جاء في تفسير قوله تعالى " والسابقون السابقون " أما السابقون ، فهم الذين مضوا ولقد قيل ان المراد بالسابقين " أولهم رواحًا إلى المسجد ، وأولهم خروجًا في سبيل الله " وقيل ايضا فيهم بانهم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا كما قال تعالى في سورة آل عمران " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ " ولقد ذكر سبحانه وتعالى " والسابقون السابقون" وهنا جاء التكرير فيه للتفخيم والتعظيم
والسابقون وفيه تأويلان: أحدهما أنه بمعنى السابقون هم إلى الإيمان السابقون إلى الجنة. والأول أولى لما فيه من الدلالة على التفخيم والتعظيم. قال الحسن وقتادة: هم السابقون إلى الإيمان من كلامه. وقال محمد بن كعب: إنهم الأنبياء. وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال مجاهد: هم الذين سبقوا إلى الجهاد، وبه قال الضحاك: وقال سعيد بن جبير: هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر. وقال الزجاج: المعنى والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله. وذكر الله سبحانه وتعالى جزاء هؤلاء السابقون : أي المقربون الى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته او الذين قربت درجاتهم وأعليت مراتبهم عند الله .. وقوله تعالى في "جنات النعيم " متعلق بالمقربون : أي مقربون عند الله في جنات النعيم.
وهؤلاء السابقون كما وصفهم الله سبحانه وتعالى " : الاولين وقليل من الاخرين " على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هم ثلة، والثلة الجماعة التي لا يحصر عددها. قال الزجاج: معنى ثلة معنى فرقة، من ثللت الشيء: إذا قطعته، والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم.
"وقليل من الآخرين " أي من هذه الأمة، وسموا قليلاً بالنسبة إلى من كان قبلهم، وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقو من مضى أكثر من سابقينا. قال الزجاج: الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثم قال: ثلث أهل الجنة، ثم قال: نصف أهل الجنة "
لأن قوله " ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين " إنما هو تفضيل للسابقين فقط كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة، والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال: هذه الثلة أكثر من هذه الثلة كما يقال: هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة . وبهذا تعرف أنه لم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بالحديث المذكور
ثم ذكر سبحانه حالة أخرى للسابقين المقربين فقال: " على سرر موضونة ": قال المفسرون: منسوجة بقضبان الذهب، وقيل مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد، وقيل إن الموضونة المصفوفة. وقال مجاهد: الموضونة المرمولة بالذهب. وقيل في تفسير هذه الاية انهم فوق سرر منسوجة ، قد أدخل بعضها في بعض
وقوله " متكئين عليها متقابلين " يقول تعالى ذكره متكئين على السرر الموضونة أي متقابلين بوجوهيهم لا ينظر بعضهم الى قفا بعض
وفي تفسير قوله تعالى " يطوف عليهم ولدان مخلدون " يقول تعالى ذكره : اي يطوف على هؤلاء السابقون الذين قربهم الله في جنات النعيم ولدان على سن واحدة لا يتغيرون ولا يموتون. وجاء في تفسير قوله تعالى " بأكواب وأباريق " فالاكواب جمع كوب وهو من الاباريق ما أتسع راسه ولم يكن له خرطوم ومن قال في ذلك ابن عباس حين قال ان المقصود بالاكواب الجرار من الفضة
اما قوله تعالى " وكأس من معين " اي وكأس خمر من شراب معين ظاهر العيون جار ، اما في تفسير قوله تعالى " لا يصدعون عنها " معناها لا تصدع رؤوسهم عن شربها فتسكر
اما قوله تعالى " وفاكهة مما يتخيرون " يقول تعالى ذكره ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه التي يتخيرونها من الجنة لانفسهم وتشتهيها نفوسهم ، واما قوله " ولحم طير مما يشتهون " اي انهم يطوفون عليهم ايضا بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم اما قوله " وحور عين " والحور جماعة حوراء وهي النقية بياض العين الشديدة سوادها والعين جمع عيناء وهي النجلاء العين في حسن . واما قوله " كامثال اللؤلؤ المكنون " يعني هن في صفاء بياضهن وحسنهن كاللؤلؤ المكنون .
واما قوله " جزاء بما كانوا يعملون " يعني ثوابا لهم من الله باعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا وعوضا عن طاعتهم اياه . وقوله " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما " اي لا يسمعون فيها باطلا من القول ولا تأثيما ، وقوله " إلا قيل سلاما سلاما " يعني انهم لا يسمعون فيها من القول الا قيل سلاما اي اسلم مما تكره . وقوله " ولاينزفون " لا تنزف عقولهم ، أو لا ينفذ شرابهم.
" وأصحاب اليمين " وهم الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ،ذات اليمين الذي أعطوا كتبهم بأيمانهم فقال سبحانه " في سدر مخضود " يعني : في ثمر سدر موقر حملا قد ذهب شوكه " وطلح منضود " . والطلح عند العرب شجر عظام كثير الشوك واما اهل التاويل من الصحابة والتابعين فانهم يقولون انه الموز ، وقيل منضود يعني انه قد نضد بعضه على بعض . اما قوله تعالى " وظل ممدود " يعني انهم في ظل دائم لا تنسخه الشمس فتذهبه وكل ما لا انقطاع له فانه ممدود وقيل ان ظلها مسيرة خمسمائة الف سنة فعن ابي هريرة قال : ان في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ، اقرؤوا ان شئتم " وظل ممدود " .
اما قوله " وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة " يقول جل ذكره ان فيها فاكهة كثيرة اي لا ينقطع عنهم شيء منها ارادوه في وقت من الاوقات كما تنقطع فواكه الصيف في الشتاء في الدنيا ولا يمنعهم منها ولا يحول بينهم وبينها شوك على اشجارها او بعدها منهم اذا اشتهاها احدهم وقعت في فيه او دنت منه حتى يتناولها بيده .اما قوله " وفرش مرفوعة " يعني ولهم فيها فرش مرفوعة طويلة بعضها فوق بعضوقوله " إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا " يعني انا خلقناهن خلقا فاوجدناهن ويعني بذلك الحور العين فصيرناهن ابكارا عذارى وهو يعني بقوله " إنا أنشأناهن إنشاء " منهن العجائز اللاتي كن في الدنيا عمشا رمصا . اما العرب الاتراب اي فجعلناهن ابكارا غنجات متحببات الى ازواجهن يحسن التبعل . والاتراب فهن على ميلاد واحد . وهذا الجزاء خص الله سبحانه وتعالى به اصحاب اليمين.
اما قوله تعالى " ثلة من الاولين " فيعني جماعة من الذين مضوا قبل امة محمد عليه الصلاة والسلام .وقوله " ثلة من الآخرين " يعني بهم جماعة امة محمد صلى الله عليه وسلم وعن حديث عمران بن حصين عن عبدالله بن مسعود فقال : " تحدثنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى أكرينا في الحديث، ثم رجعنا إلى أهلينا، فلما أصبحنا غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عرضت على الأنبياء الليلة بأتباعها من أممها ،فكان النبي يجيء معه الثلة من امته ، والنبي معه العصابة من امته ، والنبي معه النفر من امته ، والنبي معه الرجل من امته والنبي ما معه من امته احد من قومه ، حتى اتى على موسى بن عمران في كبكبة من بني اسرائيل فلما رايتهم اعجبوني فقلت اي ورب من هؤلاء ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران ومن معه من بني إسرائيل فقلت رب، فأين أمتي؟ فقيل : انظر عن يمينك ، فاذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقلت : " من هؤلاء ؟ قيل : هؤلاء امتك فقيل : ارضيت ؟ فقلت: "رب رضيت رب رضيت قيل: انظر عن يسارك، فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال ، فقلت : " رب من هؤلاء ؟ قيل : هؤلاء امتك ، فقيل أرضيت ؟ فقلت رضيت رب رضيت ، فقيل : ان مع هؤلاء سبعين الفا من امتك يدخلون الجنة لاحساب عليهم ، قال : فأنشأ عكاشة بن محصن رجل من بني اسد بن خزيمة فقال : يا نبي الله ادع ربك ان يجعلني منهم قال : اللهم اجعله منهم ثم انشأ رجل آخر فقال : يا نبي الله ادع ربك ان يجعلني منهم قال : سبقك بها عكاشة فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فدى لكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا من أهل الأفق ، والسبعين هم الذين "لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ". ذكر ان نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ :
" اني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع اهل الجنة فكبرنا ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا الشطر، فكبرنا، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " .
أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb