- حوار ساخن
كان البدر قد طلع كاملا على الحلة ونشر ألوانه على الفضاء عندما خرج عنترة من بيت أمه وكانت الحلة خالية إلا من عجائز الإماء والضعفاء من الشيوخ والنساء ، فقد خرج أهلها إلى براح واسع فى ظاهر النجع ليحتفلوا بيوم مناة على عادتهم كل عام ، وسارعنترة مسرعا يغرز زج الرمح فى الرمال كأنه يطعنها فى حقد ، حتى بلغ البراح الفسيح الذى تعودت عبس أن تجتمع فيه للاحتفال بالعيد ، وكانت أصوات الغناء والضحك والصياح تنبعث إليه فى ضجة يحملها النسيم إليه إليه عجيبة غامضة كأنه لم يشهد يوما زحمة مثلها ، ولاحت لعينيه جذوع النخيل بارزة فى حلقة عظيمة كأنها سياج يحجب عنه عالما صاخبا مرحا يختلف عن عالمه الحزين العابس 0
وخطرت له فى سيره صورة عبلة ، وخيل إليه أنه يسمع صوت غنائها ، أتكون عبلة هناك فى ذلك الجمع العابث اللاهى لا يخطر ببالها ما هو فيه من تنكيد وحزن عنيف ؟ أتكون عبلة مع هؤلاء ، تضاحكهم وتسامرهم ، وتغنى لهم وترقص وتصفق مع المصفقين ولا يخطر ببالها أنه وحده يناجى يأسه وكمده ؟ وطال عليه السير حتى بلغ موضع الزحام ورأى الجموع الزاخرة تحيط بالنيران فى حلقات ، كل منها تضم بطنا من بطون القبيلة 0
ومريخبط الأرض برمحه بين الحلقات لا يلتفت إلى أحد ممن كانوا يتواثبون إليه ويدعونه إلى إلى الجلوس حتى اقترب من سرادق الملك زهير بن جذيمة ، لم يكن عنترة يعرف ماذا يريد أن يفعل بذهابه إلى شهود ذلك العيد ، فإنه لم يذهب إلى هناك لكى يشرب الخمر مع الشاربين ، ولا لكى يتبارى هو والفرسان ، ولا لكى ينشد أشعاره كما اعتاد أن ينشد فى مثل ذلك اليوم ، لم تكن نفسه فى ذلك اليوم خالية مستبشرة حتى يشارك قومه فى مرح العيد ولهوه وبهجته ،ولكنه مع ذلك قد ذهب إلى هناك وهو لا يدرى ماذا يقصد من الذهاب ، أكانت صورة عبلة هى التى تجذبه وتدعوه ؟ أم كان ضيق صدره يدفعه إلى الهروب من الوحدة لعله يجد فى زحمة العيد ما يشغله عن التفكير فى همومه و آلامه ؟ أم ذهب يرجو أن يلقى شدادبن قراد فى ذلك الجمع الحاشد ؟ لقد كانت صورة شداد هى التى تملأ صدره الحانق منذ خرج من بيت أمه ، فكان يتمنى أن يراه ليسأله عما كان يسأل أمه عنه ويحمله على أن يعترف به ويجعله ولده صريحا ، لم يدر عنترة حقيقة ما كان يقصد بذهابه إلى زحمة العيد ، فقد كان كل ما فى ذهنه وكل ما فى قلبه غامضا خافيا مضطربا 0
ولما اقترب من سرادق الملك زهير بن جذيمة مر بحلقات من فرسان الشباب ، فهبوا إليه وأحاطوا به ليأخذوه إليهم ، وتنافسوا أيهم يسبق إليه ولكنه وقف ينظر نحو السرادق العظيم ورمحه مركوز فى الرمل ، وارتسمت على وجهه ابتسامة ضعيفة فيها شىء من السخرية وشىء من الحنق والتفت إلى الفرسان قائلا : سوف أعود أليكم بعد تحية سادتى ثم قهقه و انفلت من بينهم مسرعا مترنحا متحديا كأنه يقصد قتالا 0
ولمح أمام السرادق فتيات عبس وهن يخطرن فى رقصهن وغنائهن فأدار بصره فيهن حتى وقع على عبلة وهى ترفع يديها وتغنى 00 فخفق قلبه وتمتم قائلا أكل هؤلاء ينظرون إليها ؟ وسمع عند ذلك من ناحية السرادق اسم عبلة يتردد فى صيحة إعجاب ، فوثب وطعن الرمل برمحه فما هى إلا لحظات حتى كان على خطوة منها ، فالتفتت إليه وتلاقت عيناهما فتبسمت عبلة ، ومالت برأسها فى خجل وسكتت عن الغناء فعلا الجمع صمت عميق مدة لحظة مرت كأنها ساعة طويلة ، وتعلقت العيون كلها بعنترة وكان مظهره ينم عما فى صدره من غضب وثورة أما هو فلم يبتسم لعبلة ، ولم يلق إليها تحية ، واندفع نحو السرادق ولا يزال يطعن الرمل فى كل خطوة يخطوها 0
فلما بلغ موضع الملك حياه قائلا : عمت مساء مولاى !
فقال الملك : عم مساء عنترة لقد كنت أسأل عنك منذ الليلة ، وكان الملك جالسا على تخت منصوب فرشت عليه النمارق والوسائد وكان الأمراء والشيوخ وأبناء السادة يجلسون من حوله ومن ورائه فى صفوف مزدحمة فوق طنافس من صناعة المدائن وشيراز وكان العبيد يدورون على الجلوس بكئوس من الفضة يصبون فيها من أباريق أنيقة منقوشة بصور الطير والحيوان فنظر عنترة إلى المكان فلم يجد به موضعا يجلس فيه ، ودار بعينيه فى ارتباك كأنه يبحث عن أحد فى الجلوس ، وفيما هو فى حرجه سمع صوتا ينادى فى شىء من السخرية قائلا : ألا تجد لك مكانا يا عنترة ؟ فنظر نحو الذى يخاطبه وكان عمارة بن زياد أجمل فتيان عبس وأكرمهم وأعلاهم حسبا و
هم نسبا 0
فقال عنترة فى حقد : لو أنصفت لقمت لى من مكانك يا عمارة وكانت الخمر قد لعبت برأس الفتى السيد ، فهب من مكانه ثائرا وقال : تعال فخذ مكانى إذا استطعت يابن زبيبة 0
فقال عنترة ثابتا : لم تأت بجديد على الأسماع فكل عبس تعرف أمى كما تعرف أمك ولكنى هنا أنا وأنت فتعال إلى إذا شئت يا عمارة ، فجرد عمارة سيفه واندفع نحوه وأقبل عنترة عليه يدوس الجالسين للوصول إليه وهب الناس من كل مكان يحجزون بينهما ، حتى لقد هب الملك زهير من مكانه صائحا : تريث يا عنترة ويحك يا عنترة ولكن صوته لم يسمع فى الضجة الشاملة وانتفض نظام الميدان كله ، فاختلط من فيه واضطربوا وصاح النساء والفتيات فى فزع 0
ومضى حين قبل أن يستطيع شداد بن قراد أن يصل إلى عنترة ، ويسمعه صوته ويأخذه من يده وخرج به من السرادق ولكن الجمع لم يلتئم بعد ذلك ولم تعد النفوس إلى صفاتها ، وانفض الناس فى وجوم عائدين إلى منازلهم فلم يكن لهم فى ذلك اليوم عيد 0 وذهب شداد إلى جانب عنترة يسيران فى صمت حتى بلغا شعبا من شعاب الوادى المؤدى إلى الحلة ، فانتحيا فيه جانبا عند مهبط السيل وجلس شداد على قطعة ملساء من الصخر وجلس عنترة جاهما عند قدميه ووضع رمحه تحت رجليه وقطع شداد الصمت قائلا : أجئت يا عنترة عمدا لتفسد علينا ليلتنا ؟
فنظر إليه عنترة نظرة طويلة ثم أرخى عينيه وقال بصوت عاتب : أتلومنى يا سيدى على ما كان ينبغى أن تلوم عليه غيرى ؟ أتلومنى لأننى عبدك ؟ فقال شداد : أهذا جواب قولى ؟
فقال عنترة : إن القول يسوق بعضه بعضا وإن فى نفسى لقولا كثيرا لست أدرى كيف أبدأ فيه ؟ وكيف أثنى ؟ إن عندى لك قولا هو أولى أن تسمعه من هذا الذى تسألنى عنه يا سيدى 0
فقال شداد فى دهشة : قل ما بدا لك يا عنترة 0
فقال عنترة : إننى لا أسنطيع يا سيدى أن أنكر فضلك فأنت فارس عبس وشيخها وأنت ملاذ الخائف ومطعم الجائع ومكرم الضيف وناصر الضعيف وقد حدثتنى أمى عنك حديثا طويلا منذ كنت طفلا 0 قال هذا ثم سكت ونظر إلى سيده شداد 0
قال الشيخ عابسا : مالك تسكت يا عنترة ؟ امض فى الحديث وقل ما عندك 0
واستمر عنترة قائلا : حدثتنى أمى عن رحمتك بها وبرك بأبنائها ولكنها قالت لى قولا لم أسمعه منك أنت يا سيدى 0 هذا ما يضيق له صدرى وتثور منه نفسى هذا هو ما يدفعنى وما سوف يدفعنى 00
فقال شداد جامدا : قالت لك إنك ولدى ؟
فقال عنترة ثابتا : قالت لى ذلك منذ كنت طفلا ، كنت إذا لعبت مع أطفال الحى سبونى بأمى وقالوا لى أقوالا لم أفهمها ، فكنت أنتقم منهم وأضربهم فلا يزيدون إلا جرأة ويجتمعون فى حلقة يعيروننى ويسخرون منى ، وكنت كلما ضقت بهم ذهبت إلى أمى ، فشكوت لها ، وسألتها عن أبى لكى أفاخرهم به كما يفاخروننى بآبائهم ، ولكنها كانت لا تزيد على أن تبكى ثم قالت يوما : إننى ابنك فأحسست البرياء تملأ نفسى والقوة تسرى فى ع
فكان لا يقوى أحد منهم على الوقوف أمامى ولكنى كبرت وعرفت وخضت الحروب وأردت أن أجد لى مكانا فى عبس فلم أجد أحدا يوسع لى مكانا ، فعدت إلى أمى أسألها عن حقيقة ما قالت لى فى طفولتى ، فكانت تراوغنى و تدافعنى ولم تُعد على قولها : إننى ابنك حقا ولكنها قالتها فى اليوم ، فجئت إلى هنا ولكنى واأسفاه لم أجد لى بين عبس مكانا وجدتك أنت هناك تسمع وترى وذلك الغد يسبنى بأمى 0 فقال شداد فى جمود : وماذا تريد بقولك هذا ؟
فأجاب عنترة فى دفعة : لست أريد إلا ما يريده الولد من أبيه إذا كان أباه حقا ، أعبدك أنا أم ولدك ؟ فقال شداد : ألست أعطيك ما يعطى الأب ابنه ؟ ألست أكرم مكانك يا عنترة ؟ ألست أدخلك بيتى وأجلسك فى مجلسى وأركبك معى وأناجيك إذا اعتزمت مع قومى أمرا ؟ ألست أدعوك إلى حماية الحمى وإلى المشاركة فى الغَزَاة ؟ ألست أنصرك إذا ظُلمت ، وأدفع عنك إذا ظَلمت ، ألم تقف الليلة لسيد شباب عبس تلقى إليه سبابا بسباب واعتداء باعتداء فلم أدع يدا تصل إليك ؟ أترى فى عبيدى غيرك من يباح له ما يباح لك ؟ فماذا ينبغى منى بعد ذلك إذا كنت أباك حقا ؟
فقال عنترة فى رقة : لست أنكر فضلك ، فإننى إذن لجحود ، إنك لتكرمنى ، ولا تجعلنى مثل هؤلاء العبيد الذين يرعون إبلك معى ويحلبون لك النياق ، ويحملون الطعام لضيوفك ، وقد كنت تملك أن تجعلنى مثلهم لو شئت وتذل تلك النفس التى تقول أمى إننى ورثتها منك 0ألا تقول لى مرة إنك أبى ؟ ألا تقول لى كلمة تقر بها عينى ؟ قل لى هذه الكلمة يا أبى بحق سيفك ورمحك حتى أسمعها من شفتيك أنت 0 ومد يديه عند ذلك فى ضراعة ونظر فى عين مولاه 0
فقال شداد متبرما : أما إنك لتلج لجاجة لا أحمدها 0
فقال عنترة معتذرا : لست أحب اللجاجة يا سيدى فاصرفنى عنك بكلمة أعرف بها مكانى منك فإذا لم أكن ابنك لم يكن لى عليك من سبيل فى نفسك ، وفى هذه الذرية التى تخرج من صلبك 0
فقال شداد مغضبا : حسبك أيها الولد وأمسك لسانك فقام عنترة ومد يديه نحوه قائلا : أيها البطل لست أحب أن أغضبك ولكنى لا أرضى لك أن تقذف بى بعيدا عنك إذا كنت من دمك ، إن لى فى الحياة حقا ، كما أن لكل رجل فى عبس حقا فكيف أعيش فى قيد الرق إذا كنت ابن سيد الأحرار ؟ وهل تستحق الحياة أن أحياها إذا هى خلت من الحرية ؟ إننى أحب الحرية لأننى أحب الحياة وأحب أن أعيش كالناس ، أقول نعم حينا أو أقول " لا " إذ بدا لى أن أقول " نعم " أو " لا " أحب أن أكون مثل سائر الناس فى ميزانهم ، أعاشرهم وأعاملهم على أننى واحد منهم أترضى لنفسك أيها البطل أن تعيش عبدا ؟
فصاح شداد فى غيظ : أتقول لى ذلك ؟
فقال عنترة : حاشاك أيها البطل أن تكون عبدا 0إنك لتكره أن أقرن بين اسمك وبين الرق فى كلمة واحدة ، فكيف بى وأنا أُرغم على أن أعيش كل حياتى عبدا ؟ هبك وقعت يوما فى أسر أعدائك فاتخذوك عبدا ، وجعلوا حولك الأغلال كما فعلوا يوما بمهلهل بن ربيعة ، أما كنت تؤثر أن تجاهد فى سبيل حريتك حتى تفوز بها أو تخر صريعا فى جهادك ؟ فإذا كنت أبى فإن دمك الحر هو الذى يثور فى قلبى 0
فلان شداد وقال عاتبا : إنك تجرعنى الغيظ بما تلقيه على من هذا القول الذى ينطلق إلى أذنى كأنه جمر فقال عنترة فى رقة : قلت لك إنى لا أحب أن أغضبك ، فلا تغضب على إذا دفعنى يأسى إلى مواجهتك 0 لست أكره أن توقع بى وتضع سيفك فى صدرى ، فتذهب عنى تلك الشجون التى تؤرقنى فى ليلى وتذلنى فى نهارى ، وتجعل حياتى بغيضة إلى نفسى ، لست أكره أن أفارق الحياة على يديك فأخلص من هذه السُبة التى يرددها الناس كلما وقفت بينهم عند أول غضبة يغضبونها ، فهم إذا عجزوا عن مفاخرتى بأنفسهم فخروا على بآبائهم وقالوا لى : يا بن زبيبة ، ولو عرفت أبى لفاخرتهم به وأسندت إليه ظهرى ، حتى أنت يا شداد إذا غضبت على قذفتنى بحممك ودعوتنى عبدا وقد كنت جديرا بأن تكون أبعد الناس عن إذلالى إذا كنت أبى فهل كذبت أمى فيما زعمته إذ قالت : إننى منك ؟
فصاح شداد فى غيظ : أما قلت لك أمسك لسانك ؟
فمضى عنترة فى عناد : لك أن تنكر أبوتى ولو فعلت ذلك لوجدت عنك مندوحة يا سيدى ، ف‘ن أقدر على أن أضع السيف فى صدرى حتى يخرج من ظهرى ، أقدر على أن أضرب فى الأرض فلا يعرف أحد مكانى ، أقدر على أن أهيج فى الناس بسيفى ورمحى كما يثور الكلب العقور أو النمر الثائر ، ولكنى لا أقدر على أن أدعك تمضى عنى بغير أن تجيب عن سؤالى ، فلابد لك من إحدى خَصلتين : إما أن تقر بأبوتى وإما أن تنكرها 0 وكان شداد مطرقا فى أثناء هذا الحديث مترددا فنظر إليه عنترة وطمع فى لينه ومضى قائلا : قل لى أيها البطل كيف أقيم فى قوم أقاتل أعداءهم ، وأحارب فى غزواتهم وأحوز الغنائم من أجلهم وأنا فيهم لا أزيد على أن أكون عبدا مسخرا ؟ أأفعل ذلك مأجورا بطعامى وشرابى ؟ أيكون سيفى جديرا بأن يصاحبنى ؟ وهل أرضى لنفسى أن أكون عبدا لك تملكنى كما تملك هذه الإبل ، وهذه الخيل أارضى بالذل فى نفسى وأنا قادر على حماية غيرى ؟ لئن كنت قادرا على أن أمنع حُرمكم وأذود عن حريتكم فإننى لأشد الناس عقوقا لنفسى إذا كنت أحفظ كرامتكم وأهدر كرامتى 0
فرفع شداد رأسه وقال : أتمن علينا بحمايتك ؟
فأجاب عنترة : لست أمن عليك ولا على أحد بحمايتى ، ولكنى أقول الحق الذى لا تستطيع أنت أن تنكره إننى أغزو وأتقدم الصفوف لأقتحم جيش العدو أول الناس لتسيروا ورائى ، وإنى لأجرؤ على لقاء كل فارس يتحاماه الأبطال من سادتكم ، وإنى لأغنم الغنائم لكى تقسموها بينكم فإذا مننتم على بجزء منها جعلتم لى نصف سهم ورأيتم فى هذا فضلا واعترافا بحقى ، إنى لأبذل ما فى يدى تكبرا عن المال إذا حرص عليه كرامكم ، ولست أريد بهذا القول منا ولا فخرا ، بل هو الحق الذى تعرفه ، فإذا كان هذا يغضبك فقل لى إنك غاضب منه ، فلا أكلفكم من أمرى مشقة ، ولكنى أحب منك أن تجيبنى عما سألت ، فإما أن تنكرنى وإما أن تعترف بى ، وكان شداد فى أثناء هذا القول مطرقا وقد وضع رأسه بين يديه صامتا 0
فقام عنترة ووضع يده على كتفه فى رفق فى رفق وقال : أما زعمت مرة أنك أبى ؟ لقد حدثتنى أمى فى ثنايا قصتها أنك اعترفت بى يوما إذ طمع أحد بنى عبس فى أن يحوزنىمنعتنى وقلت : إننى ابنك ، ألم تقل ذلك يوما يا سيدى ؟ أما كدت تقاتل أبناء عمك عندما أرادوا أن يدّعونى ؟ كذب هذا إذا شئت ، بل كذب نفسك إذا استطعت أن تقول كذبا 0
وما كاد شداد يسمع هذه الكلمة حتى رفع رأسه ووثب قائما ولمس مقبض سيفه وقال فى صيحة عنيفة : أتقول لى هذا القول أيها العبد الشقى ؟ وحق مناة واللات والعزى ما صبرت على أحد صبرى عليك ، وأنت الليلة تقرعنى وت***نى ، ولست أدرى ما الذى يمنعنى من سفك دمك أيها العاق الجاحد ؟ فهل أطمعنى حلمى عنك ؟ أوقد غرك أننى وقفت دونك وأنت تشمخ بأنفك على سادتك ؟ إنها لنقيصة أحسها فى نفسى أن أرق لك كلما هممت بأن أُغمد هذا السيف فى أحشائك ، فنزع عنترة سيفه ورماه بعيدا عنه وفتح جيبه فكشف عن صدره الواسع وقال بصوت أجش : هلم فاغمد سيفك فى صدرى ، ولا تكتم غضبك على فإنك إن فعلت خففت عنى ثقل ما أحمل فى هذه الحياة ، بل إنى أحرضك على ***ى ، فلست أريد أن أحيا فى العبودية التى تريدنى عليها ، ا***نى وأنت هادئ النفس مطمئن ، لأنك تريحنى من شقائى 0
فأدار شداد عينيه عنه ، وعاد إلى الصخرة فجلس عليها صامتا وهو يلهث مما فى صدره من الغيظ ، وبقى حينا ساكنا ثم تحرك وقال بصوت فيه رنة العتاب : ألا تعلم أن هذا الأمر لا أملكه وحدى 0
فصاح عنترة كمن أصاب انتصارا : إذن فأنت تعترف بى 0 فقال شداد فى حزن : لست أنكر أنك ابنى ، فصاح عنترة فى حماسة : لقد قلتها هذا حسبى منك يا أبى قل ما شئت بعدها وافعل ما بدا لك فأنت أبى 0 وذهب إليه فمال على رأسه فقبله 0
فقال شداد فى حزن : لقد علمت يا عنترة أننى آثرتك منذ كنت طفلا وحنوت عليك وأمنت إليك ولقد علمت كيف كنت أعادى أعدائك حتى كاد قومى ينبذوننى وكيف وقفت دونك حتى باعدنى إخوتى وبنو عمومتى ولكنى إذا اعترفت بك على ملإ الناس لم يرض أحد منهم بك ورأوا أننى ألحقت بهم المعرة بانسابك 0فقال عنترة : أتكون المعرة أن تنسب إليهم عنترة ؟ فأطرق الشيخ واجما ووضع رأسه بين كفيه وقال : أمهلنى يا عنترة حينا ولا تقس على ، أمهلنى حتى أمهد لأمرى وأتوسل إلى قصدى ولن أفرط فيك أبدا فقد عجز الأحرار عن ولادة قرينك 0 فقال عنترة فى نغمة ساخرة : فأنا إذن عنترة العبد حتى يرضى كل هؤلاء 0
فقال شداد : تريث بى حتى أحملهم على رايى تريث يا عنترة ولا تعد بى إلى حديثك هذا وتعال أحدثك الساعة عن أمر كنت أود أن ابدأ به فى حديثك 0
فقال عنترة فى حنق : وما شأنى بالأحاديث يا سيدى ؟
فقال شداد : غنه حديث كنت أحب أن أفضى به إليك آنفا 0
فقال عنترة فى صرامة : لأكونن العبد حقا إذا رضيت أو سمعت شيئا أما وقد أبيت يا سيدى إلا أن أبقى عبدا حتى يرضى قومك ، فلن أكون لك إلا عبدا ، سأعتزل هذا الحى ، وسأقنع منك بما تعطى ، سأذهب إلى مراعيك لأسوق إبلك وأرعاها سأبعد عن الناس فلا أجالس الأحرار أبدا ، وسأبعد عن الحروب فلا أحمل سيفا ولا رمحا ، ولكنى عرفت أنك أبى ، فليس لى أن أتهم زبيبة أمى وسأرضى عن حياتى ، فلن أطعن قلبى بيدى سأبقى حيا فإن لى أملا لا يزال يحملنى على الحياة ولن أحس بعد اليوم ذلا فى قرارة صدرى فأنا عنترة بن شداد بن قراد 0 وأخذ سيفه ورمحه فى هدوء فقال له شداد أذلك الذى أسمعه عنترة ؟
فصاح عنترة : نعم هذا عنترة العبد هذا عبدك يا شداد بن قراد سأذهب إلى البرية لأرعى إبلك وأحلب نياقك وأدفع الذئب عن غنمك ، سأجعل رمحى عصا أسوق بها الإبل وسأجعل سيفى حلية أزين بها صدرى ، فلا شأن لى بالغزو بعد هذا ولا ينبغى لى أن أقف بين الأحرار وإذا بدا لك يوما أن تنادى عنترة فلا تدعه إلا لكى يحمل لك وعاء اللبن ، أو لكى ينحر لضيفك جزورا ،وستجدنى لك كما شئت عبدا خاضعا ، لن أرد قلبى عن محبتك لأنه لا ينكر أبوتك ، سوف أكون عبدك أخفى عنك طربى وغضبى وسوف أدير عينى إذا نظرت إلى حتى لا تلمح وميض حقدى ، ولا أجهر بذات نفسى تحت سمعك ، ولا أتحدث عنك إلا من خلف ظهرك ، فإذا قربت منى فلن تسمع منى إلا ألفاظ الوفاء والولاء ، هذه شيم العبد فلا تنتظر منى سوى شيم العبد ، واقنع بهذا منى يا بطل عبس وكريمها ! يا سيدى شداد بن قراد ، هأنذا أخضع إليك ، وأدعو مناة أن تحفظك من سيوف الأعداء وهأنذا أقبل قدميك تذللا ومهانة 0
ولما قال عنترة هذه الكلمة أهوى إلى قدمى أبيه فجأة فقبلهما ، ثم نهض مسرعا وذهب كأنه يهرب من عدو حتى اختفى وراء التبة وخرج نحو الصحراء ، وجلس شداد ينظر فى أعقابه مدهوشا ، ونور البدر الساطع يخيل إليه أنه يهيم فى حلم ثقيل 0
اس1
لماذا كانت الحلة خالية ؟
ج
لخروج أهلها للاحتفال بيوم مناة على عاداتهم 0
س2
ماذا خطر لعنترة فى سيره ؟
ج
صورة عبلة وأخذ يتساءل هل هى فى هذا الجمع اللاهى تغنى وترقص وتتركه فى حزنه ونكده 0
س3
إلى أين وصل عنترة ؟
ج
إلى سرادق الملك زهير بن جزيمة 0
س4
لماذا ذهب عنترة إلى الحفل وماذا يريد ظ
ج
لا يدرى لماذا ذهب فهو لم يذهب ليشرب الخمر لا يدرى ماذا يقصد من الذهاب أم ذهب ليلقى شداد فى هذا الجمع 0
س5
ماذا كان يتمنى عنترة بذهابه للحفل ؟
ج
أن يقابل شدادا ليسأله عما كان يسـأل أمه عليه ويحمله أن يعترف به أما كل شىء عدا ذلك فكان غامضا مضطربا 0
س6
ماذا فعل الفرسان عندما لمحوا عنترة ؟ وما موقفه ؟
ج
هبوا إليه وأحاطوا به ليأخذوه إليهم وتنافسوا أيهم يسبق إليه ولكنه وقف ينظر نحو السرادق وارتسمت على وجهه ابتسامة ضعيفة فيها شىء من السخرية وانفلت من بينهم مسرعا كأنه يقصد قتالا 0
س7
ما شعور عنترة عندما رأى عبلة ترقص ؟ وماذا قال ؟
ج
خفق قلبه وتمتم أكل هؤلاء ينظرون غليها 0
س8
ماذا فعلت عبلة عندما رأت عنترة ؟
ج
التفتت إليه وتلاقت عيناهما وتبسمت زمالت برأسها فى خجل وسكتت عن الغناء 0
س9
بم رد عنترة على ابتسامة عبلة ؟
ج
لم يبتسم لها ولم يلق إليها التحية واندفع إلى السرادق ولا يزال يطعن الرمل فى كل خطوة 0
س10
صف سرادق الملك 0
ج
كان يجلس على تخت منصوب قد فرشت عليه النمارق والوسائد ويجلس من حوله الأمراء والشيوخ وأبناء السادة ومن ورائه صفوف مزدحمة فوق طنافس من صناعة المدائن 0
س11
عم كان يبحث عنترة ؟
ج
عن موضع يجلس فيه 0
س12
ماذا قال له عمارة فى سخرية ؟
ج
ألا تجد لك مكانا يا عنترة ؟
س13
بم رد عنترة على قول عمارة ؟
ج
لو أنصفت لقمت لى من مكانك يا عمارة 0
س14
بماذا رد عليه عمارة ؟
ج
تعال فخذ مكانى إن استطعت يا بن زبيبة 0
س15
ماذا حدث بين عنترة وعمارة ؟
ج
اندفعا للقتال وكان عنترة يدوس الجالسين ليصل إلى عمارة حتى أن الملك أخذ ينادى على عنترة ولكنه لم يسمع صوته 0
س16
من الذى استطاع أن يمنع القتال بينهما ؟
ج
شداد عندما وصل وأخذ عنترة وأخرجه من السرادق 0
س17
هل أكمل الناس احتفالهم بالعيد بعد ذلك ؟ وضح 0
ج
لا لم تعد النفوس لصفائها وانفض الناس فى وجوم إلى منازلهم 0
س18
بم عاتب شداد عنترة ؟ وبم رد عليه ؟
ج
أنه جاء ليفسد عليهم الليلة ورد عليه عنترة بقوله أتلومنى على ما كان ينبغى أن تلوم عليه غيرى 0
س19
ما صفات شداد التى ذكرها عنترة له ؟
ج
فارس عبس وشيخها وملاذ الخائف ومطعم الجائع ومكرم الضيف وناصر الضعيف 0
س20
بم أخبر عنترة شدادا ؟
ج
بقول زبيبة أن عنترة ابن شداد 0
س21
ماذا ذكر عنترة لشداد عن طفولته ؟
ج
أن الأطفال كانوا يسبونه بأمه فيضربهم فيجتمعون عليه فى حلقة يعيرونه ويسخرون منه فكان يذهب ليشكو لأمه ويسألها عن أبيه ليفاخرهم به فقالت له يوما أنه ابن شداد فكان يشعر بالكبرياء ولا يقوى أحد منهم عليه 0
س22
ماذا يريد عنترة من شداد؟
ج
أن يعترف أهو ولده أم عبده 0
س23
بم رد عليه شداد ؟
ج
: ألست أعطيك ما يعطى الأب ابنه ؟ ألست أكرم مكانك يا عنترة ؟ ألست أدخلك بيتى وأجلسك فى مجلسى وأركبك معى وأناجيك إذا اعتزمت مع قومى أمرا ؟ ألست أدعوك إلى حماية الحمى وإلى المشاركة فى الغَزَاة ؟ ألست أنصرك إذا ظُلمت ، وأدفع عنك إذا ظَلمت0
س24
بم اعترف عنترة ؟ وماذا طلب من شداد ؟
ج
اعترف بفضل شداد وأنه لا ينكر ذلك فهو لا يجعله مع العبيد الذين يرعون الإبل ويحلبون النياق وطلب منه أن يقول له مرة واحدة إنه ابنه 0
س25
مم تبرم شداد ؟ وبم اعتذر عنترة ؟
ج
من إلحاح عنترة عليه فى طلبه واعتذر عنترة بأنه لا يحب الإلحاح وأن شدادا قادر على أن يصرفه بكلمة يعرف بها مكانه منه 0
س26
بم اعترف عنترة لشداد ؟
ج
بأنه لا يحب أن يغضبه وأنه لا يرضى أن يعيش بعيدا عنه إذا كان من دمه ثم قال لشداد أترضى لنفسك أيها البطل أن تعيش عبدا ؟
س27
لماذا صاح شداد فى غلظة ؟ وبم حدثه عنترة ؟
ج
عندما قال له : أترضى أن تعيش عبدا وقال له عنترة : إنك لتكره أن أقرن بين اسمك وبين الرق فكيف بى وأنا أرغم أن أعيش حياتى كلها عبدا 0
س28
ماذا قال شداد لعنترة معاتبا ؟ وبم رد عنترة ؟
ج
إنك تجرعنى الغيظ بما تلقيه على من هذا القول الذى ينطلق إلى أذنى كأنه جمر فقال عنترة فى رقة : قلت لك إنى لا أحب أن أغضبك ، فلا تغضب على إذا دفعنى يأسى إلى مواجهتك 0 لست أكره أن توقع بى وتضع سيفك فى صدرى ، فتذهب عنى تلك الشجون التى تؤرقنى فى ليلى وتذلنى فى نهارى
س29
بماذا ذكر عنترة شدادا وبم رد عليه شداد ؟
ج
بأنه يحارب من أجلهم وي*** أعداءهم ويحوز الغنائم من أجلهم وهو لا يزيد على عبد مسخر أيرضى بالذل فى نفسه وهو قادر على حماية غيره ورد عليه شداد بقوله : أتمن علينا بحمايتك ؟
س30
بم ذكر عنترة شدادا مرة أخرى ؟
ج
بانه اعترف به ذات يوم إذ طمع أحد بنى عبس فى أن يحوزنىمنعتنى وقلت : إننى ابنك ، ألم تقل ذلك يوما يا سيدى ؟ أما كدت تقاتل أبناء عمك عندما أرادوا أن يدّعونى ؟ كذب هذا إذا شئت ، بل كذب نفسك إذا استطعت أن تقول كذبا
س31
لماذا ثار شداد ؟ وماذا قال ؟
ج
ثار من قول عنترة وإصراره على انتزاع الكلمة من فمه وقال له أتقول على هذا القول أيها العبد الشقى لست أدرى ما الذى يمنعنى من سفك دمك 0
س32
ماذا طلب عنترة من شداد ؟
ج
أنيغمد سيفه فى صدره ولا يكتم غضبه فإنه إن فعل يخفف عنه ثقل ما يحمل 0
س33
ماذا قال شداد بعد ذلك لعنترة ؟ وبم رد عليه عنترة ؟
ج
ألا تعلم أن هذا الأمر لا أملكه وحدى فرد عليه عنترة إذن أنت تعترف بى فقال له شداد لست أنكر أنك ابنى
س34
لماذا مال عنترة على رأس شداد وقبلها ؟
ج
لأنه اعترف أنه ابنه 0
س35
ماذا طلب شداد من عنترة ؟ وبم رد عليه ؟
ج
أن يمهله فترة ليعلن نسيه أمام القبيلة ورد عنترة بأنها المعرة أن يعترف بعنترة 0
س36
ماذا قال الشيخ لعنترة ؟
ج
أمهلنى حينا ولا تقس على حتى أمهد لأمرى 0
س37
بم عقب عنترة على طلبه ؟
ج
أنه مازال العبد حتى يرضى كل هؤلاء 0
س38
ماذا رفض عنترة من شداد ؟ وماذا قال له ؟
ج
رفض أن ينصت لحديث أعده وقال له سأكون عبدك الذى يرعى فى مراعيك ويسوق إبلك وسيبعد عن المجالس والحروب ولن ألوم أمى فقد عرفت صدقها وسأرضى بالحياة لأن لى أملا لا يزال يحملنى على الحياة 0
س39
ماذا فعل عنترة فى نهاية حديثه مع شداد ؟
ج
هوى إلى قدمي أبيه فجأة فقبلهما ثم نهض مسرعا كانه يهرب من عدو حتى اختفى وخرج نحو الصحراء