قال الله تعالى: "فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ"سورة القصص.
أتناول في هذا المقال هما من هموم الفتيات؛ والذي إذا لم تحسن الفتاة التعامل معه وفق القواعد الشرعية والأخلاق النبوية، فستشقى عاجلا أو آجلا من ذلك: هم الزواج؛ فما إن تبلغ البنت حتى تبدأ في التفكير في هذا القصر المنيف، وذلك الشاب الذي سوف يسعدها ويغمرها بعطفه وحنانه، ثم يغزل الخيال صور الزفاف والأثاث، والزينة المناسبة، وأنواع الفساتين الحلوة وأين سيكون العرس ومتى!!! وما حجم الذهب الذي ستلبسه يوم عرسها؛ ثم تحلم بمشاهد ليلة العرس، والحركة الصاخبة الهادئة ليلة السعادة؛ وكيف ستكون الليالي والأيام الربيعية مع شريك حياتها إلى غير ذلك من الأحلام الوردية التي تملك عليها أقطار نفسها، وتأخذ منها كل تفكير متعقل سليم. إضافة إلى ذلك ينتابها هم الزينة التي سوف تتبدى بها أمام النساء قبل وبعد وأثناء الزواج؛ وكأنها لم تخلق إلا لهذا وصدق الله إذ يقول: "أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ"سورة الزخرف،ومن خوفها أن يهرب منها فارس أحلامها ترغب في الخروج من المنزل – للأسف الشديد – وكأنها كل يوم في عرس غير مبالية بالخطر الذي يتهددها من جراء هذا السلوك الذي خرجت به عن كل قواعد الأخلاق التي لا يختلف عليها أصحاب الفطر السليمة؛ فضلا من أن يقر بها أصحاب العقول المهتدية بنور النبوات والشرائع السماوية.
مسكينة هذه الفتاة الضعيفة هذه الجارية الصبية إنها أسيرة أحلام كأنها أساطير نسجتها لها شياطين إنسية وجنية، تظن الحياة تمضي بهذا النمط البهي، وكأنها تركب بساط سليمان، وتسكن في قصر بلقيس، وتقول لكل شيء تعال، فسيكون جاهزا مفصلا على مقياس ذهنها، وهذا ينطبق على كل شيء تود الحصول عليه، ولكنها بعد ذلك ستصدم، وربما يصيبها ما أصاب غيرها من أمراض نفسية وأحوال هستيرية عندئذ تواجه الواقع الحقيقي في حياتها. سترى أن كل الأضغاث التي أغرقت حياتها في تفكير سقيم، ومشكلات لا أول لها ولا آخر عبارة عن أماني نفسية خاطئة، وإغراءات زينتها لها نفسها الأمارة بالسوء التي تستعجل القطوف قبل بدو صلاحها كما يقول الفقهاء؛ وكذل وقوعها فريسة سهلة في المصايد التي تنصبها لها جيوش الظلام وأكاذيب بيوتات الأزياء، ودور الزينة، ووسائل الإعلام الداعية إلى بيع جسدها لكل نسر جارح وصقر كاسر.
ربما تظن الفتاة ـ من خلال العرض السابق ـ أننا ضد سعادتها، ولا نريد لها أن تستمتع بحياتها، وأننا نحول بينها وبين ما تشتهي. معاذ الله! إنما أردنا أن نوضح لبناتنا التفكير السليم الذي ـ إن سارت عليه ـ فلن تحرم من الزينة الدنيوية التي أحلها الله لنا ولها؛ ولكنها ستكون في مأمن من كل ما يمكن أن يعكر عليها صفاء حياتها. ولكن ............لا تستعجلي يا أختاه، وادخلي البيت من بابه، وتحلي بسياج الأخلاق؛ فإنها الحارس الأمين لك من اللصوص الذين ينهبون البيوت، ثم يدعونها عرضة للهواء الأغبر، والأتربة والأمطار، والهوام و و و و و و و.
اليوم سأركز على قضية واحدة – وأعدك إن شاء الله أن أتناول بقية همومك في مقالات قادمة – قلت من قبل: هذه المسألة تشغل بال الفتيات منذ إحساس الفتاة بأنها أصبحت بالغة يصيبها ما يصيب النساء، وترغب في أن تحظى بشريك العمر عاجلا أم آجلا. إن المرحلة المهمة في حياة الفتاة هي هذه المرحلة العمرية التي دخلت في عشها عبر بوابة البلوغ؛ وهنا يجب أن تكون الفتاة عاقلة متسلحة بالوعي والخلق والدين، والخوف من الله العلي الكبير، ويجب أن تعلم – وهي في منأى عن ضغوط الشهوة والشبهة، وفي حصن من أن يقتحم عليها هذا الحصن أدعياء الحب الكاذب، ومدغدغو الشهوات بأساليب شيطانية؛ وأهمها: الغناء الغزلي، والموسيقى التي تتلاعب بالمشاعر، والقصص الغرامية الفارغة، والأفلام الهابطة، والمجلات التي تهتم بالجمال والزينة والأزياء، وأخبار الممثلات والمغنيات اللواتي أول من اكتوين بنار الشهوات، ولم تع إحداهن واقعها إلا بعد أن غرقت أو قتلت!! يجب أن تعلم أنه ما من شريعة تسعى إلى إسعادها السعادة الحقة سوى الإسلام؛ ولذا أنصحها بما يلي:
لا تسمحي لأي شاب تحت أي ذريعة أن يتصل بك لينشئ معك علاقة ما بحجة الحب، فإن كان ممن يرغب في الزواج منك،وتوافرت فيه الصفات التي تؤهله لبناء بيت الزوجية، وأنت ترغبين فيه ولا أقول تحبينه؛ لأن الحب الحقيقي لا يحصل إلا بعد الزواج، وحسن العشرة إن اتصل بك بالوسائل المعروفة، ولا أقول أن يلتقي بك إلا إذا كان مصادفة، وأفصح لك عن رغبته فيك أن تقولي له: ليس إلي سبيل إلا عن طريق والدي أو ممن ينوب عنه في حالة عدم وجوده، فاطلبني من أهلي فقط؛ فإن رأت منه تلكؤا أو تهربا أو مماطلة أو أي أسلوب يدل على أنه يريد أن يتسلى بأعراض الفتيات الطاهرات، أن تقولي له: قف؛ فهو ليس شابا يريد إحصان نفسه وغيره، وإنما شاب عابث؛ إن حاول أن يجرك إلى كلام أو لقاءات!! أو مراسلات أو أية صورة من الصور التي لا يجوز لك أن تشاركي في تنفيذها، فانبذيه كما ينبذ أحدنا نواة التمرة؛ إذ إنك إذا تركت شيئا لله عوضك الله خيرا منه؛ ولا تفعلي كما تفعل بعض الفتيات الغافلات – بتأثيرات شيطانية أو بشرية مضللة – أذهب معك وأتعرف على أخلاقك وووووو ثم بعد ذلك أقرر!! هنا وضعت نفسك في منزلق خطير، وعلى أول خطوة من خطوات الشيطان، وسوف تقودك لا سمح الله إلى قضايا لا يقبل بها دين، ولا خلق، ولا عرف ولا تقاليد، وسوف يكون أول من يتخلى عنك، ولن يخسر في هذه الصفقة إلا أنت.
لا تفهمي من كلامي أيتها الأخت الكريمة أن دينك يحول بينك وبين سعادتك، بل العكس هو الصحيح إنه يريد لك سعادة يحفظ لك فيها كرامتك، وتكون منزلتك عند شريك عمرك عالية لا أن تكوني جوهرة رخيصة وما من دين أكثر دعوة إلى الزواج، وإسعاد الشباب والشابات بهذه النعمة من الإسلام.
نعم من حقك أن تفكري في من سيكون لك زوج ناصح محب ودود ذو خلق وحسن عشرة؛ ولكن ينبغي أن تحصلي على كل هذا عبر بوابة القيم الإسلامية التي ما شرعت إلا لمصلحتك؛ كي تؤسسي بيتا ينشأ فيه أطفال صالحون؛ فالزواج ليس رحلة فضائية، أو نزهة على شواطئ ماليزية، أو مشوارا في كورنيش جدة والخبر وغير ذلك؛ بل هو مصنع اجتماعي يخرج لبنات صالحات.
ومن دواعي الكلام في هذا الموضوع _ أقول باختصار تاركا التفصيل إلى مقالات أخرى _ أنصحك أن ألا تشغلي ذهنك كثيرا في هذه القضية؛ ولتكن إحدى همومك؛ فالحياة فيها هموم كثيرة، ولتأخذي الحذر فأنت تمشين في أرض فيها شوك ومسامير وخطاطيف كما فيها الورود والأزهار والطيور، فتقوى الله يا بنيتي منجية لك من كل مكروه، ولن تحصدي منها إلا الخير، ولن تضيع عليك فرص السعادة ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) بنيتي لا تجعلي حياتك الخاطئة تجربة لغيرك؛ بل اعتبري بمن سبقنك، ولتكن حياتهن عبرة لك ولغيرك.
أصارحك أن معظم الاستشارات التي ترد علينا من الفتيات والنساء عبارة عن أخطاء وقعن بها؛ وكان بالإمكان تجنبها؛ ولكن الفتاة أصمت أذنيها عن سماع الكلمة الطيبة، وسلكت دروب الغواية بذريعة دواعي الحب!! والتعرف على الآخر!!! واستعجال قطف الثمار قبل نضجها!! وإطلاق المشاعر بلا قيود؛ وعندما تقع الكارثة أيا كانت صورتها، وهي واقعة لا محالة تصيح الفتاة، وتطلب العون ولكن..................
أيتها الفتاة ؛ أنا أعلم أن همّ الاقتران بشاب هو من أولويات اهتماماتك؛ ولا أقول همومك؛ وهو مطلب يلح عليك ويضغط على أعصابك؛ وهو مطلب فطري وشرعي، ولا ينكره أحد، ولا يحرم أحد عليك التفكير فيه؛ ولكن الوصول إليه هو الذي ينبغي أن نفكر فيه كي لا نقع في المحظور والمنكور، والضحية أنت في عصر انفلات الضوابط من تصرفات البشر، والتعقل من ممارسات الآدميين ؛ وفقدان الخوف من الجليل، وانصراف الناس عن التفكر فيما بعد الحياة من الحساب والنعيم والجحيم.
انصرفي يا أختاه إلى بناء شخصيتك جسدا، وعقلا، وروحا وعواطف، وأعط كل ذي حق حقه، واعلمي أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وإن من دواعي الهموم إطلاق البصر يمينا وشمالا، والخيال اللعوب شرقا وغربا؛ واحذري من الضحكة الطائشة، والمشية المائسة، واللباس الفتان؛ فإن ذلك مما يزيدك تعبا، ولا يجلب لك طلبا؛ فالعصمة في غض البصر والجلباب الساتر، والخطوة البريئة ، والابتسامة لمن تستحقها، وثقي - وهذا مجرب – أن الشاب الصالح لا يعجبه من الفتاة إلا حسن خلقها، وطيب ذكرها؛ كما أن الله تعالى سيختار لك – إن اتقيته – ما تطلبينه من رغبة مسعدة حقا.
أختي لقد أطلت عليك، وإن ما بسطته في هذا المقال هو أحد أهم شقاء كثير من الفتيات؛ بل من أهم همومها، ولا تلام في عصر الفتن، ولكن علينا أن نطلب النجاة من الغرق ممن يملك أدوات الإنقاذ؛ إنه طريق الإسلام الذي هو شرع الله أنزله الذي خلق أبا البشر ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) ((قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ)).
نعم لقد قيل: لكن هذا الكلام كثي ؛ وسنظل نقول؛ فلعل الله أن يفتح به قلوب الكثيرات ممن لم يقعن في فخاخ الغواة، أو لديهن استعداد للوقوع، أو يكون تبصرة وعبرة للناس جميعا. و رب العالمين
_________________
جومانة عضو vip
عدد المساهمات : 6816 نقاط : 6982 تاريخ التسجيل : 02/11/2009
موضوع: رد: هموم الفتيات الثلاثاء 4 يونيو 2019 - 9:59