|
| الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb
الأوسمة : 11:
| موضوع: الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية الجمعة 27 أبريل 2012 - 11:07 | |
| بوفاة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان فقدت الساحة الأدبية الفلسطينية رائدة من رائدات الأدب العربي والفلسطيني .شاعرة داست مُعظم عقود القرن العشرين وكرَّست لنفسها مكانة مُميزة في عالم الأدب والشعر
ونحن في وقفتنا التالية مع الشاعرة فدوى طوقان نختار جانبا هاما ً في شعرها وفي حياتها الحافلة بالتجارب الأنسانية والمُعبِّرة عن مُثابرة وطموح عظيمين رغم الظروف الصعبة التي عايشتها منذ طفولتها كما بانت في سيرتها الذاتية ...ألا وهو شعرُها الوطني ,وهو جانب لا ندّعي أنه يُطرق لأوّل مرة .بل ان الشاعرة فدوى طوقان نالت حظّها من الدراسة والتحليل لشعرها في حياتها أكثر مما ناله غيرها من الشُّعراء.
ومع أن رسم خطٍّ فاصل بين الشعر الوطني وغيره من أغراض الشعر الأخرى يُمكن أن يكون من الصُّعوبة بمكان عند كثير من الشُّعراء الفلسطينيين . الا أن المُتصفِّح لدواوين فدوى طوقان لن يجد كبير عناء في رزم قصائدها الوطنية واخراجها من عموم مجموعاتها الوجدانية الأنسانية الأخرى ,وان تبقّى هنا وهناك نُتفاً من المشاعر والدفقات الشعورية بين ثنايا القصائد الأخرى .
وهذا أمر سيتيح معرفة بدايات التوجه الوطني عند فدوى طوقان .والذي يبدو أنه لم يبدأ الا بعد كارثة ضياع فلسطين عام 1948 ..ذلك الضّياع الذي حلّ بفلسطين وأهلها وقد جاوزت الشاعرة آنذاك الثلاثين من عمرها .وتُعتبر قصيدتا( بعد الكارثة) و (مع لاجئة في العيد) اللتان ضمهما ديوان (وحدي مع الأيام) بدايات التفات الشاعرة نحو الهم الوطني العام .فهي في قصيدة( بعد الكارثة )تنتابها الدهشة والحيرة أمام صمت الأمّة العربية حيال ضياع الجزء الأكبر من فلسطين :
أين الألى استصرختُهم ضارِعا تحسبهم ذراك والمُعتصم
وما بــالـهـم قد حـال من دونهم ودون مأساتك حسًّ أصمّ
كما تستنهض أمَّتها العربية ، ولا تفقد الأمل بحتمية بزوغ الثورة وانطلاقها من معاناة الشعب الفلسطيني :
ستنجلي الغمرة يـــــا مـوطــني ويمسح الفجر غواشي الظُلم
لـــكــن للــــثـأر غـــداً هبّــــة جارفة الهول عصوف عـمـم
الا أنّ قراءة مُتأنية لهذه القصيدة لا تُشعر بعُمق عاطفة تقترب من هول الكارثة وعظم المُصاب الذي يبدو أن الشاعرة لم تكن قد استوعبته بعد.أما قصيدة( مع لاجئة في العيد ) فهي أولى محاولات الشاعرة لتلمُّس مشاعر منكوبي فلسطين وتصوير مأساتهم ، وذلك بمُقارنة حالهم بين الخِيام ، ونبش ذاكرتهم واسترجاع ما كانوا فيه من أمن واستقرار في قُراهم ومدنهم :
أختــــاه مــالك ان نظــرت الى جُموع العابرين
ولمحت أسراب الصبايا من بنـــات المُترفــيــن
أطرقت واجمة كأنك صــورة الألـــم الــدفـــيـن
أختاه أيّ الذكريات طــغـت علـيـك بـفــيـضــها
وتدفَّقت صُــوراً تُثــيــرُك في تــلاحُــق نبضهـا
ويُلاحظ أن الشاعرة قصرت أثر المأساة على اللاجئة وحدها ، اذ لم تُشاركها همَّها ومأساتها ،بل انشغلت في اجهاد نفسها بتصوير مشاعر اللاجئة، فهي تُصوِّرها تِمثالا ً صامتا :
وأراك ما بين الخـيـام قـبـعـت تــمــثـــالا شــقِـيــا
مُتهالكا يــطــوي وراء جــموده الــمــاً عــتـــيــا وتُقارن بين ما حياه تلك اللاجئة من ضياعٍ وتشتُّت . وبين ما ينعم به المُترفون المُتنعِمون من أبناء شَعبها الذين انهمكوا باستقبال العيد دون أن يلتفِتوا الى مأساة تلك اللاجئة ، كما تستعيد معها ذكريات العيد في يافا حيث مظاهر الفرح المُعتادة :
أتُرى ذكرت مباهج الأعياد في يـافـــا الـــجــمــيلة ؟
أهفت بقلبك ذكــريات الـعـيــد أيــام الـــطــفــولـــة؟
اذ أنت تنطـلقــين بـيـن متلاعـب البـلــد الــحـبـيـب
تتراكضين مع اللــدات بــمـوكـب فــرح ٍطـــروب.وهذه مقارنة لا يبدو أنها في صالح اللاجئة وقضيّتها بقدر ما هي لفت لنظر الشاعرة نحو الطبقة الاجتماعية والسياسية التي انغمست ومصالحها بعيدا عن واقع مأساة شعبها, في وقت كان فيه الأولى انشغالها بتناقضها مع العدو الرئيس للجميع . حتى أن الشاعرة كادت تجعل ما حل ّباللاجئة من بُؤسٍ وعار حكر على اللاجئة وحدها دون غيرها:
واليوم ماذا الــيوم غــيـر الذكــريــات ونــارهـــا
واليوم مـاذا غــيـر قصـة بــؤ سـكُـــن وعــارهــامع أن العار عار الجميع ، والبُؤس بؤس الجميع ، الأمر الذي لم تنساه الشاعرة في قصيدتها رغم صدق عاطفة الشاعرة ومُحاولة تلمُّس أثر المأساة الا أنها لم تتمكّن من سبر غور اللاجئين واستبطان مشاعرهم. فكانت عاطفتُها سطحية ،عاطفة تعبّر عن انفعال لحظي لم يتجذر في النفس ، جاء كرد ّفعل لُمشاهد ومُراقب لم يعش الحدث ولم يُعايش أو يُخالط أصحابها المتأثرين بها مُباشرة :
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طــريــد
عان تُقلّبه الحـيـاة على جــحــيــم قِــفــارهــا
* * * * * * * وفي ذات الديوان (وحدي مع الأيام)،تضيء الشاعرة في قصيدة (رُقَيّة : من صُور النكبة)على واقع لاجئة فلسطينية أخرى في أحد مُخيمات نابلس القريبة ،والتي تعيش مع صغيرها تحت ألواح الصفيح وسط برد الشديد وحالة من الحرمان والتشرُّد لشديدين .القصيدة تنوف على السبعين بيتا صرفت الشاعرة قسما كبيرا منها (ثمانية عشرة بيتا) في تصوير مغيب الشمس عن المدينة وتداعيات ذلك المغيب على سفوح المدينة وبيوتها وساكنيها ، وهي تُوظِّف قدراتها التصويرية والتعبيرية في اخراج لوحة رائعة لذلك المغيب :
تدلت على الأفق أم الضياء مُلفّعة باصفرار كئيب
وقد لملمت عن صدور الهضاب وهام التلال ذيول الغروب
وجرّت خطاها رويدا رويدا وأومت الى شرفات المغيب
وخلال ذلك تستقرئ الشاعرة ما خلّف ذلك الغياب خلف تلك الشبابيك وتحت أسقف الصفيح القريبة ,فتبدأ بنسج خيوط قصة (رقية) على ذات الخطى في قصيدة( مع لاجئة في العيد)، فرقية تنطرح في كهفها كتمثال بلا حول ولا قوة وسط مظاهر البؤس والشقاء:
طغى القرّ فانطرحت هيكلا شقي الظلال شقي الصور وهي تضم في حضنها صغيرها الذي تشتم فيه رائحة وطنها الضائع ،والذي سيشكل بذرة الغد الثائر على حالة الضياع هذه ، انه جيل قادم تعمّقت فيه روح الفداء وهو يرتشف حليب الأم المشبع بمرارة المأساة وحرقتها :
وغمغم أمّ وراحت يداه تعيثان ما بين نحر وخد
فأهوت على الطفل تشتم فيه روائح فردوسها المُفتقد
وكما فعلت في(مع لاجئة في العيد) تستعيد الشاعرة ورقيّة ذكريات العيد في الوطن :
أطلّت على أفق الذكريات وفي عمقها لهفة ظامية
تُعانق بالروح لهف الديار وتلثم تُربتها الزاكية
فتتذكر ملاعب الطفولة وأيام الجذل والمرح قبل أن تحملها رياح التشرُّد نحو المجهول:
وطالعها في رؤى الذكريات فتاها ،نجي العلى والطماح
اباء الرجولة في بردتيه وزهو البطولة ملء الوشاح
. : تهاوى صريعا وأرخى على حطام أمانيه ريح الجناح
فالوالد قد استشهد في معارك الدفاع عن فلسطين، ولا بدّ لهذا الشبل أن يكون من ذلك الأسد.
ومما يُلاحظ في هذه القصيدة أن روح القصة وبنائها الفني يبدو جليا، والانشغال بتجويد اللغة وحسن التصوير على حساب عمق العاطفة كان واضحا كذلك .ومع أن الفكرة كانت أكثر نضوجا وأرحب أفقا مما جاء في قصيدة (مع لاجئة في العيد) الا أن الشاعرة لم تُلامس قمة المأساة بعد ، ولو قُدّر لها أن تكون واحدة من هؤلاء اللاجئات الفلسطينيات لما وصفت مشاعرها بأنها مشاعر وحشية اثر تململ طفلها في حضنها :
تململ في حضنها فرخها فضمّته محمومة ثائرة
ومالت عليه وفي صدرها مشاعر وحشية هادرة
لترضعه من لظى حقدها ونار ضغائنها الغائرة
فما يعتمل في نفس الفلسطيني المشرد ليس حقدا ولا كراهية عمياء وضغائن مُطلقة ،بقدر ما هو ردّ فعل مشروع ،واعتمال لمشاعر الأخذ بالثأر واستعادة الوطن السليب .
ورغم فداحة المأساة وعظم المصاب فان الفلسطيني لم تكن مُمارسته النضالية ذات طابع وحشي يقوده حقد أعمى: ،ولو قُدِّر له أن يستعيد حقوقه ويسترجع وطنه دون أن يُريق قطرة دمٍ واحدة لما قصَّر عن ذلك.
وبعد . ويبدو من خلال المجموعة الأولى (وحدي مع الأيام )أن النكبة الفلسطينية فتحت أفُق الشاعرة على واقع لم تتفاعل معه من قبل .المشاعر صادقة ،لكنها مشاعر من يُشاهد لا من يُشارك .والعاطفة عاطفة من يرى وينفعل لا من ينغمس في الواقع . كما أن هناك استمرار للأتكاء على الصُور الأدبية واستعراض للقدرات الفنية والتصويرية على حساب العاطفة
* * * * * *
المجموعة الثانية للشاعرة فدوى طوقان (وجدتُها) ضمت قصيدتين وطنيتين :نداء الأرض ,وحلم الذكرى اضافة لقصيدة شُعلة الحُرّية المُهداة الى مصرَ الثورة في حرب السويس 1956 م،
فقصيدة نداء الأرض تروي قصّة الفدائي المُشرد والمُتسلّل خِفية ً الى وطنه ,تعتمل في نفسه مشاعر الانتماء لأرضه ،يُحرِّكه واجبه للعودة والفداء , وبعد أن يحظى بالوصول الى أرض وطنه وتخَطي المُعوِّقات مُقبِّلا ثرى وطنه .يترصّده العدوُّ فيسقط شهيداً فوق أرضه:
وكانت عــيون الـعـدوّ الــلـئـيم عــلــى خُطـــوتـــيــن
رمـــــــــتــــــه بــــنــظــرة حــــقـــــد ونـــقـــمــــة
كـــــــمــــــا يــــرشــــــُق الـــمــــتــوحـــشُ سهمـــه
ومزّقَ جــوف الــسكـــون الــمـهــيــب صدى طلـقتـينوالقصيدة تُصوِّر قضيّة الفدائي تصويراً مُجتزءاً، فليس ضياع الأرض كما تُصوِّر القصيدة هي قضيته الوحيدة بل أن استلاب الهُوية ومحاولة تنكُّر العدو لتاريخ ومُقوِّمات حضارة على هذه الأرض المُستلبة ،وما رافق ذلك من امتهان لقيم هذا الفلسطيني ، ومساس بعقائد هي أساس قضيته،،وما استلاب الأرض الا عنصر من عناصر هذا الاستلاب التاريخي الذي حل بفلسطين وشعبها .
أما قصيدة حلم الذكرى من وحي الاعتداء على قبية ،والتي تهديها لروح شقيقها ابراهيم ، ورغم أن العنوان يشي عن توجُّه وطني عام في القصيدة الا أن الشاعرة تُفرد نصف القصيدة للحديث عن خلجات ومشاعر ذاتية في علاقاتها مع شقيقها المُتوفّى ابراهيم ، وتُحاوِره طويلا ً قبل أن تتحدّث بأسلوب وصفيٍّ عن آثار ومظاهر مجزرة قبية :
وأبصرت أشلاء قــومــي هــنــا وهنـــاك عـــلــى طُـــرق الــســابـلـة
عُـيون مُــفــــقٌٌَّــأة بُـــعثِــــرت عــلــى الأرض حــبـاتـهـا الـسـائـلـة
وأيـــد مـــُقــــطَّــــعـــة ووجــوه غـــزا الـــتـــرب ألــونــهـا الـحـائرة
أخــي أرأيــت القضـيـــة كــيـف انتهت،، أرأيت الـمصـيـر الرهــيـبوالشاعرة ما زالت تتحدّث عن القضية الفلسطينية بضمير الغائب أو الغائبة، ولم تتحدث حتى الآن بضمير المُتكلّم في مُجمل قصائدها ،وهو أمر له دلالته.
* * * * * *
في ديوانيها (أعطنا حُبّاٍ) و(أمام البيت المُغلق ) غرقت فدوى طوقان مرة أخرى في ذاتيّتها المعهودة ، واستمرّ نزف وجدانها على الورق ، ولم يتضمّن الديوانان سوى اشارات في بعض القصائد الذاتية لمُلامسة الهم الوطني ، كما في قصيدة (1957 ):
كان شريراٍ وكانت عينه تنضح قسوة
كرع اللذة من آلامنا
وأتى قتلا وتمزيقاٍ على أحلامنا ،وعلى أشلائنا نٌّل خطوه.
وكما في قصيدتها ( الى المُغرِّد السجين كمال ناصر ) :
يا طائري السجين أصدح لنا رغم هوان القيد رغم الظلام
فالأفق ما زال غني المُنى ينتظر الشمس وراء القتام اما في أولى قصائد ديوانها(أمام البيت المُغلق) وهي قصيدة( أردنية- فلسطينية في انجلترا)، فمن الصعب تفهُّم تعريف الشاعرة لنفسها كشاعرة أردنية وهي في انجلترا..حيث رأس هرم المُتسببين بمأساة الشعب الفلسطيني :
طقس كئيب
وسماؤنا أبداً ضبابية
- من أين ؟اسبانية ؟
-كلا... أنا من ...من الأردن
- عفواً ..من الأردن.. لا أفهم
-أنا من روابي القدس ..وطن السنا والشمس .
هل كان ذلك تماهياً مع واقع سياسي قائم آنذاك ؟! أم تاثُّراً بصلة سياسية كانت قائمة بين عائلة الشاعرة وأركان الدولة الأردنية ؟!! مثل كثير من العائلات الفلسطينية الأخرى .ورغم أن كلّ ما عرَّفت به الشاعرة نفسها يشي بفلسطينيتها :-
أني من الأرض التي تمزَّقت
أني من القوم الذين من الجذور اقتُلِعوا
من الجُذور
وأصبحوا على مدارج الرياح
مُبعثرين ها هنا وها هنا لا ينتمون الى وطن .
الا أنه كان من الأولى أن تُسمّي الأشياء بمُسمّياتها ،كما كان من الأجدر أن تعزِّز روح الانتماء الوطني عند منكوبي ومشرّدي فلسطين خاصة لا أن تعتبر التشرُّد وفُقدان الأرض فُقداناً للانتماء الوطني :
حقيقة فيها نُغالط النفوس
ندّعي أنا كباقي الآخرين
قوم لنا وطن . فأين مُغالطة النفس .حقّاً نحن نُعاني ضياع الوطن ,ولكننا لم نُضِع الانتماء له .
| |
| | | أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb
الأوسمة : 11:
| موضوع: رد: الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية الجمعة 27 أبريل 2012 - 11:08 | |
| في ديوانها( الليل والفرسان ) والذي يبدو أن قصائده كُتبت بعد الاحتلال الاسرائيلي لبقية فلسطين عام 1967م ,نلمس بداية تغيُّر في تعاطي الشاعرة مع المأساة الفلسطينية .وهذا واضح أولا من تسمية الديوان وتداعيات وارها صات تلك التسمية . كما هو واضح في لُغتها الخطابية فقد انتقلت للحديث عن المأساة الفلسطينية بضمير(نحن)بعد أن طغى ضمير (هو, وهي) على المرحلة السابقة.
وفي أولى قصائد الديوان (مدينتي الحزينة) تتحدّث عن يوم الاحتلال الأول، حيث تقول:
-يوم رأينا الموت والخيانة
تراجع المدّ
وأغلقت نوافذ السماء
وأمسكت أنفاسها المدينة . وهي لهول الصدمة ترى أن ما حدث من احتلال لمدينتها كان نهاية المطاف:
أواه يا مدينتي الصامتة الحزينة
أهكذا في موسم القطاف
تحترق الظلال والثمار
أواه يا نهاية المطاف.
الا أن تصويرها للواقع ما زال سطحياً, يصف ظاهر الأشياء ،ويكاد لا يخدش حتى غشاوتها الرقيقة
يوم اندحار الموت ..يوم أسلمت
بشاعة القيعان للضياع وجهها
ترمَّد الرّجاء
واختنقت بغصّة البلاء
مدينتي الحزينة. وما أشرنا اليه من تطور شعوري وتفاعل أعمق مع الهم الوطني قبل قليل تبدأ معالمه بالاتضاح في قصيدة (الطاعون ) ,فهي تتحدّث هنا بضمير الأنا فتقول :
يوم مشى الطاعون في مدينتي
خرجت للعراء
مفتوحة الصدر الى السماء.
أهتف من قرارة الأحزان بالرياح
هُبّي وسوقي نحونا السحاب يا رياح وانزلي الأمطار تطهِّر الهواء في مدينتي .
لقد بدأ الاحتلال ي}ثر في حياتها الشخصية وعلاقاتها الاجتماعية ،ويتدخل في أجندة يومها ،فيُعيق سفرها وتحرُّكها :-
صديقي الغريب
لو أن طريقي اليك كأمس
لو أن الأفاعي الهوالك ليست ـُعربد في كل درب
وتحفر قبراً لأهلي وشعبي
وتزرع موتا ونارا :
:
لكنت الى جنبك الآن ،
عند شواطئ حبّك أرسي سفينة عُمري
لكنّا كفرخي حمام. لذلك لا بدّ لمشاعرها أن تتعمّق ولأحاسيسها أن تتجّذر لتواكب الحدث ، بل لتُبشِّر بغد سيبزغ فيه النور ، ولتدحض مفهوم الانهيار الذي حاول المُغرضون والضِعاف ترويجه بعد هزيمة عام 1967:
ستقوم الشجرة
ستقوم الشجرة والأغصان
ستنمو في الِمس وتخضر
وستورق ضحكات الشجرة في وجه الشمس
وسيأتي الطير.لابُدّ سيأتي الطير..سيأتي الطير. * * * * *
لقد شكل الاحتلال صدمة شعورية لفدوى طوقان ،أخرجها من عالمها الذاتي الوجداني البعيد عن الواقع الاجتماعي والسياسي لشعبها،واثر ذلك واضح فيما سبق تناوله من قصائد ديوانها (الليل والفرسان).الا أن المُلاحظ كذلك أن كثيراً من قصائد فدوى طوقان التالية كانت تعبيرا عن تجارب شخصية عايشتها بنفسها وانفعلت بها وسجّلتها في شعرها . كما في قصيدة (رسالة الى طفلين في الضفة الشّرقية )و(لن أبكي)و(آهات أمام شباك التصاريح)و(حمزة) ..فلو لم تمر هي ذاتها بتجربة الحرمان من السفر الى الضفّة الشرقية ،أو زيارة يافا بعد الاحتلال /أو الوقوف لساعات انتظاراً لتصريح زيارة ،أو مُعايشة هدم منزل ابن عمها حمزة .لما كتبت هذه القصائد ، مع أن مئات القصص المُشابهة كانت تحدث يومياً في طول الوطن وعرضه دون أن يرد لها ذكر في قصائد الشاعرة .وملاحظة أخرى في مُجمل هذه القصائد هي المُباشرةالمُفرطة في تصوير الفكرة وتناولها :الوقوف أمام شباك التصاريح، إغلاق أو هدم الجسور ،تفجير البيوت ، ..الخ .كل هذه الموضوعات كان تناولها لها أقرب ما يكون الوصف الصحفي والتغطية الاعلامية المباشرة.
في قصيدة( لن أبكي) تقف الشاعرة على أطلال مدينة يافا اثر تمكنها من زيارتها بعد الاحتلال الاسرائيلي لبقية فلسطين ، مُستحضرة وقوف الجاهليين على أطلالهم (لغةً ومضموناً) وشتان بين الوقوفين ، فقد وقف الجاهليون على أطلال أحبة رحلوا طلبا للكلأ والماء ، أو سعيا للرفعة والمجد ، وقلما كان رحيلهم هروبا من عدو أو نتيجة لمعركة هزموا فيها ، كما حدث للفلسطينيين. كما أن لُغة الشاعرةكانت مُستقاة من قصائد الجاهليين :
-قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تُنادي من بناها الدار وتنعى من بناها الدار
وأن القلب مُنسحقا
وقال القلب :ما فعلت بك الأيام يا دار .
وكلها أشارات تستدعي الى الذاكرة مقاطع من قصائد الجاهليين بسهولة .ثمّ هناك ملاحظة أخرى في قصائد الشاعرة هذه خاصة ،وهي سعيها لتلمس وتكريس علاقة عضوية بين ضفتي نهر الأردن (الشرقية والغربية ). لقد شعرت أثناء قراءتي لها أنها تميل لأردنة الضفة أكثر من ميلها لربطها بعمقها الجغرافي والتاريخي بما استلب من أرض فلسطين عام 1948م .وفي ذلك تعزيز لما ذهبنا اليه من رأي في قصيدة (أردنية –فلسطينية في انجلترا ) و(رسالة الى طفلين في الضفة الشرقية (وليس في الأردن)،ثم أننا نقرأ لها :
- ويردد النهر المقدّس والجسور :حريتي
والضفتان ترددان:حريتي .
- ورفرف مريولها راية في صفوف المدارس.
رفرف وامتد ،ظل في الضفة المُشرئبة.
إن إشاراتنا هذه لا تعني بأي حال استهجانا لموقف سياسي تبنته الشاعرة .لكنه يعني رفضا لتماهي المثقف خاصة مع الأطروحات والنظريات السياسة بما تحمله من حدود ومحددات تفرضها الوقائع والمعطيات والمصالح السياسية. ما يجب أن نشير اليه أيضا في قصائد هذا الديوان أن الاهتمام بالبناء الفني للقصيدة واستعراض القدرات اللغوية والتصويرية لم يعُد يشغل الشاعرة كثيرا ، بقدر جنوحها لتناول الفكرة والتعبير عن العاطفة والخلجات الإنسانية مع ترك شكل القصيدة ولغتها وصورها تأتي عفو الخاطر .
- تفتح مريولها في الصباح ،شقائق حمرا وباقات ورود .
- وعادت الى الكتب المدرسية كل حروف سطور الكفاح التي حذفوها .
- وعادت الى الصفحات خريطة أمس التي طمسوها .
- ورفرف مريولها راية في صفوف المدارس,رفرف وامتد. * * * * * *
في مجموعتها على( قمة الدنيا وحيدا ) والتي جاءت تسميتها تأثرا بوحدة غسان كنفاني المُطلقة في (ما تبقى لكم)يتضح اتساع شبكة علاقات الشاعرة الانسانية والوطنية ، مما يعني خروجها القوي من عالم الذات وتفاعلها الفاعل مع الآخرين لقد تضمّنت المجموعة قصائد رثاء لجمال عبد الناصر ووائل زعيتر . كما تضمنت مكاتبة لسميح القاسم. وتناولت مفكرات السجناء والتي نبشتها وتحدثت عما فيها، كما في (أغنية صغيرة للناس) المُهداة الى السجينة ليلى عودة .و(اليهم وراء القُضبان )وفي ذلك تكريس لمنهج جديد في شعر الشاعرة .وتلمس لدرب الاندماج في شعر المقاومة الذي بدأ يتكرس منذ فترة في أشعار درويش والقاسم وزيّاد..وغيرهم من شعراء المُقاومة الفلسطينية .
تلفت النظر في ذات المجموعة قصيدة (ايتان في الشبكة الفولاذية )فقد بدأت الشاعرة تستبطن ذات الآخر وتنبش في ذاكرته ،وتُصوِّر كيانه الشبكي الأخطبوطي المُحاط بالجدران والأسلاك انها تتحدث عن الطفل اليهودي الإنسان بموضوعيّة وتجرُّد باعتبار أن أهله لم يُهوِّدوه بعد ليتجرّد من إنسانيته تجاه الفلسطينيين اذ يرتوي بالفكر الصهيوني العنصري :
يفتح عينيه (ايتان )
الطفل الإنسان
يسأل في العتمة عن
معنى العتمة والجُدران
والزمن المبتور الساقين
المتسربل بالكاكي..بالموت القاسي
بالـدخّـان وبـالأحـزان .
لو تُنبِئ بالصدق النجمة
لو تنبئ بالصدق لكن النجمة... واأسفاه .
* * * * * *
يبدو أن ديوان (تموز والشيء الآخر ) والذي ضمّ قصائد العقدين الثامن والتاسع من القرن الماضي خاصة ،شكّل مرحلة تحوُّل في نظرة الشاعرة فدوى طوقان للواقع السياسي والوطني وتعاطيها معه ،فقد كانت المرحلة المُمتدّة من عام 1967-1973ممرحلة جدب وشحوب فكري في حياة الشاعرة، كما في حياة أبناء شعبها الفلسطيني والعربي :أما في بواكير انتصارات عام 1973 فقد:
فقد دقّت الساعة العظيمة في الساحة
واستنفرت خيوط الشهامة
كان لابُدّ أن تقوم القيامة .
ومع دقّة الساعة النابلسية في ميدان المدينة تورّد وجه الشاعرة مرّة أخرى وانساب الشعر على شفتيها بعد السنين العِجاف :
السنين العجاف طالت, تآكلت
ووجهي ما عاد وجهي ,وصوتي
في السنين العجاف ما عاد صوتي
كان لا بُدّ أن تقوم القيامة
قبل أن يسترد وجهي الحز يراني ـ ذاك الكابي ـ خيوط الوسامة.
واضافة لتداعيات حرب تشرين .كانت العمليات الفدائيّة الفلسطينية تُحيي روح الأمل في نفس الشاعرة وتشحذ همّتها ليتدفّق وجدانها مُخلِّدا ًبطولات الفدائيين بعاطفة صادقة وحسٍّ مُرهف كما فعلت مع دلال المُغربي في (النورس ونفي النفي):
يا طيري يا طير البحر الآن عرفت
في الزمن الصعب الواقف في أقبية الصمت
تتحرك كل الأشياء ، تنمو البذرة في قلب الموت.
الا أن تجارب الوقوف على الجسور وأمام شبابيك التصاريح , المُعبِّرة عن تجارب ذاتيّة للشاعرة ,تُرافقها في أكثر من مكان في هذا الديوان أيضا كما في قصيدة ،(انتظار على الجسر ):
لياليّ واقفة ،ضفّة النهر عطشى
ونحن على الجسر ... عيني وقلبي وأذّني
على الجسر نحن عطاشٌ عطاش
لكن الأردن اليوم يلجمه الليل لا يتدفّق
ولكن الأردن اليوم ليس يُغنّي . وكما في قصيدة (حكاية أخرى أمام شبّك التّصاريح )التي عبّرت فيها الشاعرة عن يأسها من واقع أمّتِها العربية أمام اهانة وإذلال العدو لها وغطرسته المُستمرّة في إغلاق الجسور ومنع الناس من السفر لحجج واهية ليعودوا ولسان حالهم كما لسان حال الشاعرة :
فتراجعت بخطو يتعثّر
أي وربّي لم أعد أفهم شيئاً غير كوني
في زمان اليتم والحكم اليهودي المُقدّر
ليس لي معتصم يأتي فيثأر
لا ولا خالد في اليرموك يظهر .
وتبقى قصيدة (شهداء الانتفاضة )التي ذيّلت هذا الديوان من أكثر قصائد الشاعرة عُمقا من حيث صدق العاطفة والبعد عن الذاتية ، فقد بدأتها مُباشرة بتصوير تجربة شهداء انتفاضة الحجر المُنطلقة عام 1987 بحيث تتبّعت رحلة نضالهم منذ بناء اللبنات الأولى وحتى لحظة المُواجهة والاستشهاد :
رسموا الطريق الى الحياة
رصفوه بالمُرجان بالمُهج الفتيّة بالعقيق
رفعوا القلوب على الأكفّ حجارة جمراً حريق
رجموا بها وحش الطريق . وقد أحسنت الشاعرة التصوير دون أن تُلقي بالاً للسبك اللغوي على حساب المعنى. بل ان عمق العاطفة والتماهي مع الموضوع أشغلاها عما سواهما .فجاءت لغتُها عفو الخاطر،لغة صادقة مُعبِّرة عن مشاعر فلسطينية عايشت رحلة الشهادة والشُهداء .ولا ندّعي أن هذه القصيدة – على شُهرتها – هي قمّة ما كتب في شهداء الانتفاضة فقد كتب الكثيرون قصائد أخرى رائعة .ولو قُدِّر للشاعرة أن تُعبِّر عن مشاعرها تجاه شهيد قريب عزيز عليها لكانت عاطفتها أعمق ولكانت حرارة العاطفة تتنزّى من بين الكلمات .لقد صورت الشاعرة هؤلاء الشهداء تصويرَ مُشاهد مُتأثّر ٍ ومُنفعِل ٍبها ,رفعت من مكانتهم وجعلت منهم نورا نوراً يُضيء العتمة :
أنظر اليهم في البعيد .يُعانقون الموت من أجل البقاء
يتصاعدون الى الأعالي . في عيون الكون هم يتصاعدون.
إلا أنها لم تستطع أن تلج دواخل هؤلاء الشهداء، لتستقرىء قرائحهم وتسبر غورهم ، وتُعبِّر عما يجول في خواطرهم .
وبعد ...
فان ما قلناه في قصائد فدوى طوقان لا ينتقص من شاعريّتِها كفلسطينية اجتازت شتى صنوف المُعيقات الاجتماعية والسياسية ،واستطاعت أن تحفر بأظافرها مكانة مُميّزة لها في دنيا الثقافة الفلسطينية والعربية ،بجهدها وارادتها ...استطاعت أن تخرج من قُمٌقمِها وتحطِّم الجدران التي أقيمت حولها ،لتُعبّر عن ذاتها وعن هموم شعبها وان كان تعبيرها عن هموم هذا الشعب واقعا ًتحت تأثير تلك الذاتية التي لا تكاد تخلو منها مُعظم قصائدها الوطنية.
ان كل ذلك يدفعنا لتلمُّس بعض الأسباب التي أبقت الشاعرة لفترة طويلة غارقة في ذاتيتها وجعلت من شعرها الوطني أقلّ حرارة وعمقا .ومن أهمّها :
1. الواقع الاجتماعي والجو الأسري الذي نِأت فيه .بما فيه من قيود ومُحدّدات اجتماعية تحكمها تقاليد تحد ّمن نشاط المرأة وخروجها للتعلم أو العمل أو المُشاركة في النشاطات الاجتماعيّة والسياسية أو الانتماء للمنظمات الأهلية والتنظيمات السياسية المُختلفة. وبالتالي حرمانها من مصدر هام من مصادر شحن الوجدان الإنساني واحياء الروح الانفعالية عند الشاعرة .
2. المستوى الاقتصادي والاجتماعي لأسرة الشاعرة .والذي ترتب عليه ارتباطات سياسية تحكمها توجهات ومعايير مُختلفة .فقد عُرِفت عائلة طوقان ككثير من العائلات الفلسطينية الأخرى بعلاقات وطيدة مع أركان الحكم الهاشمي في الأردن الشقيق ، اذ عمل بعض أفراد عائلتها في الديوان الملكي الهاشمي . الأمر الذي جعلها قريبة من مجالس السياسيين الكبار بتوجُهاتهم ومصالحهم المُتضاربة وذلك على حساب ارتباطها بنبض الناس في الشارع الفلسطيني .
| |
| | | جومانة عضو vip
عدد المساهمات : 6816 نقاط : 6982 تاريخ التسجيل : 02/11/2009
| موضوع: رد: الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية السبت 18 يناير 2014 - 20:50 | |
| الله يـع’ـــطــيك الع’ــاأإأفــيه .. .. بانتظـأإأإأر ج’ـــديــــدك الممـــيز .. .. تقــبل م’ـــروري .. | |
| | | أشرف على
admin
عدد المساهمات : 27639 نقاط : 60776 تاريخ التسجيل : 04/09/2009 الموقع : http://elawa2l.com/vb
الأوسمة : 11:
| موضوع: رد: الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية الأربعاء 22 يناير 2014 - 4:14 | |
| لمروركم وردكم الذى أسعدنى أرق تحية من القلب | |
| | | استاذ عادل حسنى عضو ذهبى
عدد المساهمات : 287 نقاط : 303 تاريخ التسجيل : 28/09/2013 العمر : 50
| موضوع: رد: الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية الأحد 31 أغسطس 2014 - 6:49 | |
| التميز والابداع سمة من سماتكم لكم منا كل التحية والتقدير والاحترام | |
| | | shadow عضو vip
عدد المساهمات : 3980 نقاط : 3981 تاريخ التسجيل : 11/12/2014 العمر : 26
| موضوع: رد: الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية الإثنين 8 يوليو 2019 - 10:57 | |
| | |
| | | | الوطنية فى شعر فدوى طوقان دراسة نقدية | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |