موضوع: مشاهد القيامة في القرآن الكريم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الخميس 10 ديسمبر 2009 - 15:09
مشاهد القيامة في القرآن الكريم
تلخيص هذا الكتاب القيم " مشاهد القيامة في القرآن الكريم " لسيد قطب رحمه الله.
كانت فكرة " العالم الآخر" عميقة في الضمير البشري، حتى لتعد مقياسا ليقظة هذا الضمير. ينظر الإنسان فيرى عمره محدودا، ورحلته على الأرض قصيرة، والخير والشر يصطرعان، وكثيرا ما ينتصر الشر على الخير والرذيلة على الفضيلة، والفرد – في عمره المحدود - يشهد الفعل ولا يرى ردة الفعل. أيكون مصير الإنسان -هو الذي عمر الأرض - كمصير أي حشرة زاحفة!، ثم ينتهي كل شيء!. من هذه الينابيع تفجرت في الضمير الإنساني فكرة "العالم الآخر" والثواب والعقاب. عرفت مصر القديمة فكرة " العالم الآخر "، والحساب بعد الموت، والثواب والعقاب. وعرفتها الديانة الزرادشتية والأساطير الإغريقية، أما في العهد القديم ( بنسخته الموجودة حاليا ) فلم يرد ذكره بتاتا. من السياق نفهم أن الجزاء على الشر كان يتحقق في الدنيا بالقياس إلى الأفراد والجماعات. لكن هذه العقيدة لم تستطع أن تقاوم المشهود في واقع الحياة، وهو أن الشر قد يذهب بعافية، ثم أخذت فكرة العالم الآخر تنمو في ضمير بني إسرائيل بعد كتابة العهد القديم حتى ظهرت أول إشارة في سفر " أشعياء" حوالي القرن الثالث قبل الميلاد، وتتكرر في سفر " دانيال" حتى تأكدت في بشارة الإنجيل. في المسيحية يوجد معتقد الحياة الأبدية ويوم الدين بوضوح، ولكن في إشارات مختصرة للنعيم والجحيم، باستثناء مرة واحدة منفردة في الإصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متى. هي الصورة الوحيدة – تقريبا - المفصلة للقيامة والحساب، والنعيم والعذاب في الأناجيل التي بين أيدينا، والتي عليها تقوم الديانة المسيحية حتى اليوم. .................. أما العالم الآخر في القرآن الكريم فقد عنى القرآن بمشاهد القيامة والبعث والحساب والنعيم والعذاب ، فلم يعد ذلك العالم الآخر موصوفا فحسب بل مصورا محسوسا وحيا متحركا وبارزا شاخصا ، يعيش فيه المسلمون حياة كاملة يروا مشاهده ويتأثروا بها وتخفق له قلوبهم ، وتقشعر منه جلودهم، ويرف إليهم من الجنة نسيم ، ويلفحهم من النار شواظ ، وباتوا يعرفون هذا العالم تمام المعرفة، وهم على كوكبهم الأرضي في حياتهم الدنيا لم يغادروه بعد. عالم بسيط كل البساطة، واضح تمام الوضوح، مثل العقيدة الإسلامية نفسها: موت ومن ثم بعث، ثم حساب فنعيم وعذاب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم الجنة وحسن ثواب، والذين كفروا وكذبوا بلقاء الله لهم النار بما فيها من جحيم. لا اختلال في موازين العدالة، ولا شفاعة ولا فدية من عذاب." فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"/ " يوم لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا". ولكن هذه الحقيقة البسيطة الواضحة تمام الوضوح تعرض في صور شتى، وترتسم في عالم كامل، حافل بالمشاهد، غني بالدلالات. تتراءى في عشرات الأشكال والأوضاع والسمات. وتؤلف ملاحم فنية رائعة. تتملاها النفس ويستغرق فيها الحس، وتضيف إلى الثروة الأدبية صفحات مفردة لا شبيه لها ولا مقال. تتعدد صور المشاهد دون أي نوع من التكرار. كل مشهد يختلف عن سابقه في كلياته أو جزئياته، نوع من الإعجاز شبيه بخلق الناس!. كلهم ناس، ولكن لكل سحنة وسمة، في هذا المتحف الإلهي العجيب. وتجمع هذه المشاهد كلها سمة واحدة: إنها مشاهد حية، لا معاني مجردة، مشاهد حافلة بالمشاعر والانفعالات، والخواطر والخلجات، وترسم المواقف وهي تتفاعل في نفوس حية، أو في عناصر من الطبيعة تخلع عليها الحياة. كلها حاضرة تراها العين وتحسها النفس، مشهد بدايته الحياة ونهايته في الحياة الأخرى "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا، إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا، أنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا..الآيات"، فيقطع الرحلة الطويلة في لحظات. ومرة يريك الدنيا والآخرة حاضرتين معا:" يستعجلونك بالعذاب، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين" ، ومرة يبدأ بقصة تقع في الدنيا فإذا نهايتها في الآخرة :" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد، يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود..الآيات". ومرة يتحدث عن الدنيا كأنها ماض والأخرى الحياة الآن:" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها : ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ..الآيات".وهكذا تلتقي هذه الألوان من التعبير عند استحضار المشهد وإحياؤه كأنما هو مشهد محسوس. ............................. وهناك سمة التناسق في مشاهد القيامة، تتجلى في جزئيات المشهد، وجرس الألفاظ. تعني المشاهد بتصوير الهول في يوم القيامة، فمرة تشترك الطبيعة مع الإنسان في تصوير الهول :" القارعة، ما القارعة؟، وما أدراك ما القارعة؟، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش" ، ومرة نلمح الهول في ظلال نفسية وخلجات شعورية:"يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه" /"يا أيها الناس اتقوا ربكم: إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" فلا يصف العذاب وإنما الإحساس به. وتعنى المشاهد بتصوير يوم الحساب، فمرة يطول المشهد حتى تحسبه ي:" وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص...الآيات". ومرة يقصر المشهد حتى يبدو كاللمح. وتختلف أسباب القصر هنا بحسب المواضع التي تذكر فيها، فتارة يكون موقف سكون وخشوع لا يناسبه الأخذ والرد والجدال والنقاش:"ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون"، وتارة يكون المراد أن كل شيء واضح فلا حاجة إلى كلام:"يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام". وتعني المشاهد بتجسيم العذاب المادي المحسوس:"والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"/ " هذان خصمان اختصموا في ربهم، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم. يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد. كلما أرادوا أن يخرجوا منها – من غم – أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق." وكذلك يتجسد النعيم المحسوس:"وإن للمتقين لحسن مآب. جنات عدن مفتحة لهم الأبواب. متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب. وعندهم قاصرات الطرف أتراب. هذا ما توعدون ليوم الحساب". ويدق النعيم والعذاب ويعمقان حتى يصبحان ظلالا نفسية"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا"/ "ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم". ومرة تختلط مظاهر النعيم المادي مع الرضا المعنوي"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار"، وكذلك يصحب مشاهد العذاب الحسي التأنيب والتبكيت النفسي" إن شجرة الزقوم، طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم، خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم، ذق إنك أنت العزيز الكريم". .................. وأحيانا يوصف النعيم في هيئة ظلال تلقيها التعبيرات تدل عليه دون وصف حسي:"وقالوا الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور" . فتحس من التعبير ببرد الراحة ولذة النعيم . ويحدث نفس الشيء بالنسبة للعذاب : "ونادوا : يا مالك ليقضي علينا ربك، قال إنكم ماكثون "/ " يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض" فتتراءى لك ظلالا نفسية للخزي القاتل والخجل المميت.وهكذا تقوم الظلال السريعة مقام الصور الكاملة في الوصف والتعبير. وأحيانا تأتي مشاهد القيامة في صورة جدل عنيف:" ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ، يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا : لو لا أنتم لكنا مؤمنين. قال الذين استكبروا للذين استضعفوا: أنحن صددناكم عن الهدى إذ جاءكم ؟، بل كنتم مجرمين. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا : بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون؟!" . وأحيانا أخرى تأتي مشاهد النعيم في صورة سمر لطيف " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، قالوا : إنا كنا في أهلنا مشفقين. فَمَنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه، إنه هو البر الرحيم". .................... وأكتفي بهذا القدر من الكتاب الذي أستعرض كل مشاهد القيامة في جميع سور القرآن الكريم، سورة بعد سورة. ويبقى القرآن الكريم متجددا في العطاء، وإبداعا في العرض، وجمالا في التنسيق، وقوة في الأداء، واستقامة في التفكير. فجزا الله شيخنا الجليل سيد قطب خير الجزاء
أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb