هذه الكلمات لا تعجل في قراءتها ! فما كتبت إلا من أجلك .. ويشهد الله أنها خرجت من قلب ناصح يحبك ويسعى لإفادتك وخيرك.. وثق أن ما خرج من القلب وقع في القلب.. فاصبر على تأملها لعلك تجدها في ميزان حسناتك يوم تلقى الله عز وجل... هذه السطور كتبت بدافع الحب لك، فاصطحب معك هذا المعنى أثناء القراءة وافتح لها قلبك .. وإن خالفت ما في نفسك.. فزنها بميزان عدلك الذي لا يعلم حقيقته إلا الله.. وهو وحده من سيحاسبك عليه.
هيا بنا نتكلم النقد الايجابي.. النقد الذي يبني ولا يهدم.. النقد الذي يدفعنا للأمام ولا يسحبنا للخلف.. النقد الذي هو ضروري لتقويم وتعديل أخطائنا.. فنحن بشر خطاؤون.. نحتاج من يصحح لنا أخطاءنا.. ويدفعنا في الطريق الصحيح.. وفي الأثر.. رحم الله امرئ أهدى إليّ عيوبي.. انظروا إلى كلمة (أهدى) إنه يقدم هذه العيوب بحب.. يقدم لك هدية.. وهي فعلاً هدية.. وأي هدية أغلى من أن تعرف عيوبك لتتلافاها.. فترتقي في سلم الأخلاق إلى أعلى ذراه.. فقد قال الخلق صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة أخيه).. مرآة يرى فيها صورته الحقيقية.. بدون تقليل وتحقير أو مبالغة ونفاق..
لماذا انحسر عندنا مفهوم النقد ليصبح أن النقد منبعه الكره وإرادة التسيفه.. لماذا غاب عنا أن النقد وسيلة تربوية ناجحة يراد بها الخير والإصلاح. لماذا دائما نتهم من ينتقد أن نقده هو محاولة للظهور والشهرة على حساب من ينتقد.. ثم أيضاً.. هل كل الطرق تصلح للنقد.. هل للنقد آداب يجب أن نتحلى بها حتى تصل الرسالة الصحيحة.. هل يمكن لنا أن نجعل النقد وسيلة لإظهار الحب للمنتقَد بدلاً من أن تكون وسيلة لإعلان الحرب عليه.. نعم ممكن..لنبدأ الموضوع
تعريف النقد: النقد هو تعبير عن وجهة نظر مخالفة تجاه تفكير شخص آخر..
فالنقد يجب أن يكون بحرص وحكمة حتى لا نفقد هذا الآخر.. إذن فالنقد كمبضع الجراح.. يؤلم ليشفي.. يقطع ليحيي.. ولو غاب عنه الحكمة والعلم والتعقل أصبح أداة قتل لا أداة شفاء..
إذا أردت أن تنتقد شخصا فأنت أمام أحد هدفين:
ــ إما أن تنتقد الشخص ذاته في صورة الموضوع الذي تنقده فيه ــ أو أنك تنقد الفكرة بغض النظر عن صاحبها.
إليكم بعض النقاط المهمة التي يجب أن تكون في النقد حتى يكون النقد بناء.. يفيد ولا يضر.. يبني ولا يهدم.
1ـ البينية:
ليكن نقدك لأخيك، أو لأيّ إنسان آخر نقداً بينياً، أي بينك وبينه ولا تنقده أمام الآخرين.. فحتى لو كان نقدك هادفاً وهادئاً وموضوعياً إلاّ أنّ النقد في حضور الآخرين ممّن لا علاقة لهم بالأمر قد يدفع الطرف الآخر إلى التشبّث برأيه، أو الدفاع عن نفسه.. ولا نقول عن خطئه.. لذا جاء في الحديث: «مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه». وقال الشافعي رحمه الله:
تعمدني النصيحة في انفرادي ـــــــــ وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع ـــــــــــ من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت قولي ـــــــــ فلا تحــزن إذا لم تعط طاعة
2 ـ الإنصاف:
النقد هو حالة تقويم.. حالة وزن بالقسطاس المستقيم، وكلّما كنت دقيقاً في نقدك.. بلا جور ولا انحياز.. ولا تعصب ولا إفراط ولا تجاوز.. كنت أقرب إلى العدل والإنصاف، وبالتالي أقرب إلى التقوى. قل في من تنتقده ما له حتى قبل أن تقول ما عليه.. قل ما تراه فيه بحق ولا تتعدّ ذلك فـمَنْ بالغ في الخصومةِ أثِم.
3 ـ اجمع الإيجابي إلى السلبي:
وهذا الأسلوب هو من الأساليب المحبّبة في النقد.. حيث تبدأ بالإيجابي فتشيد به وتثمّنه ثمّ تنتهي إلى السلبي. وبهذه الطريقة تكون قد جعلت من الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد، لأنّك بذلك تفتح مسامع القلب قبل الأذنين ليستمع الآخر إلى نقدك أو نصيحتك.. إنّك تقول له: إنّه جيد وطيب وصالح ومحترم.. لكن هناك مؤاخذات.. لو انتبه إليها لكان أكثر حسناً وصلاحاً.. فإذا ما احترمت إيجابيات الشخص المنقود وحفظتها له، ولم تنسفها أو تصادرها لمجرد ذنب أو خطأ أو إساءة.. فإنّك سوف تفتح أبواب الاستماع إلى ما تقول على مصراعيها.. وبذلك تكون قد حققت هدفك من النقد.. وهو إيصال رسالة لمن تنتقده حتى يرجع عما يفعل أو يتعظ، كما إنّك لم تجرح إحساسه ولم تخدش مشاعره. وقد دعا القرآن المسلمين إلى احترام إيجابيات الناس في قوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم).
4 ـ ابحث عن الإيجابي في وسط السلبيات:
وقد يكون السلبي لدى أحد الأشخاص أكثر بكثير من الإيجابي بحيث يغطّي عليه.. ويكون الإيجابي نادراً للدرجة التي يتعيّن عليك أن تبحث أو تنقّب عنه تنقيباً.. فلا تعدم المحاولة لأن ذلك مما يجعلك في نظر المنقود كريم الطبع..
قيل إن المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) مر وحواريّوه على جثّة كلب منتنة متفسّخة، فقال الحواريون: ما أنتن جيفة هذا الكلب! وقال عيسى (عليه السلام): انظروا إلى أسنانه.. ما أشدّ بياضها! لقد كان الحواريون محقّين في نقدهم للجثّة المتفسخة التي تنبعث منها روائح كريهة، لكنّهم ركّزوا على السلبي (الطاغي) على الجثّة. أمّا المسيح (عليه السلام) فكان ناقداً لا تفوته اللفتة الإيجابية الصغيرة حتى وإن كانت (ضائعة) وسط كل هذا السلب من النتانة. وهذا درس نقديّ يعلّمنا كيف أنّنا يجب ألا نصادر الإيجابية الوحيدة أو الصغيرة حتى وإن كان المنقود كتلة من السلبيات.
5 ـ أعط من تنتقد فرصة للدفاع عن نفسه
لو كوّنت عن شخص صورة سلبية فلا تتعجّل بالحكم عليه.. استمع إليه أوّلاً.. أعطه فرصة كافية ليقول ما في نفسه وليدافع عن موقفه. قل له: لقد بلغني عنك كذا وكذا، واترك له فرصة الدفاع وتقديم الإفادة.. فأنت بذلك تفعل كما يفعل القاضي العادل.. فهو يضع التهمة بين يدي المتهم ويعطيه فرصة للدفاع عن نفسه وتبرير موقفه، إمّا مباشرة أو عن طريق محام.. فلا تأتي كلمة القضاء الفصل إلاّ بعد أن يدلي الشهود بشهاداتهم، والمحامي بمرافعته لكيلا يُغمط حق المتهم.
6 ـ حاسب على الظواهر.. والله يتولى السرائر
قبل أن تمضي في نقدك وترتب عليه الحكم، احترم نوايا من تنتقد وحاسبه على الظاهر من أفعاله.. فلعلّ له عذراً وأنت لا تعرفه.. فعندنا نرى عيباً نريد أن ننقده.. يجب أولاً أن نحمله على محمل حسن الظن لا إساءة الظنّ.. فقد يكون هذا الشخص مضطراً وللضرورة أحكامها فهنا «الضرورات تبيح المحظورات».. وقد يكون ساهياً ناسياً غير قاصد ولا متعمّد، والقلم مرفوع عن الناسي أو الجاهل غير المتعمّد.. وقد يكون له رأي أو مبرر غير لا تراه أنت.. المهم أنت لست مسؤولاً عن دوافع المنقود ونواياه.. وإنّما مسؤول عن ظاهر عمله فقط.. أما إساءة الظن في نيته فالله وحده من يعملها وهو وحده من يحاسبه عليها.
7 ـ استفد من تجربتك في النقد:
لكلّ منّا تجاربه في نقد الآخرين، أو نقد الآخرين له. وربّما أفادتك حصيلة تجاربك أن تبتعد عن أساليب النقد التي جرحتك أو عمقت جراحك القديمة، أو سببت لك النفور والتبرم.. وربّما زادت في إصرارك على الخطأ كردّ فعل عكسي. وطالما إنّك كنت قد اكتويت بالنار فلا تكوِ بها غيرك.. حاول أن تضع نفسك في موضع الشخص المنقود، وتحاشى أيّة طريقة جارحة في النقد سبق لك أن دفعت أنت ضريبتها.
8 ـ لتكن رسالتك النقدية واضحة:
لا تجامل على حساب الخطأ.. فالعتاب الخجول الذي يتكلّم بابن عم الكلام ليس مجدياً دائماً.. وقد لا ينفع في إيصال رسالتك الناقدة.. فإذا كنت ترى خرقاً أو تجاوزاً صريحاً فكن صريحاً في نقده أيضاً.. وتعلّم خُلق الصراحة وعدم الاستحياء في قول الحق من الله سبحانه وتعالى: (والله لا يستحي من الحقّ).. قُلْها ولو على نفسك.. يقول أحد الأدباء عن كلمة الحقّ:«إن أنتَ قلتها متّ.. وإن سكتَّ متّ.. قُلها إذن ومتْ»!!
9 ـ لا تكل بمكيالين:
إن من مقتضى العدل والإنصاف ألا تكون ازدواجياً في نقدك.. فإذا انتقدت صديقاً في أمر ما، وكنت سكتّ عن صديق آخر كان ينبغي أن تنقده للشيء ذاته، فأنت ناقد ظالم أو منحاز بالنسبة للمنقود لأنّه يرى أنّك تكيل بمكيالين.. تنتقده إذا صدر الخطأ منه، وعندما يصدر الخطأ نفسه من صديق آخر فإنّك تغضّ الطرف عنه محاباة أو مجاملة له.. وقد تكون الازدواجية في أنّك تنقد خصلة أو خلقاً أو عملاً ولديك مثله، وهنا عليك أن تتوقع أن يكون الردّ من المنقود قاسياً: يا أيُّــها الرجـــلُ المــعلّمُ غيـــره ـــــ هلاّ لنفــسِــكَ كـان ذا التعـــليمُ ؟! تصف الدواء لذي السقام وذي العنا ـــــــــ كي ما يصح به وأنت سقيم!! ومن مساوئ هذه الحالة أنّ من تنتقده سوف يستخفّ بنقدك ويعتبره تجنياً وانحيازاً.. فلقد كتب اثنان من الأطفال كتابة وعرضاها على الحسن بن علي (رضي الله عنهما) وقالا له: أيّنا أحسنُ خطاً، وكان أبوه (علي بن أبي طالب رضي الله عنه) حاضراً، فقال له: احكم بينهما بالعدل، فإنّه قضاء!.. فإذا كان العدل مع الصغار مطلوباً، فكيف بالكبار ؟!
10 ـ لا تفتح الدفاتر القديمة:
انقد الجديد ودع القديم.. لا تذكّر بالماضي لأنّ صفحته انطوت.. ولا تنكأ الجراح، فقد تضيّع الهدف من النقد لما جرى مؤخراً، وربّما تغلق مسامع من تنتقده عن نقدك وتستثيره لأنّك نبشت ما كان دفيناً. إن أخطاء الماضي قد يخجل المنقود من ذكرها، وربّما تجاوزها وعمل على إصلاحها فتذكيره بها أو ربطها بالأخطاء الجديدة يجعلك في نظره إنساناً غير متسامح، فلا تصفح ولا تمحو، وكأ نّك تريد أن تقول له: ما زلت على ضلالك القديم، وهذا أمر لا يطيقه، وربّما ثأر لنفسه منك
shadow عضو vip
عدد المساهمات : 3980 نقاط : 3981 تاريخ التسجيل : 11/12/2014 العمر : 26
موضوع: رد: كيفية النقد الثلاثاء 9 يوليو 2019 - 12:40