيلهمون ذلك»، وفي لفظ «فيهتمون بذلك» وفي رواية همام «حتى يهتموا بذلك» قوله «على ربنا» في رواية هشام وسعيد «إلى ربنا» وتُوَجَّهُ بأنه ضَمَّنَ استشفع معنى سعى وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معًا «فيقوم المؤمنون حين تنزلف لهم الجنة فيأتون آدم»، ويؤخذ منه أن طلبهم الشفاعة يقع حين تنزلف لهم الجنة ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم «أنا أول من تنشق عنه الأرض » الحديث، وفيه «فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيأتون آدم» إلخ الحديث قال القرطبي «كأن ذلك يقع إذا جيء بجهنم، فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم» قوله «حتى يريحنا» في حديث ابن مسعود عند ابن حبان «إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار» قوله «خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه» زاد في رواية همام «وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء»، وفي حديث أبي هريرة «وأمر الملائكة فسجدوا لك»، وفي حديث أبي بكر «أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله» قوله «فاشفع لنا عند ربنا» في رواية مسلم «عند ربك»، وفي حديث أبي بكر وأبي هريرة «اشفع لنا إلى ربك»، زاد أبو هريرة «ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما بلغنا » قوله «لست هناكم» قال القاضي عياض هذا كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة، قاله تواضعًا، وإكبارًا لما يسألونه، قال وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي، بل لغيري قال الحافظ وقد وقع في رواية معبد بن هلال «فيقول لست لها» وكذا في بقية المواضع، وفي رواية حذيفة لست بصاحب ذاك وهو يؤيد الإشارة المذكورة قوله «ويذكر خطيئته» زاد مسلم «التي أصاب» زاد همام في روايته «أَكْلَهُ من الشجرة، وقد نهى عنها» وفي رواية هشام «فيذكر ذنبه فيستحي» وفي حديث ابن عباس «إني قد أخرجت بخطيئتي من الجنة» وفي حديث أبي سعيد «وإني أذنبت ذنبًا فأهبطت به إلى الأرض» وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معًا «هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟»، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور «إني أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم حسبي» وفي حديث أبي هريرة «إني ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فَعَصَيْتُ، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري» قوله «ائتوا نوحًا، فيأتونه» في رواية مسلم «ولكن ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض»، وفي حديث أبي بكر «انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح، ائتوا عبدًا شاكرًا»، وفيه أيضًا «فينطلقون إلى نوح فيقولون يا نوح اشفع لنا إلى ربك، فإن الله اصطفاك واستجاب لك في دعائك ولم يَدَعْ على الأرض من الكافرين ديارًا» قوله «فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي رَبَّهُ منها» في رواية هشام «ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم» وفي رواية شيبان «سؤال الله»، وفي رواية معبد بن هلال مثل جواب آدم، لكن قال «وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي» قوله «ائتوا إبراهيم» في رواية مسلم «ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً»، وفي رواية معبد بن هلال «ولكن عليكم بإبراهيم فهو خليل الله» قوله «فيأتونه» زاد أبو هريرة في حديثه فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض قم اشفع لنا إلى ربك، وذكر مثل ما لآدم قولاً وجوابًا إلا أنه قال «قد كنت كذبت ثلاث كذبات» قوله «فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته» زاد مسلم «التي أصاب فيستحيي رَبَّهُ منها»، وفي حديث أبي بكر «ليس ذاكم عندي»، وفي رواية همام «إني كنت كذبت ثلاث كذبات» زاد شيبان في روايته «قوله إني سقيم»، وقوله فعله كبيرهم هذا، وقوله لامرأته أخبريه أني أخوك» وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد «فيقول إني كذبت ثلاث كذبات»، قال رسول الله «ما منها كذبة إلا مَا حَلَ بها عن دين الله» ومَا حَلَ فعل ماض بمعنى جَادَلَ وعلى وزنه ووقع في رواية حذيفة المقرونة مع رواية أبي هريرة «لست بصاحب ذاك إنما كنت خليلاً من وراءَ وراءَ» قوله «ائتوا موسى الذي كلمه الله» في رواية مسلم «ولكن ائتوا موسى»، وزاد «وأعطاه التوراة»، وفي رواية معبد بن هلال «ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله»، وفي رواية الإسماعيلي «عبدًا أعطاه الله التوراة وكلمه تكليمًا» زاد همام في روايته «وقربه نجيًا»، وفي رواية حذيفة المقرونة «اعمدوا إلى موسى فقوله فيأتونه في رواية مسلم فيأتون موسى فيقول»، وفي حديث أبي هريرة «فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا» فذكر مثل آدم قولاً وجوابًا لكنه قال «إني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها» قوله «فيقول لست هناكم» زاد مسلم «فيذكر خطيئته التي أصاب، قتل النفس»، وللإسماعيلي «فيستحيي رَبَّهُ منها»، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور «إني قتلت نفسًا بغير نفس، وإن يغفر لي اليوم حسبي» قوله «ائتوا عيسى» زاد مسلم «روح الله وكلمته»، وفي رواية هشام «عبد الله ورسوله وكلمته وروحه»، وفي حديث أبي بكر فإنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى قوله «فيأتونه» في رواية مسلم «فيأتون عيسى فيقول لست هناكم» وفي حديث أبي هريرة فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد صبيًا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ؟ فذكر مثل آدم قولاً وجوابًا، لكن قال ولم يذكر ذنبًا، لكن وقع في رواية الترمذي في حديث أبي سعيد «إني عُبِدْتُ من دون الله» وفي حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي «إني اتخذتُ إلهًا من دون الله»، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه، وزاد «وإن يغفر لي اليوم حسبي» قوله «ائتوا محمدًا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» وفي رواية مسلم «عبد غفر له ما تقدم » إلخ زاد ثابت «من ذنبه» وفي رواية هشام «غفر الله له»، وفي رواية معتمر «انطلقوا إلى من جاء اليوم مغفورًا له ليس عليه ذنب» وفي رواية ثابت أيضًا «خاتم النبيين قد حضر اليوم، أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم» وعند سعيد بن منصور «فيرجعون إلى آدم فيقول أرأيتم إلخ» وفي حديث أبي بكر «ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض» قوله «فيأتوني» في رواية النضر بن أنس عن أبيه «حدثني نبي الله «إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لندعو الله أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء لِغَمِّ ما هم فيه»، ووقع في رواية معبد بن هلال «فيأتوني فأقول أنا لها أنا لها» زاد عقبة بن عامر عند ابن المبارك في الزهد «فيأذن الله لي فأقوم فيثور من مجلسي أطيب ريح شمها أحد» وفي حديث سلمان عند ابن أبي شيبة «يأتون محمدًا فيقولون يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم، وغفر لك ما تقدم وما تأخر، وجئت في هذا اليوم آمنًا وترى ما نحن فيه، فقم فاشفع لنا إلى ربنا، فيقول أنا صاحبكم، فيجوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة» وفي رواية معتمر «فيقول أنا صاحبها» قوله «فأستأذن» في رواية هشام «فأنطلق حتى استأذن» قوله زاد همام «في داره فيؤذن لي» قال القاضي عياض أي في الشفاعة، وتعقب بأن ظاهر ما تقدم أن استئذانه الأول والإذن له إنما هو في دخول الدار وهي الجنة، وأضيفت إلى الله تعالى إضافة تشريف، ومنه «والله يدعو إلى دار السلام» على القول بأن المراد بالسلام هنا الاسم العظيم وهو من أسماء الله تعالى، قال الحافظ وتقدم في بعض طرق الحديث أن من جملة سؤال أهل الموقف استفتاح باب الجنة وقد ثبت في صحيح مسلم أنه أول من يستفتح باب الجنة، وفي رواية علي بن زيد عن أنس رضي الله عنه عند الترمذي «فآخذ حلقه باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا؟ فأقول محمد، فيفتحون لي ويرحبون، فأخر ساجدًا»، وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم «فيقول الخازن من ؟ فأقول محمد، فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك»، وله من رواية المختار بن فلفل عن أنس «أنا أول من يقرع باب الجنة»، وفي رواية قتادة عن أنس «آتي باب الجنة فأستفتح فيقال من هذا؟ فأقول محمد، فيقال مرحبًا بمحمد»، وفي حديث سلمان «فيأخذ بحلقه الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال من هذا؟ فيقول محمد، فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له» وفي حديث أبي بكر الصديق «فيأتي جبريل ربه فيقول ائذن له» قوله «فإذا رأيته وقعت له ساجدًا» في رواية أبي بكر «فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي»، وفي رواية لابن حبان من طريق ثوبان عن أنس «فيتجلى له الرب ولا يتجلى لشيء قبله» وفي حديث أُبَيِّ بن كعب عند أبي يعلى «يعرفني الله نفسه فأسجد له سجدة يرضى بها عني، ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني» قوله «فيدعني ما شاء الله» زاد مسلم «أن يدعني»، وكذا في رواية هشام، وفي حديث عبادة بن الصامت «فإذا رأيت ربي خررت له ساجدًا شاكرًا له» وفي رواية معبد بن هلال فأقوم بين يديه فيلهمني محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا» وفي حديث أبي بكر الصديق «فينطلق إليه جبريل فيخر ساجدًا قدر جمعة» قوله «ثم يقال لي ارفع رأسك» في رواية مسلم «فيقال يا محمد» وكذا في أكثر الروايات، وفي رواية النضر بن أنس «فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك» قوله «وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع» سقط من أكثر الروايات «وقل يسمع» ووقع في حديث أبي بكر «فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدًا قدر جمعة» وفي حديث سلمان «فينادي يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب» قوله «فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني» في رواية هشام «يعلمنيه»، وفي رواية ثابت «بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي»، وفي حديث سلمان «فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق» قوله «ثم أشفع» في رواية معبد بن هلال «فأقول رب أمتي أمتي أمتي» وفي حديث أبي هريرة مثله قوله «فيحد لي حدًا» في رواية هشام عن قتادة عن أنس «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة» وفي رواية ثابت عن أنس عند أحمد «فأقول أي رب أمتي أمتي، فيقول أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة»، ثم ذكر نحو ما تقدم وقال «مثقال ذرة» ثم قال «مثقال حبة من خردل» ووقع في طريق النضر بن أنس قال «فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا، فما زلت أتردد على ربي لا أقوم منه مقامًا إلا شفعت» وفي حديث سلمان «فيشفع في كل من مكان في قلبه مثقال حبة من حنطة ثم شعيرة ثم حبة من خردل فذلك المقام المحمود» قوله «ثم أعود فأقع ساجدًا مثله في الثالثة أو الرابعة» في رواية هشام «فأحد لهم حدًا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع ثانيًا فأستأذن» إلى أن قال «ثم أحد لهم حدًا ثالثًا فأدخلهم الجنة ثم أرجع»، ووقع عند أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة «ثم أعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن» ووقع في رواية معبد بن هلال عن أنس أن الحسن حدث معبدًا بعد ذلك بقوله «فأقوم الرابعة» وفيه قول الله له «ليس ذلك لك» قوله «إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود» في رواية هشام «إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود» بإبهام قائل «أي وجب عليه الخلود» وتبين من رواية أبي عوانة أنه قتادة أحد رواته، ووقع في رواية هشام وسعيد «فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» وسقط من رواية سعيد عند مسلم «ووجب عليه الخلود»، فتمنى أن قوله وجب عليه الخلود في رواية هشام وسعيد مدرج في المرفوع، وذلك للتصريح بأنها من قول قتادة ثالثًا الميزات المذكورة في الحديث لكل واحد من هؤلاء الرسل أما آدم عليه السلام فجاء في حقه أنه أبو البشر، وأن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه أسماء كل شيء، وأسجد له ملائكته، واصطفاه الله سبحانه وتعالى فهذه ست ميزات تميز بها آدم عليه السلام، لم يشاركه فيها أحد إلا الأخيرة وهي اصطفاء الله تعالى له، فقد اشترك فيها كل الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وكذا نفخ الله فيه من روحه شاركه فيها عيسى عليه السلام، ولذا قال تعالى «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» وأما نوح عليه السلام، فجاء في حقه في هذا الحديث أنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وأنه أبو البشر بعد أبيهم، وأنه سماه الله عبدًا شكورًا، وأنه استجاب الله ه على قومه فلم يدع على الأرض من الكافرين ديارًا، وأن الله تعالى اصطفاه، وقد قال له الناس أنت أول رسول بعثك الله إلى أهل الأرض لأن آدم سبق إلى وصفه بأنه أول رسول فخاطبه أهل الموقف بذلك قال الحافظ وقد استشكلت أولية نوح في إرساله إلى أهل الأرض كما جاء في هذه الأحاديث مع أن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح، وبَيَّن أنه أجيب عن ذلك بأجوبة، وحاصلها ؛ أن الأولية مقيدة بقوله «أهل الأرض»، لأن آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض، ويشكل عليه حديث جابر في قوله «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة»، ويجاب بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا محمد لقومه ولغيرهم، أو أن الأولية كانت مقيدة بكونه أهلك قومه، أو أن الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلاً، وإلى هذا جنح ابن بطال في حق آدم، وتعقبه القاضي عياض بما صححه ابن حبان من حديث أبي ذر فإنه كالصريح في أنه كان مرسلاً، وفيه التصريح بإنزال الصحف على شيث وهو من علامات الإرسال، وأما إدريس فذهبت طائفة إلى أنه كان في بني إسرائيل وهو إلياس، وقد ذكر ذلك في أحاديث الأنبياء، ومن الأجوبة أن رسالة آدم كانت لبنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته، ونوح كانت رسالته إلى قوم كفار يدعوهم إلى التوحيد
رابعًا الخطايا التي نسبت لكل واحد من هؤلاء المرسلين
أما خطيئة آدم عليه السلام فهي أنه أكل من الشجرة التي نهاه الله تعالى عن قربانها والأكل منها، قال تعالى «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ» البقرة ، وقال تعالى في سورة طه «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى» طه ، وأما خطيئة نوح عليه السلام فإنه دعا على قومه قال «رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا» نوح وجاء في الحديث أنه عليه السلام يذكر سؤال ربه ما ليس له به علم وأما إبراهيم عليه السلام فقال كما جاء في بعض روايات الحديث «إني كنت كذبت ثلاث كذبات» وقد فسرت في بعض الروايات «قوله «إِنِّي سَقِيمٌ»، وقوله «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا»، وقوله لامرأته أخبريه أني أخوك» وأما موسى عليه السلام فخطيئته أنه قتل بغير نفس كما جاء على لسانه في بعض روايات الحديث، وفي بعضها «إني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها» وأما عيسى عليه السلام فكما جاء في بعض روايات الحديث «ولم يذكر ذنبًا»، لكن وقع في حديث أبي سعيد عند الترمذي «إني عُبدتُ من دون الله»
خامسًا عصمة الأنبياء
هذه خطايا نسبت لهؤلاء المرسلين فهل تتنافى مع عصمتهم ؟ فإن الأنبياء كلهم معصومون كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن القاضي عياض كلامًا مؤداه أنه لا خلاف في عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكفر والشرك بعد النبوة، وكذا قبل النبوة على الصحيح، وكذلك هم معصومون من ارتكاب الكبيرة قبل النبوة وبعدها، قال ويلتحق بالكبيرة ما يزري بفاعله من الصغائر، وكذا القول في كل ما يقدح في الإبلاغ من جهة القول واختلفوا في الفعل فمنعه بعضهم حتى في النسيان، وأجاز الجمهور السهو لكن بدون التمادي، واختلفوا فيما عدا ذلك من الصغائر، فذهب جماعة من أهل النظر إلى أنهم معصومون منها مطلقًا، وأولوا الآيات والأحاديث الواردة في ذلك بأنواع من التأويل، ومن جملة ذلك أن الصادر عنهم إما أن يكون بتأويل من بعضهم أو بسهوٍ أو بإذن، والأنبياء المذكورون في الحديث يعلمون ذلك، لكن خشوا ألا يكون ذلك موافقًا لمقامهم، فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة، وكان من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين كما قيل في ذلك قال وهو أرجح الأقوال، وليس هو مذهب المعتزلة، وإن قالوا بعصمتهم مطلقًا؛ لأن منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقًا ولا يجوز على النبي الكفر، قال ومنزعنا أن أمة النبي مأمورة بالاقتداء به في أفعاله، والأنبياء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وغير جائز أن يفعل النبي ما ينهى عنه قومه وأما ما وقع في حديث الباب وغيره من النصوص فلا يخرج عن ما قلناه فأكل آدم من الشجرة كان عن سهو، وطلب نوح نجاة ولده كان عن تأويل فإن الله عز وجل كان وعده بنجاة أهله، ومقالات إبراهيم كانت معاريض وما أراد بها إلا الخير، والرجل الذي قتله موسى كان كافرًا، والحجة أن موسى لم يُرِدْ قتله لكن لما وكزه قضى عليه
سادسًا منكرو الشفاعة
عن أنس رضي الله عنه قال يخرج قوم من النار، ولا نكذب بها كما يكذب بها أهل حروراء يعني الخوارج، وقال ابن بطال أنكرت المعتزلة والخوارج الشفاعة في إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى «فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ»، ومنها قوله تعالى «كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» السجدة ، وقوله تعالى «رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ» آل عمران ، إلى غير ذلك من الآيات وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه بسند صحيح كما قال الحافظ في الفتح عن أنس رضي الله عنه «من كذَّب بالشفاعة فلا نصيب له فيها» وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خطب عمر رضي الله عنه فقال إنه سيكون في هذه الأمة قوم يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار وأقول صدق والله ابن الخطاب؛ قد وجد في زماننا هذا من هم امتداد لأسلافهم من المعتزلة والخوارج في التكذيب بهذه الخمس أو ببعضها، فقد تصدى ويتصدى كثير ممن يسمون بالمفكرين الإسلاميين أو القرآنيين ومن على شاكلتهم بنشر باطلهم في وسائل الإعلام المختلفة والمتنوعة في تخريب عقائد المسلمين بحجة أنه لا يوجد في القرآن، أو أنه يوجد في القرآن ما يناقض الإيمان بهذه الأمور الغيبية، منزلين آيات الوعيد التي أنزلت في الكفار ينزلونها على عصاة الموحدين، وأخرج البيهقي من طريق شبيب بن أبي فضالة قال ذكروا عند عمران بن حصين رضي الله عنهما الشفاعة، فقال رجل إنكم لتحدثوننا بأحاديث لا نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران رضي الله عنه وذكر كلامًا معناه أن الحديث يفسر القرآن
سابعًا رد أهل السنة على منكري الشفاعة
قال صاحب معارج القبول رحمه الله فهذه الشفاعة حق يؤمن بها أهل السنة والجماعة كما آمن بها الصحابة رضوان الله عليهم ودرج على الإيمان بذلك التابعون لهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأنكرها في آخر عصر الصحابة الخوارج، وأنكرها في عصر التابعين المعتزلة، وقالوا بخلود من دخل النار من عصاة الموحدين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويشهدون أن محمدًا رسول الله ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويسألون الله الجنة، ويستعيذون بالله من النار في كل صلاة و، غير أنهم ماتوا مصرين على معصية عملية، عالمين بتحريمها معتقدينه، مؤمنين بما جاء فيها من الوعيد الشديد، فقضوا بتخليدهم في جهنم مع فرعون وهامان وقارون، فجحدوا قول الله تعالى «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» ص ، وقوله تعالى «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» القلم ،
ثامنًا الآيات والأحاديث الواردة في إثبات الشفاعة
الآيات القرآنية قال الله تعالى «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا» الإسراء المخاطب هو رسول الله ، والمقام المحمود هو الشفاعة كما أجاب رسول الله عندما قال عندما سُئل عن المقام المحمود، قال «هو الشفاعة» قال الله عز وجل «مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» البقرة ، وقال جل ذكره «وكم من مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى» النجم ، وقال جل ثناؤه «وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» الزخرف ، وقال تبارك وتعالى «يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً» طه ، وقال سبحانه وتعالى «وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» الأنبياء ولقد وردت أحاديث كثيرة في إثبات الشفاعة بلغت حد التواتر، منها حديث أنس هذا الذي نحن بصدد شرحه، ومنها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كما في الصحيحين أن النبي قال «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» ومنها حديثه رضي الله عنه كما في صحيح مسلم عن النبي «لكل نبي دعوة قد دعاها في أمته، وخُبِّئت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» ومثله في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه، ومنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وإنني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلتهم إن شاء الله تعالى، من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا» ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه كما في صحيح مسلم «من سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة» ومنها حديث جابر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي» وغير ذلك من الأحاديث تاسعًا أنواع الشفاعة الأولى الشفاعة العظمى وهي خاصة بنبينا محمد لا يشاركه فيها أحد، وهي شفاعته لأهل الموقف أن يفصل الله تعالى بينهم، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وذلك لهول ما هم فيه من شدة وتعب فيستشفع الناس بالأنبياء، فيرده كل نبي إلى من بعده، حتى يردوا إلى خاتم المرسلين فيشفع للناس عند ربه سبحانه وتعالى ليفصل بين العباد، وفيها وردت الأحاديث ومنها حديثنا الذي معنا والذي نحن بصدد شرحه الشفاعة الثانية في استفتاح باب الجنة وهي من خصائصه أيضًا لا يشاركه فيها أحد، وهي كذلك من المقام المحمود، كما ثبت في الأحاديث، فمن هذه الأحاديث ما ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله «أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا» وفي رواية له «أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة» وكما في حديث أنس أيضًا رضي الله عنه عند مسلم قال قال رسول الله «آتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن من أنت ؟ قأقول محمد، فيقول بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك» الشفاعة الثالثة شفاعته لمن ماتوا على الإسلام، وكانوا على هدى مستقيم، لكن أوبقتهم الذنوب والمعاصي والآثام فأدخلوا النار ليطهروا من ذنوبهم، فيشفع فيهم النبي ليخرجوا من النار ويدخلوا الجنة، وقد سبق الكلام على هذه الشفاعة عند إيراد رد أهل السنة على منكري الشفاعة، وهي أخص ما ينكره المنكرون، وبحمد الله يؤمن بها الموحدون وتشملهم ويستفيدون منها بفضل الله تبارك وتعالى وبعدم شركهم بالله تعالى، وهذه الشفاعة ليست خاصة بالنبي بل يشاركه فيها غيره من المرسلين ومن عباد الله الصالحين، فيخرج الله تعالى بشفاعاتهم من النيران كل من مات على الإيمان، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناسًا أصابتهم النار بذنوبهم، أو قال بخطاياهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أُذِن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل» فقال رجل من القوم كأن رسول الله قد كان بالبادية وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد أيضًا رضي الله عنه الحديث الطويل في الشفاعة، وفي آخره فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج قومًا قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة، فينبتون في حافيته كما تنبت الحبة في حميل السيل الحديث هذا هو المشهور، ولكن نقل الحافظ ابن حجر عن الإمام النووي قال قال القاضي عياض الشفاعة خمس في الإراحة من هول الموقف، وفي إدخال الجنة بغير حساب، وفي إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا، وفي إخراج مَن أُدخل النار من العصاة، وفي رفع الدرجات ودليل الأولى هو الحديث الذي معنا أصل المقال، ودليل الثانية قول الله تعالى في جواب قوله «أمتي أمتي» أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم قال ابن حجر ويظهر لي أن دليلها سؤاله الزيادة على السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، فأجيب ودليل الثالثة قوله في حديث حذيفة عند مسلم «ونبيكم على الصراط يقول رب سلم سلم» ودليل الرابعة مرَّ ذكره في الشفاعة الثالثة التي مضت مفصلة، ودليل الخامسة قوله في حديث أنس عند مسلم «أنا أول شفيع في الجنة قال الحافظ كذا قاله بعض من لقيناه، وقال وجه الدلالة منه أنه جعل الجنة ظرفًا لشفاعته، قال الحافظ قلت وفيه نظر بل هي ظرف لشفاعته الأولى المختصة به والذي يطلب هنا أن يشفع لمن لم يُبَلُغِّه عمله درجة عالية أن يبلغها بشفاعته، وأشار القاضي عياض إلى استدراك شفاعة سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب، ومستنده حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند مسلم «أهون أهل النار عذابًا أبو طالب»، وزاد بعضهم شفاعة سابعة وهي الشفاعة لأهل المدينة لحديث سعد رفعه «لا يثبت على لأوائها أحد إلا كنت له شهيدًا أو شفيعًا» قال الحافظ وهي غير واردة لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول، وزاد القزويني شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم ولم يذكر مستندها، قال ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة، وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس، ودليلها مذكور في حديث الشفاعة الطويل قال الحافظ وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة، ومستندها ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «السابق يدخل الجنة، والمقتصد يرحمه الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي قال وشفاعة أخرى وهي شفاعته فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرًا قط قال فالوارد على الخمس أربع، وما عداها لا يرد والله أعلم